07‏/03‏/2015

امين أبو الريش // كيف استنزفت الامبريالية خيرات افريقيا ومزقت شعوبها واستلبت من سكانها اصولهم - الجزء الثاني


أولا ـ محفزات الاستغلال للموارد الإفريقية:

مثلت البيئة الإفريقية حيزا ملائما لتحقق فرضية العلاقة بين الصراعات والموارد، إذ إننا أمام قارة يشكل فيها النشاط الاستخراجى الأولى القطاع السائد فى الحياة

الاقتصادية، ولعل أبرزها استخراج المعادن التى يذهب 90% من كمياتها المستخرجة إلى أوروبا، خاصة الذهب الذى تحوز إفريقيا على 81% من صادراته العالمية،


علاوة على النحاس، والحديد، والألومنيوم واليورانيوم، والكروم الذى يوجد 90% من احتياطيه العالمى فى القارة.

كما تحتل القارة الإفريقية موقعا مهما فى خريطة النفط العالمية، حيث بلغ إنتاج القارة اليومى 9 ملايين برميل، حسب تقرير اللجنة الإفريقية للطاقة (أفراك) فى عام 2005، أى 11% من الإنتاج العالمى أما احتياطيات القارة من النفط الخام، فتبلغ 80 مليار برميل، وفقا لتقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أى ما نسبته 8% من الاحتياطى العالمى الخام، وتتركز هذه الاحتياطيات (نحو 70%) فى نيجيريا، وليبيا، وغينيا الاستوائية، ناهيك عن استخراج الماس الذى تضم مناجم إفريقيا 77% من مجموع ما يوجد منه فى العالم، يضاف إلى ذلك قائمة من الموارد الأخرى المائية ـ سواء أكانت أنهارا أم بحيرات ـ والأخشاب والكاكاو الذى تنتج 70% من إنتاجه العالمى والمطاط والقطن، وغيرها.

ورغم أن هذه الموارد يمكن أن تمثل قاطرة للتنمية، إلا أنها فى المقابل لعبت دورا فى تغذية الصراع عليها بين الفرقاء السياسيين الذين وجدوا أنفسهم إزاء دولة يصفها البعض بـ "العصابة"، فالأمور الرسمية فى بعض الدول الإفريقية ـ حتى بعد عمليات التحول الديمقراطي التي مرت بها هذه البلدان ـ لا تدار وفقا لقواعد الشفافية والعدالة السياسية والاقتصادية فبعض الرؤساء الأفارقة لا يفكرون كرؤساء جمهوريات ضامنين للمصلحة العامة، وإنما يتصرفون كزعماء مافيا، فإدارة قطاعات النفط أو الماس وبيع الموارد الطبيعية تفضي إلى تصرفات عشائرية وعرقية، من توقيع عقود استثمار المواد الأولية (عمولات) إلى تكريس سياسات معينة، وفقا لمصالح معينة، وتوزيع القيمة المضافة المحصلة لدى البيع فى السوق العالمية.

وفى هذا السياق، نشير ".

(إلى أن عدة باحثين قاموا بإجراء تحليل شامل لنحو 54 حربا مدنية كبيرة فى العقود الأربعة الأخيرة فى العالم ومنها إفريقيا، حيث وجدوا أنه كلما زادت نسبة الصادرات من المواد الأولية بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى، فإن ذلك يزيد من مخاطر حدوث صراع وتلك العلاقة شهدتها القارة الإفريقية بدرجات متفاوتة فعلى سبيل المثال، فى منتصف عقد ٠التسعينيات من القرن العشرين، أصيبت القارة بنحو 16 صراعا من جملة 35 صراعا على مستوى العالم كله، ومثلت الموارد الأولية ـ النفط والنحاس والماس والموارد ـ أحد المغذيات الرئيسية لهذه الصراعات (1).

ففى الكونغو، التى تعتبر من أغنى دول العالم من ناحية الموارد، شهدت حربا كبرى منذ عام 1998 ولمدة خمس سنوات، تسابقت حركات التمرد فيها ودول الجوار التى تدخلت بقواتها للسيطرة على المناطق الغنية بالذهب والماس والخشب والنحاس والكوبالت وتشير منظمة الشاهد الدولى Global Witness ـ وهى مختصة بالعلاقة بين الصراعات والموارد (www.globalwitness.org) إلى أن الكونغو على الرغم من أنها تعتبر رابع أكبر منتج للنفط فى إفريقيا، فإنها تعانى من ديون خارجية تقدر بـ 64 مليار دولار بسبب الشركة الفرنسية إلف أكويتان Elf Aquitaine التى سعت لنشر الفساد والرشوة.

وفى أنجولا، فإن المتمرد جوزيف سافيمبى تمكن وبمساعدة شركات عالمية وقوى غربية فى فترة الحرب الباردة من جمع أربعة مليارات دولار من الماس خلال فترة حكمه وتمرده قبل أن يتم قتله، ودخول البلاد بعده.

فى عملية سلام أما الرئيس الليبيرى السابق تشارلز تايلور، فخصخص موارد البلاد عن طريق بيعها للشركات الأجنبية ووضع دخلها فى حساباته الشخصية، كما مارس تجارة الماس بالتعاون مع الشركات العالمية، واعترف بأنه مول من خلالها مشتريات السلاح والحرب الأهلية وتكرر ذلك فى سيراليون، حيث التجارة غير المشروعة للماس الذى تقاتلت من أجله الحركات المسلحة (2).
إن هذه النماذج وغيرها فى إفريقيا مثلت بدورها محفزا لاستنزاف موارد القارة، حيث بدت الشركات العالمية مدعومة أو حتى مستقلة عن القوى الكبرى لمساعدة الفرقاء المسلحين مقابل الحصول على حق الامتياز فى مناطق يسيطرون عليها أو وفقا لمعادلة السلاح مقابل الموارد.

ثانيا ـ الموارد الإفريقية وتدخل الشركات: يمكن تقسيم تعامل الشركات العالمية مع الموارد الإفريقية إلى مرحلتين، أولاهما: مرحلة الصراعات التى ساهمت فيها تلك الشركات، سواء بشكل مشروع أو غير مشروع، فى نهب موارد القارة عبر دعم الصراعات بين الدول الإفريقية وداخلها، وساعدها على ذلك مناخ الحرب الباردة، حيث لعبت هذه الشركات أدوارا لصالح القطبين المتنافسين على النفوذ فى القارة.

أما المرحلة الثانية، فهى تلك التى بدأ معها السلام يستتب فى بعض مناطق الصراع، وصاحبه تغير فى أدوات الاستغلال وبدا الصراع أكبر بين تلك الشركات على الموارد الإفريقية، فضلا عن اصطدامها مع الرأى العام الداخلى فى عدة دول إفريقية، والذى بدا أكثر وعيا مع عمليات التحول الديمقراطى التى انطلقت فى عقد التسعينيات.

وتجسد النماذج التطبيقية التالية المرحلتين، والتى يتعلق بعضها بالموارد فى إفريقيا كالخشب، والماس، والكولتان التنتاليوم، والنفط، والأخرى بحالات بعض الدول كنيجيريا وتشاد.

1 ـ الخشب، حيث مثل هذا المورد أحد مغذيات الحروب فى دول كساحل العاج وليبيريا وسيراليون غربا إلى حوض الكونغو فى وسط القارة، حتى إن الأمم المتحدة وصفته بـ "خشب الصراع" Conflict Timber، مما أتاح فرصة لاستغلاله من قبل الجماعات المتحاربة وشبكات المافيا والشركات المستغلة للأخشاب العالمية كما أن الحكومات فى تلك البلدان تكافئ من يساندها بإعطائه حق امتياز فى استثمار تلك الغابات. ولعل الرئيس السابق تشارلز تايلور اعترف علنا فى عام 2003 بأنه استخدم أموال الخشب فى شراء أسلحة، منتهكا بذلك الحظر الذى فرضته الأمم المتحدة وفى هذا السياق، بدت كإحدى الشركات الضخمة فى شراء خشب الصراع من غرب إفريقيا، خاصة من ليبيريا من متمردين وجهات أخرى غير شرعية، كما قامت الحكومة الليبيرية بإعفاء شركة Oriental Timber Company من الرسوم الجمركية مقابل ملايين الدولارات لشخص الرئيس مباشرة، فى الوقت الذى لم يكن فيه الحطابون قد تقاضوا أجورهم، وقد قامت الشركة المذكورة ببناء سجون وثكنات عسكرية وأصبح لها ميليشيات مسلحة تضم 2500 مقاتل (3).

ولعب تقرير للأمم المتحدة حول الاستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية فى الكونغو الديمقراطية، فى 2001، فى كشف دور الشركات العالمية فى استغلال الأخشاب، حيث أشار إلى أنه منذ بداية الحرب فى هذا البلد عام 1998، استخدمت الشركات العالمية التى تنقل الأخشاب من شرق الكونغو ميناء ممباسا لتصدير هذا المورد وأضاف التقرير أن الأخشاب التى تقطع فى شمال بحيرة ٠

كيفو قد عبرت إلى أوغندا فى طريقها إلى ممباسا، ونقلت بواسطة شركة نقل TMK وبالنسبة لتنزانيا، أثبتت الوثائق أنها فى الفترة من ديسمبر 2000 إلى مارس 2001، تحركت سفينتان على الأقل من ميناء دار السلام محملتين بالأخشاب القادمة من الكونغو الديمقراطية، حيث نقلت عبر القطارات من كيجوما إلى ميناء دار السلام، وكانت السفينتان مملوكتين لشركتين يونانية وبلجيكية (4).

وتقول منظمة الشاهد العالمى Global Witness فى بريطانيا إن أربعة امتيازات فى مناطق الغابات فى الكونغو، مثلت 15% من مساحة البلاد، جاء أغلبها لشركة كنغولية لاستغلال الأخشاب وهى "Socebo"، وفيها أنصبت لشركاء عالميين، ومولت هذه الشركة تكاليف التدخل العسكرى لزيمبابوى إلى جانب حليفها الرئيس الراحل لوران كابيلا الذى اغتيل فى يناير 2001، فى مواجهة رواندا وأوغندا ودعمها لميليشيات مناوئة لكابيلا الأب أثناء الحرب كما اتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش وكذلك تقرير للأمم المتحدة فى أبريل ـ 2002 أوغندا بسرقة الخشب والذهب من منطقة شمال شرق الكونغو، خاصة منطقة ايتورى لصالح شركات عالمية فى الولايات المتحدة وألمانيا (5).

ـ الماس، وهو من الموارد التى أثارت جدلا حول تمويلها للصراعات، فضلا عن عمليات النهب من قبل الشركات، خاصة من بلجيكا وجنوب إفريقيا وإسرائيل والهند ولعل ذلك ما دفع مجلس الأمن إلى فرض حظر على صادرات الماس من مناطق الصراع فى عام 2000 لوقف الاتجار غير الشرعى، بحيث لا يتم تداوله إلا بشهادة من لجنة كيمبرلى التى تفيد بأن الماس غير مهرب من مناطق صراع. ومن أبرز الدول التى شملتها هذه التجارة غير المشروعة: إفريقيا الوسطى، جنوب إفريقيا، رواندا، أوغندا، سيراليون ليبيريا، بوركينا فاسو، الكونغو الديمقراطية، زيمبابوى، وناميبيا أما أهم سوقين يباع فيهما الماس الإفريقى المهرب، فهما سوق تل أبيب، وسوق أنفير فى بلجيكا (6).

وكشفت وثائق سرية للأمم المتحدة فى عام 2000 عن ضلوع الرئيس الليبيرى فى عمليات تهريب الماس مقابل السلاح، وتزويد المتمردين فى سيراليون (الجبهة الثورية المتحدة التى يقودها سانكوه) بالسلاح، مقابل تمرير وتسويق الماس إلى الأسواق البلجيكية فى أنتويرب التى يمر عبرها 50% من مبيعات الماس المصقول، فضلا عن بعض الشركات الأمريكية التى عقدت صفقات مع سانكوه للسماح لها بالتنقيب عن الماس وتوفير الحماية، مقابل نسب من الثروة وتسهيل صفقات سلاح.

كما مولت حركة "يونيتا"، التى قادت التمرد فى أنجولا بزعامة سافيمبى، جزءا من حربها عبر بيع الماس وتهريبه، خاصة أنها كانت تسيطر على 30% من مساحة البلاد.

وفى هذا الصدد، قال تقرير لجنة Fowler التابعة للأمم المتحدة عام 2000، والخاص بفرض العقوبات على "يونيتا" إن هناك شبكة معقدة من الوسطاء والشركات تدير عملية تهريب الماس مقابل السلاح، وورد فى التقرير اسم الرئيس التوجولى الراحل اياديما ولعبت الشركات البلجيكية دورا كبيرا فى تصريف الماس المسروق (7).

3 ـ الكولتان التنتاليوم، وهو معدن نادر وموصل جيد يوجد بكثرة فى شرق الكونغو وعندما زاد الطلب العالمى عليه لاستخدامه فى الصناعات عالية التقنية من فضائيات واتصالات، كان يتم تهريبه من خلال القوات الرواندية، خاصة من مناطق بوكافو وجوما شرقى الكونغو، وكان المعدن المنهوب ينقل إلى أوروبا عن طريق شركة نقل فرنسية sdv ـ transintra كما تورطت معها شركات أوغندية وجنوب إفريقية وهولندية، حيث ينقل الكولتان من كيجالى إلى ممباسا أو دار السلام، ثم إلى بلجيكا وقد أوقفت شركات النقل بعد تقرير أممى عن الاستغلال غير المشروع لثروة الكونغو عام 2001 (8).

4 ـ النفط، بدأت الشركات النفطية العالمية بالتحالف مع الدول الكبرى فى صراع للسيطرة على نفط القارة، خاصة فى ظل تزايد الطلب العالمى على النفط، وتمثل هذه الشركات قوى متنافسة مع الولايات المتحدة: أوروبا، والصين، والهند، واليابان.

فثمة تحركات للولايات المتحدة فى السنوات الخمس الأخيرة فى إفريقيا، خاصة منطقة خليج غينيا النفطية، لتوفير بيئة تستطيع الشركات الأمريكية زيادة نسبة نصيبها من نفط القارة عبر تكثيف التعاون العسكرى فى خليج غينيا، حيث توصلت واشنطن إلى اتفاقيات عسكرية مع الكاميرون، والجابون، وغينيا الاستوائية، ونيجيريا، وبنين، وساحل العاج، كما بدأت فى إيجاد بيئة سياسية مستقرة من خلال تسوية الصراعات، كما حدث فى أنجولا فى إبريل 2002، والكونغو الديمقراطية وليبيريا، ثم جنوب السودان يناير ـ 2005، والتغاضى عن مثالب وفساد بعض الأنظمة، مادامت تستطيع تحقيق استقرار (9).

فعلى سبيل المثال، ففى نيجيريا ـ التى تمد واشنطن بنصف إنتاجها النفطى ـ تستثمر الشركات الأمريكية أكثر من 7.4 مليار دولار لرفع إنتاجها إلى 4 ملايين برميل عام 2010 وثمة ضغوطات أمريكية على الحكومة هناك للانسحاب من أوبك لكنها رفضت، رغم الإغراءات الأمريكية التى تمثلت فى مضاعفة المساعدات الاقتصادية من 10 إلى 40 مليون دولار.

وفى أنجولا، التى تصدر نحو 40% من إنتاجها للولايات المتحدة، فإن شركة ـ شيفرون ـ الأمريكية تسيطر على 75% من إنتاج النفط، وتسعى الولايات المتحدة لضخ مليارات الدولارات خلال السنوات الخمس القادمة لرفع الإنتاج فى أنجولا أما فى الجابون التى تصدر 44% للولايات المتحدة، فإن الشركات الأمريكية، خاصة أميرادا هيس وسانتافى وأونوكال، تهيمن على إنتاج البلاد ويتكرر المشهد فى غينيا الاستوائية التى تشير بعض التقارير إلى أن الولايات المتحدة تهيمن على ثلثى ما ينتج فى هذا البلد (10).

فى مواجهة ذلك، هناك الصين والهند وماليزيا، وهى قوى متعطشة للنفط الإفريقى ـ لاسيما أن حاجاتها البترولية ستصل إلى خمسة أضعاف الوضع الحالى بحلول عام 2030 ـ فبكين تستورد أكثر من 25% من وارداتها النفطية من القارة السمراء ومن أبرز الدول التى تستورد منها هى الجزائر، وأنجولا، وتشاد، والسودان.

وتسعى الصين لاختراق خليج غينيا الغنى بالنفط، ومنافسة الولايات المتحدة الأمريكية على الاستثمارات النفطية، وبالفعل نجحت فى وضع موطئ قدم لها فى أنجولا، ونيجيريا، والجابون، وغينيا الاستوائية كما استغلت بكين خروج الولايات المتحدة من السودان عام 1995 لتحظى باستثمارات نفطية، حتى أصبح أكثر من نصف صادرات السودان النفطية يذهب إلى الصين وتمكنت مؤسسة النفط الصينية من شراء 40% من أسهم شركة النيل الأعظم النفطية فى السودان، والتى تضخ 300 ألف برميل يوميا كما قامت شركة ـ سينوبك ـ الصينية بإنشاء خط أنابيب بطول 1500 كيلومتر لنقل الإنتاج النفطى إلى ميناء بورسودان على البحر الأحمر، ومنه إلى ناقلات البترول المتجهة للصين (11). 

ثالثا ـ التحالف بين الشركات العالمية والحكومات الإفريقية:

خلافا لنماذج الموارد الإفريقية التى يبدو دور الشركات العالمية فى استنزافها واضحا، فثمة حالتان أخريان تجسدان التحالف السياسى الذى أقامته هذه الشركات مع النظم السياسية الإفريقية، ومن أبرزها نيجيريا وتشاد لاستغلال الموارد، ويمكن تفصيل ذلك فيما يلى:

1 ـ نيجيريا، حيث مثلت الموارد مغذيا للصراع هناك حتى الآن فقديما، قامت حرب أهلية فى شرق البلاد عام 1967 من قبل الأيبو لإحساسهم بأن ثرواتهم بالجنوب الشرقى مستغلة من قبل الشركات العالمية لصالح أهل الشمال، الأمر الذى دفع بهم للمطالبة بالانفصال واليوم، تطرح منطقة دلتا النيجر النفطية داخل البلاد نفسها بقوة خلال العقد الأخير لتكرار النموذج نفسه، حيث تشهد المنطقة بين الحين والآخر حركات مسلحة (حركة دلتا النيجر)، وانتفاضات ضد السلطة السياسية بالشمال، وخطفا للعاملين فى الشركات متعددة الجنسية (شل، شيفرون، اجيب، توتال الخ) العاملة فى مجال استخراج النفط.

ويتهم السكان هذه الشركات بعدم مراعاة مصالح القبائل المحلية التى تتعرض أراضيهم للاستغلال، وبيئتهم للدمار ونهب الثروات فى المقابل، قامت شركة "شيفرون نيجيريا" وهى فرع شركة "شيفرون تكساس" ورأس الحربة الأمريكية فى استيراد النفط الخام النيجيرى ـ بإعارة مصب اسكرافوس والطوافات الخاصة بها إلى قوات الحكومة، تسهيلا لهجماتها على الجماعات المحلية المعادية للشركة كما أن هذه الشركات لم تتوان عن استعمال الخصومات المحلية لصالحها، فخصت شركة شيفرون جماعة ـ ايتسيكيرى ـ ـ المنافسة تقليديا لـ ـ أيجاو ـ ـ منذ زمن تجارة الرقيق ـ بمنافع برامج التنمية التى أطلقتها (12).

2 ـ تشاد، بعد تحالف بين نظام ديبى وشركات النفط العالمية، نشبت أزمة بين الجانبين فى أغسطس 2006، بعد أن أمر الرئيس إدريس ديبى برحيل اثنتين من الشركات، هما: (شيفرون) الأمريكية و (بتروناس) لعدم احترامهما الالتزامات المنصوص عليها فى البنود المتعلقة بتسديد الضرائب على الشركات.

واتهم ديبى الشركات بتحقيق رقم أعمال يبلغ خمسة مليارات دولار مقابل استثمارات بقيمة ثلاثة مليارات منذ عام 2003، بينما لم تحصل تشاد سوى على فتات يصل إلى 588 مليون دولار كما يتهم الرأى العام التشادى الشركات الثلاث بنهب ثروات هذا البلد الفقير فى وسط إفريقيا بعرض نفطه بأسعار زهيدة فى الأسواق، ومن ثم تقليص أرباح الدولة من العائدات النفطية.

ويضم كونسورتيوم النفط فى تشاد، التى تنتج 170 ألف برميل يوميا، المجموعتين الأمريكيتين "اكسون ـ موبيل" و "شيفرون - تكساكو" والماليزية "بتروناس" باستثمار النفط التشادى الخام الذى يتم إنتاجه منذ 2003.

غير أن الأزمة انتهت بين الجانبين فى أكتوبر 2006، حينما وافقت الشركتان على دفع أكثر من 280 مليون دولار أمريكى للدولة كضرائب مستحقة، الأمر الذى فسره المراقبون بأن قرار ديبى كان يحاول من خلاله استعادة شرعيته المفقودة التى فقدها فى الشارع التشادى بسبب الفساد السياسى وهيمنة طبقة معينة فى الحكم على أموال النفط على حساب الفئات الأكثر احتياجا، لاسيما فى ظل مواجهته لمعارضة مسلحة قادمة من الشرق تحاول قلب نظام حكمه كما أن تزامن طرد الشركتين النفطيتين مع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الصين وتشاد، يوم 5 أغسطس الماضى، دفع إلى الاعتقاد بأن خطوة ديبى رسالة سياسية للضغط على الغرب ودفعه إلى مقايضة النفط بالسياسة معه، مفادها أنه فى حال عدم قبول شروطه، فإنه سيولى وجهه شطر بكين، والحصول على مكاسب مالية فى ملف النفط لشراء الأسلحة وتقوية نظامه من أجل التصدى للمعارضة المسلحة (13).

فى الوقت نفسه، فقد تعرض خط أنابيب النفط الممتد من تشاد إلى الكاميرون ـ وهو أكبر مشروع استثمار أجنبى فى إفريقيا ـ لانتقادات حادة، حيث اتهم من قبل منظمة العفو الدولية بأنه ينتهك حقوق الإنسان، مشيرة إلى أن الشركات التى تبنى الخط، كشيفرون واكسون وبتروناس، قد تخلت عن مسئولياتها تجاه حقوق الإنسان عبر تحالفها مع الأنظمة السياسية فى الدولتين.

فقد أدى تشغيل حقول النفط وخط الأنابيب إلى انتهاكات للحقوق الإنسانية للمزارعين الفقراء فى المنطقة، الذين يقولون إنهم منعوا من الوصول إلى أراضيهم، ورفضت إكسون موبيل إما التعويض عليهم أو إعادتهم إليها وبحسب ما ورد، منعت بعض القرى من الحصول على مصادر المياه النظيفة الوحيدة المتوافرة لها، وتعرضت معيشة صيادى الأسماك فى كريبى، الذين يصطادون قبالة ساحل كاميرون، للخطر الشديد بسبب خط الأنابيب وتفتح عقود المشروع الباب أمام مزيد من الانتهاكات المماثلة، من دون توفير تعويض فعلى، طوال مدة المشروع التى تصل إلى 70 عاما (14).

رابعا ـ مستقبل العلاقة بين الشركات العالمية والأنظمة الإفريقية:

يحكم مستقبل العلاقة بين الشركات العالمية والأنظمة الإفريقية اتجاهان، أولهما: أن تظل العلاقة كما هى دون ضوابط الشراكة الاقتصادية، حيث تستمر هذه الشركات فى عمليات نزح الموارد عبر تحالفها مع كل من الأنظمة السياسية، والبورجوازيات الرأسمالية الإفريقية الجديدة المرتبطة بالغرب الرأسمالى، والتى تكونت إثر عمليات الإصلاح الاقتصادى فى عدة بلدان إفريقية.

أما الاتجاه الآخر، فهو تشكل حركات مناهضة فى المجتمع الإفريقى لمنع استنزاف الموارد أو ـ على الأقل ـ إيجاد شراكة اقتصادية تقوم على الضغط للاستفادة من عوائد الموارد الإفريقية فى عمليات التنمية ولعل ذلك يمكن ملاحظته فى فرض التزامات من قبل البنك الدولى على الحكومات الإفريقية بتخصيص نسب محددة من عوائد الموارد الأولية للتنمية، كما حدث فى تشاد فبعد خلافات بين الحكومة التشادية والبنك الدولى على النسبة المخصصة من عوائد النفط لدعم التنمية فى ديسمبر 2005، وافقت الحكومة على إنفاق 70% من العائدات النفطية على التنمية، والاحتفاظ بـ 30% للميزانية العامة.

كما أن ثمة محاولات من منظمات دولية غير حكومية ومنها Global Witness و International Alert

لصياغة برامج تساعد المجتمعات المدنية الإفريقية على إدارة مواردها فى مرحلة ما بعد الصراع، عبر مجموعة من البرامج، مثل الحكم الجيد، والتوزيع العادل للثروات، وفرض شفافية ومحاسبية على عمليات بيع الموارد من قبل الحكومات لمواجهة عمليات تجذر الفساد المؤسسى الذى يحد من فائدة عوائد النفط للشعوب الإفريقية، فضلا عن بلورة رؤية وطنية داخل الدول الإفريقية للتعامل مع الموارد الأولية، بما يساعد الأجيال القادمة.

الجزء الأول:
امين أبو الريش // كيف استنزفت الامبريالية خيرات افريقيا و مزقت شعوبها واستلبت من سكانها اصولهم




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق