19‏/06‏/2015

البديل الجذري// ذكرى انتفاضة 20 يونيو 1981

مع كل انتفاضة، شعبنا في حاجة إلى تنظيم الثوار الحقيقيين
الذين لا رهان لهم غير انتصار قضية شعبهم، قضية العمال..


20 يونيو 1981 محطة بارزة وقوية في تاريخ الشعب المغربي، قدم فيها شعبنا المئات من الشهداء والمعتقلين والمعطوبين، تحدى من خلالها الأسلحة الفتاكة بصدور أبنائه العارية، صنع البطولة في صراع غير متكافئ، وقف "بعرائه" السياسي (أعزلا) في وجه قوة تملك المال والسلاح والإعلام وتملك رصيدا سياسيا في الإجرام والمناورة وجيشا طيعا ومتواطئا من القوى السياسية والنقابات والجمعيات، وبجانبها أشرس أنظمة العالم، الامبريالية والصهيونية والرجعية. 
إن السؤال الجوهري هو لماذا لم تحقق جماهير شعبنا التغيير والانتصار المنشودين؟ ولماذا استطاع النظام ضبط والتحكم والسيطرة على الوضع في كل الانتفاضات الخالدة التي شهدها تاريخ شعبنا؟ 
صحيح أن النظام يمتلك كل مقومات القوة من أجهزة ومؤسسات قمعية وسياسية وإيديولوجية ومالية تجعله قادرا على تحديد مصالحه الطبقية وحمايتها. لكنه، في المقابل، هناك قوة الجماهير الشعبية التي تستمدها من الأغلبية المطلقة في المجتمع، ومن قوة طبقتها الرئيسة المنتجة للثروة، الطبقة العاملة. غير أن هذه القوة تفتقد الى المقومات التي تجعل منها تلك القوة الرادعة؛ بحيث أن جماهير شعبنا تعرضت طيلة مسيرتها النضالية للتخاذل والخيانات المستمرة من طرف القيادات السياسية الانتهازية العاجزة والجبانة والتي احترفت العمالة والانبطاح ومن طرف القيادات النقابية البيروقراطية خادمة النظام. 
إن الانتفاضات الشعبية المنتصرة هي انتفاضات تقودها وتقف على رأسها قيادات منظمة، قيادات ثورية ومكافحة ومبادرة وحازمة وتعبر عن أهداف/مصالح الجماهير الشعبية الكادحة وفي مقدمتها الطبقة العاملة. فمن انتفاضة إلى أخرى تتأكد الحقيقة القوية (الحقيقة الثورية): لا خيار ولا بديل للشعب المغربي للخلاص من النظام اللاوطني اللاديموقراطي اللاشعبي غير الثورة، الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.. فلا حلول مع الانبطاح، ولا خلاص مع المساومات ومع الركون ل"المكتسبات" الجزئية والوهمية.. 
ومن عمق صفحات تاريخ الشعوب المضطهدة، يتأكد أن قوة الفاعل الحقيقي لقلب موازين القوى لصالح قضيته للتقدم في سيرورة عملية التغيير في كل انتفاضة شعبية هي التنظيم الثوري، هي الوجود الفاعل المنظم والقيادي المحمل بمبادئ واضحة وببديل جذري.. ففي غياب ذلك، عشنا ولازلنا نعيش الانتكاسات وننتقل كشعب، عمالا وفلاحين وطلبة وتلاميذ ومعطلين..، من السيئ الى الأسوأ، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا. ولم لا نقول إنه في ظرفية ما بعد انتفاضة 20 فبراير، وما آلت إليه، قد توسعت قاعدة الفقر بشكل رهيب وارتفعت نسبها وطالت شرائح كانت بالأمس القريب في وضع نسبيا مستقرا وتدهورت القدرة الشرائية للطبقة العاملة ولعموم الجماهير الشعبية مقابل ارتفاع أسعار المواد الأساسية واقتراب الخدمات الاجتماعية بشكل كبير من عتبة العدم وما تبقى منها يحتفظ على الاسم من أجل مصالح النافذين لا غير وتفاقم الاستغلال المدعوم والمحمي على جميع المستويات من طرف النظام القائم والقيادات النقابية المافيوزية الواقفة فوق رقاب الطبقة العاملة، والتي لا يعنيها سوى حراسة مصالحها المتراكمة التي لا تتأثر بما قد يسجله الرأسمالي من خسائر، كما ازداد التوحش والنهب واللصوصية على جميع الواجهات، وصارت كل القيم مثلها مثل كل المكتسبات والحقوق، التي راكمتها بالأمس الطبقة العاملة والجماهير الشعبية ببراكين الدماء وقرون من السجون، هدفا لقضمها وتحطيمها وتخريب كل البقع التي كانت بالأمس القريب مواقع مزعجة عن طريق توظيف المال القذر و"رفاق" الأمس وموتى اليوم بعد إحيائهم وتدجينهم، والتأسيس لعزل الجماهير عن مناضليها الفعليين والمبدئيين بتدمير ثقتها من خلال أبطال مصطنعين وشعارات زائفة.. 
فالنظام مقتنع باستحالة الاستقرار وأن وجود قادة حقيقيين على رأس الفعل الجماهيري هو أكبر تهديد لإعادة الوضع لمربع الصفر كما يحدث في كل الانتفاضات الشعبية. إنها الأوضاع والتكتيكات السياسية التي تلازم تطور الرأسمالية في ظل أزماتها الخانقة والتي ترغمها على الاستثمار في البلطجة والإرهاب والتخريب. لكن في العمق، كل ذلك يراكم للاحتقان ويدفع يوما عن آخر بالجماهير الشعبية للاحتجاج والنهوض للدفاع عن وجودها والتأسيس لأفق المقاومة الشرسة المنظمة. وهكذا نتلمس حقيقة أننا نتقدم في طور جديد من أطوار السيرورة الثورية، بالرغم مما نشهده من تراجعات وتكيف الجماهير المسحوقة، اقتصاديا واجتماعيا، مع الأوضاع الصعبة، بل القاتلة. فلا خيار للجماهير غير النهوض ومقاومة الوضع الذي سينقلها بالتدريج من الحياة إلى الموت. 
حقيقة، أن النظام صار اللاعب الأول في كل المجالات، فهو ضابط الإيقاع داخل النقابات والجمعيات والأحزاب وممولها ناهيك عن مؤسسات شكلية مصنوعة ب"حكمته" وتحكمه في لعبة صناديق الاقتراع.. إنه الآمر والناهي، وهو مرجع القرارات في الهياكل القيادية لجل التنظيمات السياسية والنقابية والجمعوية. وواقع الانبطاح والركوع صار "مكسبا" تسبح بحمده هذه الأخيرة، ونظرية مرشدة لممارستها السياسية في زمن "20 فبراير" وما بعده، زمن التضحيات والتحدي وانهيار رعب وقداسة النظام الدكتاتوري، زمن خسارات القيود وتساوي الشهادة/الاستشهاد بالحياة، في زمن البطش والقمع والسجون وتصاعد وتيرة المحاكمات الصورية عبر ربوع البلد. ويعتبر إغراق المناضلين في السجون من خلال أحكام خيالية مفبركة (المعتقلون السياسيون بفاس، على خلفية مؤامرة 24 أبريل) جريمة أخرى للنظام في حق أبناء شعبنا تكشف زيف شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتشدق بها حواريوه في كافة الجبهات والمناسبات داخل المغرب وخارجه. إنه الترهيب والإرهاب في حق الجامعة المغربية المقاومة، وفي حق توجه مناضل، التوجه الديمقراطي القاعدي. لقد صار العبث فنا وتكتيكا، وأضحى الوهم بضاعة للتسويق تقدم على شرف موائد الكادحين في كل مجالات الاستغلال. إن هكذا عمل سياسي يؤسس لبقاء النظام ولاستمرار المأساة، فجل المكونات السياسية وكل النقابات دون استثناء انخرطت بهذه الطريقة أو تلك لإجبار الجماهير التي ثارت وتثور في كل انتفاضة من أجل تغيير أوضاعها والقطع مع الاستغلال والفساد والقمع ومع كل معاناتها، للتسليم للعدو بإعادة التحكم في كل مجريات الصراع الطبقي وحمل الجماهير على القبول بالمؤسسات الشكلية الممنوحة وباللعبة المتحكم فيها وليس آخرها الهرولة بحماس للدعاية الرخيصة ل"الانتخابات المهنية" كمقدمة لتأثيث الوضع لما يسمى ب"الاستحقاقات الجماعية"، علما أنه (أي المسلسل الانبطاحي) وجه آخر لعملة ما يسمى بالمسلسل الديمقراطي (الانتخابات الجماعية والتشريعية) المؤطر بالدستور الممنوح وتوابعه. وليس مفاجئا أن تنخرط الأحزاب السياسية الرجعية (الظلامية والشوفينية...) والإصلاحية (الانتهازية...) في هذا المسلسل، كما ليس مفاجئا أن تكون القيادات النقابة البيروقراطية في صلبه قلبا وقالبا، ضاربة عرض الحائط تطلعات وانتظارات الطبقة العاملة وعموم الشغيلة. وتهافت هذه الأخيرة على موائد ما يسمى "بالحوار الاجتماعي" وبالشروط المذلة والمجحفة المفروضة يفضح مرة أخرى عمالتها وانصياعها للأوامر والتعليمات التي تستهدف المكتسبات وتعمق جراح الطبقة العاملة وعموم الجماهير الشعبية. وهذا ليس بغريب عن تاريخها، تاريخ المساومات والصفقات والتخاذل والخيانات ضد العمال ومصالح عموم شعبنا. لكن المسخرة والمهزلة أن يلعب "الثوري" دور مروج الوهم متناسيا هدف الأعداء من دوره هذا في كبح أي تمرد محتمل وإنجاح لعبة مغشوشة وخادعة وهدف الثائر المدعو في المرحلة للقطع مع مسار العدو والتأسيس لفعل وتكتيك سياسي يستجيب ومصالح العمال وكل الأجراء وفي حجم الرهانات المطروحة. وهذا التكتيك، أي تكتيك النظام، ليس لعبة، بل مخططا سياسيا استراتيجيا يعرف جل اللاعبين الخونة والمتواطئين فيه الأدوار المطلوبة منهم بدقة. إنها عملية مشبوهة تتحرك على قدم وساق وعلى مستويات واسعة تستهدف الحركات المناضلة والجبهات المستعصية على الإجماع لقتل واحتواء كل مواقع الفعل الجاد والثوري وخنق كل إمكانيات استمراره وتجذيره كي لا تنتج الجماهير أدواتها الثورية البديلة، ليبقيها العدو رهينة في قبضة القيادات السياسية الانتهازية والانبطاحية والرجعية والنقابية البيروقراطية الخائنة و"البياعة" وأشباه المناضلين.. إننا نكرر ونصرخ دون تعب وملل أن الدرس يتطلب منا أن نستحضر تجارب كل الثوار وكل شهيد ثائر وكل تضحيات شعبنا وكل الخيبات وكل الانتكاسات والإخفاقات وكل النجاحات الصغيرة المسجلة في تاريخ شعبنا.. إنه وقت إدراك اختلالات الفعل وردود الفعل، وخاصة المتسرعة، ومصدر انتكاساته والجواب العملي والمسؤول لكي نواجه في معركتنا التي يحبل بها الواقع، المعركة القادمة لا محالة، في ظل شروط أفضل لكي لا تبقى قضية التغيير الثوري حلما أقرب الى السراب منه إلى الحقيقة. هذا ما يجب أن ننكب عليه اليوم وأن يكون فارقا وشاهدا على مدى التزامنا وانخراطنا الفعلي في خندق الجماهير، بنضج ومسؤولية، نظريا وممارسة الى جانب كل المناضلين الثوريين الحقيقيين الذين لا رهان لهم غير انتصار قضية شعبنا، قضية العمال...

تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق