26‏/01‏/2015

أبو الريش أمين// هكذا يعيش الأحرار-باتريس لومومبا – اغتيال الحلم الأفريقي

ظهر لومومبا في زمن كانت الثورة على الاستعمار في العالم كله في أوجها، واغتياله لم يكن بهدف التخلص منه كشخص وفقط، وإنما أيضا الهجوم الاستعماري المعاكس بهدف وقف مد حركات التحرر الوطني في المستعمرات.

شهيد أفريقيا الخالد
(1925– 1961)
(أيها الأخوة الأعزاء فى الكفاح الأعزاء في الفقر، إن استقلالنا كلمة جوفاء بدون إمكانات التنمية الاقتصادية والبشرية)،،،،، لومومبا
باتريس لومومبا اسم محفور بالذهب على كل شبر من القارة السمراء، مناضل ضحى بحياته فكانت رخيصة زهيدة من أجل تحقيق هدفه. ومن ثم بات رمزاً للوطنية ومناهضة الاستعمار ليس في أفريقيا فحسب بل في العالم الثالث كله.
فكيف خاض معركته في الكونغو وأفريقيا؟
 هذا ما أحاول عرضه في بضعة أسطر.
 نشــأته: ولد "باتريس إيمرى لومومبا" في قرية "كاتاتا كوركومبى" بإقليم "كاساى" عام 1925، وعاش لومومبا في عائلة فقيرة، كان والده فلاحاً يكدح طوال النهار حتى يوفر لأسرته قوت يومها. ولما بلغ لومومبا الخامسة من عمره عمل مع والده، وعاش حياة شاقة لا يتسلل إليها نور الحلم ولا أمنيات المستقبل.
تعليمه: لكن الفتى كان ذكياً وعنيداً، فقد صبر وثابر وواصل تعليمه في مدرسة يشرف عليها مبشرون بلجيكيون ثم وُظف برتبة مُنشئ في شركة منجميه بلجيكية في “كيندي” بمقاطعة “كيغو”، وقد منحته السلطات البلجيكية منحة دراسية ليلتحق بمعهد البريد والبرق في ليوبولدفيل –سابقاً- كينشاسا حالياً، وبعد تخرجه عمل محاسباً في الصكوك البريدية.
وعندما بلغ من العمر 19 عاماً اشترك في دراسة القانون والاقتصاد التي نظمتها مدرسة للمراسلات وقضى فيها حوالي 11 عاماً، ولكنه قدم للمحاكمة بتهمة تبديد حوالي 2500 دولار، وحكم عليه بالسجن – وقيل أن ذلك كان مدبراً لأغراض سياسية – وبعد إطلاق سراحه عمل في شركة للبيرة، ثم مديراً لمحل تجارى حتى أغسطس عام 1958م.
ويعتبر من القلائل من الكونغوليين "المتطورين"، بمعنى الحاصلين على قدر من الثقافة وتجربة العمل في دوائر الإدارة الاستعمارية.
وجدير بالذكر أن الكونغو بتعدادها إبان الاحتلال البلجيكي الذي بلغ 13.5 مليون نسمة لم يكن من بين أبنائها سوى 17 فردا  حاصلين على شهادات جامعية.
فى عام 1955 أصبح لومومبا رئيساً للإتحادات العمالية كما التحق بالحزب الليبرالي البلجيكي فى الكونغو.
لومومبا وحركة "تحول'': حدث انعطاف حاسم فى مسار حياة لومومبا فى أكتوبر 1958، فقد بادر بتأسيس الحركة الوطنية الكونغولية (Le Mouvement National Congolais) ويرمز له (M.N.C) وأصبح هدفه هو الحصول على الاستقلال وتدعيم الوحدة الوطنية والدعوة لإقامة دولة كونغولية موحدة ذات حكومة مركزية قوية وفى نفس الوقت تنمية النشاط الإقتصادى لإشباع حاجات الأفراد عن طريق التوزيع العادل للمداخيل، وهو الاتجاه الذي أزعج السلطات الاستعمارية والمصالح الاقتصادية الأجنبية، خاصة انه كان يعمل بالصحافة فكان يترأس تحرير جريدة “الاستقلال” الناطقة بالفرنسية.
الظروف السياسية وتعجيل الاستقلال:
  كان عام 1958 زاخراً بالأحداث التي شكلَّت انقلاباً فى طبيعة الحياة السياسية بالكونغو ومنها
      أولاً: الزيارة الشهيرة التي قام بها الرئيس الفرنسي “ديغول” خلال صيف 1958 لمدينة “برازافيل” وإعلانه فى الخطاب الذي ألقاه أنه يمكن لكل من يرغب فى الاستقلال الحصول عليه فوراً وفى الوقت الذي يريده.
     ثانياً: انعقاد مؤتمر التضامن الآسيوي والأفريقي الذي عقد فى أكرا عاصمة غانا عام 1958 وحضره باتريس لومومبا، وعاد يعلن لبلاده أنه يطالب بالاستقلال الفوري لكل أفريقيا وعلى الشعب الكونغولي أن يكف عن النوم وينتظر الحرية، فهو حق أساسي وليس هدية من المستعمر.
      ثالثاً: على الرغم من فرض بلجيكا ستاراً حديدياً يحول دون اتصال الكونغو بالتيارات الفكرية والحركات الثورية بالقارة إلا أنها لم تستطع أن تحافظ على هذه العزلة للأبد.
فكان لظهور العديد من الأحزاب أثر كبير فى تعجيل الاستقلال وبداية بزوغ حياة سياسية وطنية، فظهرت العديد من الاتجاهات السياسية ومنها:
الاتجاه الأول: يتزعمه “جوزيف كازا فوبو” “Joseph Kasa Vobu” ويمثل حزب الأباكو “Abako” وهو يؤيد فكرة الانفصال وذلك من خلال تقسيم الكونغو لدول جديدة مستقلة.
الاتجاه الثانى: حزب الكونكات ويقوده “مويس تشومبى” ويؤيد وجود حكومة مركزية وسلطة تشريعية على مستوى الدولة – اتحاد فيدرالي.
الاتجاه الثالث: هو اتجاه الوسط الذي يميل للإعلان ويهدف لإقامة مجتمع بلجى كونغولي ومن مؤيديه حزب الإتحاد وحزب التقدم الوطني.
الاتجاه الرابع: يمثله باتريس لومومبا وحزبه الحركة الوطنية الكونغولية، وإن كان الحزب قد انقسم لجناحين:
جناح يميني من الحركة بقيادة السيد اليو.
جناح يساري بزعامة لومومبا.
هذا الخلاف ساعد على ظهور بذور الشقاق مما أدى بعد ذلك لحرب أهلية، وإن كان ذلك لا يعد غريباً خاصة أن المجتمعات الأفريقية تتميز بالتعدد وكل جماعة أو حزب تنتمى لقبيلة معينة وبالتالي يسود الولاء القبلي مما أدى لحدوث اضطرابات في أوائل يناير 1959 ومظاهرات عنيفة اجتاحت البلاد وذهب ضحيتها خمسون قتيلاً وعشرات الجرحى، مما جعل السلطات البلجيكية تعتقل باتريس لومومبا بتهمة تدبير المظاهرات.
وكانت البلاد على أبواب حرب فعلية، كما خشيت السلطات البلجيكية من أن يتحول الكونغو “لجزائر” أخرى، مما جعلها تقرر عقد مؤتمر المائدة المستديرة فى بروكسل انطلاقا من 20 يناير 1960، وذلك لدراسة اقتراحات كونغولية وبلجيكية. وأفرج عن لومومبا لحضور هذا المؤتمر، وقد استغل وجوده وراح يشن حملة على بلجيكا ودورها المشين فى الكونغو.
استقلال الكونغو: وهكذا تحقق الحلم الذي طالما كان يداعب جفون الشعب الكونغولي، ونالت الكونغو استقلالها عقب انعقاد مؤتمر المائدة المستديرة وقد اتفق الطرفان على ما يلي:
  *  إعلان الاستقلال يوم 30 يونيو وإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية دون أن يكون للأوروبيين حق الاشتراك إلا إذا حصلوا على الجنسية.
 *  تشكيل أول وزارة كونغولية وفق نتائج انتخابات المجالس الإقليمية، وقد تقرر العمل بنظام مجلس النواب والشيوخ اللذين يشتركان في وضع الدستور.
 *  عقد معاهدة صداقة بين البلدين وتنص على أهمية التعاون الفنى واحتفاظ بلجيكا بقواعدها العسكرية فى كل من كامينا – كيتونا – وأخرى على حدود كل من رواندا وبوروندي.
وبالفعل جرت أول انتخابات فى البلاد في 11 مايو 1960 وحقق كل من لومومبا وكازافوبو وكالونجى انتصارات ملحوظة وأصبح من الواضح انهم هم الرجال الذين سيحددون مصير الكونغو، وبالفعل تشكلت أول حكومة كونغولية يوم 10 يونيو 1960 وحلت محل الإدارة البلجيكية. فتولى كازافوبو منصب رئيس الجمهورية فى 24 يونيو 1960 وأصبح لومومبا رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع – وقد أعطاه هذا المنصب القدرة على التحكم في القوات العامة – كما أعلن البرلمان اسم الدولة وهو “جمهورية الكونغو” فى 30 يونيو 1960، وجرت العديد من الاحتفالات فى البلاد بمناسبة الاستقلال وقد حضرها الملك “بودوان”، حيث ألقى كلمة مجد فيها أعمال أسلافه وقال:(إن الأخطار الحقيقية تكمن في عدم قدرة الدولة الناشئة على أمور البلاد بسبب خبرة الشباب في الحكومة وبسبب الصراعات القبلية) وكأن الملك تنبأ بما سيحدث في المستقبل.
ولكن باتريس لومومبا أخذ يعدد المساوئ التي عاناها الشعب فقال: (إن جراحنا حديثة بحيث لا يمكن إزالتها من أذهاننا. كان يفرض علينا القيام بالأعمال الشاقة لقاء أجور زهيدة لا تتيح لنا الغذاء الكافي، كنا نعامل بالشتائم والإهانات ونتحملها لأننا زنوج، فمن الذى ينسى ما حدث لإخواننا من أعمال القتل والشنق).
وهكذا حصلت الكونغو على الاستقلال فى ظروف لم يحدث مثلها في أي بلد أفريقي آخر، وذلك لأن الاستقلال في البلدان الأخرى كانت تسبقه مراحل متتالية تمهيدية ولكن الكونغو لم تشهد هذه المراحل الانتقالية، ويرجع هذا لطبيعة السياسة البلجيكية التي تعد من أهم أسس الصراع الدائر في الكونغو، خاصة أنها كانت تطبق السياسة الأبوية فى الحكم ولم تمهد الطريق أمام الكونغوليين للمشاركة فى الحكم وظلت تمارس سياستها حتى فوجئ الشعب بدون مقدمات بحصوله على الاستقلال.
إنجازات لومومبا: بالرغم من قصر مدة حكمه إلا أن له العديد من الإنجازات على المستوى الداخلي والخارجي:
  على المستوى الداخلي: عمل لومومبا على تكريس الوحدة القومية والتى تسمو على اعتبارات الولاء القبلي ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال قيام حكومة مركزية وإحلال أبناء الوطن تدريجياً فى مناصب الإدارة والجيش والمؤسسات الاقتصادية، وبالرغم من أنه كان يدرك أن البلاد لا يوجد فيها الفنيون فى مختلف المجالات فإنه لا يرى مانعاً من الاستعانة بالدول التى ليس لها أطماع مثل كندا، ومن أهم المشاكل التى واجهته: نقص الخبرات الفنية، تزايد الاتجاهات الانفصالية، خضوع الاقتصاد القومي للاحتكارات الأجنبية، فكان يقول دائماً: (أيها الإخوة الأعزاء فى الكفاح الأعزاء فى الفقر. إن استقلالنا كلمة جوفاء بدون إمكانات التنمية الاقتصادية).
  على المستوى الخارجة: كانت سياسته الخارجية ترتكز على محورين أساسيين هما:
 * سياسة الحياد الإيجابي: كان يتبع سياسة الحياد الإيجابي والبعد عن التكتلات الدولية المتنافسة، وقد أوضح هذا فى المؤتمر الصحفي الذي عقد بالأمم المتحدة فى 26 يوليو 1960، فقال: (إن سياستنا هى الحياد الإيجابي إننا لا نريد المساعدة من جانب الدول التى تريد أن تفرض سلطانها علينا، ولا نريد أن نتخلص من الاستعمار لنقع تحت نيران الديكتاتورية، إن أفريقيا ليست ضد أحد وتطلب من الدول الاعتراف بحقوقها فإذا استجابت لندائنا بشأن الحرية والمساواة والإخاء فإن السلام العالمي سيكون مصيرنا).
 * مبدأ الوحدة الأفريقية: كان لومومبا يؤيد مبدأ الوحدة الأفريقية وحركات التحرر الوطني فقال: (إننا نريد أن نضع حداً لكل شكل من أشكال السيطرة الأجنبية فى أفريقيا وإنشاء أفريقيا حرة مستقلة وإلغاء الحدود المصطنعة التى خلفها الاستعمار فحركة تحرير الكونغو خطوة حاسمة لتحرير أفريقيا كلها، إننا نضع الغرب الآن فى ورطة إما أن يختار الصداقة مع أفريقيا أو يتركها).
وبالرغم من هذه الإنجازات إلا أن هذا المشروع الوطني والثوري اصطدم بالمصالح القبلية من جهة والإمبريالية الغربية من جهة أخرى. فقد كانت خيوط اللعبة تنصب للقضاء على هذا الزعيم الوطني، حيث لم يمض وقت قصير على رئاسته للوزراء، حتى كان لوكالة الاستخبارات الأمريكية دور واضح فى الكونغو وتفجير وحدة البلاد، بعد أن انتهت زيارة لومومبا فى يوليو 1960 للولايات المتحدة نهاية سيئة، ناشد لومومبا الإتحاد السوفيتي طلباً للمساعدة، مما أثار ضيق حكومة "ايزنهاور" وكان الضوء الأخضر للتخلص من لومومبا. ورغم عجز قوات الأمم المتحدة للتدخل بما يرضى لومومبا إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك "داج همر شولد"  كان من جانبه على عكس رغبة حكومة ايزنهاور المؤيدة لموبوتو.
إن اغتيال لومومبا جريمة التى لا تغتفر وتتسم بالخسة والدناءه والوحشية تقع مسئولتها على بلجيكا وكازافوبو وموبوتو ومويس تشومبى والولايات المتحدة ولكن جزء من المسئولية يقع على لومومبا نفسه الذي ترك سراً مقره الآمن "ليوبولدفيل" – فى حماية قوات الأمم المتحدة – وذهب الى "ستانلى فيل" مما سهل لأعدائه القبض عليه واغتياله.
  أزمات ومؤامرات:
 تعددت الأزمات التى شهدتها الكونغو وتحقق كل ما كانت ترجوه المصالح الإمبريالية الغربية، وغرقت الكونغو فى فوضى كاملة بعد مرور 6 أشهر فقط من الاستقلال ومن أهمها:
أولاً: بدأت القوات العامة بالتمرد وذلك بسبب سوء مرتباتها وامتد هذا التمرد لبقية أجزاء الدولة، فكان فى حد ذاته إنذاراً بالفوضى والانقسام.
ثانياً: إعلان مويس تشومبى فى 11 يوليو 1960 استقلال إقليم كاتنجا أغنى مقاطعات البلاد على الإطلاق وانفصاله عن الحكومة المركزية.
ولهذا مرت البلاد بمرحلة حرجة وحساسة أدت الى أخطر أزمة سياسية وأعنف مشكلة تواجه دولة حديثة الاستقلال.
وهكذا وجد باتريس لومومبا نفسه غارقاً فى المشاكل فلجأ الى هيئة الأمم المتحدة وسكرتيرها "داج همر شولد"، وبعد فترة وجيزة قرر مجلس الأمن إرسال قوات بقيادة الجنرال السويدي "كارل فون هورن" لكن بالرغم من وصولها إلا أنها رفضت أن تتدخل لصالح لومومبا.
ونتيجة لهذا الانفصال أصبحت هناك ثلاث سلطات تحكم البلاد:
السلطة المركزية فى ليوبولدفيل، وهى مدعومة من الأمم المتحدة والبلدان الغربية.
سلطة حكومية موالية للومومبا، ويدعمها الإتحاد السوفيتي والبلدان الأفريقية الثورية.
حكومة كاتنجا التى لم تكن تتمتع بأى اعتراف رسمى ولكنها مدعومة من قبل الرأسمالية العالمية.
الأزمة الدستورية:
  وفى هذه المرحلة تغير الوضع فى الكونغو بشكل درامى، فالرئيس كازافوبو لم يتخذ أى إجراءات حاسمة، حيث أعلن فى حديث إذاعي: (أنه طرد لومومبا من منصبه وأحل محله جوزيف إيليو رئيس مجلس الشيوخ وأنه سيتولى بنفسه قيادة القوات المسلحة).
لكن لومومبا رفض الانصياع وقد صمم على مواجهة المؤامرة التى تستهدف، من خلال شخصه، مستقبل الدولة الوحدوي والتقدمي. وعلى الفور اتجه لومومبا للإذاعة وأعلن أنه لا يزال رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع وإن كازافوبا خائن ولم يعد رئيساً للجمهورية وقد أعتمد لومومبا على نص دستوري يسمح لرئيس الوزراء أن يعزل رئيس الجمهورية إذا ظهر عجزه عن القيام بعمله.
وهكذا بدأت الأزمة الدستورية التى كانت وقوداً للحرب الأهلية فى الكونغو، حتى قيل عن الكونغو (كينشاسا) محرقة أفريقيا (Poudriere) حسب تعبير مجلة لوموند دبلوماتيك (Le monde Diplomatique)، وأثناء انعقاد مجلس الأمن يوم 10 سبتمبر، حيث قدم السكرتير العام تقريراً ذكر فيه أن الفوضى ناشبة فى الكونغو بسبب الصراع بين كازافوبو ولومومبا، وقال إن من حق كازافوبو دستورياً أن يعفى لومومبا من منصبه. ولهذا قررت الأمم المتحدة إغلاق محطة الإذاعة والاستيلاء على المطارات رغبة منها فى إخماد حرب الدعاية التى كان من الممكن أن تؤدى لثورة شعبية.
وبهذا نجحت بلجيكا أن تحقق بالخيانة والدسيسة مالم تحققه بالوسائل السلمية، ولكن فى نفس الوقت لم يتمكن كازافوبو من ممارسة السلطة الفعلية وكذلك عجز إيليو عن تشكيل وزارة تضطلع بالأمر بسبب قوة المعارضة فى ليوبولدفيل، وبهذا تكون قيادة الأمم المتحدة قد راهنت على حصان خاسر.
الانقلاب:
 فى الرابع عشر من سبتمبر قام الجنرال موبوتو الذى عينه إيليو بانقلاب عسكري وأعتقل باتريس لومومبا ولكنه قد تمكن من الفرار بعد ذلك. وبالرغم من أن عديداً من الدول حاولت عقد مصالحة بين الطرفين ومنها مصر، إلا أن تلك الجهود باءت بالفشل لانصياع كازافوبو وموبوتو للقوى الخارجية الأجنبية خاصة الولايات المتحدة. وفى فبراير 1961 عقد مجلس الأمن جلسة بناء على طلب الإتحاد السوفيتي للنظر فى مسألة القبض على لومومبا وسجنه، وحاولت الولايات المتحدة تمييع الموقف وأحيل الموضوع للجمعية العامة وكانت الولايات المتحدة تصر على أن مسألة القبض على لومومبا هى مسألة داخلية.
أما الوثائق فتؤكد أن السياسة الأمريكية قررت التخلص من لومومبا وأن الأجهزة السرية تلقت الضوء الأخضر من الرئيس أيزنهاور بالموافقة على إجراءات الاستئصال وفكرت المؤسسات السرية فى استعمال السم بوضعه فى معجون الأسنان، وفكرت فى استخدام فريق كوماندوز لخطف لومومبا.
اغتيال الحلم الأفريقي:
  اعتقل باتريس لومومبا فى 2 ديسمبر وأرسل الى النظام الإنفصالى فى مؤامرة دنيئة دبرها له رئيس البلاد وقائد الجيش حيث أعدموه فى يناير 1961 بالقرب من (اليزابيث فيل) فى إقليم كتانجا رمياً بالرصاص هو وزميله Joseph Okto نائب رئيس مجلس الشيوخ و Mourice Mpolo أول قائد للجيش الوطني الكونغولي وجاء فى كتاب «The Assasination of Lumumba» الذى كتبه Ludo De Witt، المساعد الأول لـ Rolph Bunche مبعوث همر شولد للكونغو أن Albert Kalonji زعيم كاساى Kasi كان أحد المشتركين فى جريمة قتل لومومبا وسبب حقده عليه المجزرة التى ارتكبها الجيش الوطني بأوامر من لومومبا وبمساعدة السوفيت لوقف ما أسماه حركة انفصال كتانجا وكساى.
ولقد كشف البلجيكي جيرالد سوت الذي كان يعمل فى سلك البوليس بإقليم كاتنجا كيفية التخلص من جثة باتريس لومومبا، وذلك حتى لا يصبح قبره مزاراً للثوار. فلقد تم إستخراج الجثة من باطن الأرض وتقطيعها بمنشار فولاذى وتذويبها فى حمض الكبريتيك، وبعد عملية التذويب وجد المنفذون أن عظام الفكين والجمجمة لم تتآكلا، فقاموا بطحنها حتى تحولت الى طحين وتم خلط الطحين بالتراب الذي تمت فوقه عملية التذويب.
وهكذا اغتيل الثائر الأفريقي فى وضح النهار على مرأى ومسمع من العالم كله، فى جريمة يندى لها جبين المجتمع الدولى فقال عنه الرئيس المصري جمال عبد الناصر (إن جريمة قتل باتريس لومومبا سوف تؤرق الضمير الإنساني، فلقد تمت محاولة اغتيال استقلال الكونغو كوطن، وتم بالفعل قتل لومومبا كإنسان وزعيم).
حالته الاجتماعية:
  كان باتريس لومومبا متزوجاً وعمره 18 عاماً واسم زوجته “بولين” وله ولدان وبنت، وعندما حكم عليه بالإعدام عام 1961، لجأ أولاده وزوجته للقاهرة للإقامة فيها، وابنة لومومبا الكبرى تعمل صحفية فى مجلة المنار العربية التي تصدر من باريس.
تكريم الزعيم:
 أطلقت حكومة الكونغو اسم لومومباشى على مدينة (ستانلى فيل) تخليداً لذكرى الزعيم فى 1 يوليو 1966. كما أطلق إسمه على جامعة موسكو والتى يؤمها الطلبة الوافدون من أقطار العالم الثالث وهذا تأكيداً على الأبعاد الأممية لنضاله.
والغريب فى تكريم لومومبا، أن الجنرال موبوتو – الذى اعتقله – إعتبره فى عام 1966 بطلاً وطنياً من أبطال الكونغو، محاولاً بذلك توظيف الرصيد الثوري الذى يمثله لومومبا لمصلحته، حتى أن الدار التى نفذت فيها عملية الإغتيال أصبحت محجاً لكل الشباب الأفريقى.
هذا هو موجز كفاح باتريس لومومبا، الذى أغتيل بعد حياة سياسية ثورية قصيرة فى مدتها عميقة فى تأثيرها من أجل مبادئه وأفكاره، مما جعله أسطورة ومصدراً لتوهج العديد من حركات التحرر فى أفريقيا. ولهذا ستظل ذكراه خالدة فى قلب كل مناضل.

 يناير 2015



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق