04‏/10‏/2014

محمد حومد // وقفة تأمل في استشهاد مصطفى مزياني


لقد فقدت الحركة الطلابية المغربية بشكل خاص والحركة الماركسية اللينينية المغربية بشكل عام أحد المناضلين القلائل في زمن الردة وزمن طعنات الغدر من الخلف.

فقدت مناضلا تميز عن جدارة واستحقاق بمقاومة وصمود لامنتهيين، جسد من خلالهما على أرض الواقع وفي ساحة النضال، بدمائه الزكية شعار المجانية أو الاستشهاد . إن في تحديه للجلادين بشتى تلاوينهم وإصراره على خوض الإضراب عن الطعام إلى غاية تحقيق مطالبه المادية والديمقراطية (مطالب الجماهير الشعبية) وعلى رأسها متابعة الدراسة بدون قيد أو شرط دلالات عميقة.
إذا كان البعض من أشباه المناضلين، يريد أن يقلل من حجم معركة الشهيد، والبعض الآخر يريد الطعن فيها، فلا هذا ولا ذاك باستطاعته نفي أن الإضراب عن الطعام ولمدة 72 يوما تحت دفئ أرصفة الجامعة وأسرة المستعجلات (مصفد اليدين) وزنازن السجن هو معاناة قاسية جدا، وآلام وجراح لا تروى ولا يمكن للقلم أن يعكس الصورة الحقيقية والفعلية لتلك المشاهد واللحظات المروعة من المعركة البطولية.
فلا هذا ولا ذاك باستطاعته نفي الصلابة الثورية والصمود القتالي الذي ألهمنا به الشهيد مصطفى مزياني في ملحمة أسطورية أحيت فينا ومن جديد المعارك البطولية والتاريخية لكل من سعيدة والدريدي وبلهواري وشباضة...
إن الحياة عند الإنسان، فبالأحرى المناضل، هي أسمى ما يملك. ولهذا، فالمناضل الحقيقي لن يقبل بالذل والمهانة. فهو دائما ثواق للتحرر والحرية والتعلم والانعتاق، وبدونها فلا حياة لمن يدب فوق الأرض. إن الشهيد مصطفى مزياني وضع حياته والتحصيل العلمي كحق له ولأبناء الشعب في كفة واحدة. فإما انتزاع ذلك الحق أو الموت على أيادي الهمجية والبربرية. وبحكم من يمتلك اليوم بعض الخيوط البالية من أطلال الحكم لا يعيرون للعلم أي اهتمام، فبالعكس إنهم يسعون وبتفان غير مرتقب لأن يعم الجهل ويغيب العلم في صفوف الشعب المغربي، حيث اختاروا قتل المناضل مصطفى مزياني واغتيال العلم في صمت إعلامي رهيب وطنيا ودوليا. وفي المقابل، توزع شهادات فخرية من دكتوراه وماستر على أناس لم تطأ أقدامهم رحاب الجامعات.. إنها لمفارقات غريبة وعجيبة.. مفارقات الصراع الطبقي ببلادنا.

إنهم يصرون على محاصرة المناضلين وأبناء الشعب ومصادرة حقهم في التحصيل العلمي. فدماء الشهيد مصطفى لازالت تروي بهو الكلية.. وها هو المناضل عادل أوتنيل يحرم من تقديم أطروحته في الدكتوراه، حيث يجد نفسه مضطرا لخوض، هو الآخر، اعتصام في الجامعة. فأين أنتم يا أصحاب النصائح والطعونات؟ فهل يستسلم الأستاذ الباحث عادل للقرارات المجحفة أم يقاوم؟ ما العمل الآن؟
لا أنتظر منكم جوابا..
وهل ستنتظر الجمعيات والهيآت ودعاة الماركسية شهادة أخرى للإدانة وإصدار بيانات التنديد والبكاء على الأطلال، والصراخ والعويل والسير وراء جنازة الشهيد...؟
إنها وقفة تأملية في الوضع الراهن، وضع المد الظلامي بشتى تلاوينه. فبعد أن انكسرت شوكته في محاربة المناضلين في بداية التسعينيات رغم هجماته البربرية، ها هو اليوم يستغل موقعه السياسي ليتمم هجمته الشرسة. إنه اليد الإجرامية للنظام التي تنفذ عملية القتل الممنهج في حق رفاق مصطفى مزياني. فبعد 72 يوما من الجوع و والقهر والآلام الظاهرة والباطنية في بهو كلية العلوم تشبثا بحقه البسيط، الحق المقدس في التعليم، لم تحرك الجهات المسؤولة مباشرة ساكنا لإنقاذ حياته، وهو في ريعان شبابه. لقد صادرت حقه في التعليم وصادرت حقه في الحياة وصادرت حق عائلته التي أرهقها الترحال على طول خطوط المعاناة ماديا ومعنويا، ناهيك عن الفاجعة الدائمة في احتضان ومعانقة ابنها قبل تحية الوداع. إنها الحكومة الإسلامية التي تحكم ما تبقى لها من فتات النظام. إن القوى الظلامية التي تغتال المناضلين والفكر الثوري بهمجية ووحشية ستظل تغتال المناضلين الثوريين طالما سنحت لها الفرصة. ذلك، فبعد أن جندت جيوشها وطاردت المناضلين كعادتها خارج وداخل الجامعة وأشعلت فتيل الحرب في رحاب الجامعة، هذه الحرب التي لا يدري أحد نهايتها، بدأت تذرف دموع التماسيح وتزج بالمناضلين في غياهب السجون لاجتثاث الفعل الثوري، وتآمرت الأيادي القذرة العلنية والسرية للنيل من عزيمة المناضلين. إن صمود المعتقلين سيفضح هذه المؤامرة الدنيئة، ونضالهم وحده هو الكفيل بالدفاع عن قضيتهم، قضيتنا التي لازلنا عاجزين عن القيام بالدور المطلوب.. فاحتجاجاتنا لازالت محدودة، ولم نستغل بعد كل الإمكانات المتاحة والممكن استعمالها لفك الحصار المادي والإعلامي على القابعين وراء القضبان على طول خريطة الوطن.
فهل سننتظر إلى أن يسقط الشهيد تلو الآخرن لكي نغرد خارج السرب؟
فهل سننتظر المناسبات والذكريات لنرفع الأعلام لحظة ونتركها إلى أجل غير مسمى لحظة أخرى؟
هل ننتظر حتى الاستشهاد أو الاغتيال، لكي نقر بتضحيات المناضل ونشيد بماركسيته اللينينية، وقبل ذلك ندس السموم لإعاقة النهوض النضالي؟
إن الواجب النضالي يفرض علينا التقدم في الميدان، أي المهمات الملحة لتنظيم الذوات وإعطاء هذه المهمة الحيز الأكبر عوض التبحر والتيه في نقاشات ومواضيع لن تستقيم وتؤطر إلا من خلال تطور وتصور الذات الثورية القادرة على توجيه العمل السياسي.
في هذا اليوم الذي تفصلنا فيه عن رحيل أحد أبطال المقاومة والصمود الشهيد وبحق شهيد النضال الثوري مصطفى مزياني بالكاد أربعين يوما، لا يسعنا إلا أن نقف إجلالا وإكراما لروحه الطاهرة ولتضحياته الجسيمة في الدفاع عن مطالب الجماهير الشعبية.. لا يسعنا إلا أن نرفع تحية العزة والكرامة لعائلة الشهيد التي ذاقت النصيب الأكبر من المعاناة والملاحقات قبل وبعد اغتيال فلذة كبدها الذي هو قطعة منها قبل أن يكون مناضلا للشعب المغربي. لا يسعنا إلا أن نرفع تحية النضال للغيورين والمتعاطفين مع قضيته/قضيتنا الذين أبوا إلا أن يجسدوا دورهم المبدئي في الوقوف بجانب الشهيد ومعركته التاريخية وبجانب عائلته الصغيرة وهي تعاني من ويلات المحن والقتل الممنهج من طرف الجلادين..
لا يسعنا إلا ان نرفع التحايا الخالدة لرفاق دربه الذين كانوا جزء من ملحمته التاريخية والذين رافقوه طيلة مسيرة الإضراب البطولي منذ إعلانه الاضراب عن الطعام، فعايشوا معاناته اليومية من الجامعة إلى المستشفى، ومن المستشفى إلى السجن، ومن السجن إلى المستشفى، ومن المستشفى إلى متواه الأخير.. كل التحية لهم وهم ينتظرون لحظاته الأخيرة، لحظات الوداع الغادر خلف زجاج قاعة العمليات بالمركب الجامعي.. لقد عايشوا مصيره يوما بعد يوم، وكانوا أقرب الأقربين لعائلته.

لقد قاموا بالتشهير والفضح والتنديد ميدانيا وعبر شبكات التواصل الاجتماعية.. فتحية لكل مناضل ساهم من بعيد أو من قريب في التعريف بالشهيد وبقضيته ولو بعد تقديم نفسه قربانا من أجل أبناء الشعب ومن أجل تعليم شعبي ديمقراطي علمي في متناول الجميع..



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق