08‏/02‏/2016

البديل الجذري// -لاسامير- (المغرب).. هل تشريد ما يزيد على 8000 أسرة لا يستحق الدعم الشعبي؟


يرجع تاريخ العديد من الشركات العملاقة والتي نعرفها حتى اليوم الى ما قبل الحرب العالمية الأولى؛ وبشكل أكثر دقة، الى نهاية القرن التاسع
عشر. فمنذ ذلك التاريخ بدأت بعض الشركات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا تقيم وحدات إنتاجية خارج حدودها الأصلية.
وتقدم النموذج والنشاط الصناعي والتجاري لهاته الشركات العملاقة ليغطي عدة بلدان. وصار لها تأثيرا عميقا على مجرى الحياة الاقتصادية، وحتى السياسية (بدون شك). فالثابت، أنها تستطيع أن تحرك مقادير ضخمة من الأرصدة النقدية، وبالتالي تستطيع أن تهز مركز العملة في البلد المعني. كما أنها توظف استثمارات هائلة في الصناعات المتقدمة فيه. ذلك الأمر الذي يضاعف من مواردها المالية في البلد الذي تنشط فيه. غير أن هاته القوة التي تتمتع بها، باحتلالها لمراكز جبارة، تؤثر في القرار السياسي وتولد آثارا اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تشمل الدولة والمجتمع ككل. إذن، هاته التأثيرات على الدول المضيفة لهاته الشركات تعد نقمة شاملة ترمي الى شل اقتصاد البلدان "النامية" وإبقائها في دائرة التخلف والتبعية.
فرغم إشراك الدولة ومؤسساتها مع الشركة الأجنبية في ميدان الإنتاج والتصنيع والخدمات اشتراكا في الخدمات والالتزامات والحقوق، فهي على هذا الأساس وسيلة لاستغلال الخيرات والموارد الطبيعة. إذن، تبقى الشركات العملاقة هي المستفيد الأوفر حظا من خيرات الشعوب. واستنزاف خيرات الشعوب من طرف هاته الشركات يتم بمباركة وتواطؤ النظام السياسي في البلد المعني. واعتماد هاته الشركات وحدة التكامل في نشاطها سواء كان هذا التكامل ضمن الشركة الأم المتواجدة في البلدان الرأسمالية أو بينها وبين فروعها عبر العالم، وذلك من خلال قيامها ومزاولتها نشاطها وإدارة مشروعها من بدايته الى نهايته مرورا بالإنتاج والتوزيع. وهذا ما نلمسه في الشركات البترولية؛ وهي تبتدئ من مرحلة البحث وعبر التنقيب الى الإنتاج، مرورا للتكرير ثم النقل والى التسويق وصولا الى التوزيع وكذا التصنيع البتروكيمياوي؛ التي تعني السيطرة على الثروات ونهب الخيرات واستغلالها لصالح هذا الأخطبوط عبر العالم. ويبقى السؤال: لماذا تعجز شركات عملاقة في البلدان التبعية على تحقيق هذه الصفات؟
فلنأخذ، كنموذج، شركة سامير بالمغرب..
سامير شركة مجهولة الاسم، مختصة في تكرير وتجارة النفط. وهي تملك المصفاة الوحيدة في البلاد. وحسب الأرقام الرسمية لهذه الشركة، تبلغ طاقة إنتاجها حوالي 125000 (مئة وخمسة وعشرين ألف) برميل في اليوم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأرقام التي تعطى من طرف هاته الشركات تدخل في إطار خصوصية -حساسية الإنتاج، فهي تتموقع في خانة المعطيات السرية للشركة-، فالأرقام المعلنة إذن، هي أرقام تتماشى ومصالحها في علاقتها مع الأرباح التي توفرها في الأسواق، وكذلك في علاقاتها بجميع المؤسسات سواء داخلية كانت أم خارجية، والتي لها ارتباط بها سواء كان ذلك قانونيا، أي في علاقاتها بالمؤسسة الضريبية، أو كان اقتصاديا، أي في علاقتها بمجموعة من الشركات التي تعمل بالوكالة، أو حتى مع الشركات التي لها أسهم مع الشركة الأم. وبالتالي فهاته الأرقام بعيدة كل البعد عن حجم الإنتاج الحقيقي للشركة..
وترجع جذور الشركة الى عام 1919، تاريخ اكتشاف النفط بمنطقة "سلفات" التي توجد بالجهة الشرقية لمدينة سيدي قاسم. ونظرا لأهمية اكتشافه، تم تأسيس الشركة الشريفة للبترول عام 1929، وتم تعزيز تواجدها باكتشافات أخرى، وبالضبط بمنطقة عين الحمراء عام 1934. وفي 1951، سيتم استيراد البترول الخام من الخارج من أجل إعادة تكريره بمصفاة سيدي قاسم بعد نفاذ مخزون الحقول المكتشفة في المنطقة إثر بشاعة النهب الذي مارسه الاستعمار الفرنسي.
بالموازاة مع ذلك، سيتم مد أنبوب يضخ البترول من المحمدية الى سدي قاسم. وفي عام 2008، سيتوقف هذا المد بتوقف العديد من الوحدات الإنتاجية بالمصفاة، وذلك لعدم مواكبتها للتطور الحاصل في ميدان التكرير الذي عرفه المغرب في السنوات القليلة الماضية، حيث فرضت الدولة نص مرسوم وزاري يتضمن الموافقة على المعايير الدولية البيئية، هذا المرسوم يعني ضمنيا انتهاء صلاحية مصفاة سيدي قاسم، خصوصا أن عملية تطوير هذه المصفاة كانت قد توقفت سنة 1997، وهي السنة التي عرفت خوصصة الشركة، ثم دمجها ضمن شركة سامير سنة 1999، وذلك بتحويل 67 في المئة من الأسهم الى شركة «كورال» السعودية في أوج توقيعات المواثيق/الصفقات السياسية بين "الكتلة الديموقراطية" وأذرعها النقابية من جهة والنظام من خلال وزير الداخلية إدريس البصري من جهة ثانية، لتأثيث المشهد السياسي ولضمان الانتقال السلس للسلطة وتجاوز ما كان يعرف آنذاك في أوساط النظام ب"السكتة القلبية". لكن الدولة بمعية الشركة اتجهت الى التخلي عن مصفاة سيدي قاسم. وتبين هذا التخلي حسب شركة سامير نفسها في تقليص الدولة للدعم الذي كانت تخصصه لنقل البترول الخام من المحمدية الى سيدي قاسم، الأمر الذي جعل الإنتاج يتقلص بشكل كبير في 2003.
إن تفويت غالبية القطاعات الحيوية للخواص لم يكن من باب الصدفة أو الانزلاق أو التسرع، أو لعدم مردوديتها أو أزمتها المالية، كما تم الترويج من طرف أبواق الرجعية والأقلام المأجورة للتغطية على جرائم النهب لخيرات البلد، بقدر ما هي انصياع للمؤسسات المالية الدولية، البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، وتماشيا مع مصالح النظام القائم وقاعدته الطبقية. لهذا، تعجز شركات محلية كبرى في ظل نظام التبعية عن تحقيق صفة الاحتكار بالمواصفات التي تحققها الشركات في المراكز الامبريالية. وعلى هذا الأساس، كان إهداء شركة سامير لمجموعة «كورال» السعودية، التي كافأت على المكشوف عبد الرحمان السعيدي، وزير تنشيط الاقتصاد والخوصصة، منتدب لدى الوزير الأول مكلف بمؤسسات الدولة آنذاك (في عهد الحسن الثاني 1997-1998)، بإهدائه كرسي المدير العام لشركة "لاسامير". وهي حقيقة من الحقائق الساطعة التي تعري ما كان يختبئ خلفه النظام من مبررات. وإلا كيف يمكن فهم هدية من هذا المستوى لوزير أشرف على تدبير الصفقة؟!! ونفس الشيء تم في تفويت غالبية القطاعات العمومية، بحيث كان المسؤولون على تسييرها ومن قادوها إلى "الإفلاس" هم أنفسهم من فاز بالصفقات.
فكل ما قيل ويقال عن المجموعة السعودية بأنها لم توف بالتزاماتها في مجال الاستثمار لتطوير طاقتها الإنتاجية، رغم الارتفاع المستمر لطلبات السوق وكذلك رغم استفادتها من القروض على مستوى الأبناك أو عدم دفع الضرائب للدولة أو أنها هربت الأموال الضخمة الى الخارج، كل هذا الكلام الصادر عن مسؤولين كبار في الدولة ما هو إلا تضليل وتستر على الحقائق، متناسين أن كل ما يروجون له في عمقه هو فضيحة من فضائحهم الكبرى. ولنفترض إن كانت هاته المعطيات صحيحة، فيجب طرح سؤال عريض: أين كانت الدولة؟ وأي دور يمكن، بل يجب أن يقوم به ممثلو النظام في علاقاتهم بمسؤولي الشركة؟ مع العلم أن كل البيانات تتوفر عليها الدولة باعتبارها مساهمة داخل الشركة وتتوفر على عقد بينها وبين هذه الأخيرة، ولو ببنوده المطاطية. فالإجابة واضحة للعيان، لقد باع النظام البلاد وخيراتها من دون حسيب أو رقيب وترك الباب مفتوحا لكل من أراد استغلال ما تبقى من خيرات البلد، على أساس اقتسام الغنائم والأرباح..
أما عدم دفع الضرائب، فهذه الأخيرة تفرض أصلا على المستضعفين، ويتم إعفاء الشركات الكبرى. فإن وجدت (شكلا)، فذلك بثمن رمزي لا أقل ولا أكثر.
لنعد الى هذه المسرحية، إن شراء مجموعة العمودي للشركة الوطنية للتكرير "لاسامير"، هذا الشراء تم بعقد، بحيث يتضمن هذا الأخير ثمن الشراء، وهو 300 مليون دولار، والذي اعتبر في حينها هدية سخية من النظام الرجعي القائم بالمغرب لحليفه الرجعي القائم بالسعودية. في حين قدر الخبراء سعرها الحقيقي بما يفوق بكثير ملياري دولار. وتهربت الشركة من أداء 13 مليار لنفس الدولة، وهذا ما نفاه المدير العام للشركة. فهل هذا العقد لم يتضمن مدة تسديد هذه الضرائب؟ أم أن قانون الضرائب في البلاد لا يشمل إلا البسطاء والصغار الذين لا يتوفرون على غطاء من أهل النفوذ، لحمايتهم؟ وإن كانت الديون على مستوى الأبناك، فلا يمكن أن تترك كل هذه الديون تتراكم. فالأبناك تقتطع كل شهر المبلغ الموجب من حساب الشركة -أي قبل الإفلاس-، أي بعد أخذ القرض من الأبناك يتم اقتطاع القدر المتفق عليه وفق المدة الزمنية المتفق عليها بين الطرفين. إذن، كيف تراكمت هذه الديون؟ وهذا يعني أن الأبناك سهلت العملية بإعادة جدولة ديون الشركة. بمعنى، هل هذه العملية لم تكن بضمانات على المستويات العليا، خصيصا أن الدين وصل لحدود مقلقة؟ حقا، هذه المسرحية لها فصول مضحكة، لكن معروضة من خلف الستار، يشاهدها المعنيون بالضحك على ذقوننا، نحن الضعفاء، نحن الجماهير الشعبية المضطهدة، نحن الطبقة العاملة المستغلة ببشاعة.. يفبركون مسرحيات خادعة ويصنعون الأوهام من أجل إخفاء وطمس أمرهم/طبيعتهم/جرائمهم.. فلا داعي للوهم ولإنتاج مبررات مفضوحة للتستر عن جرائم حقيقية ضد مصالح الشعب المغربي. فلماذا؟ وممن تخشون؟؟؟ فلا حسيب ولا رقيب؟؟؟!!! إن حقيقة النظام هي الفساد بكل أشكاله، هي تزوير الحقائق وهي نهب خيرات هذا البلد والهجوم/الإجهاز على المكتسبات، هي امتصاص دماء أبناء الشعب خدمة لأسياده الامبرياليين وضدا بالخصوص على مصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء.. فشركة "لاسامير" ليست الأولى ولا الأخيرة في قائمة النهب والاستغلال والتفقير والتشريد...
فلنعد الى إعلان 05 غشت 2015، التاريخ الذي أعلنت فيه الشركة توقيفها لأهم الأنشطة، ومنع البواخر المحملة للبترول من ولوج المحمدية. والسؤال: ما موقع الدولة المغربية من هذا القرار؟ و ما هو سر سكوتها؟ أم أن هناك خبايا تخص الأمور الداخلية للنظام؟ ومن المستفيد من هذا القرار لتلتزم الدولة الصمت؟ أكيد هناك مستفيد، وبالدرجة الأولى المجموعة المهنية للشركات البترولية بالمغرب، والتي كانت تستحوذ فقط على 35 في المائة من سوق المحروقات في المغرب. وكيف لا وهي من ستستفيد من السوق بكاملها باستيراد النفط المعالج أو البترول المكرر، وعلى رأسها شركة إفريقيا لصاحبها أخنوش؛ وخصيصا أن الأزمة عجلت بإنهاء فرع "لاسمير" الجديد -"شركة توزيع الوقود والمحروقات"- الذي أعلنت من خلاله سابقا أنها ستستثمر على مدى خمس سنوات ما بين 600 مليون ومليار درهم في إنجاز 150 إلى 200 محطة للخدمات؛ إضافة لنافذين آخرين مستفيدين من فوضى السوق السوداء المؤمنة من الأنظمة الداعمة للمجموعات/الجماعات المسلحة العميلة المسيطرة على بعض حقول النفط في كل من سوريا والعراق وليبيا... وقد استفادت أيضا المجموعة المهنية للشركات البترولية بالمغرب من ارتفاع مبيعات المحروقات في السوق المغربية بنسبة قاربت 15 في المائة. وإلا إن كان ذلك غير صحيح، فلم لم يغرق البلد بعد هذه المدة في وحل أزمة المحروقات والتي بالتأكيد كانت ستوقع الاقتصاد المحلي في أزمة خانقة لا سابق لها باعتباره قطاعا حيويا قد يحدث زلزالا اقتصاديا في حالة اختلاله؟! وأيضا لماذا لم تتدخل الدولة لخفض سعر المحروقات في وقت عرفت فيه الأسعار العالمية انخفاضا مهولا وصل إلى أدنى مستوياته، شأنه شأن باقي المواد المعدنية؟! وأين النقابات من هذا القرار؟! وأين الأحزاب السياسية؟! ألا يهمها مصير قاعدة واسعة من الطبقة العاملة المعرض مصيرها للمجهول؟ لقد شكل لها ذلك، وبالمكشوف، فرصة لتقتات من بؤس ومحن العمال على موائد الكبار، ولتتآمر على مصالحهم من أجل مصالحها الضيقة، تحت يافطة الدفاع عن الطبقة العاملة، سيرا على طبيعة قياداتها المافيوزية المباركة من طرف الزبانية المتواطئة بكل أطيافها الانتهازية..
لهذا، فهذه الوضعية هي التي تجعل النظام غير مكترث لإعلان 5 غشت 2015 باعتباره راعي مصلحة البرجوازية الكبيرة. كما أن هذه الوضعية فتحت شهية المجموعات الكبيرة لوضع يدها على هذه السوق. ومنه، فالقرار لن يؤدي ثمنه بالدرجة الأولى سوى عمال الشركة وعمال شركات الوساطة والمناولة وأسرهم التي تفوق 8000 أسرة، منهم 3500 عامل مرتبط بمصير الشركة بشكل مباشر، وكذا المستهلك الذي حوله النظام وحكوماته المتعاقبة إلى ألعوبة في يد الحيتان الضخمة بعد أن تجند لتصفية صندوق المقاصة والذي كان يرمي إلى "الحذف النهائي لدعم المواد النفطية السائلة" كما جاء على لسان وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد بعد التوقيع على اتفاقية التصديق على أسعار المواد النفطية بين الحكومة وموزعي المواد النفطية، تحت ذريعة "الأخذ في الحسبان القدرة الشرائية للمستهلكين، ومصالح المقاولات النفطية والحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية"، وهو ما عبر عنه رئيسها البهلوان الثرثار عبد الإله بنكيران. وينضاف الى ذلك الانخفاض المهول في نشاط ميناء المحمدية لاعتبار أنشطة "سامير" تشكل 87 في المئة من نشاط الميناء.. وإلا، ماذا يمكن أن نفهم من تصريح المدير العام للشركة بأن مشكل "سامير" يتجاوز الكل حتى العمودي نفسه، مالك المجموعة؟؟!! أم أن الأزمة مفبركة من أجل التخلي عن "سامير" لأجل مجموعة أخرى ك"اونا" ـ الشركة الوطنية للاستثمار- أو لمجموعة أخرى خارج البلد؟ وكيفما تكن الخلفيات الرجعية والصهيونية والامبريالية، فإن أزمة "سامير" هي مرآة مصغرة لطبيعة النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، القائم على النهب والتبعية والانصياع لمصالح الامبريالية بالدرجة الأولى.
وبالمناسبة، نتساءل: هل تشريد ما يزيد على 8000 أسرة لا يستحق الدعم الشعبي؟ وهل لا يستحق إسماع أصوات المضطهدين في شوارع الرباط، ولم لا في كل الشوارع؟ وهل السلوك النضالي لا يستوجب أن ننزع عنه رداءه البرجوازي الصغير (الانتهازي المقيت) الذي يبحث عن موقع لصورته بين الأسماء "المشهورة"؟.. إن موقع عمال "لاسامير" هو ضمن ساحة المعارك الحقيقية التي تستوجب اقتحامها بكل جرأة ومسؤولية.. إنه ضمن ميادين الشعارات الكبرى لمن يعتنقها بصدق وكفاحية، شعارات الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية..

تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق