21‏/01‏/2016

زينة أوبيهي// في ذكرى 20 يناير 1988: إلى الشهيدة زبيدة والشهيد عادل

إلى كل من كتب ميلادهم على رصاصة طائشة مختومة من "تل أبيب" موجهة من سلاح كلاب عملاء يفعلون ما يؤمرون..

إلى من سالت دماؤهم في أبشع مجزرة وأقذر أشكال القتل المتعمد وأشدها سخافة حيث أعلنت أعلى مؤسسة سياسية في هرم الدولة قرارها أمام العالم وعلى الملأ وبأقصى درجات اللامبالاة وببرودة الأعصاب والشعور بأحقيتها لقتل والفتك ب"كل من سولت له نفسه التضامن مع الشعب الفلسطيني.."
إلى كل الشهداء: 
أقول إنكم لازلتم بيننا، لازلتم بجوارنا.. لازلتم بجوار كل جموع المضطهدين والمستغلين..
لازلتم في كل حارة نفسا ومشعلا ينير درب الانعتاق والتحرر.. ولازالت ذكراكم ملحمة بطولية في وجه الطغاة.. في وجه نيرانهم كتعبير عن رفض الواقع القائم ورفض استمراره بأي شكل من الأشكال ورفض الانبطاح والخضوع والطاعة.. 
ولا زلتم سندا نستلهم من بطولاتكم القوة والاستمرارية على الدرب.. 
ونعلم أن قتلكم بالرصاص الحي في رحاب الجامعة أو في الشارع أو اغتيالكم في الأقبية السرية أو الدهاليز أو عن طريقة القتل البطيء بتنفيذ مسلسلات الإجرام، ليس بصدد معاقبة بالمعنى القضائي للكلمة، بل من خلال قتلكم وسفك دمائكم أرادوا ويريدون ببساطة تامة إسكات الناس، وإخضاع الشعب.. أرادوا ويريدون إخافته وإرهابه. أرادوا ويريدون ممارسة الحكم والسلطة المطلقة.. أرادوا ويريدون إخراسنا..
نتذكركم يوم انتفضتم وثرتم وصارعتم جيش النظام وآلته القمعية، ونتذكر من هزم الجلاد في الدهاليز، ومن تحدى الجوع.. ونتذكر الأحزاب الإصلاحية وأذرعها النقابات على عهدها ب"الإجماع الوطني" و"السلم الاجتماعي" و"المسلسل الديموقراطي" والذي انتهى بها إلى المعانقة المفضوحة لأحلام الرجعية والالتحاق بأنديتها. ونتذكركم ونتذكر كيف كان يسبح "كتابها" وصحفيوها، كعادتهم في كل عهد، مع التيار باسم "الوطنية".. وكيف كانوا يتسترون على المجازر، ويتنكرون لمن قدموا دماءهم فداء للقضية الوطنية، القضية الفلسطينية، وللتحرر والانعتاق.. وكيف كانوا يمدحون الصمت.
نحن الشعب، نعرف القتلة جيدا. نعرف الذين يقفون وراء جرائم القتل، والجرائم ضد الإنسانية منذ معاهدة "إيكس-ليبان" المشؤومة من رئيس الدولة والوزراء والجنرالات والجلادين في الأقبية المظلمة والقضاة و"المحامون" و"الزعماء".. ونعرف من خان ومن تآمر ومن تاجر ومن استرخص دماء أبنائنا.. نعرف أحزابا ونقابات وجمعيات وشخصيات ومن صاروا خداما للنظام، خانوا الشهيد وأمنيته.. وخانوا القضية.. ونعرف من حملوا الجمر، في كل بقع الصراع، وبقع الفقر، وبقوا جنودا مخلصين وصادقين، ولم يكذبوا ولم يخونوا ولم يركعوا، وسلاحهم الوحيد إرادة صلبة وشموخ الثوار.. 
نعم نحن الفقراء، من دفع دم أبنائنا البررة وحريتهم ثمنا من أجل التحرر والانعتاق دون مقابل، لم تنطل علينا لعبة "الإنصاف والمصالحة" و"طي صفحة الماضي" والإخراج الممسوخ لقصص "جلسات الاستماع للضحايا" على موجات قنوات متصهينة ومتحكم فيها و"حماية الشعب من تكرار ما جرى" وكل أدوات الزينة لتأمين جلوس وخلود الجلادين على رأس هرم السلطة.. وكنا نعرف منذ البداية أن القاتل المتعمد، وأعني النظام، وبشواهد الإثبات المعلنة جهرا أمام الرأي العام المحلي والدولي، الذي لم يعاقب أبداً كمجرم حرب بسبب اقترافه للقتل، والمستأجرين من تجار الضمير، وأولئك الذين تجندوا لمحاربة أي خطر يمس كراسي المجرمين أكثر مما تجندوا لمؤازرة من يعلن التحدي في وجه العدو، لن يفتحوا هذا الملف إلا لتحريف الحقيقة وتزيين وجوه سفاكي الدماء أو في أحسن الأحوال لصبغ على مظاهرهم صفة "الشجعان" والمثقف الثوري.. ونحن من يؤمن أن شعبنا وفي يوم ليس ببعيد على الإطلاق سيقدمهم في طابور أمام محكمة التاريخ، محكمة الشعب.
نتذكركم ونحن واقفون منذ البداية بوجه القاتل ونتفحص كيف أن التاريخ يكرر نفسه في صور ممسوخة وبغباء شديد، حيث النظام يشيد فيه مسلسل القتل باستمرار ليحمي نفسه من غضب المجوعين والمحرومين والمفقرين ومهضومي الحقوق.. فلا يمر يوم دون إشهار آلة الفتك والقمع في وجوه الرافضين والمحتجين والمتظاهرين والمنتفضين.. وبكلمة بسيطة ومفهومة يدرك معناها الكبار والصغار: هل حقا تم حماية الشعب من تكرار ما جرى؟!.. وكيف والجلادون لازالوا على رأس هرم السلطة؟! والإجرام على جميع الواجهات لازال متواصلا؟!.. لأقول المسافة كبيرة بين التضليل السياسي والحقيقة الحية. فالنظام لتحقيق أهدافه المبنية بطبيعة الحال على حقوق وقوت أبناء شعبنا، وعلى ثرواتنا في البر، والبحر، وباطن الأرض، وعلى معاناتنا في المعامل والضيعات، تصبح عنده الجريمة مشرعة والأكاذيب جائزة والتضليل سياسة واستعمال الرصاص تأمين وحماية من غضب الجماهير.. وهذا كان حال الأمس كما هو حقيقة حية اليوم.. وهذه الحالة لا يمكن أن تزول سوى بزوال التناقض الذي يشكل المنتجون للثروة والنظام طرفيه الرئيسين.. وحتما زوال النظام، لأن الاحتجاج والانتفاض والتمرد، والذي يفرز اتجاهات فكرية وسياسية تعبر عنه مع تطور الصراع، هو ميل اجتماعي لازم للمجتمع الطبقي، وفي المرحلة التاريخية لازم للمجتمع الرأسمالي، بالرغم من الفتور والتخلف الذي قد يحدث في فترات من التاريخ، فهو يعاد إنتاجه دوما. ومركز وجود هذا الميل هو الطبقة العاملة وعموم الكادحين والمفقرين والمحرومين ومهضومي الحقوق الذين يمثلون الأغلبية الساحقة للمجتمع. وما يبذله النظام القائم لتصوير الاحتجاجات ك"فئة" أو "شرذمة" خارجة عن رحم المجتمع واستثنائية ووصف قواعدها باللاوطنيين وبالمشاغبين.. ما هي سوى تكتيك سياسي لتشريع القمع بهدف حماية مصالحه وتأمين النهب والاستغلال والاضطهاد. وبالرغم من عقود من القمع والقتل والإجرام للنظام، المسلح حتى قمة رأسه، لم يستطع محو وإنهاه أو الحد مما يعده مجرد "فئة" أو "شرذمة" خارج عن المجتمع.. ولازالت البلاد تشهد منذ عقود عدة عدم الاستقرار.. ولازالت المجابهة مستمرة يقودها خيرة أبناء شعبنا الشرفاء على جميع الواجهات ويرسمون ملاحم البطولة، نساء ورجالا، بدمائهم الزكية.. وهي على موعد حتمي لاتحاد لن ينفع معه الرصاصة ولا تكتيكات المنبطحين وخدام الرجعية. وهو يوم الوفاء التاريخي لدماء الشهيد.. يوم يكون على رأس الحركة والتمرد الصادقون والمخلصون لشعبنا ولتضحياته ولدماء أبنائه الزكية وللقضايا العادلة لكل إنسان على هذه الأرض وعلى رأسها قضية شعبنا الفلسطيني، قضيتنا الوطنية..

21 يناير 2016



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق