19‏/05‏/2015

حسن أحراث // ماذا تريد الأحزاب السياسية المغربية؟


بداية، لابد من طرح السؤال: هل لدينا أحزاب سياسية بالمغرب؟
للجواب عن هذا السؤال يستدعي العمل (بالنسبة للبعض) القيام بدراسة أكاديمية وبمواصفات علمية. شخصيا، لا أجادل في ذلك لو تعلق الأمر ببلد آخر غير المغرب أو
بتجربة سياسية لا تشبه التجربة السياسية المغربية البئيسة. طبعا، وجود الديمقراطية أو غيابها لا يصنعان الفارق، وكذلك الشأن بالنسبة لبعض التجارب الرائدة.. ففي ظل نظام لا ديمقراطي (لاوطني لاشعبي) قد تجد أحزابا سياسية حقيقية، بل مكافحة.. 

وتفاديا لتهمة التعميم الجاهزة، يمكن القول، يوجد بالمغرب عدد قليل جدا من الأحزاب السياسية التي تستحق حمل هذه الصفة. فرغم وجود قانون الأحزاب وإحصائيات رسمية تقر/تعترف بالعدد الهائل من الأحزاب السياسية (وحتى النقابات والجمعيات) في إطار ما يسمى ب"التعددية" (الشكلية)، فلا يغير ذلك من واقع الحال شيئا.
الى هنا المشكل بسيط. نعرف "خروب" بلادنا.. فمنذ 1934، تاريخ تأسيس كتلة العمل الوطني، و"الأحزاب السياسية" تتوالد خارج أي معايير للحزب السياسي. فهي أقرب من خلال موروثنا المغربي السياسي والثقافي الى العائلة أو العشيرة أو في أحسن الأحوال، فهي أقرب الى الجمعية أو الرابطة.. ودائما بالمعنى التقليدي، حيث غياب الضوابط والقوانين المنظمة للعلاقات والمسؤوليات والمهام (الديمقراطية الداخلية، الشفافية المالية، النقد والنقد الذاتي...).. ومنذ ذلك الحين ساد وترسخ بالقوة المادية والمعنوية مفهوم "الزعيم" أو "القائد"، ثقافة وممارسة.. وتم قتل المساحات المشعة ومنها الإرهاصات الأولية للقيادة المشتركة والجماعية..
ففي مرحلة سابقة، قبل 1955/1956، كانت المطالب واضحة الى حد ما، وعلى رأسها المطالبة بالاستقلال (بغض النظر عن الخلفيات والنوايا وشكل ومضمون الاستقلال).. ولم يطرح حينذاك سؤال "الحزب السياسي" أو سؤال "الديمقراطية".
الى هنا المشكل بسيط، مرة أخرى.. علما أن سؤال الحزب السياسي قد طرح، على الأقل، مرتين.. المرة الأولى، في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، مع تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. والمرة الثانية، أواخر الستينات، مع ميلاد الحركة الماركسية اللينينية المغربية.. 
لكن، ماذا عن الأحزاب السياسية التي نفترض أنها تتوفر على مواصفات الحزب؟ وبالضبط، ماذا تريد؟
إن طرح هذا السؤال الأخير "ماذا تريد؟" يعفينا من أي دراسة حول وجود الأحزاب السياسية بالمغرب أو عدم وجودها، حيث يكفي طرح السؤال بطريقة أخرى: ماذا تريد الأحزاب السياسية وأشباه الأحزاب السياسية؟
وكما أكدنا على عدم الحاجة الى الدراسة الأكاديمية للجواب عن السؤال "هل لدينا أحزاب سياسية بالمغرب؟"، نؤكد أيضا على عدم الحاجة الى التصورات والبرامج للجواب عن السؤال "ماذا تريد الأحزاب السياسية وأشباه الأحزاب السياسية؟"
ودائما، تفاديا للتعميم، فجل أحزابنا السياسية، ذات "نفس" التصورات و"نفس" البرامج، تسعى الى "انتزاع" المقاعد، وخاصة المقاعد المؤدية للاستوزار. وأقصى ما تحلم به أحزابنا الخنوعة هو حقيبة وزارية (مكافأة)، أي "وظيفة" في الحكومة بدرجة "وزير". فمنصب وزير يعد حلم القائد الحزبي وباقي الأعضاء القيادية أو القاعدية للحزب أو شبه الحزب، من أجل خدمة المصالح الشخصية.. إن الوزير بالمغرب، وحتى رئيس الوزراء (سابقا) ورئيس الحكومة (حاليا)، ليس سوى موظفا طيعا (خادما مطيعا) ينفذ التعليمات والأوامر وبحرفية مقيتة.. 
أما الصراع على باقي المقاعد في إطار الانتخابات المهنية أو الجماعية أو التشريعية، فهدفه "انتزاع" المقاعد الضامنة لخدمة المصالح الشخصية أيضا. لكن، على مستويات أقل من مستوى الاستوزار ..
والغائب الأكبر لدى الأحزاب السياسية وأشباه الأحزاب السياسية بالمغرب هو السعي الى السلطة. فما يميز الحزب السياسي عن النقابة أو الجمعية أو عن غيرهما هو السعي الى الوصول/الحصول على السلطة السياسية، وذلك بغاية تطبيق برامجه التي أشهرها إبان حملاته الانتخابية، من موقع طبقي معين.. ففي غياب التمثيلية الطبقية يبقى "أجمل" أحزابنا السياسية كائنات بهلوانية تائهة في الحقل السياسي، ورهن إشارة النظام وتحت رحمته.. 
إن سقف الأحزاب السياسية وأشباه الأحزاب السياسية بالمغرب محدود، سواء السقف الذي رسمه لها النظام (احترام الثوابت الوطنية) أو السقف الذي رسمته لنفسها بنفسها موقعة على "قانون الأحزاب" الذي يفرض بالواضح أن تكون أحزابا ملكية (خدمة النظام أولا، وخدمة نفسها ثانيا).. ولنا في الحكومة الحالية التي تتشدق بقوة "صناديق الاقتراع" أكبر درس. وكبيرها، بهلوانها الأول، يسعده، كما أسعد ذلك سابقيه، أن يكون خادما/مملوكا طيعا لخدمة النظام بالواضح والمكشوف..
ملاحظات وخلاصات:
- الشق السلبي أو المظلم في الموروث التاريخي والسياسي والثقافي المغربي يعيق حضور ثقافة الحزب بالمعنى الحديث؛
- عدم وجود أحزاب سياسية حقيقية، مؤثرة وفاعلة، ساهم في إضعاف محاولات الخروج من هذه الأزمة؛
- يتم من طرف النظام والأحزاب السياسية وأشباه الأحزاب السياسية نشر وتسييد ثقافة مشوهة عن الحزب السياسي والعمل السياسي (البرلمان والجماعات المحلية...)؛ 
- يتم من طرف النظام والأحزاب السياسية وأشباه الأحزاب السياسية خنق الصراع الطبقي وتلطيفه (تكسير المعارك النضالية للعمال ولعموم الجماهير الشعبية المضطهدة، الاغتيالات، الاعتقالات، التضييق والترهيب...)؛
- يتم من طرف النظام والأحزاب السياسية وأشباه الأحزاب السياسية تغييب وإقصاء المعنيين بالقضية: العمال والفلاحين الفقراء والجماهير الشعبية المضطهدة؛
- كفى: إنها مسؤولية المناضلين، فرادى وجماعات.. إن القضية تستغيث..إنه التحدي الذي سيصنع الفارق/الفرز..



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق