14‏/08‏/2015

ياسين العوني// شذرات على هامش الذكرى الأولى لنبأ الشهادة


مزياني مات.. مزياني عاش

8- لقد التقينا عندما كان لا يزال صدى حركة/ انتفاضة 20 فبراير يعكس مجمل الهبات والانتفاضات والنضالات عبر ربوع الوطن، بداية اللقاء كانت في دائرة العوامرة باقليم العرائش ونهايته محطة القطار بالقصر الكبير، قطار امتطيته وقد
أقلع في مساره، وكنت حريصا أشد الحرص على الرجوع ولو ليلا، كنت ملتزما حتى بالتفاصيل البسيطة (أو التي قد تبدو بسيطة). أذكر جيدا حركاتك وسكناتك من أول اللقاء إلى آخره، كما أذكر الوجبة التي جمعتنا: خبز وشاي وزيتون وجبن ودردشة لطيفة وبعيدة عن حرارة اليوم الشاق إلى أن عكر صفوها تقرير "الجزيرة" عن انتفاضة الشليحات، وأذكر كم كان مقرفا أن تغدو انتفاضة الأرض بقدرة ماكر.... انتفاضة "الناموس"...

9- مرة أخرى علمتنا ورفاقك أن النضال مهنة الثوار بامتياز، وكما ينكب العامل على صنعته، وكما يمتزج عرق الفلاح بتربة الأرض، انصهرت وسط آهات أمهات مكلومات ورجال لاذوا بالغابة المجاورة، وقبل تأكيد كل الشهادات لهول الجريمة، علمتنا كيف يتلمس الثوري روائز السخط والغضب؛ فاللجوء إلى الغابة للترقب والاحتماء والتربص كان ذا دلالات عدة لدى ثوري من حجم مصطفى ورفاقه...

10- ماذا يحدث للإنسان بعد الموت؟ ماذا يحدث، خاصة إن كان هذا الإنسان مناضلا وإن كان هذا المناضل ثوريا وإن كان هذا الثوري مصطفى مزياني؟ ماذا يحدث يا مصطفى بعد الموت؟ ماذا يحدث، خاصة إن كان الموت شهادة وإن كانت الشهادة صوم الموت؟ أخالك في برزخ ترقبنا جميعا وتنتظر اللحظة التي يتصل فيها ماضينا بمستقبلنا.. أخالك، والخيال انعكاس مشروع لقلة المعرفة بالشيء، حيا بشكل مغاير للمألوف، وعموما، لا أحد عاد ليخبرنا على حد تعبير درويش، وكل ما أنا موقن به هو أن الموتى يرتاحون وأن الأحياء يتعذبون، ومن رحم العذاب يولد الجديد. وأدرك كم كنت تعشق الحياة حد الموت لأجلها وأعرف أن موتك إكسير الوطن البعيد...

11- لسنة كاملة – رفيقي- أحس بألم غريب، ألم ليس كباقي الآلام، لم يصفه أحد بعد بما يشفي الفضول، ولا أجد له اسما من بين الأسماء. أنا أب يارفيق، ولي أن أحس –بمقدار حبي لفلذة كبدي- بشيء مما أحس به أبونا محمد مزياني بعدما واراك التراب بمعية الأسرة والرفاق الأوفياء وهو ما قد نسميه "الكلم" فنقول أب مكلوم وأم مكلومة في فلذة الكبد وقرة العين. وأحس كذلك بألم كل طفل فقد أباه أو أمه في حرارة الصراع وعوادي الحياة، إنه اليتم. ولكم عشت لحظات عصيبة وأنا أشهد امرأة فقدت زوجها فترملت، وكم تأثرت في الحاضر القريب لفقدان رجل لزوجته فصار أرملا... لكنني لا أجد مسمى موفقا ومضبوطا لألم فقدانك.. إن ألم فقدان الرفيق كل هذا وغير هذا في نفس الآن.. إن ألم شهادة الرفيق يا رفيقي شيء مختلف تماما، شيء يلزمه وصف خاص، إنه وفاء للعهد ومسير على الدرب وإخلاص للقضية وذكرى لتجديد اليقين بقوانين الصراع، ومعرفة أرقى بشكل تواجد المادة، بحركة الأشياء والإنسان والعالم والطبيعة والثقافة، وشهادتك رفيقي حلقة/ تضحية في مشوار التطور والمعرفة...في تقدم الإنسانية.. كباقي شهداءنا الأبرار.

12- أقف بعد عام يا رفيقي على فقدانك، وأقسم لك أنك رافقتني بعد شهادتك أكثر مما قبل ذلك، فلم تبق أرضة في مخبئ أو حبة رمل على الصعيد إلا وعلمت طيلة السنة بولادتك قبل سنة، على أن "صناديد" كثر غادروا الركب كما التحق به شرفاء أنجبتهم شريفات الوطن-عشقك السرمدي، لازالت الأرحام تخزن النطفات إلى يوم يولدون، انطلق السهم من القوس على أية حال ولن أخونك أبدا. أراك في اليوم لمرات كي لا أفعل ذلك. هذا قسم أقسمناه فيما بيننا نحن الأحياء المعذبون وهو لك في مكانك حيث ترتاح بعد تعب طويل من أجل الحياة، ليس من أجل التسجيل بالماستر (كذا...) كما تفوه المغلطون، ولا تعتيما على جريمة مصطنعة قال أفاقون برؤية مرتكبها في كذب على الأموات، بل صونا لحياتنا جميعا، رفاقك وذويك وأبناء شعبك البطل. فلتصبح على وطن، هذه الأغنية لك وللشهداء لا لنا، نحن الأحياء، لا أصبحنا على قفة قوت يومي حتى دون نضال، فما بالك بالوطن...

13- بعد عام فهمت أنك قد ارتحت رفيقي من هذه الحياة الزائفة على درب نضالك من أجل الحياة الحقيقية لنا جميعا، وسيأتي اليوم الذي يعاد فيه تدوين التاريخ ويسمع صوت المضطهدين والمكلومين واليتامى والأرامل والشهداء ورفاق الشهداء، فليكتبوا "تاريخهم" كما أرادوا وليدبجوا نصوصهم/ المسخ وليبرموا صفقاتهم في البر والجو والبحر، وليحبكوا مؤامراتهم في الظل والمكشوف. نحن "ملاعين" الشاه والكسرى والقيصر والفرعون والنجاشي والكمبرادور، نحن "مساخيط" النظام وأزلام النظام/ أحباؤه في السر والعلن، نحن هكذا وسنبقى هكذا... كل عام رفيقي وأنت على امتداد البصر حيثما دار البصر.. أحييك بإجلال وحب، وأهديك نشيد الشهيد:

مضى عام على الآنِ //// فأنهى الدهر أحـزانـــــي
أتانا مصطفـى بالأحـْ //// مرِ الثوريّ والقــــــانــي
فــثار بقلبـه طفــــــل //// يعيــــش بقــلــب إنــسانِ
وأضحى تابل العيـشِ //// وصار كـبوح عــرفــانِ
وكان بوقــتها جســدا //// تمــدد فـوق وجــدانــــي
فأفجعــنــــي بمرقــده //// وأحـرجــني وأبــكــانــي
تهادى من على علـــمٍ //// أمام القاصـــي والدانــي
ومات كـكرمة عظمى //// كمثــــرى ذات أفـــنانِ
شهيــــــدا كيف ننساه؟ //// أننسى صوت عصيانِ؟
عريسا زفَ في نعــش //// غــــريـر القــدّ، فـتـّـانِ
غدا يا مصطفى نحيــى //// جميـــعا دون حرمـانِ
بلا تمييــــزِ "شـــوفينٍ" //// ودون "جهـادِ إخـوانِ"
رفاقك عـــروة وثــقــى //// تــدوم كحــَبِّ مرجانِ
وحتى ذلـــك الحيــــــن //// ستبقــى ملء أجفانــي
ورغــم القتــل والسجنِ //// سننــهي كل سجّــــانِ
ورغـــم الكِذب والظلـم //// سنمحق كــل بهـــتانِ
ونفضح كـــلّ مــرتزق //// بدعـوى "حقِّ" إنسانِ
يُغيــر بأرضنا العسـكرْ //// فيــلقى ألــفُ مزياني
يخــــون لعهدنا نفـــــرٌ //// ويأتي ألفُ مزيانـــي
يمــوت لشعـــبنا ولــــدٌ //// ويولد ألفُ مزيانــي

الخميس 13 غشت 2015




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق