13‏/01‏/2016

البديل الجذري // كيف سيتخطى نضال شعبنا العفوية؟ على ضوء ذكرى انتفاضة يناير 1984؟

انتفاضة يناير 1984، لم تكن الأولى في بلدنا كما لم تكن الأخيرة. كانت انتفاضة عفوية مثل باقي الانتفاضات الشعبية التي شهدها المغرب في مرحلة الاستقلال الشكلي، لكن ما ميزها هو انفجارها الذي عم أغلب المناطق المغربية، في الشمال
والوسط والجنوب. ومثل سابقاتها تخلت النقابات والأحزاب السياسية عن البركان الاجتماعي وانزوت وخانت وبقيت الجماهير المنتفضة عارية سياسيا ودون أي قيادة تنظيمية. وتأكد بالملموس العجز والتخاذل والخيانة المفضوحة لنقابات الذل والعار ولأحزاب انتهازية عميلة. لهذا استطاع النظام القائم، ذو التاريخ الدموي، بحكم استعداده وتنظيمه، تدمير الانتفاضة الشعبية بقوة الحديد والنار والسيطرة على الأوضاع، مخلفا خسائر فادحة في صفوف أبناء شعبنا المنتفض بسقوط المئات من الشهداء والمعتقلين والمعطوبين. ليتأكد أن أي انتفاضة أو حركة عفوية لن تكون في مستوى الاستعداد لمقاومة جبروت النظام بترسانته العسكرية وقوته المالية والإعلامية وبمؤسساته السياسية وبتجربته العريقة في المناورة السياسية وشراء النخب وتجنيد المرتزقة والانتهازيين ونشر الوعود والأوهام لتوفير أجواء الانقضاض على الفعل وعلى مناضلي الانتفاضة، مصيرها هو الإخفاق والفشل في تحقيق أهدافها وشعاراتها، بالرغم مما قدمه، وسيقدمه مستقبلا، أبناء الشعب المنتفض من تضحيات جسيمة وبطولات خالدة. وذلك لأن الانتفاضة العفوية لا تكون مهيأة تنظيميا وسياسيا لمقاومة جبروت النظام. ويبقى الفارق والمسافة واسعة وشاسعة بين مستوى التضحيات الكبيرة المقدمة في الانتفاضات العفوية ومستوى المكاسب، بل في الغالب يعيد النظام هيكلة ذاته ويحكم قبضته الحديدية ويسيطر على الأوضاع من جديد. مع العلم، وهو ما لا يمكن إغفاله، أن كل نضالات شعبنا، وفي مقدمتها نضالات الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، تشكل تراكما وأرضية خصبة للتقدم في مسيرة الثورة المغربية وإنجاز شروطها الذاتية والموضوعية. وكما سجل الرفيق لينين قائد الثورة الروسية العظيمة ما معناه: "لولا ثورة 1905 لما كانت ثورة 1917"..

والسؤال الوجيه هو: ماذا ينقص الشعوب المنتفضة، وتحديدا شعبنا في انتفاضاته ويجعله عاجزا عن تحقيق أهداف ومكتسبات في مستوى التضحيات المقدمة؟

أولا، أثبت التاريخ، بما لا يترك أي مجال للشك أو التردد، أن الأحزاب السياسية المسماة يسارية بالمغرب، وأذرعها النقابية والجمعوية، عاجزة كل العجز عن قيادة أي انتفاضة أو إضراب أو مظاهرة أو احتجاج لتحقيق غايات وأهداف المعنيين بالفعل النضالي. وإن أي رهان عليها مهما كان، سواء على مستوى النضال الديموقراطي، أو مطالب بسيطة، أو نضال من أجل تحقيق تغيير اجتماعي وسياسي واقتصادي، هو رهان غير مقبول، بل رهان خاسر. فأحزاب ما يسمى باليسار في المغرب لا تعمل سوى على ضمان "الاستقرار الطبقي"، وكل مناوراتها المقدمة تحت شعارات النضال أو ما يسمونه أشكالا احتجاجية أو مسيرات هي مجرد تسخين وتبريد مبرمج ومخطط له من أجل امتصاص الغضب وخلط الأوراق وتعميق التيه والانشطار، وكذلك التدبير السياسي للمرحلة وفق ما تتطلبه رهانات النظام وحساباته، وبالتالي التفاوض لنيل حصتها في ما تقدمه له من خدمات جليلة، ولتحسين موقعها كممثل/بهلوان "المعارضة" في التنافس على رضى النظام. فهي بالدرجة الأولى قوى معنية بربح رهان ما يسمى ب"السلم الاجتماعي"، ولا تعنيها الحركة الجماهيرية ومصالحها ولا أي مسار ثوري أو انتفاضة شعبية من أجل قيادتها لتحقيق مصالح شعبنا. صحيح أن الجماهير تخرج في مسيرات تدعو لها الأذرع النقابية والجمعوية لهذه الأحزاب وتعبر عن سخطها، وترفع شعارات قوية وثورية تتجاوز سقف دعاة الاحتجاج، تستهدف في الغالب السلطة السياسية، وتكون المسيرات والاحتجاجات قوية وناجحة في أغلب الأحيان، كما كان الأمر في العديد من المسيرات والإضرابات والاحتجاجات، لكن هذه الأحزاب تستغلها لبيع المناضلين لأجهزة النظام في السر والعلن، وترفع شعارات لتمتص الغضب المشتعل وتمارس نقيضها، وتحولها إلى مجرد احتجاج بأفق البيروقراطية الخائنة، المبرمج سلفا في دهاليز العدو، والموجه بالإشارات الصادرة عن النظام وأذنابه، ليتم الشروع في تمرير المخططات الطبقية بكل سلاسة. وتثبت باستمرار أن خيارها هو العمالة لنادي الرجعية لخدمة النظام العميل وخدمة مخططات ومصالح الامبريالية بالمناورة لتمرير توصيات مؤسساتها المالية. لنقل، بشكل عام، إنها غير معنية بمطالب وأهداف الجماهير الشعبية المحتجة. فارتماء "اليسار الكلاسيكي"، حزبي "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"التقدم والاشتراكية"، في أحضان الرجعية وتخلصهما من مستلزمات وحدة "الصراع" الطبقي ليعانقا "التوافق" على اقتسام الكعكة الساقطة من موائد النظام، وانكشاف نهاية مسار "إصلاحيتهما" قبل نهاية الألفية الثانية، لم يعد محط جدال مثلما كان الدفاع مستميتا في تسعينات القرن الماضي من طرف من راحوا يقلبون الصفحات لمراجعة مرجعياتهم وتصوراتهم بعد انهيار جدار برلين. بل ما يمكن تسجيله هو صعود "يسار جديد"، جزء منه على الأوراق وجزء آخر يقتات ويستنسخ تجربة الإصلاحية السابقة في الحفاظ على النظام الملكي وعدم المساس بالمقدسات. دشن مساره بفلسفة "المجتمع المدني" و"دولة الحق والقانون"، من بعد "جهد" المراجعات، ليعلن من خلالها التطليق للمفاهيم الطبقية، وكأن القانون والمجتمع المدني ليست من الوسائل التي تسنها وترعاها الدولة الطبقية، وترغم أفراد المجتمع بالخضوع لها والعمل تحت سقفها، لتفعيل وتثبيت الدكتاتورية الطبقية. وسياسيا بانخراط بعض روادها في عملية شراء الذمم والارتشاء والمتاجرة في تضحيات شعبنا تحت ما سمي ب"الإنصاف والمصالحة" و"طي صفحة الماضي"، حيث صارت الضمائر سلعة تباع وتشترى، وهي عملية لم ينفلت منها ويقف ضدها بكل وضوح سياسي سوى أسماء تعد على رؤوس الأصابع. وهو انخراط لم يكن يعني سوى أخذ مقابل إسهامهم في تسويق أوهام "المغرب الجديد" و"مغرب الانتقال الديموقراطي" للجماهير الكادحة المضطهدة والمستغلة و"إقناعها" بالخيارات السياسية لتجاوز "السكتة القلبية" وانتقال السلطة بشكل سلس، وإبعادها، أي الجماهير الكادحة، عن الصراع الطبقي. ولهذا نقول إن مطالب وطموحات الجماهير الشعبية الكادحة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، لا تتحقق ولن تتحقق كلما بقي التسليم بقيادة المبادرة والفعل الاحتجاجي والمطلبي وكل حقوق شعبنا بيد تجار النضال وعملاء النظام وخدامه والذين لا يمثلون غير مصالحهم الضيقة ومصالح العدو.
إن الواقع المغربي واقع اختناق وتذمر على جميع المستويات، وهذه حقيقة لم يعد الجدال حولها. إنها حقيقة يقر بها العدو والخائن والمتملق والعميل والصادق. والإقرار بها هو نتيجة للحدة التي وصلت إليها أوضاع شعبنا. وهذا الواقع، الذي يزداد احتدادا يوما بعد يوم، بحكم طبيعة المخططات الجهنمية التي يتم تنزيلها وتصريفها على كاهل الفقراء، والتي تستهدف أبسط الخدمات والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحين بما فيها الحق في الحياة الكريمة، يدفع باستمرار جماهير شعبنا للخروج للاحتجاج والسخط والانتفاض. وهذه حقيقة أمس الجمر والرصاص، كما هي واقع حي اليوم، حيث يقدم فيه شعبنا المزيد من الشهداء والمعتقلين السياسيين. وشهداء الألفية الثانية وقائمة المعتقلين السياسيين وواقع السجون المكتظة خير دليل، وخير كاشف لما يسمى "طي صفحة الماضي" ولمهندسيها المستأجرين. وحتما هو أفق الغد في ظل استمرار سيطرة النظام القائم وما ينتج عنه من أزمات تفتح موضوعيا منعطفات تاريخية، بصرف النظر عن الأحزاب والنقابات. لكن استمرار الوضع اللاتنظيمي للجماهير يفقد الانتفاضات والنضالات الشعبية، القدرة على الاستمرارية، ويحرمها من قوة الاستمرارية، والتحكم في مصيرها. لذا فالاضطهاد والاستغلال والفساد والتفقير، وكل أساليب الاستبداد والهمجية، وكذا أزمات الطبقات المسيطرة وتصدعاتها هي عوامل تحفز الانتفاض لدى الجماهير الشعبية، كما تحفز الانتفاض النشيط. لكن ليس بمقدورها لوحدها أن تولد ثورة في صالحها، وبالدرجة الأولى في صالح المضطهدين والمستغلين، لأن الثورة القادرة على الاستجابة لمصالح الطبقات الشعبية الكادحة هي ثورة يكون فيها العمال والفلاحون الفقراء، المنتجون الحقيقيون للثروة، على رأس السلطة السياسية لضمان تغيير حقيقي لصالح المفقرين والمضطهدين. أي هي ثورة تنسجم والمنظور الماركسي اللينيني. والثورة من المنظور الماركسي، ولما نتحدث عن المنظور الماركسي فإننا نتحدث عن الماركسية اللينينية، تستدعي لتحقيقها أن يرافق التطورات الموضوعية تطور سياسي وتنظيمي ووعي طبقي على مستوى ذات الطبقات الثورية. ودون هذا التطور أو التحول في ذات الطبقات الثورية ستبقى الجماهير مجرد "كتل" للمناورة السياسية لصالح الأحزاب الانتهازية والبيروقراطيات النقابية ولصالح النظام على السواء. وما حصل بتونس ومصر في ركاب حكاية "الربيع العربي" يفقأ الأعين. وهنا يمكن التساؤل: هل الجماهير الكادحة يمكن أن تعبر أو تحقق هذا التطور أو التحول لوحدها؟ وإن كان الجواب بلا، فكيف سيتم أو يتحقق ذات التطور في جسم الطبقات الثورية، وتحديدا الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء؟

بداية، إن الثورة على الأنظمة الرجعية حتمية تاريخية، إنها ضرورية وآنية وذات ملحاحية في ظل واقع يتسم بالهمجية والتدمير الوحشي وجنون النهب والتفقير والفتك بالشعوب.. واقع يقوده ثالوث الامبريالية والصهيونية وعملائهما من الأنظمة الرجعية اللاوطنية اللاديمقراطية اللاشعبية، ويتفنن في نسج وحبك سيناريوهات لحروب الفتك بالشعوب، ونهب أرزاقها وثرواتها وقوت أبنائها وتدمير أساسها الاقتصادي والاجتماعي. وهو ما لم تعد الشعوب قادرة على تحمله. وحتما يدفع، وينضج، باستمرار وضع الاحتجاجات وشروط الانفجارات العنيفة وموجات الغضب الشعبي. وهي حالة يستحيل إنهاؤها في ظل استمرار عواملها الموضوعية، أي قبل إنهاء العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المؤسسة لها وتحقيق طموحات الكادحين وفي مقدمتهم منتجي الثروة. لكن ما يساعد الأنظمة الرجعية والامبريالية والصهيونية في هذه المرحلة التاريخية الصعبة كمنعطف خطير في حياة الشعوب المضطهدة، ويمكنهم من الالتفاف على نضالات الشعوب وثوراتها، وتمييعها، وتخريبها، وتحويل مساراتها لخدمة استراتيجياتهم، هو الفراغ السياسي الذي تملأه الأحزاب العميلة والمنبطحة والمتواطئة والانتهازية والقوى الظلامية والقيادات النقابية البيروقراطية والجمعيات الطفيلية، كنتيجة لغياب البديل في شخص قوى منظمة على رأس هذه الجماهير، ومحملة بمشروع مجتمعي نقيض يهدف إلى هدم أركان النظام المتهالك وبناء بديل حقيقي لتدشين المجتمع الاشتراكي. وهذه هي الأزمة الحقيقية، أزمة قيادة الجماهير المفقرة، أزمة قيادة الطبقة المتعارضة مصالحها مع مصالح مصاصي دمائها والتي لم تقدر على خوض الصراع بكل أشكاله على قاعدة مستقلة طبقيا. والاستمرارية في النهوض المتصاعد لغاية تحقيق الهدف لا يتحقق إلا عندما تتولى الجماهير الشعبية، والطبقة العاملة بالخصوص، أمرها السياسي والتنظيمي بنفسها، عبر منظماتها المستقلة عن كل الأعداء الطبقيين، بما فيها البيروقراطية النقابية والجمعوية وكل الأحزاب العميلة والانتهازية والمرتزقة. لأن في حالة عدم الاستقلالية ستبقى عبارة عن كتل للضغط والمناورة السياسيين لصالح أذيال وعملاء النظام وحلفائه.
إن أي طبقة غير منظمة لن يكون بمقدورها تحقيق أهدافها ومشاريعها السياسية والمجتمعية. لهذا فالجماهير الشعبية الكادحة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، اليوم ودائما، من مصلحتها أن تكون مستقلة عن كل أعدائها الطبقيين. فمصلحتها الطبقية تدعوها إلى النضال على قاعدة مطالبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تتناقض ومصالح مستغليها، وهي مطالب في عمقها وبعدها جزء لا يتجزأ من المهمات الثورية المطروح تحقيقها. فموقع الطبقة العاملة الحقيقي والطبيعي هو أن تكون جزء لا يتجزأ من الحركة الثورية، ودورها هو الوقوف على مقدمة ورأس النضال والمقاومة الشعبية من أجل الخلاص من مستغليها وناهبي ثروات الشعب وقوت أبنائه والذين يعرضون مصيرهم للدمار وحياتهم للمجهول. ولتقوم الطبقة العاملة بمهمتها التاريخية يجب أن تكون لها أداتها الثورية المكافحة. ولهذا نقول إن الأداة الثورية هي مهمة مستعجلة وضرورة تاريخية ملقاة على عاتق الثوريين الفعليين، لأن وجودها هو من سيقلب المشهد ويجعل فعلا الطبقة العاملة على رأس الحركة الجماهيرية ويجعل من مشروعها الثوري ذي الأفق الشيوعي هدفا حقيقيا لها. وعلى هذه المهام المنسجمة، وهذا الأفق، يجب أن ينكب الثوريون، الماركسيون اللينينيون، في اللحظة التاريخية الراهنة وبدون تردد، ودون تخلف، ودون أي انزياح عنه بالانجرار حول الحروب الهامشية المصطنعة والموجهة من الخلف بعناية ودقة فائقة من العدو.
لهذا نقول ونكرر بدون ملل، وللتاريخ والحقيقة، إن المهمة تحددها حاجة الحركة الجماهيرية بشكل عام من أجل إحراز النصر. وحاجتها الضرورية في المرحلة التاريخية التي نجتازها هي قيادة تنبثق منها وتثق بها، أي تثق بها الجماهير، وتثق بقدراتها على القيادة بشكل سليم وصحيح ومبدئي. ووفق هذا المنظور تكون القيادة جزء من حركة الجماهير، لكنه جزؤها الواعي والنشيط والفاعل والأكثر قدرة على إدارة الصراع بطريقة صحيحة. أما من يتواجد خارج حركة الجماهير، فلن يكون له دور القيادة مهما كانت شعاراته ومواقفه، ودوره لن يكون إيجابيا سوى في انخراطه من جانب الدعم والتأييد والمؤازرة والتضامن للرفع من معنويات المنخرطين المباشرين في الصراع الطبقي. وفي حالة العكس، أي في حالة التشبث بالقيادة من خارج الفعل، فلن ننتظر سوى إعادة استنساخ النكسات والتجارب المأساوية. وهو ما يعني أن القيادة الصحيحة لحركة الجماهير في الصراع ضد أعدائها هي القيادة التي تدرس إمكانيات الحركة وقدراتها وتدرس إمكانيات العدو وخططه، وعلى ضوء ذلك تبلور التكتيك الملائم لخوض معركة التصدي، بوضع الخطط النضالية والتعبوية والتحريضية وبإقناع الجماهير بضرورتها. هي قيادة تدل جماهير الحركة وبالدرجة الأولى الطبقة العاملة على طريق قويم للنضال، محكوم بحسابات دقيقة للقوى الطبقية ومحمل بالعزيمة وبرغبة الوصول الى الهدف لنصرة القضية. وعلى هذا الطريق تنبثق النضالات الثورية الواعية المنفلتة من قبضة الأعداء وعملائهم والقادرة على خوض التحدي في المعارك المصيرية. وهذا لا يعني أن القيادة بإمكانها تعيين أو تحديد توقيت الثورة أو موعدها، فالثورة تنضج أسبابها العميقة في شروط وظروف الحياة الاجتماعية، والقيادة معنية بتقدير القوى الطبقية وبتنظيم المقاومة والمجابهة مع النظام في كل أطوار المعارك الفاصلة في الثورة كلما بلغ السخط أقصى درجات التفاقم والتأزم.
والسؤال هنا، هو كيف يمكن أن تبرز هذه القيادة؟ وهل بناء قيادة ثورية إشكالية النظرية المجردة، كما سبقت الإشارة، أم إشكالية ترتبط بالواقع الملموس والمعيش؟
وحول السؤال الأخير، نجيب وبسرعة أن إشكالية البناء التنظيمي تتطلب أخذ وضع البلد المعني بالحسبان، مما يعني أنها إشكالية محكومة بالدرجة الأولى بالواقع الملموس والمعيش، أي محكومة بحيثيات الصراع الطبقي القائم على الأرض، لأنها أداة ووسيلة يتم بناؤها انطلاقا من ممكنات الواقع الملموس في خضم صراع طبقي طاحن لا يرحم، وعملية مزدوجة يترابط فيها بانسجام النشاط الثوري الذؤوب والمبدئي والإبداع المستمر وسط فعل الجماهير مع الالتحام بهمومها، من جهة؛ والدراسة والبحث الجاد والعلمي في إمكانيات الواقع من أجل استثمارها وتطويرها وإخضاعها للمهام المطروحة دون توقف أو ملل من خلال تحليل ملموس، من جهة أخرى. لذا فالمناضل الثوري فعلا مدعو للبحث مع العمال والفلاحين الفقراء بالدرجة الأولى عن أسباب فقرهم وشقائهم وعن سبل تحررهم، مع عدم التخلف عن إضراباتهم واحتجاجاتهم بالمشاركة النشيطة فيها بالطرق المختلفة في الدعاية والتحريض والتنظيم والعمل المتواصل لجعل الأفكار المستخلصة تأخذ مجراها العملي من أجل إنضاج الفعل النضالي لخلق جينات العمل السياسي المنظم، في وسطهم، والهادف والمنسجم بالأفق الثوري، أفق لا تنفصل فيه مهام التحرر الوطني لإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية عن البناء الاشتراكي، أي الثورة الاشتراكية. فالصراع الطبقي في الحقيقة تدور رحاه حول خيرات وثروات البلاد وحول فائض المنتجين الفعليين للثروة، وحسمه يتوقف على حسم السلطة السياسية. وهذا الصراع الخفي حينا والبارز حينا آخر هو الذي يحدد في الأخير طبيعة المعركة. والصراع على هذه القاعدة يتطلب من الطبقات المستغلة وعلى رأسها الطبقة العاملة أن تكون في طليعة الصراع من أجل مصلحتها الطبقية المستقلة لا أن تكون عتادا وجمهور مناورة بيد القيادات النقابية البيروقراطية والأحزاب السياسية الانتهازية والمنبطحة لصالح الكمبرادور والملاكين العقاريين. وطالما بقي الوضع على هذه الشاكلة سيظل النظام قادرا على البقاء والمناورة والاستمرار وإنتاج منقذه في كل مرة.
إن النظام لديه وسائل متنوعة بالموازاة مع أجهز البوليس والجيش والقضاء والسجون.. لاستعباد الشعب وإذلاله، مثل المدرسة والمؤسسة الدينية والإعلام المرئي والمكتوب والمسموع والأدب والفن.. يُفعلها في إخضاع الجماهير لنفوذه إضافة لما يتلقاه من دعم وخدمات الانتهازيين والبيروقراطيين والظلاميين، فهؤلاء يحاولون تسييد ثقافة الخنوع والانبطاح و"السلم الاجتماعي" لصرف العمال وكل الجماهير الشعبية عن الصراع الطبقي وتبديد قواها وصرفها عن المعارك الحقيقية كما يتفننون في امتصاص الغضب من خلال أشكال موجهة ومتحكم فيها ومدعومة من النظام. وتنتعش هذه الأفكار بمناورات عدة، وجهود متنوعة، تقوم بها البورجوازية، لزرع التفرقة والشقاق واللامبالاة وسط المعنيين المباشرين بالقضية. وينضاف لهذا واقع اللاتجانس في صفوف الشغيلة بحكم تفاوت الوعي الطبقي واختلاف مشارب المنحدرين إليها ممن خربتهم المخططات الطبقية للنظام من شباب المدارس والجامعات ومن أصحاب الملكية الصغيرة والحرفيين... ولهذا يجب التمييز بين العناصر الطليعية والناضجة سياسيا وجمهور العمال الباقي، كواقع موضوعي سائد. وطبقا لهذه الحقيقة الواقعية والملموسة على الأرض والمعاشة تبقى مهمة تشكيل وتكوين بذور الأداة السياسية مسؤولية الثوريين الملتزمين بالقضية فعلا، أولائك الذين كرسوا ويكرسون حياتهم للثورة ويتحلون بالقناعات الفكرية الصلبة الراسخة والاطلاع السياسي الواسع والتفاني والإخلاص اللامتناهي لقضية الطبقة العاملة والملتحمين بالشعب وبمعاناته والواعين بمتطلباته وحاجاته وبالحركات المناضلة والفاعلين بمبدئية وبانسجام سياسي في الإطارات الجماهيرية. وهؤلاء معنيون بالمبادرة المسؤولة على الأرض دون تردد أو تخلف من أجل لف المناضلين، المبدئيين المستعدين للتضحية، حول القضية. ومن صفوف وصلب هؤلاء المناضلين تنشأ أنوية الأداة الثورية وتتطور مع خيرة أبناء الطبقة العاملة وأكثرهم وعيا وتنظيما وتفانيا وإخلاصا لقضية الثورة. أنوية ملتزمة بالنضال ضد الإيديولوجية التي يسيدها النظام، بنشر الوعي الثوري والفكر الاشتراكي، وتبني التقاليد البطولية لأبناء شعبنا الثوريين مع سلك طريق الماركسية اللينينية لإزاحة كل الشوائب والأخطاء عنها، باعتبارها، أي الماركسية اللينينية، هي المرشد للثوريين العازمين على تغيير العالم وتحرير الكادحين من الاستغلال والاضطهاد، وبالتحريض والدعاية بكل مظاهر الظلم والاضطهاد والاستغلال على جميع المستويات، وعلى جميع الواجهات، وخوض الصراع ضد الانتهازية والقوى المنبطحة والقوى الظلامية والبيروقراطية النقابية والجمعوية، لأن هذا الصراع يعد اليوم محورا من محاور الصراع مع النظام وكل بيادقه وأزلامه، والتخلف عنه أو طمسه وعدم الانخراط فيه بكل وضوح والتزام سياسي لا ولن يعني سوى التسليم للبيروقراطية والقوى الانتهازية بالجسم المنظم من الطبقة العاملة، والجماهير الشعبية بشكل عام، والحركات المناضلة، وترك الحركة الجماهيرية تختنق تحت قبضة مخالبها، ورهن مصالحها وتضحياتها بمصالح الانتهازية والظلامية ومافيا العمل النقابي المتآمرة والعميلة للباطرونا وللنظام بشكل عام. إن عدم خوض المعركة ضد المافيا البيروقراطية المتنفذة في المركزيات النقابية وفي الجمعيات الجماهيرية وضد أحزاب الذل والعار والخيانة للدفع بالصراع على أساس ينسجم فعليا ومصلحة العمال والكادحين والمفقرين والمهمشين، والقطع مع السياسة الانتهازية ومع الانبطاح والعمالة والمتاجرة على حساب تضحيات الكادحين ومع كل الممثلين للباطرونا والمتوافقين معها، ومع النظام بشكل عام، مهما كانت المبررات التي يسوقها هذا أو ذلك، هو في عمقه تسليم مصير شعبنا للأعداء وتواطؤ مفضوح معهم.
فما المطلوب للتقدم في هذه المهمة، في ظل الشتات والتبعثر والتفرقة والتدمير الحاصل في جسم المناضلين الماركسيين اللينينيين المغاربة؟ 
جوابا على هذا السؤال الجوهري تقدم مجموعة من المناضلين الماركسيين اللينينيين المنسجمين ممن تحملوا تكلفة وأعباء الصراع، في احتداده، وفي شروط الجزر والارتدادات، وساهموا في صيانة الخط الثوري وضمان استمراريته في أحلك الظروف بكل إخلاص وثبات، بمبادرة رص صفوفهم تحت عنوان "تيار البديل الجذري المغربي"، كصيغة مرنة، محكومة بمستوى تطور فعالية المناضلين في شروط المرحلة التاريخية، بكل جرأة ومسؤولية، مع مد أيديهم لكل المناضلين المبدئيين والجادين للتنظيم، والتوجه الى الجماهير الشعبية الكادحة، وبالدرجة الأولى الى العمال والفلاحين الفقراء، والحضور المسؤول بكل فضاءات الصراع طبقا لحجم الذات، ورسم خط لتوجيه ممارسته، أي الصراع الطبقي، بشكل سليم وعلمي في ظل الشروط الراهنة، واستثمار كل مجرياته ومنعطفاته وصقل الطاقات التي تفرزها معارك المقاومة اليومية التي يقدمها الشعب المغربي. 
وكل هذا الجهد المطلوب هو أولا، لتجاوز أجواء التبعثر والشتات والتفرقة والتشويش والتدمير الذي ينخر ذات المناضلين الماركسيين اللينينيين وبناء جسم في مستوى متطلبات المعركة الطبقية؛ وثانيا، لتطوير الدينامية والجهد النضاليين المقدمين والوسائل الأنسب لخوض الصراع الطبقي مع استيعاب متطلبات المرحلة التاريخية محليا وأمميا لمواصلة معركة الشعب المغربي من أجل التحرر والانعتاق. إن هذا المسار يتوقف على التقدم بثبات من أجل نقل قضية التنظيم الى وسط الطبقة العاملة وخلق ثقتها بهذا المسار، باعتباره وفي مجمله هو الطريق الصحيح لتمثيلها وتوجيهها وقيادتها للإطاحة بأعدائها ولتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها. لأن الطبقة العاملة سيكون لها تأثير موضوعي بالدرجة الأولى إلى جانب تأثير عوامل المحيط، على عملية بناء الأداة السياسية الثورية، ومن تم الحزب البروليتاري. فثقة العمال بهذا المسار ستجعلهم ينجذبون الى دعم هذه الخطوة والفعل فيها ومساندتها وتأييدها وتحصينها. وجذب العمال الى التنظيم له تأثير حاسم على مستوى تطور دينامية الفعل النضالي وفعاليته، كما يعد المحطة المفصلية الحاسمة لتخطي التردد والتبعثر والأساليب المريضة المنتشرة في المرحلة الراهنة، خاصة في صفوف البورجوازية الصغيرة. وهذه المعادلة يفهمها العدو جيدا، لهذا لم يتردد في العمل على حصار المبادرة والتشويش عليها في المهد بتسخير العملاء وتكوين/توظيف جواسيس لذات المهمة القذرة، وتجنيد كل الإمكانات، بما في ذلك كل المنبطحين والانتهازيين والبيروقراطيين، لإبادتها وتقديهما على صورة تجربة فاشلة ومعزولة. وهذا يعد تحديا من بين تحديات المناضلين المنخرطين بكل عزيمة وإصرار لإنجاح هذا المسار. وضدا على هذا المسار اندلعت موجات التشويش من مختلف المواقع، بما فيها مواقع تقمصت دور الناطق الرسمي/فقهاء باسم الماركسية اللينينية، بالمناسبة وبدونها، تحت ذريعة النقد، والبعيدة في العمق عن أي نقد بناء. هذا بالموازاة مع هجوم النظام وحصاره وتطويقه لكل تحركات المناضلين الميدانيين. وأمام هذه الحملة برزت أسئلة منطقية مطلوب الإجابة عنها بدون لف أو دوران لتضعنا جميعا أمام مرآة التاريخ، وهي أسئلة مهمة وذات بعد تاريخي حاسم، ونتطلع أن يولي الرفاق الجادين انتباههم لها بدقة ومسؤولية، والسعي للوقوف على درجة استعداداتهم الواقعية للدفع في اتجاه الجواب الموضوعي، وإطارها العريض والبارز هو "ما العمل؟" أو ما البديل عن البديل؟ وكيف يمكن تغطية الهوة البارزة بين الشعارات العامة والثورية وبين ما تقتضيه الممارسة؟ وأي خلفية قد تحكمنا، كلما تخلفنا وابتعدنا عمليا عن المهمات الموضوعة على جدول أعمال المرحلة التاريخية وقابلناها بترديد الشعارات الثورية دون أي مبادرة عملية على الأرض ودون القيام بعمل سياسي منظم بين الجماهير؟ ألن يكون ذلك هروبا إلى الأمام وترك شعبنا يواجه مصيره بكل عفوية وفتح الفرصة للأعداء لإجهاض أي فعل وأي نهوض للجماهير الكادحة، تندلع في ربوع بلدنا؟ وماذا عن الإعلان الضمني، في السر والعلن، بأن من السابق للأوان التفكير، أو مبادرة العمل، على خلق الأداة السياسية العمالية؟ إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الموقف (الإعلان الضمني)، أو التقدير، صحيح، أي ثوري؟ هل هذا يعد من التفكير الثوري أم هو مجرد تفكير انتظاري مهزوم مهما كانت منطلقات أصحابه الدعائية؟
للجواب على هذه التساؤلات نتقدم بسؤال منهجي: هل نحن في حاجة الى مقود لتصويب الصراع ليأخذ سكته نحو الهدف أم لا؟ بمعنى، هل بناء الأداة الثورية من مهام المرحلة أم لا؟ وإذا كان الجواب بنعم، فلماذا الرفض لمهمات البناء السياسي في المرحلة التاريخية التي نجتازها؟ لماذا تأجيل صخب الخطابة الى حين اندلاع موجات الغضب الشعبي، للوك مفردات غياب التنظيم الثوري بعد كل إخفاق لانتفاضات الغضب الشعبي، وكل مناورات ينجح فيها العدو في السيطرة على الأوضاع وإحكام قبضته على الوضع؟ أم أن خيار البناء يتطلب شروطا "موضوعية" و"ذاتية" غير مفصح عنها، لا يعلمها سوى أهل الحكمة من أوساط هذا الخيار؟ وكيف ومتى ستؤدى رسالة السير في مقدمة الحركة الجماهيرية العفوية وتنظيمها، ودلها على الطريق، والإجابة عن جميع المسائل التي تجابهها، طبقا لهذا الخيار الأخير؟ فكل شيء في المجتمعات المعاصرة يحمل بصمات الصراع الطبقي، فإما أن نتقدم أو نفعل في اتجاه انجاز المهام الملحة وإما أن العدو سيتقدم. وفي كل الحالات، إما أن ما نقدمه قد يخدم قضية البناء الثوري أو قد يخدم قوى طبقية مناقضة للقضية. 
إن المحدّد لأي جواب ليس أن يكون صاحبه تروتسكيا أو ماويا أو لينينيا أو غيفاريا، بل المحدد في أي اتجاه يعمل والى من ينحاز؟ هل بجانب الجماهير المكتوية بنيران مخططات النظام أم إلى جانب الإصلاحية والانتهازية والبيروقراطية؟ وهل يعمل بجد لبناء الأداة التي تمكن السياسي من تنفيذ خططه والمضي حيث تطلعاته أم لا؟ وإن كان لا، فماذا ينبغي القيام به للجواب عن الهوة بين الشعارات والعمل..؟ لأن طابع الثورة تحدده الأسباب الموضوعية، وليس رغبات أو عنتريات مختلف الأفراد أو الجماعات أو الأحزاب، ولا تحددها الخرجات السياسية والمزايدات في الجمل الثورية. فالمهمة المطروحة في المرحلة التاريخية هي التحرر والخلاص من قبضة عملاء المعمرين ومن السلطة المطلقة للديكتاتورية في أفق تصفية الرأسمالية وإقامة الاشتراكية. أما اعتبار الأمر المرغوب فيه أمرا واقعا لا يقتضي سوى الشعارات النارية فذلك يعد أفدح خطأ يتهدد القضية.
فلا معنى لخطاب ثوري وإعلان الشعارات الثورية، بعيدا عن ممارسة تؤسس لبناء العمل الثوري المنظم ودون نقد ذاتي علني للمسيرة التي انتهت الى الإصلاحية بالقطع مع الفكر الثوري، وفي نفس الآن الإطناب في دعوات بناء التحالفات داخل الحركات الاحتجاجية والنقابية وحركة المعطلين والحركة الطلابية مع الإصلاحية ومع أذيالها المشبوهة ومع حراس الفساد والاستبداد تحت ذريعة النضال الديموقراطي، وللأسف ضد المناضلين الشرفاء الذين أثبتوا إخلاصهم لقضية شعبنا. والمعنى الوحيد لكل هذا التخبط وهذا التيه، بوعي أو بدونه، هو أن شروط القطع الفعلي مع الانتهازية والإصلاحية والليبرالية لا إمكانية واقعية لها (لم تتحقق بعد على أرض الواقع). كما لا معنى لتعمر أفكار لما يزيد عن عقدين ونصف من الزمن تحت صخب شعارات ثورية لا تنسجم والممارسة المطلوبة من أجل التقدم في المهام التاريخية. إنها تحريفية العصر المقيتة (الشعار/الخطاب في وادي والممارسة في وادي أخرى)؟!..
إنه من الواجب التاريخي على كل مبادرة عملية جادة أن تأخذ على عاتقها خوض التحدي لإنجاز المهام التاريخية، العزيمة والإرادة الفولاذيتين لخوض المعارك النضالية وركوب التحديات والصعوبات، والاقتناع الصلب بأن التقدم في السير لإنجاز الحتمية/الضرورة التاريخية قد يكون بطيئا، وأن خلق الظروف والشروط من أجل ربط الحركة العمالية بالمشروع الاشتراكي هي الخطوة الكبيرة الضرورية التي ستكون الفاصل في هذه المعركة، لأن أي حركة أو تيار ماركسي دون العمل الجاد للارتباط بالحركة العمالية هو لا شيء. وإن الطبقة العاملة هي المؤهلة تاريخيا وموضوعيا (الطبقة الثورية حتى النهاية) لتكون زعيمة الشعب وقائده السياسي ضد البورجوازية والنظام القائم من أجل هدف التحرر والخلاص من الفقر والاستغلال والاضطهاد. لهذا يجب المضي في العمل، والتفكير بمسألة بناء الأداة السياسية الثورية، من أجل النصر، وانجاز المهام التاريخية وإكمالها، لكي لا تتكرر الإخفاقات المؤلمة السابقة.

تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.
13 يناير 2016




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق