15‏/05‏/2015

سعيدة العزوزي // في ذكرى الشهيد حفيظ بوعبيد من 14 ماي 2001 إلى 24 أبريل 2014 هدف النظام ضرب مقومات القوة للحركة الطلابية بظهر المهراز.


يوم 14 ماي 2001 أعلن الشهيد حفيظ بوعبيد ميلاده الجديد، يوم ظل وسيظل من الأيام المشهودة في تاريخ الحركة الطلابية المغربية، تاريخ الصمود والمقاومة
للشعب المغربي وكل الشعوب التواقة للتحرر والانعتاق من أنظمة القهر والظلم،.. وهو يؤرخ كذلك للتاريخ الدموي للنظام والخيانة التي تتعرض لها نضالات الشعب المغربي من طرف الاصلاحية والرجعية، والتي لا تجد من وسيلة لاخفاء عمالتها الطبقية غير تجريم مقاومة الجماهير الشعبية، لشرعنة هجوم النظام على كل الحركات المناضلة، وهذا ما تؤكده حقائق الصراع  مع كل تطور تعرفه نضالات الشعب المغربي.

فقد شهدت فترة نهاية التسعينات وبداية الألفية الثانية نهوضا نضاليا متميزا أربك حسابات ورهانات النظام في تصفية الحركة الطلابية، عبر  تصفية الدينامو/ المحرك لها، النهج الديمقراطي القاعدي، وقد فشلت كل محاولات احتواء الحركة وجرها إلى مستنقع شعارات النظام، وفشلت معها مؤامرة الاجتثاث والاغتيالات المنظمة عن طريق القوى الظلامية، وبالطبع فكل هزيمة للنظام في ساحة المعركة وانكشاف مؤامراته، تليها عملية الترميم وإعادة صياغة مخططات اجرامية أكثر فتكا من سابقاتها،   فنظام الاجرام لا يعرف غير أسلوب الاجرام لبسط سيطرته الطبقية واستمراريته، ولغة الاجرام هي لغة سياسية توجه وتؤطر عمل النظام وممارسته، إن اغتيال الشهيد بوعبيد تم في سياق الهجوم الشامل على الحركة الطلابية، وفي سبيل الرد على هذا الهجوم والدفاع عن قضية التعليم قدمت هذه الأخيرة شهداء ومعتقلين سياسيين بالجملة، فبوعبيد لم يكن الشهيد الأول أو الأخير، فكل مناضل، كل معارض للنظام، كل من اختار خندق الجماهير الشعبية هو مشروع معتقل أو شهيد، وهذا ما يقوله تاريخ الصراع الطبقي بالمغرب، فكل معارضة جذرية ستؤدي لا محالة إما إلى الاعتقال أو الشهادة وإلى النصر الحتمي لا محالة. 
إن مؤامرة   ماي 2001 قد دشنها النظام بعدما عجز بالطرق السالفة الذكر عن القضاء على الحركة الطلابية ونضالاتها كما عجز عن احتوائها في مشاريع بناء الوحدة (بقيادة القوى الإصلاحية) كعنوان للانبطاح والاستسلام لقمع النظام وبطشه ولمخططاته الطبقية والسياسية، الاستسلام لأعداء الحركة الطلابية (الظلام…) والتطبيع معهم، بل القبول بهم كمكونات داخل الحركة الطلابية. ومع ملحاحية المرور لتنزيل الميثاق مع مطلع الموسم الجامعي 2003/2004 وفق أجندات النظام، كان من اللازم التسريع في تنفيذ المخطط الاجرامي الهادف إلى تكسير شوكة الحركة الطلابية، وهو ما ترجمته أحداث 14 ماي 2001، حيث سخر النظام المرتزقة والعصابات الاجرامية المرتبطة به ووفر لها كل الامكانيات المادية واللوجستيكية لتنظيم هجومات مسلحة على طلبة جامعة ظهر المهراز على اعتبارها القلب النابض للحركة الطلابية المغربية، وقد اختير حي الليدو الشعبي بدقة لتنفيذ المخطط على اعتبار المكان الاستراتيجي الانسب. وكان الهجوم منظما استهدف الحي الجامعي والساحة الجامعية، كما تم اختيار الزمن المناسب لذلك (فترة التحضير لامتحانات نهاية السنة)، ومن أجل الدقة في التنفيذ، كانت هجمات المرتزقة والعصابات تجري تحت قيادة ممركزة لأجهزة النظام المخاباراتية، وفي تنسيق محكم بينهما، قام جيش مؤلف من مختلف  التشكيلات (السيمي، المخازنية، الدرك،…) بمحاصرة المركب الجامعي من كل الجهات بالتزامن مع هجمات البلطجية، وأمام الضربات المنظمة والتعب الذي نال من الطلبة طيلة 3 ايام وليالي بدون نوم أو راحة أو أكل، ومع اشتداد الخناق عليهم، التجأ الطلاب للتحصين ببناية الحي الجامعي الأول وكان من ضمنهم المناضل الشهيد حفيظ بوعبيد.
 مباشرة بعد فرض الحصار والطوق على الحي الجامعي، بدأ القصف الجنوني لكل طوابق البناية وقد استعمل المدافع لقذف عبوات من الحجم الكبير للغاز المسيل للدموع إلى درجة  أن سكان الأحياء البعيدة بمئات الأمتار عن المركب الجامعي تأثروا بشكل كبير من روائح الغازات السامة ومنها حالة لأمرأة بحي عوينات الحجاج الشعبي تعرضت للاجهاض بعد استنشاقها للغاز الكثيف، وبعد فترة من انطلاق القصف شلت حركة الطلاب من داخل بناية الحي الجامعي بشكل شبه كلي، وأصيب العديد منهم بالاختناق وإصابات مباشرة بخرطوش الغاز. العديد من الروايات سواء من جانب من شاركوا في الجريمة (خصوصا أفراد العصابات) أومن جانب الطلاب الذين تواجدوا بالبناية تؤكد أن عدد من الطلاب فارقوا الحياة داخل خزانات الملابس بالغرف بسبب استنشاقهم للغاز السام.
 وبعد القصف وشل حركة الطلبة بالغاز، تدخلت الجرافات واقتلعت أبواب الحي الجامعي فاسحة المجال أمام فيالق القمع والبلطجية وإدارة الحي الجامعي (حتى مدير الحي الجامعي وزبانيته شاركوا في الجريمة حاملين العصي والخوذات الواقية) لاتمام المخطط الاجرامي، وقد استمر مسلسل التنكيل بالطلبة داخل الحي الجامعي لساعات ذاقوا خلالها أبشع صور القمع والهمجية والتقتيل لدرجة أن جدران الحي الداخلية ضلت ملطخة بدماء الطلبة لفترة طويلة من الزمن رغم طلائها بالصباغة لمحو آثار الجريمة الشنعاء.
 الشهيد حفيظ بوعبيد كان متحصنا كما باقي الطلبة بإحدى غرف الطابق الثالث إلى أن طالته فرقة من قوى القمع التي مزقت جسده بكل وحشية إلى أن فارق الحياة في الغرفة، وفي محاولة لإخفاء جريمة الاغتيال والتمويه بان الشهيد قد حاول القفز، قام عناصرها برميه من نافذة الطابق الثالث المقابلة للمطعم الجامعي على علو ناهز 10 أمتار. فجريمة الاغتيال ثابتة لا تتطلب عناء البحث في التفاصيل، فيكفي إعادة تركيب صورة الهجوم وطرقه وقوته لاستشفاف الحقيقة. وإضافة لجريمة الاغتيال تم اعتقال العشرات من الطلبة (وفق ما هو متداول بين من عاشوا التجربة المريرة فقد تجاوز العدد 120 طالبا) قضى أغلبهم مدد متفاوتة من السجن بمعتقل عين قادوس. وقد عم جو الإرهاب والرعب داخل المركب الجامعي منذ تلك اللحظة إلى آخر السنة بسبب استمرار العسكرة وتنشيط دور القوى الظلامية من جديد.
 لقد استوعب مناضلو الحركة الطلابية ومعهم أبناء حي الليدو الشعبي الهدف من المؤامرة السالفة الذكر: القضاء على حي الليدو الشعبي وارتباطه النضالي بالجامعة كمدخل للقضاء على قوة الحركة الطلابية بذات الموقع، وبالتالي تسهيل القضاء على جامعة ظهر المهراز بحكم دورها في عرقلة مشاريع النظام ومخططاته طيلة عقود من الزمن. ومن ينظر إلى واقع حي الليدو في الوقت الحالي وما آل إليه الحي الجامعي ظهر المهراز، لن يجد صعوبة في فهم خلفية مؤامرة 14 ماي 2001. ونفس الخلاصة التي نستشفها من وراء مؤامرة 24 أبريل 2014. رغم اختلافهما في الزمن، والاختلاف النسبي في الشروط المحيطة بهما وسياقهما، إلى أن النموذجين (14 ماي و24 أبريل) يعدان من بين أكبر المؤامرات التي نفذت في حق الحركة الطلابية المغربية في العقدين الأخيرين، والتي تطلبت من النظام سنوات من التخطيط والاعداد على جميع المستويات (إعلاميا، سياسيا، إديولوجيا،…). 
 لقد كانت المؤامرة والاغتيال إشارة سياسية من النظام، خاصة بعد انتقال السلطة من الحسن الثاني إلى محمد السادس، فكان العنوان البارز لسياسة "العهد الجديد"، الالتحاق بمعسكر الراكعين أو حرب الاستئصال، إلا أن الحركة الطلابية ظلت وفية لطبيعتها ومضمونها الكفاحي رافعة راية المقاومة والتحدي في وجه النظام وحلفائه، وأكدت تشبثها بخيار الجماهير وارتباطها بقضاياهم الاساسية، قضايا الثورة المغربية، مهما كلف ذلك من ثمن، فالاعتقال والاستشهاد أهون مليون مرة من الركوع والاستسلام، وهي ضريبة يقدمها كل من اختار صف الشعوب ومعانقة همومها والوقوف في وجه أعدائها. وبنفس الأسلوب، مع اختلاف في أداة التنفيذ وبعض التفاصيل والمعطيات، تم إرسال الإشارة من خلال مؤامرة 24 أبريل السنة الفارطة إلى المعنيين بالجامعة وخارجها، فالمؤامرة التي انطلقت أطوارها قبل 24 أبريل ولازالت مستمرة إلى الآن، ما هي إلا مقدمة لمخطط شامل يستهدف بالأساس الأنصار والحلفاء الجذريين في كل مواقع تواجدهم، فهل ما جرى قبل وإبان وبعد 24 أبريل (نفس التساؤل بالنسبة ل14 ماي 2001)، مرورا بهدم الحي الجامعي ظهر المهراز والذي حصن على مدار عقود بدماء الشهداء وفي مقدمتهم الشهيد حفيظ بوعبيد، ولا يمكن إلا ربط هاته الاستمرارية باستشهاد الرفيق الغالي مصطفى مزياني... وما انكشف من حقائق وتفاصيل، وما وصلت إليه الامور على جميع المستويات… كاف لأنصار التغيير الجذري ومن يدعونه، لاستشفاف الدروس وتجاوز الثغرات والسلبيات التي استغلها النظام لتنفيذ مخططاته ومؤامراته أم أننا سنشهد المزيد من المؤامرات التي يوازيها المزيد من التشتت في صفوف قوى التغيير الثوري في بلادنا.




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق