23‏/03‏/2016

غريب الصياد// ذكرى انتفاضة 23 مارس: صرخة الحق المقدس في التعليم في ظل الاستعمار الجديد..

ما كادت دولة الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار تصلب عودها بعد الاستقلال الشكلي حتى استأثرت الطغمة الفاسدة والعميلة بتدبير معظم ثروات ومقدرات
البلد وتهافتت ذات الطغمة على رعاية مصالح رأس المال الامبريالي التي انتعشت بشكل أكثر يسرا من مرحلة الاستعمار المباشر. وبالمقابل ازدادت أوضاع الجماهير الشعبية تفقيرا وبؤسا، ولا حديث إلا عن الأزمة خصوصا مع الاعتراف بالأمر بشكل كاريكاتوري من طرف النظام القائم نفسه؛ إذ أتت سياسة المخطط الخماسي الذي امتد من 1960 إلى 1964 على قوت الجماهير وبات الكل يعاني، عمالا وفلاحين صغار أو مشردين ومستخدمين في الإدارة المغربية حديثة العهد؛ الكل تجرع مرارة المخططات التقشفية المفروضة فرضا من طرف الامبريالية ووسطائها/وكلائها المحليين..
"ما هذا التناقض الصارخ؟"، هكذا قال لسان حال الجماهير الشعبية المقهورة. ولهذا السؤال الجوهري تمظهرات عدة بحسب مستوى وعي من يطرحه. كانت الدار البيضاء تعج حقا بالمتناقضات، عقد من التطبيل للاستقلال مقابل عقد من النهب والسرقة لإرساء معالم استعمار جديد، قلة محظوظة تنعم في البنايات الشاهقة سكنا ومكاتب استثمار ودعارة "راقية"، وأغلبية ساحقة لا تجد ما تسد به الرمق، طغمة تستحوذ على أجود وأشسع الأراضي الفلاحية الغناء، وطبقة سياسية تتسكع في مملكة أوهام بورجوازية صغرى من قبيل الإصلاح الزراعي و"الملكية المواطنة"، حياة سياسية رتيبة تعزف على وتر الاستقرار للنظام القائم وبناء مغرب "الاستقلال" مقابل البطش والاعتقال والاختطاف والتعذيب في الأقبية السرية والعلنية، جماهير يزداد وعي طلائعها يوما بعد يوم، وسياسة انتظارية تغلف خطاباتها العاجزة باشتراكية مفترى عليها، حاجة ماسة للتعليم والشغل مقابل الأبواب الموصدة أما الآباء والأمهات المتعطشين لتعليم الأبناء...
لقد كانت هذه التناقضات وبمعية عوامل أخرى (منها ما هو محلي ومنها ما هو إقليمي) عوامل ضغط وانفجار. ولقد شكلت انتفاضة 23 مارس 1965 المجيدة حقا وفعلا تلك القفزة النوعية في مسار تحرر الشعب المغربي وفي وعي جماهيره المفقرة وطلائعها الثورية.
إنه لمن غير المنصف التطرق في هذه المناسبة لانتفاضة التلاميذ والطلاب دون سبر غور قوى تضاهيها في الأهمية بما كان، قوى تشكلت بشكل موضوعي في مسار تطور المجتمع المغربي مع الأخذ بعين الاعتبار لمجمل العوامل التي ساهمت في هذا التشكل، وكم نحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضى لعديد الأعمال التي تكشف طبيعة القوى "المتناضلة" في بلدنا وفي زمننا، ومن ثم تلمس الطريق الصحيح على أرضية الممارسة العملية للصراع الطبقي.
فمعلوم أن نسبة النزوح لسكان البوادي المفقرين نحو المدن الصناعية الناشئة آنذاك انتقلت من حدودها الدنيا إلى أضعاف مضاعفة، وعلى مستوى الدار البيضاء مثلا، كانت الضواحي تغص بدور الصفيح ويعيش سكانها في أوضاع لا تقبل بها حتى البهائم وسط الأوساخ والقاذورات ومياه الصرف الصحي، بين البرد القارس شتاء والقيظ الحارق صيفا، كما تباينت أشكال قوة العمل بين الدعارة والخدمة في البيوت والعمل الهش والموسمي، لكن الأغلبية كانت تنتظم بشكل حثيث وموضوعي في صفوف جيش احتياطي للعمل بلغ قوامه مئات الآلاف قياسا على عدد سكان المدينة آنذاك.
ومن جهة أخرى، وعلاقة بأزمة التعليم فقد انسدت أبواب إتاحته بعد استكفاء الطغمة الحاكمة ودولتها، ومع بنيات الاستقبال غير الكافية لم يعد يستفيد من التعليم سوى ثلث الأطفال البالغين سن التمدرس، مع الأخذ بعين الاعتبار لظروف أبناء البوادي التي شكلت أغلب مساحة المغرب. كما بلغت الأمية نسبة تضاهي التسعين بالمائة من مجموع سكان المغرب (حسب الإحصاءات الرسمية المتوفرة) في مقابل اجتياح المدارس من قبل أبناء الشعب في تطلع لا محدود للتعليم، في تضحية بالغالي والنفيس لتعليم الأبناء لما للتعليم والتحصيل ومحو الأمية وحصد الشهادات من دور مساعد بشكل كبير في التقدم بهذا القدر أو ذاك في المرقاة الاجتماعية؛ فمثلا وكما لا يخفى على أحد ما كان يمثله مجرد الحصول على شهادة ابتدائية في مغرب لم يمر بعد عقد على خروجه من الاستعمار المباشر من ضمان للحصول على الوظيفة، خاصة الشهادة الثانوية التي كانت تفتح آفاقا أوسع للفرد تجعل الوظيفة لا تعدو أن تكون حلم البسطاء قليلي التطلع.
لقد كان قرار يوسف بلعباس المتضمن بمرسوم مارس 65 يعكس أزمة النظام الاقتصادية والتي أدت لتقليص ميزانية التعليم ومن ثم إيجاد صيغة جهنمية تخول الطرد لأبناء الشعب بحجة عتبة السن المفروضة لإنهاء التعليم الثانوي، وطبيعي بالنظر إلى وضع التعليم آنذاك والحالة الاجتماعية الاقتصادية المتردية للمعنيين بالتعلم والذين يشكلون الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب المغربي، بالإضافة إلى قلة الأطر والبنيات والكتلة الزمنية المخصصة للتحصيل منذ بداية المسار، -بالنظر إلى كل هذا- فقد كان من البديهي أن تقطع مقصلة المرسوم سيء الذكر آلاف الرؤوس المتعطشة للتعليم، في مغرب أحكمت فيه قوى الاستعمار الجديد قبضتها على معظم الخيرات التي يزخر بها الوطن المنهوب والمرتهن للامبريالية بعيد عقد من الزمن على صفقة/ مؤامرة أيكس ليبان..
فما أن فاحت رائحة أولى الجرائم البشعة في حق تعليمنا في تاريخ مغرب ما بعد ايكس ليبان، حتى تفجرت الانتفاضة المجيدة يوم 23 مارس 1965 بالدار البيضاء، كما سجل التحام جمهور الفلاحين "الممدنين" قسرا بالتلاميذ، جمهور الفلاحين المهجرين من أراضيهم الفلاحية من طرف النظام ومافياته من كبار الملاكين العقاريين، جمهور الفلاحين "المبلترين"، وقد كانت كل الظروف مواتية للانتفاض، كما شكلت الانتفاضة المناسبة المثلى لكشف زيف وهم الإصلاح الزراعي وتعليم المغاربة و.. "مغرب الاستقلال"، فمعلوم أن غنائم أكذوبة الاستقلال قد تقاسمتها البورجوازية الهجينة الطفيلية مما خلف تشريد جموع الفلاحين المشردين في الكاريانات ومدن القصدير.. وكما تصب الزيت على النار، التقت مصالح قوى الشعب التواقة للتحرر والانعتاق الحقيقيين وانفتحت آفاق جديدة للثورة المغربية، في امتداد مشروع المقاومة الباسلة وجيش التحرير، كما انفتحت آفاق وعي جديد ويسار جديد، بديل عن القوى الإصلاحية (حزب التحرر والاشتراكية والاتحاد الوطني للقوات الشعبية) المهادنة للنظام ومن يدور في فلكه، يسار بعيد عن لعبة شد الحبل بين الجاثمين على ثورة أكيدة، يسار طرح على عاتقه "بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو"..
ولا نحتاج هنا للتذكير بالمجازر التي ارتكبها النظام في حق الجماهير الثائرة، فقد كثرت الأعمال المؤرخة بالأرقام والأسماء المتورطة في المجزرة الرهيبة، حيث لم تسلم حتى المدن المتضامنة من بطش النظام وقائد جيشه المتعطش للدماء، التلميذ النجيب لفرنسا الامبريالية. والأكيد أن عجز القوى المتخفية في قوى اليسار آنذاك (بيان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مباشرة عقب خطاب الحسن الثاني) ومساومتها على أرواح الشهداء (مقابل إطلاق سراح بعض الاتحاديين) وغياب حزب الطبقة العاملة قد شكلا عامل الحسم في إخفاء عورة الإجماع المزعوم لتثبيت أركان النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي وتأبيد معاناة الشعب المغربي. إن مجزرة 23 مارس لوحدها كافية لإسقاط كل المزاعم باستكانة الشعب أو التقليل من قوته ومقدرته على الإطاحة بعتاة الجبابرة لو كان منظما، حجم القتل وملايين قراطيس الرصاص المتناثرة في شوارع البيضاء وشعارات السخط والحقد المرفوعة وأشكال غضب الجماهير المعبر عنها كانت دلائل قاطعة لا يشك بعظمتها إلا من لا يؤمن بالجماهير إلا في الدعاية الديماغوجية والشعارات المحسوبة على المقاس، لا يؤمن بالجماهير وقوتها الضاربة خصوصا إن كانت منظمة، الأمس كما اليوم، سوى من يسبون الشعب الذي مل منهم ومن انتظاريتهم، سوى من يجعلون الشعب مطية تبرير الاستكانة والخنوع والطروحات المفلسة والمتآكلة..
لقد كان شعبنا عظيما ولا زال عظيما... فمن انتفاضة شعبية الى أخرى حتى النصر..


21 مارس 2016.





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق