17‏/07‏/2014

أحمد بيان/ الشهيد عبد الحكيم المسكيني: وثائق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تشهد على الجريمة المقترفة في حق الشهيد.. أو عندما يقتل الشهيد أكثر من مرة..

أحمد بيان/ الشهيد عبد الحكيم المسكيني: وثائق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تشهد على الجريمة المقترفة في حق الشهيد.. أو عندما يقتل الشهيد أكثر من مرة..


وثائق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان:








* ورقة تعريفية بالشهيد:
ولد الشهيد عبد الحكيم المسكيني عام 1964 في الحي الشعبي المعروف حاليا بحي المطالب بزاوية الشيخ، دائرة القصيبة موحى وسعيد، إقليم بني ملال، من أمه فاطمة زهيري وأبيه محمد المسكيني.
تلقى تعليمه الابتدائي بزاوية الشيخ، وانتقل فيما بعد إلى ثانوية موحى وسعيد بمدينة القصيبة، قبلة كل تلاميذ وتلميذات المنطقة (اغبالة ايت سخمان، ناور، تزي نسلي، زاوية الشيخ، اغرم العلم، ايت علي، تاكزيرت، فم العنصر... الخ)، ثم طارق بن زياد في نفس المدينة القصيبة، المدينة التي تعتبر من أهم معاقل المقاومة في الأطلس المتوسط.
كان الشهيد نشيطا في الحركة التقدمية للتلاميذ بالقصيبة موحى وسعيد ومنخرطا في الحياة الاجتماعية والثقافية للثانوية.
اعتقل سنة 1984 في زاوية الشيخ، ورحل فيما بعد الى السجن المحلي ببني ملال. حكم الشهيد ب8 (ثمانية) أشهر سجنا نافدا وغرامة مالية قدرها 600 درهم، كما هو الشأن بالنسبة لباقي أفراد مجموعته المكونة من ثمانية معتقلين سياسيين من القصيبة إثر الانتفاضة الشعبية في يناير 1984، أغلبهم تلاميذ ثانوية طارق ابن زياد، باستثناء أستاذ واحد كان يدرس بثانوية موحى وسعيد.
كانت شروط الاعتقال شديدة القسوة وفظيعة جدا. انهار جسم الشهيد عبد الحكيم المسكيني في ظروف انعدمت فيها أبسط مقومات الحياة، رغما عن احتجاجات المعتقلين السياسيين الذين ظلوا يطالبون إدارة السجن بتحسين أوضاعهم. فاستشهد يوم 19 يوليوز 1984، جراء انتقام إدارة السجن ببني ملال من المعتقلين السياسيينّ، تماشيا مع تعليمات شد الخناق عليهم على الصعيد الوطني، حيث لم تقدم حتى الإسعافات الأولية للشهيد لإنقاذ حياته، رغم وضعه الصحي المتدهور حسب شهود عيان.
الشهيد المسكيني والقضية:
لا يمكن تناول استشهاد الرفيق عبد الحكيم خارج سياق نضالات الطلبة والتلاميذ خلال عقد الثمانينات.
ولد الشهيد بقلعة من قلاع الأطلس المتوسط، زاوية الشيخ، قرب القصيبة، ذات التاريخ العريق في النضال والمقاومة المسلحة، تاريخ مليء بالتضحيات الجسام والدروس والجراح البليغة التي لم تندمل بعد ولازالت أثارها المادية والاجتماعية والنفسية قائمة حتى الآن، أرض حبلى بالنضال والعطاء مقابل مناورات شيوخ القبائل والاستعمار القديم والجديد، شأنها في ذلك شأن المنطقة بأسرها التي ضحت بالغالي والنفيس ولم ينل أهاليها التقدير الذي يستحقونه والتعريف الكافي بتاريخهم. وإذا كانت المناطق الشمالية والمدن الكبرى قد حضت ببعض الاهتمام حول أوضاعها وتاريخها وأمجادها، فإن الأطلس المتوسط (والقصيبة تحديدا) ظل غائبا عن انشغالات الفعل والفكر السياسيين الجادين والمسؤولين، لاستلهام الدروس اللازمة لتصليب المسار الثوري للفعل السياسي الجذري رغما عن غنى وتشعب التجارب النضالية والثقافية والسياسية التي انخرط فيها جل أهالي المنطقة، من عمال وفلاحين وحرفيين وتجار صغار...
انتفض الأطلس المتوسط كباقي مناطق بلدنا الجريح في وجه النظام وإداراته المدنية وأجهزته البوليسية والعسكرية كما عودنا على ذلك قبل وبعد 1984. إن جبال وهضاب ووديان وممرات ومدن الأطلس المتوسط لشاهدة على جسامة الانخراط الشعبي في المحطات النضالية ذات البعد المحلي والوطني والدولي وعلى جرائم النظام وأعوانه. فهل ننسى الشهيد والبطل أحمد الحنصالي ورفاقه وبطولاتهم ضد المستعمر الفرنسي التي ألهبت المقاومة وعبدت طريق الكفاح المسلح بكامل أرجاء المغرب؟!!
كباقي معظم أطفال المنطقة عاش الشهيد حياة عسر طبعت جسده النحيف. فلم تبخل أمه الحنون، فاطمة زهيري، حتى بما لا تملك لكي يتابع دراسته، وتعبت واجتهدت وجدفت ضد كل التيارات وضد كل العواصف وضد كل الناس من أجل ابنها، الشهيد عبد الحكيم، من اجل قوتهما ومعيشهما، ولكي يدرس الشهيد آملة أن ينفلت من مخالب الفقر والاستغلال وهي أدرى كأم وكامرأة بواقع الاستغلال والاضطهاد الذي تعاني منه ولازالت كل امرأة، سواء كانت عاملة أو فلاحة أو حرفية أو حتى بالبيت العائلي.
وبالمناسبة، وفي إطار الواجب النضالي لدعم ومؤازرة عائلات المعتقلين السياسيين، ندعو كافة المناضلين الى رد الاعتبار لأم الشهيد، فاطمة زهيري، ولكافة أفراد أسرة الشهيد، وخاصة التخفيف من آلام ومعاناة الأم المكلومة...
عرفنا الشهيد جادا ومجتهدا وصارما، وأحيانا قاسيا حتى مع نفسه. لا يعرف الملل والكلل في الدراسة وفي النقاش الثقافي والسياسي الذي كان يجمع تلاميذ ثانوية طارق بن زياد. كان الشهيد ذي بنية نحيفة وقامة قصيرة وشخصية قوية. كان يتفاعل بسلاسة وتلقائية خلال دردشات ونقاشات التلاميذ كما داخل الفصل الدراسي أيضا. كان يبعث القلق والتساؤل عبر استفساراته الدائمة والمؤرقة، وكذلك الدينامية ودوام السؤال والرغبة في مواصلة الحديث والسجال بكل احترام.
هكذا كان الشهيد. من السخط على الواقع البئيس، واقعنا جميعا، الى البحث الجدي والدائم والمستمر عن الخلاص. كان الشهيد بثقافته وطبعه يوحي بعشق الحياة والمستقبل. كان يدفع بمحيطه وبأصدقائه لمعانقة القضايا المصيرية وطرح الأسئلة الكبرى في كل المجالات، الفلسفية والسياسية والاقتصادية والثقافية...
في سنة 1984، تمت الدعوة لاجتماع تلاميذ ثانوية طارق بن زياد ب"تاوجضات"، حي من أحياء مدينة القصيبة، قليل السكان، كان شجر الزيتون يغطي جل مساحته ويحتوي على عين ماء. حي تاوجضات هو نقطة تداخل القرية والمدينة. تم بناء ثانوية طارق بن زياد بمحاذاة الحي وافتتحت أبوابها في الموسم الدراسي 1983- 1984.
التقى التلاميذ بتاوجضات لكونه مكان يستقطب تجمعات شباب المدينة ليلا للترفيه على شكل حلقات أصدقاء للتداول في أخبار المدينة وشؤونها، وهو كذلك مكان لتنظيف الأغطية خلال فصل الصيف والربيع بجنبات العين ذات الصبيب الهائل، مصدر المياه العذبة والسقي. كان حي تاوجضات معروفا بقلة ساكنته وكثرة نشاطه وحركيته، ويعد قبلة كذلك للسهرات الفنية والغنائية الليلية لشباب المدينة وضواحيها ومكانا مريحا لمراجعة الدروس والاستعداد للامتحانات. كان ذلك شأن الحي الهامشي لمدينة القصيبة المحاذي لثانوية طارق بن زياد.
بعد تبادل الرأي بشأن الإضراب مع انطلاق الانتفاضة بمدن ومناطق عديدة حصل شبه إجماع على تنظيم جمع عام بالثانوية على أرضية مطالب مادية والتضامن مع المؤسسات التعليمية والجماهير الشعبية المتظاهرة والتي تم قمعها بوحشية. ومما زاد الطين بلة هو الخطاب المشهور للملك (خطاب "الأوباش").
كانت المعركة غير متكافئة، من جهة النظام بأجهزته العسكرية والقمعية المختلفة والمتعددة ومن جهة أخرى شباب القصيبة وتلامذتها يتظاهرون بأزقة المدينة. انطلقت المطاردات في حق المتظاهرين وخلفت العديد من الجرحى والعاهات.. حملها في صمت كل من سقط في أيادي قوى القمع والتعذيب. وفي ظل الرعب والترهيب والتهديد، جاءت الأجهزة القمعية بعائلات التلاميذ للضغط عليهم بغية استئناف الدراسة وتوقيف مقاطعتها، وذلك أمام قوى العسكر المدججة بالأسلحة النارية، ولم يفتها أن تنال نصيبها من السب والشتم والقذف من طرف المسؤولين العسكريين والمدنيين.
حاصرت القوى العسكرية المدينة وضواحيها وشلت الحياة بها وعطلت سير جل مرافقها الاجتماعية والتجارية والإدارية وبدأت الاعتقالات والاستنطاق والتعذيب بمخافر أجهزة القمع. وكان الشهيد عبد الحكيم واحدا من بين المعتقلين..
الشهيد المسكيني والمآل المؤلم:
يرقد جثمان عبد الحكيم المسكيني، شهيد انتفاضة يناير 1984 المجيدة، بمقبرة حي المطالب، زاوية الشيخ، ليس بعيدا عن السكن الذي ترعرع وكبر فيه. عاش الشهيد طويلا في حضن عائلته في هذا الحي الشعبي.
كدت الأم كما الأب بما يملكان من قوة عمل وصبر وعناد لمواجهة صعوبة الحياة ولضمان لقمة عيش ورغيف للأولاد، شأنهما شأن أوسع الجماهير الشعبية المهمشة على طول وعرض الأطلس المتوسط وسائر قرى ومدن بلدنا الجريح.
لم يحض المناضل عبد الحكيم المسكيني بالاهتمام والعناية الكافيين كشهيد وكشاهد على مآسي وآلام شعبه، ولم تسلط عليه الأضواء كما لم تسلط على نضالا ت أبناء المنطقة، بما فيها النضالات والتضحيات التلاميذية بمدينة القصيبة...
إن جل مراحل تاريخ المنطقة بقي مجهولا وعرضة للارتزاق والتشويه من طرف النظام والقوى الرجعية والإصلاحية وغيرها. فلا مصلحة لأعداء شعبنا في إبراز واقع وحقيقة تضحياته وبطولاته. لقد طال النسيان مدينة القصيبة ومن خلالها جل مناطق الأطلس المتوسط، بل كل المغرب "غير النافع" وحتى "النافع"، رغما عن العدد الهائل من المناضلين الذين أنجبتهم المنطقة. فلا يخلو وادي، كما لا يخلو جبل، أو هضبة، أو قرية أو مدينة من أثر نضالات وتضحيات تمتد جذورها إلى عقود من الزمن. عمل النظام بعد أن أجهض معركة التحرر الوطني على سلخ ومسخ تاريخ الأهالي لتسييد ثقافة الهزيمة والاستسلام والتدجين والرضوخ للأمر الواقع، واعتمد في ذلك بالإضافة الى القمع على أدوات إيديولوجية وثقافية واجتماعية منها الزوايا ورجال الدين وأعيان القبائل. إن الإهمال الذي طال الشهيد، يندرج في هذا السياق العام. زد على هذا، أن إقبار قضية الشهيد قد ارتبط أشد الارتباط، بمساره النضالي المتميز وخطه التقدمي والجذري.
بالفعل، لقد واجه النظام بإداراته ومؤسساته وأجهزته المدنية والعسكرية، أي فعل نضالي للجماهير الشعبية سواء كان منظما أو عفويا بالحديد والنار. ومس العقاب الجماعي كل مناطق الأطلس حيث التهميش الاجتماعي والاقتصادي والفقر والأمية والأمراض، علما أن المنطقة غنية بثرواتها وطاقاتها البشرية والطبيعية.
في هذه الأجواء والأوضاع العامة، ترعرع الشهيد وحول أنظاره إلى المستقبل، إلا أن أيادي النظام سرقته من بيننا ومن أحضان أسرته وشعبه لتغتاله مرات ومرات..
والمؤلم حقا أن تخصص "هيئة التحكيم المستقلة للتعويض المترتب عن الضرر المادي والمعنوي لضحايا أو أصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء والاعتقال التعسفي" التابعة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (سابقا) مبلغ 25000.00 (خمسة وعشرين ألف) درهم لفائدة والدته فاطمة زهيري ونفس المبلغ لوالده محمد المسكيني، وأن تزكي هذه الإهانة المذلة هيئة الإنصاف والمصالحة من خلال مقرر تحكيمي موقع من طرف أحمد حرزني والمحجوب الهيبة وفطومة قدامة ومصطفى اليزناسني ومحمد مصطفى الريسوني ومحمد الأمين الفشتالي.
إنها قيمة الشهيد في ميزان "إنصاف ومصالحة" النظام وحواريه ومن بينهم العديد من ضحايا القمع السياسي السابقين الذي أغدقوا/وزعوا على أنفسهم وأصدقائهم وأقربائهم أكياسا ثقيلة من المال العام بدون حسيب أو رقيب..
خلاصة:
لنتحمل مسؤولياتنا تجاه شهدائنا وتجاه قضية شعبنا بدل الغرق في الفراغ والتسكع في دروب السفسطة واللغو..
ملاحظة:
توجد رفقة هذا العمل صور للشهيد ولقبر الشهيد وللمنزل الذي ولد فيه الشهيد، بالإضافة الى وثائق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (سابقا) التي تفضح جريمته في حق الشهيد وعائلة الشهيد..
تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.

قبر الشهيد والمنزل الذي ولد فيه:






شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق