21‏/12‏/2015

موحى أوكزيز// يوم المهاجرين (18 دجنبر): بعض الأفكار حول المهاجرين وعائلاتهم

لم يغد الإتحاد الأوربي فضاء لمساءلة أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة إلا مؤخرا. حيث إن الطموح والهدف الأساسي لهذا الإتحاد هو تكريس واقع السوق الاقتصادية الأوربية وضمان حرية حركة السلع ومن ثم حرية تنقل الأشخاص.
إذ أن حرية التنقل ذهابا وإيابا، كحق أساسي منصوص عليه في المواثيق والاتفاقيات كالاتفاقية الأوربية للحريات وحقوق الإنسان المعروفة اختصارا ب CEDH، هي حرية محدودة بل ومضبوطة بعناية.
ومنذ العصور الإغريقية القديمة، مرورا بالإمبراطورية الرومانية، وبالعودة إلى الأنظمة البائدة في أوربا وفرنسا على وجه الخصوص، نجد أن الحريات العامة المتعلقة بالتنقل ذهابا وإيابا تهم السلطات العامة والحكومات، بيد أن المعنيين الحقيقيين أكثر من غيرهم هم العمال والمأجورون بالدرجة الأولى. ومنذ تجاوز الإنسان ل "حالة الطبيعة" ليلتئم اجتماعيا ويحقق أمنه، غدت "الحريات" مرتبطة بالنظام القائم الذي يسعى لضبط حدودها.
وهذه لمحة صغيرة من أجل الرؤية أبعد من ذلك لاحقا.
في فرنسا، ومنذ نهاية القرن الثامن عشر وصولا إلى تخوم القرن التاسع عشر، وجد العمال إكراهات جمة ومعيقات في عملية تنقلهم، إذ نظم "كناش العامل" ذائع الصيت هذه العملية التي لم تدخل حيز التطبيق سوى بداية من سنة 1890. وضمن هذا الكتيب/ الوثيقة البوليسية، نجد كل المعلومات المتعلقة بالعامل، بديونه، برؤسائه وأرباب عمله وما إلى ذلك، إذ دون حيازته بشكل دائم، مع التقيد بترخيص رب عمل أو المصالح "الأمنية"، لا يتمكن المعني من الشغل ولا التنقل فيتم حظر الترحال ومن ثم تقييد حرية السفر ذهابا وإيابا دون "كناش العامل" المختوم، ناهيك أن هذا الكتيب يحوي بين طياته فقرة تحظر ائتلافات العمال "خارج النص"، وبصيغة أخرى، حظر تشكيل النقابات والدفاع المشترك عن الحقوق.
ومع تطور الرأسمالية وتطويرها، تطورت كذلك ظروف العمال والمأجورين والشعوب، كما اضطردت الحروب التي تشن في شتى أنحاء العالم بغاية ضمان استغلال الثروات لصالح الرأسمال ونظامه. وقد نتج عن هذا التطور خلق هجرة متدفقة لسكان المعمور فرارا من البؤس والفقر، كنتيجة حتمية للتوسع العالمي للرأسمالية، ومنه، ما يعرف حاليا بوضعية اللاجئين والمهاجرين. لقد ترك العمال بمعية عائلاتهم بلدانهم بشكل كثيف بعد أن دمرتها الحروب الامبريالية، مغامرين بكل شيء من أجل إيجاد الأمن والصحة والشغل وكذا التعليم لأبنائهم، في دراما إنسانية شملت الكوكب برمته، وزاد من تعقيد هذه الوضعية الاجتماعية والإنسانية للمهاجرين انتشار الأسلحة وتدمير بلدان بأكملها من قبل القوى الكبرى في العالم، الساعية إلى الربح.
وعلى مستوى النصوص، يتجلى حق الأجانب في مجموعة من المعايير جد المعقدة، وتتمحور أهمية هذا الحق بشكل مباشر حول السياسات الاجتماعية لبلد الاستقبال في فرنسا وغيرها، إذ غدت الهجرة ذريعة للتراجعات الخطيرة جدا على مستوى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمهاجرين. كما عرفت حقوق المهاجرين تطورا على مستوى المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بهدف الحد من الحريات المعترف بها والمنصوص عليها والتي تكفلها نفس المواثيق والاتفاقيات، حيث إن إجراءات الترحيل واحتجاز الأجانب على مستوى بلدان الاستقبال لا تحترم، عموما، المبادئ الإجرائية الأساسية في هذا الشأن.
آفاق؟ بناء قوى ذاتية...
إن أخطر ما في الأمر، أن موضوع الهجرة والأجانب لا يلقى مخرجات في فكر وسياسات القوى المدعية للتقدمية في أوربا، حيث تقتصر –هذه القوى- على بيانات التضامن والتنديد إزاء الإجراءات المتخذة ضد الساكنة، كمثال الترحيل المشار إليه أعلاه.
وغني عن الذكر أن هذه القوى لا تمتلك إجابات على الإشكالات الاجتماعية، وذلك من مختلف النواحي، ويبرز ذلك جليا على مستوى الساحة السياسية الفرنسية غداة الانتخابات الجهوية. لذا، تتحكم القوى الرجعية في مسألة الهجرة بغية إكمال دورة التقهقر الاجتماعي المتربص بالعمال وعائلاتهم. كما تم توجيه "الإصلاحات" ذات البعد الاجتماعي، على المستوى الوطني بفرنسا كنموذج، نحو تلبية مطالب الباطرونا المحلية: الانتقاص من الحد الأدنى للأجور، وبالتالي خفض الأجور وتقليص المساهمات الاجتماعية باعتبارها أعباء.
كل هذا المناخ الاجتماعي والسياسي يحافظ على القوى الرجعية الطافية على السطح، وقدرتها على التحرك للحد من حقوق المهاجرين وأسرهم والدوس عليها. إذ أن العمال والمهاجرين وأفراد أسرهم محاصرون بالحروب التي تشن ضدهم في بلدانهم الأصلية من قبل الأنظمة الرجعية والتنظيمات الظلامية الممولة والمسلحة من الامبريالية التي تشن الحرب من أجل تحقيق الربح وللتدمير من أجل إعادة بناء الدول حسب إرادتها ومصالحها. فمأساة العمال المهاجرين وأسرهم مرتبطة كليا بحروب الامبريالية في العالم كله؛ مآسي إنسانية هي ذاتها نتاج مباشر يتحمل مسؤوليته من يشنون الحروب وحلفاؤهم.
وحيث يستحق العمال المهاجرون اهتمامنا وتضامننا الكلي، يبقى كذلك أن نشير إلى أن القوى المدعية للتقدمية بأوربا ليس لها ما تقدمه لمجموع العمال والشغيلة بالقارة العجوز. فالرأسمالية تعيش أزمة عميقة، والرأسماليون متأهبون بكامل قواهم، بما فيها الأحزاب المحسوبة على اليسار، بحيث ليس ثمة بعد لدى العمال وأسرهم ومن ضمنهم المهاجرون قوى سياسية كفيلة بقلب الطاولة...
موحا أوكزيز-فرنسا.
 18 دجنبر 2015.
تعريب وتصرف: ياسين العوني.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق