28‏/04‏/2016

وكزيز موحى// مؤتمر الطبقة العاملة الفرنسية 51 وقيادة نقابية هجينة...

قيل وكتب وصور الكثير عن المؤتمر 51 لنقابة الكونفدرالية العامة للشغل (CGT) بفرنسا المنعقد بمرساي الأسبوع المنصرم. ولم يعد الحدث إلا رقما من أرقام أو
موضوعا من المواضيع الروتينية والموجهة للاستهلاك الإعلامي. وخلصت التقارير الى ما تمليه إدارات التحرير الموالية سياسيا والمرتبطة ماليا بدوائر رأسمالية لا يشغل بالها إلا ترويض رأي العمال قبل غيرهم وتوجيه وبوتقة نضالاتهم المريرة في وجهة تنسجم وخدمة الرأسمال ونظامه. 
اشتد الصراع بين العمال والرأسمال بفرنسا وأخذ صيغا متعددة وتعابير تكثفه حول طبيعة النظام القائم من جهة والبديل عنه المتشكل من قوى العمال وباقي الطبقات المستغلة. تشهد الأشهر الأخيرة عن دينامية متصاعدة لنضالات العمال والفئات والطبقات الأخرى، وما يمكن تسجيله هو اتساع وتعدد الأشكال النضالية التي تخترق الجسم الشعبي والعمالي، إضرابات بطولية، مسيرات، وقفات، احتجاجات عمت كل مناطق البلاد وجل مرافقه الاجتماعية والاقتصادية. 
ومن جهة ثانية، شدد النظام الحالي بقيادة الحزب الاشتراكي قبضته وعمل بدون هوادة على التراجع عن المكتسبات الاجتماعية وعمل على تطبيق مخططات تستهدف في الصميم الطبقة العاملة وسائر الطبقات، بل حتى ما يسمى ب "المصلحة العامة"، وأصبحت الدولة خاضعة لمستلزمات السوق الأوروبية وماليتها لا ولم تعد تسمح بما يسمونه بالعجز المالي (أي صرف مستحقات ولوازم الخدمة الاجتماعية) والقوانين المالية المتحكمة في الميزانية هي نفس القوانين المؤطرة لشركات الخواص. وبلغة أخرى، أصبح القطاع الخاص هو القطاع العام، وكلي القطاعين يخضعان للتوازنات المالية التي تسمح بالربح وتراكم الرأسمال وتصفية أي خدمة اجتماعية.
إن الإنتاج الرأسمالي بفرنسا قد ضيق الخناق عن العمال وزاد من استغلالهم واستعبادهم، بل إن الحزب الاشتراكي ونقاباته وجمعياته زاد من هذا الاستعباد للعمال باسم اليسار. إن كل القوانين المنظمة للشغل وكل القوانين المنظمة للخدمات الاجتماعية (سكن، صحة، تعليم، تقاعد، ضمان اجتماعي، ثقافة، ترفيه، سياحة... الخ) وكل القوانين المنظمة لللامركزية والجهوية وإعادة تنظيم التراب الوطني، كل هذا الفضاء العام تم تسييجه بنسيج من أدوات إدارية واجتماعية يحكمها الربح والمنافسة الرأسماليين. هكذا تم الإجهاز عن ما اكتسبته الطبقة العاملة بنضالاتها وبدمائها بعد الحرب العالمية الثانية.
شهدت سنة 2016 منذ البداية نضالات عارمة بكل القطاعات بدون استثناء، بل أصبحت حتى فئات من البرجوازية تقلد الطبقة العاملة وتحتل الشوارع لإسماع مطالبها. ومن بين هذه الشرائح المحامون والحرفيون والأطباء... الخ. أما العمال فحدث ولا حرج، حيث شهدت قطاعات صناعية بالأساس نضالات بطولية أرغمت القيادات النقابية والسياسية لتبني أو الركوب على هذه النضالات والإضرابات البطولية لمحورتها سياسيا وتوجيهها وجهة التصالح الطبقي والحوارات الفاسدة والمفسدة لوعي العمال أولا وأخيرا.
تشهد أغلب المدن الفرنسية وقفات واعتصامات جماهيرية ليلا، وأشهرها اعتصامات ساحة الجمهورية بباريس وساحة الكابيتول بتولوزCapitol à Toulouse، إلا أن هذه الحركة كما قلت عمت جل المدن صغيرها وكبيرها. وانطلقت هذه الاحتجاجات ليلة المسيرات الوطنية ضدا على مشروع "قانون الشغل" (انظر على ضوء إضرابات العمال شيبا وشبابا خلال شهر مارس الحالي بفرنسا " موحى وكزيز// على ضوء إضرابات وتظاهرات العمال شيبا وشببا خلال شهر مارس الحالي بفرنسا ").
لا يمكن لي إلا أن أسجل غياب النقابات والأحزاب السياسية وابتعادها عن هذه الحركة، وهم يتقاسمون فكرة ورغبة منظمي هذه الوقفات والأمسيات النضالية في إبعاد الإطارات النقابية والسياسية عن استقطاب الحركة. إلا أن وراء هذا الأمر (استقلالية الحركة والاحتجاج ليلا) فكرة خاطئة مائة بالمائة، ألا وهي رفض تنظيم الحركة وصبغها بلون الفوضوية مقابل انتهازية وبيروقراطية وتواطؤ الإطارات النقابية والسياسية. 
بعجالة، هذه هي بعض سمات الوضع السياسي الذي أحاط بانعقاد المؤتمر 51 لك ع شCGT. ويمكن الإشارة الى الوضع الداخلي للنقابة الذي يتميز بتنظيم بيروقراطي محكم ورؤية نقابية سياسية هجينة تعمل دور المطافئ وإخماد النيران المشتعلة في دورة الإنتاج الرأسمالي ومؤسساته الاقتصادية واليساسية، وذلك باسم الراية الحمراء للنقابة ذات دلالات سياسية ونفسية عميقة لدى العمال. أما الراية البرتقالية الك دف د شCFDT حبيبة الباطرونا وغريمة النظام والحزب الاشتراكي الفرنسيPS، فلم تعد نظرا للأوضاع السياسية المزرية للعمال تخفي تحالفها مع الرأسمال ونظامه الامبريالي بقيادة حزبها "الاشتراكي"، عفوا الانتهازي. 
إن افتتاح المؤتمر لك ع شCGT قد طرح أسئلة من قبيل: أية آفاق نقابية وسياسية وأية مقاربة سياسية للوضع النقابي والسياسي بفرنسا. وككل افتتاح مؤتمر جاد، كان الخطاب مليئا ومشحونا بأفكار وآراء تحدد المسار والرؤية. وكثر الحديث عن الدينامية والنضالات الميدانية للعمال، وأراد الخطاب أن يكون شاملا ومنتقدا للحكومة، وليس انتقادا للنظام الرأسمالي بعينيه، حيث ركز على المشاريع القانونية التي تهم العمال وسائر الأجراء وشدد، أي الخطاب، على التراجعات في المجالات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها البلاد تحت قيادة الحزب الاشتراكيPS. وجاء نداء المؤتمر ليدعو العمال والمستخدمين الى مشاهدة يوم 28 ابريل يوم وطني للمسيرات واللقاءات والنقاشات والتعبئة ضد مشروع الحكومة "قانون الخومري »Loi Elkhomri. جاء الافتتاح والاختتام لينادي العمال وسائر الأجراء للنضال ضد "تفجير نموذجنا الاجتماعي »(كذا).(dynamitant notre modèle social
مند زمن ليس بقريب، عملت السياسات "اليسارية والشيوعية" بفرنسا، بلاد الثورات الاجتماعية، على تحديد ملامح سقف المشروع المجتمعي البديل للعمال، أي مشروع بناء الاشتراكية رغما عن التضحيات تلو التضحيات، ورغما عن النضالات تلو النضالات، ورغما عن الدماء والحياة، ولي عنق الزخم والعطاء النضالي والبطولي للعمال ووقف الى حين مسار الطبقة العاملة واختزاله قسرا في المطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي للعمال مقابل إرغامهم على قبول استعبادهم من طرف الرأسمال ونظامه وتحويل النضالات والمعارك العمالية الى احتجاجات مطلبية محضة، وتجعل العامل يطمح الى القبول باستغلاله واستعباده وبيع قوة عمله في أحسن الظروف وبأغلى ثمن ممكن. والأخطر من ذلك هو الهمس في أذن العمال أن تغيير الأوضاع الاقتصادية وقلب نمط الإنتاج الرأسمالي ليس من انشغالاته ولا من مصالحه. وهذا ما كرسته قوى "اليسار" بفرنسا بمناسبة برنامج "المجلس الوطني للمقاومة »le Conseil National de la Resistence, CNR عندما سلمت القيادات السياسية والنقابية الشيوعية بالسلطة السياسية للبرجوازية في شخص الجنرال دوگولGeneral De Gaulle، رغما عن الموازين الطبقية التي كانت في صالح الطبقة العاملة انذاك. إلا أن سياسة التحالفات التي تبناها الحزب الشيوعيPCF والك ع ش CGT آنذاك وبمعية من طرف الحزب الشيوعي السوفياتي فوتت الفرصة عن الطبقة العاملة في إنجاز مشروعها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وقوضت أحلام وأفكار ودراسات وخطط العمال في المطالب وفقط بتحسين شروط استغلالهم. 
إن هذا الانحصار في توجيه آفاق الممارسة النقابية والمقاربة السياسية للوضع النقابي والسياسي هو ما عبر عنه خطاب افتتاح المؤتمر ونداؤه الختامي في شروط المرحلة الحالية، وذلك بشكل هجين ومتعفن، حيث صيغة الدفاع عن النموذج الاجتماعي ضد تفجيره، أي أن القيادة النقابية تتموقع موقع المدافع عن النظام الرأسمالي الحالي واصفة إياه ب "نموذجنا الاجتماعيnotre modèle social" وتدعو العمال الى التعبئة والانخراط ضد "تفجير" أو "قنبلة" نموذج (القيادة النقابية) "الاجتماعي". 
وقد يقول قائل إن الهدف هو النضال ضد المشروع الحكومي في مجال الشغل وليتحد العمال من أجل إسقاطه. أقول ولنسقط المشروع الحكومي، بل لا لحجب مهمة إسقاط النظام عن أعين العمال كما أحجبتم عيونهم في الماضي وفي الحاضر عن طبيعة التحالف مع البرجوازية وعن طبيعة القيادة العمالية وتنظيم الطبقة العاملة من أجل البديل…

وكزيز موحى

 27 ابريل 2016  فرنسا 




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق