24‏/02‏/2016

إيناس محمدي// من وحي الكلمات: حركة 20 فبراير و"الشعب يريد اسقاط النظام"

من حقائق الانفجارات الشعبية التي عمت المنطقتين المغاربية والعربية وامتد لهيبها الى البلدان الامبريالية، أسجل أن أوسع الجماهير الشعبية نزلت إلى الميادين بطريقة غير مسبوقة، ومختلف التنظيمات السياسية والنقابية وجدت
نفسها خارج المعمعان وغارقة في شعارات سياسية بالية ومبتذلة وأوهام الديمقراطية البرجوازية بمنطوقها الناعم كما تروج له الأوساط الاستعمارية مع كل مقدمة للهجوم الحربي على شعب من شعوب العالم المضطهدة، بحيث لم يكن لها أي دور في عملية الخروج المكثف للجماهير الثائرة، لا تنظيميا ولا تعبويا ولا في صياغة شعار التظاهرات العارمة الذي تمركز حول الشعار الخالد والتاريخي "الشعب يريد إسقاط النظام". لقد أرهب الصمود البطولي في الشوارع، والاعتصامات في الميادين، كل الأوساط الرجعية والامبريالية والصهيونية ومعها القيادات السياسية المسماة يسارية على الأوراق والقيادات النقابية البيروقراطية وكل الطفيليات المنتعشة على فتات الأنظمة الناهبة لثروات الشعوب. وتسابقت لفض عفويتها بامتصاص بعضها ومحورة بعضها الآخر. وهو ما لم يكن ليتحقق لولا غياب الأداة الثورية وانبطاح الأحزاب المسماة يسارية.
توحدت الجماهير في لحظة تاريخية بعيدا عن تدخل أي حزب سياسي، وكان طموحها هو تحقيق مصالحها الطبقية. فالعمال كان لهم طموح التخلص من واقع الاستغلال البشع وانخفاض أجورهم وضمان حقهم في التنظيم وحق أبنائهم في التعليم، كما كان هدف المعطلين توفير فرص الشغل لضمان لقمة العيش والحياة كريمة، ونفس الشيء لدى الحرفي الذي يعاني الفقر نتيجة عجزه عن منافسة الرأسماليين في الأسواق مما عرضه ويعرضه للبلترة والتشريد، والطالب كان لخروجه هدف إزاحة مخططات طبقية تدميرية تصادر حقه في التعليم، والفلاح الفقير كان له طموح التخلص من استغلال الملاكين العقاريين الكبار، والموظف الصغير كان يهدف لتحسين أجره وإنهاء أعباء الغلاء المعيشي، وكان لنصف المجتمع الذي جسدته المرأة في خروجها بعد الخلاص من التمييز والاستغلال والاضطهاد المزدوج المسيدين من قبل المجتمع الطبقي الرجعي لغاية تحقيق المساواة الفعلية والحرية الكاملة والعيش الكريم.. كل هذه الطبقات والفئات كانت على أهبة البركان من جراء الهجوم والنهب والاستغلال الرأسمالي.. وكانت روح الشهيد البوعزيزي التضحية التي أفاضت الكأس، لتنفجر شوارع المنطقتين المغاربية والعربية كمقدمة للهيب امتد الى البورصات الأمريكية. وكانت مصالحهم كلها تلتقي موضوعيا تحت سقف التغيير الاجتماعي والسياسي لإزالة الظلم والاستعباد والتفقير والتجهيل والجوع، كسقف قادر على جعل الجموع الثائرة موحدة ومتماسكة في ميادين المعركة من تونس إلى القاهرة ومن هما معا إلى باقي الميادين المشتعلة. وهو ما عكسته في شعارها الثوري والتاريخي "الشعب يريد إسقاط النظام"، كشعار عكس استهداف الجماهير الثائرة للسلطة السياسية وللأنظمة الرجعية بشكل عام. إذن، فشعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، كما هو في عمقه، تعبير عن إرادة لتحقيق أهداف ثورية جذرية تستجيب لطموحات الجماهير الشعبية الثائرة بكل فئاتها وطبقاتها، والقضاء على أسباب الفقر والمعاناة على جميع الأصعدة.. فهو أيضا السقف الذي وحد طموحات ومطالب ومصالح الطبقات والفئات الثائرة، والتي اختارت لتحقيق أهدافها الثورية أسلوب الانتفاضات الشعبية بطريقة غير مسبوقة، خلفت للإنسانية دروسا تاريخية عظيمة في جانب الدعاية والتحريض واستغلال ما توفره التطورات والخبرات العلمية والتكنولوجية لخدمة القضايا العادلة والمصيرية للإنسانية. ولكن السؤال هو لماذا لم تنجح الانتفاضات الشعبية في تحقيق طموحات هذه الجماهير الثائرة؟ وهل الجموع تفرقت وتشتت لحمتها دون أن تحقق أهدافها لكون المنتفضين رفعوا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، مثلما يتم تمريره عبر بعض الكتابات والتصريحات البئيسة؟ 
تطور الاحتقان الاجتماعي في العقود الأخيرة بشكل خطير في ظل مخططات طبقية استهدفت الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للجماهير الشعبية الكادحة، كنتيجة لوضع طبقي تسيطر فيه طغمة الكمبرادور والملاكين الكبار ورهن بلدان المنطقة وكل خيراتها للمصالح الامبريالية والصهيونية وتقديم مستقبل الشعوب للهيب المخططات الجهنمية للمؤسسات المالية الكبرى وعلى رأسها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، أي لبنية طبقية تستحيل الاتساع للديمقراطية وحقوق الإنسان ولو طبقا لصيغها البرجوازية الواردة في النصوص والمواثيق الدولية. وهذا ما خلف ويخلف واقعا مترديا وتدهورا فظيعا على جميع المستويات، قاد ولازال يقود حتماً إلى الانتفاضات والثورات. وفشل الجماهير الثائرة في تحقيق أهدافها مع موجات الغضب الثوري، التي أشعلتها روح البوعزيزي، لم يكن نتيجة لرفع شعارها النوعي والمتميز "الشعب يريد إسقاط لنظام" المعبر عن المضمون الثوري للانتفاضات الشعبية، والذي أزعج وأرهب كل البرجوازية بمختلف مكوناتها. بل العكس، إن شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" شكل السقف المتسع والمستوعب لكل طموحات ومصالح الفئات والطبقات الشعبية في ظل أنظمة لا وطنية لا ديمقراطية لا شعبية، تستحيل استجابتها لهذه الطموحات ويستحيل بناء الديمقراطية وتشييد الحرية تحت سقفها. وميادين الاعتصامات في كل من تونس ومصر واليمن وسوريا كانت خير دليل على وحدة وصمود الشعوب تحت ذات الشعار. ويمكن الإشارة لحقيقة تاريخية مسكوت عنها سجلت على أرض المعركة البطولية لأبناء شعبنا بفاس أيام 20 و21 و22 فبراير 2011 متحدين لكل فرق القمع التي جيء بها لصد الانتفاضة تحت غطاء "الشعب يريد إسقاط النظام"، وأن الأحزاب السياسية بمختلف تلاوينها لم يكن لها أي حضور باستثناء المناضلين الثوريين الأشاوس. وضرائب السجون والمطاردات والاختطافات لسنوات 2011 و2012 خير شاهد على ما أقول. لكن السؤال هو هل تخلي وتراجع جماهير شعبنا عن حضور أشكال "حركة 20 فبراير" كان نتيجة لرفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"؟ بلغة أخرى هل جذور التراجع تكمن في وضع سقف تتسع تحته جميع مطالب شعبنا؟! وماذا يعني إسناد تراجع جماهير الحركة لشعار سياسي، وهو في عمقه، شعار يشكل السقف الموحد لكل الفئات المعنية بعملية التغيير الجذري؟ جوابا عن هذه الأسئلة، أقول إن تراجع الحضور الجماهيري في أنشطة الحركة في الفترة الراهنة، دون أن تتحقق أهداف الحركة وطموحات جماهيرها، حقيقة ملحوظة ولا يمكن أن ينشب حولها جدال. لكن البحث الجاد والمسؤول والعلمي يستدعي النبش في الظروف الذاتية للمعنيين بطموحات الحركة وأعني بالدرجة الأولى الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين وفي أوهامهم وثقتهم بالقيادات الانتهازية والانبطاحية، وهي الأوهام نفسها التي يروجها عناصر البرجوازية الصغيرة من مثقفين وإعلاميين و"ثوريين" مزيفين، والتي تقف على نفس المسافة مع التحليل الذي ينسب الإخفاق لسقف يعكس طموح الجماهير المنتفضة لهدف تحويل كل طموحات شعبنا إلى رميم، لتشيد فوق أنقاضه الأوهام الديمقراطية البرجوازية في ظل النظام القائم. وكل هذا يعد انعكاسا لدور القوى السياسية الإصلاحية والانتهازية والنزعات البرجوازية الصغيرة على الحركة ولتأثيرها السلبي على الجماهير في ظل غياب الحزب الثوري، بحيث بدل أن يكشفوا أن النظام عاجز عن أن يكون ديمقراطيا وليس بمقدوره أن يحقق المطالب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للعمال والفلاحين الفقراء والطلبة وكل الكادحين استنادا إلى خصائصه الطبقية وارتباطه بالامبريالية ومهمته في إنقاذ مصالحها بكل الأساليب الجهنمية، وأن المهمة التاريخية لتحقيق طموحات الجماهير الشعبية تستدعي إسقاطه، يخرجون سهامهم لهدم السقف الثوري للحركة وتسويقه كعامل "شيطاني" ساهم في إبعاد الجماهير عن حركة 20 فبراير. بلغة أخرى ساهم في تأزيم الحركة ليتستروا على عجزهم وأزمتهم وانحطاطهم السياسي ولخنق طموحات شعبنا وتأجيل ثورته الوطنية الديمقراطية الشعبية القادمة لا محالة. لهذا يتم تشديد النضال النظري لدى تيار البديل الجذري المغربي (C.A.RA.M.) للتصدي الحازم والتام للأوهام والخداع البرجوازي ولكل الرؤى غير البروليتارية وللتقدم بثبات نحو تقارب، بل وحدة الماركسيين اللينينيين الفعليين لهدف بناء الحزب الثوري، وفضح المحتوى الطبقي والدور السياسي للنظام الراهن والقضاء على توهم جماهير الكادحين به، وإبراز أن الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية هي السقف والسبيل الوحيد لتحقيق طموحات الجماهير الشعبية المضطهدة المعنية بالتغيير الجذري، وفي مقدمتها الطبقة العاملة..
  24 فبراير 2016



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق