25‏/09‏/2016

حسن أحراث// إن المناضل من يقول ها أنا ذا..محمد بن عبد الكريم الخطابي ومقاطعة استفتاء 1962




إننا مناضلون، أصحاب قضية، قضية شعب عادلة.. لنا تاريخ ورصيد خضبه الشهداء منا بدمائهم الزكية.. لنقرأ تاريخنا المجيد ولنستوعب دروسه.. فليس بالضرورة أن نقول
قال ماركس أو انجلز أو لينين أو ستالين أو ماو أو غيفارا أو غيرهم.. فمن يعبد أو يقدس هذه الأسماء فقد ماتت.. ومن "يعبد" الشعوب المضطهدة، وأقصد شعبنا بالدرجة الأولى وفي مقدمته الطبقة العاملة، فالعامل حي لا يموت (معذرة عن الاستعارة).. 
وليقل المناضل "ها أنا ذا" (معذرة مرة أخرى عن الاستعارة).. وليشرف الأسماء التي يعلن انتماءه اليها ولتاريخها ورصيدها وإنجازاتها، من خلال ترجمة مرجعيته على أرض الواقع بدل ترديد شعارات الانتماء في الهواء صباح مساء.. 
فلن يقبلنا ماركس أو لينين أو غيرهما ونحن على هذه الحال البئيسة..
إننا نسيئ اليهم بادعاء الانتماء.. ماذا حققنا لننتمي اليهم؟
لنحترم تجاربهم الرائدة ونحترم أنفسنا..
فكثيرا ما يبحث البعض الذي لا تاريخ له ولا عنوان عن "القشة" التي يثبت من خلالها وجوده.. ويعلن الانتماء لجهة قد يجهل كل التفاصيل عنها..
فأن نطعن في المناضلين مجانا بدعوى انتماءاتهم الى هذه الجهة أو تلك أو الى هذا الرمز أو ذاك، لن يؤهلنا لمعانقة أي مناضل.. فمن يهمه التوسع النضالي حقا لابد أن يعانق المناضلين (أقصد المناضلين الحقيقيين الذين أثبتوا جدارتهم على أرض الواقع) بدل قضم لحمهم..
ومناسبة هذه المقدمة هو واقعنا المؤلم.. واقع لا نرى فيه موقعا لنا بغض النظر عن مواقفنا هل صحيحة أم خاطئة.. وهو كذلك أجواء مهزلة 07 أكتوبر 2016..
وأسوق المثال التالي: كيف للعديد من المناضلين أن يشيدوا بالبطل محمد بن عبد الكريم الخطابي ومرجعيته بعيدة كل البعد عن مرجعيتهم؟
لقد كتب الخطابي رسالة/مقالا من منفاه بالقاهرة يحث فيه الشعب المغربي على مقاطعة استفتاء/مهزلة 07 دجنبر 1962 (الاستفتاء على أول دستور). ورغم إغراقه في المرجعية الدينية واعتماد تحليله عليها سجل موقفا بطوليا للتاريخ (موقفا ذا راهنية)، تقاسمه معه حينذاك الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والحزب الشيوعي المغربي والحزب الديمقراطي الدستوري. وقد وافته المنية في 06 فبراير 1963 قبل إجراء أول انتخابات جماعية وتشريعية (يوليوز وماي 1963).. وكان بدون شك سيقاطعها عكس ما ذهب إليه حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال الى جانب "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" (فديك)...
إن المناضل حقا من يقول "ها أنا ذا" وليس المناضل من يقول كان أو قال ماركس أو حتى الخطابي واللائحة طويلة.. ولنحضر حيث يحضر الشعب والعامل ولنعانق المناضلين الحقيقيين ولنشد على أياديهم في ظل الشروط الذاتية والموضوعية الراهنة..

وفيما يلي رسالة/مقال/نداء محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1962:

"لا نريد أن نكون أضحوكة الدستور المصنوع للمغاربة مؤخرا، موضعا للمشاحنات، أو الخلافات، وان نكون هدفا للمنازعات والخصومات، ومحلا للجدل والهراء... بين أبناء الأمة المغربية.
فمادامت الأمة المغربية أمة مسلمة تدين بدين الاسلام الحنيف، ومادام في البلاد من يفهم هذا الدين والحمد لله.. فمن السهولة بمكان ان نجد الحل الصحيح لكل ما يعترض سبيلنا في حياتنا الاجتماعية، بدون اللجوء الى التحايل، والى الخداع والتضليل.
إن التنصيص في هذا الدستور المزعوم على (ولاية العهد) ماهو إلا تلاعب، واستخفاف بدين الاسلام والمسلمين... إذ كنا نعلم ان مسألة الإمامة نفسها كانت دائما موضع خلاف بين علماء الاسلام منذ بعيد، وما ذلك إلا لعدم وجودها في القانون السماوي. هذا في الإمامة. وإما في ولاية العهد فلا خلاف انها (بدعة) منكرة في الاسلام، وكلنا يعلم ان مؤسسها معروف، ونعلم من سعي في خلقها في ظروف معينة، ولغاية معلومة.. فإذا كانت مخالفة للشرع الاسلامي فلا محالة ان تكون موضع (تهمة).. ويقول إمام المذهب مالك بن أنس (ض): «ليس من طلب الأمر، كمن لا يطلبه». وذلك لأن الطلب يدل على الرغبة، والرغبة تدل على (التهمة) وعدم الطلب يدل على الزهادة والنزاهة.
ثم إن ولاية العهد إذا كانت مفروضة قسرا، فلا تلزم المسلمين، إذ من المعلوم ان كل بيعة أو يمين كانت بالإكراه تكون باطلة.
إذا كانت الأمة المغربية، أمة مسلمة.. فلابد لحاكمها المسلم أن يكون مطيعا لله، وبالخصوص فيما بينه وبين الأمة المسلمة، وعليه أن يستشير المسلمين في كل الأمور، عملا بقوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم»، وبقوله في آية أخرى «وشاورهم في الأمر» فأين نحن من مضمون هاتين الآيتين الكريمتين، وكيف نوفق بينهما وبين من يريد الاكتفاء بالتحايل وخداع الأمة في أمر الشورى وغير الشورى...؟
لاشك أن التهمة موجودة وواضحة بشأن هذا الدستور المزعوم.. كلنا يعلم ان الرسول الكريم (ص) أمر باستشارة جماعة المسلمين، رغم كونه (ص) مؤيدا من عند الله بالوحي، ومعصوما ـ والله يعلم عصمة نبيه وحبيبه ـ ومع ذلك الامر، يأخذ رأي الجماعة، وذلك للتسنين.
فالحاكم المسلم بمقتضى الآيتين مأمورا أمرا وجوبيا باستشارة الأمة من غير أن تطالبه بها.. فكيف بحاكم يريد ان يخدع الأمة، في الوقت الذي تلح فيه هي في طلب الاستشارة؟ لقد نادى المغاربة بالدستور بعد ان فقد العدل، وبعد ان سيطر الجور والظلم والطغيان، ظنا منهم أنهم سيجدون (العلاج) في الدستور، فإذا بهم أمام كارثة أخرى أدهى وأمر مما سبق..
إن المغاربة لا يحتاجون الى دستور منمق بجمل وتعابير، تحمل بين طياتها القيود والأغلال.. إنهم يريدون تطبيق دستورهم السماوي الذي يقول:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان.. يقول «وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل»، وغير ذلك من الآيات الكريمات التي جاءت دستورا سليما للأمة الاسلامية. وأما من خالف هذا الدستور فقد قال فيه القرآن الكريم: «وأما القاسطون فكانوا لجنهم حطبا»... ويقول الرسول الأكرم (ص): «إن أعتى الناس على الله، وأبغض الناس الى الله، وأبعد الناس من الله، رجل ولاه الله أمر أمة محمد، فلم يعدل فيهم».. ويقول عليه الصلاة والسلام: «من مات غاشا لرعيته، لم يرح رائحة الجنة»...
ولا نكون من المغالين إذا قلنا، ان هذا الدستور المزعوم، قصد به في الحقيقة تطويع الشعب المغربي وترويضه طوعا أو كرها حتى يصبح معتقدا بأن حكام البلاد يحكمون بتفويض من الله.. وهذا شيء يتنافى مع (معتقد) الأمة الحقيقي.
إذن، فخير، لواضعي الدستور المزعوم ان يرجعوا الى الجادة المستقيمة حتى لا يتسببوا في الكارثة، ويكونون هم (الجناة).
وبهذه المناسبة أوجه ندائي الى الشعب المغربي كله، في قراه وحواضره وبواديه أن يتنبهوا للخطر الماحق الذي يهددهم عن طريق هذه اللعبة المفضوحة، فليس هناك دستور بالمعنى المفهوم للدساتير، وإنما فقط هناك (حيلة) ولا أظن ستنطلي عليهم.. فقد شاهدوا مثيلات لها فيما مضى".

محمد عبد الكريم الخطابي
القاهرة في: 1962/12/1



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق