23‏/10‏/2016

حسن أحراث// جيش التحرير المغربي

لقد مر أمام أعيينا موعد تاريخي كبير (02 أكتوبر أو بداية شهر أكتوبر) دون أن نحرك ساكنا أو على الأقل قلما.. ليس لتنكرنا، بل فقط لنسياننا (الفظيع). إنه مؤشر ضعفنا وعجزنا في ذات الوقت. 

كيف ننسى تاريخنا؟ هل يسقط التاريخ من أجندتنا، أم نسقط من أجندة التاريخ؟ 
يمكن أن أنسى أنا "x" وأن تنسى أنت "y". لكن، كيف ننسى، نحن كامل الأبجدية، سواء اللاتينية أو العربية..؟
طبيعي جدا أن ينسى المناضل كفرد. لكن، لا يمكن أو لا يصح أن ينسى التنظيم السياسي، التنظيم المناضل. وحين ينسى هذا الأخير، فهناك خلل بدون شك. فلنعالج اختلالاتنا، ولنطرح السؤال المحرج: هل نحن فعلا تنظيم مناضل؟ أو على الأقل: هل نحن تنظيم (بمعنى الكلمة)؟
حسب علمي المتواضع، لم يحرك أحد ساكنا بشأن هذا الحدث المهم. المسؤولية طبعا مشتركة، ولا يمكن لأحد أو لتنظيم أن يبرئ نفسه. يهمني هنا المستقبل.. وهنا يكمن التحدي..
قد يقول قائل، إن الأمر بسيط ويتعلق فقط بحدث، له ما له وعليه ما عليه. 
أقول، لا. إن للحدث دلالات عميقة في تاريخنا وفي رصيدنا كشعب مكافح. فمن لا ذاكرة له لا مستقبل له..
وعندما نخلد محطات شعبنا المشعة والخالدة، فإننا نسجل استمرارنا على هداها واعترافنا بأهميتها وتوثيقا لعهدنا بها. كما نعتبرها درسا لنا ونبراسا لمواصلة المشوار. ويعد رصيد جيش التحرير المغربي والمقاومة المسلحة معينا لا ينضب ودرسا لكل من يهمه حقيقة مواصلة المشوار، بغض النظر عن مرجعيته السياسية أو الإيديولوجية.
لا ندعو الى تكرار أو إحياء الماضي، إننا نلح على قراءة الماضي وتجارب الماضي واستخلاص الدروس منها، أي الوقوف عند سلبياتها وإيجابياتها، من أجل الفعل والتأثير في الحاضر.. 
وكم يؤسفنا أن نتذكر رموزا وأخرى، و"ننسى" رموزنا. ونستحضر مواعيد أخرى لشعوب أخرى، و"ننسى" مواعيدنا. وكمثال حي، نتذكر ثورة أكتوبر 1917 العظيمة بروسيا (وتستحق الذكرى والاعتراف)، ونغفل ذكرى انطلاق رصاصات جيش التحرير ببلادنا، الموعد الأقرب الينا من حبل الوريد.
وكثيرا ما نتنازع الانتماء الى هذا الاسم أو ذاك، كحالات مرضية، ونتناسى أحقية وأولوية الانتماء الى رموزنا المناضلة التي فرضت نفسها أو التي خذلها غدر الزمان.. 
نحن مع النجاح، نحن مع التجارب الناجحة، ونحن أيضا مع التجارب "الفاشلة"، لأنها تجاربنا، شئنا أم أبينا. ومسؤوليتنا تكمن في رفع التحدي وفي مواصلة المشوار.. فلابد من قراءة تجاربنا، أي تجارب شعبنا، وبالتالي الاستفادة من الأخطاء (نقط الضعف) ومن نقط القوة أيضا..

وفيما يلي (مع كامل الاعتذار عن التأخر/التأخير) مقال لي بتاريخ 03 أكتوبر 2015 حول الحدث "المنسي"، منشور بمدونة "مغرب النضال والصمود، من أجل بديل جذري":

كل الشعوب -على مدى التاريخ- تتوق الى الحرية وتقرير المصير (حق تقرير مصير الشعوب حق ثابت لا محيد عنه).. كل الشعوب تسعى الى صنع مستقبلها بيدها..
لا يوجد شعب واحد قبل أو يقبل الذل والهوان. لا يوجد شعب واحد قبل أو يقبل الاستغلال والقهر والنهب، سواء من طرف الاستعمار المباشر أو غير المباشر. الثورة والمقاومة والكفاح المسلح والنضال (على كافة واجهات الصراع الطبقي) والصمود، عناوين ساطعة ومعبرة عن مداخل كبرى، مفاهيم وآليات (تصورات وبرامج...) واحدة وموحدة في العمق بالنسبة لجميع الشعوب المضطهدة. فلا بديل بالنسبة لكافة الشعوب عن النصر وممارسة السيادة الكاملة على ماضيها وحاضرها وعن مستقبلها السياسي والاقتصادي والثقافي ورصيدها الحضاري.. قد تختلف التجارب ومرجعياتها وكذلك أساليب التصدي والمواجهة من شعب الى آخر (تكتيكيا ووفق الإمكانات المتاحة)، إلا أنها تصب كلها، في نفس الاتجاه (استراتيجيا)، أي التحرر والانعتاق..
والشعب المغربي، كشعب مضطهد، لم يحد عن هذه القاعدة العامة. لقد قدم تضحيات جليلة من أجل تحرره وانفلاته من قبضة المستعمر القديم والجديد. ويلاحظ بقوة الأشياء، بقوة الواقع، حيث التردي الاقتصادي والاجتماعي المتفاقم، أن الشعب المغربي لم يستفد من تضحياته مقارنة مع شعوب أخرى، لم تقدم رغم ذلك أكثر من تضحياته. 
لماذا؟ ماذا عن مآل انتفاضة 20 فبراير 2011 التي شهدت سقوط العديد من رموز الأنظمة الرجعية بالمنطقة (تونس، مصر...)؟ ما العمل الآن؟ 
أسئلة مطروحة أمام أبناء شعبنا الصادقين والمخلصين لقضية شعبهم.. 
فلم يعد مقبولا، حتى أخلاقيا، استمرار الغوص في المتاهات والمزايدات (الشعارات العامة والفضفاضة..)، وترك الأسئلة الحارقة بعيدا.. 
إن قوة المناضل، وقوة التنظيم المناضل، تتجسدان في قدرتهما على استيعاب المرحلة السياسية الراهنة، في أبعادها الداخلية والخارجية، بما يؤهلهما لتحقيق أهدافهما المسطرة بعناية.
وقوتنا، أو أحد عناصر قوتنا، تتمثل في الوقوف عند تجارب شعبنا وتناول نقط ضعفها ونقط قوتها. فلا معنى للحديث عن صنع مستقبل شعب بدون المعرفة الدقيقة لماضيه وحاضره..
إن الشعب المغربي قد خبر محطات متعددة، أبرزها الانتفاضات الشعبية البطولية.. وقدم العديد من الشهداء والمعتقلين السياسيين والمختطفين ومجهولي المصير.. ويواصل الآن معركته المصيرية من أجل التحرر والانعتاق.. ولنتذكر خلاصة أحد رموز الثورة الكوبية، تشي غيفارا، بشأن نجاح الثورة في كوبا: الانتفاضة الشعبية المسلحة.. 
وتزامنا مع ذكرى ذات دلالات قوية، أي ذكرى انطلاق شرارة جيش التحرير المغربي (02 أكتوبر 1955) بمنطقة إكزناين، وبالضبط في أكنول- بورد –تيزي وسلي، نجدد الدعوة الى دراسة تاريخ شعبنا الزاخر بالملاحم والدروس القيمة التي لا ريب ستفتح أعيننا على مسارات أكثر خصوبة؛ وستقينا، على الأقل، شر السقوط في نفس الأخطاء..
بدون شك، لهذه الانطلاقة الفارقة مقدمات مرتبطة بمختلف أشكال المقاومة المسلحة التي خاضها أبناء شعبنا منذ ثورة الريف بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، وحتى قبلها. ولعل الخلاصة البارزة التي شكلت الإرهاصات الأولى لمعانقة الكفاح المسلح من جديد، خاصة في بداية خمسينات القرن الماضي، هي الاقتناع بانسداد أفق العمل السياسي وتيه هذا الأخير منذ سنة 1934 (كتلة العمل الوطني) داخل الحدود والآفاق المرسومة من طرف الاستعمار، سواء الفرنسي أو الاسباني، المنتشي بعد معركة بوغافر سنة 1933. وأمام البطش وفظاعة الجرائم المقترفة تفجرت المقاومة المسلحة في مختلف المناطق (الدار البيضاء ومراكش ووجدة...)، وتوجت بالحدث التاريخي الذي نعيش اليوم ذكراه الستين (60) . علما أن تسريع وتيرة أوفاق "إيكس-ليبان" كان محكوما بخلفية إجهاض هذه التجربة الكفاحية المتزامنة والنهوض الثوري بالقبايل ووهران (الجزائر) وغيرهما، بالإضافة طبعا الى سعي الاستعمار الفرنسي بالخصوص، المنهك بهزيمة "ديان بيان فو" في الفيتنام (ماي 1954)، الى الانفراد بالثورة الجزائرية المشتعلة وربح دعم النظام المغربي العميل.
ولم يقف الأمر عند تثبيت نتائج "إيكس-ليبان" الخيانية، والتي ساهم فيها الكثير من الأسماء "المبجلة" اليوم في الحياة السياسية بدون حياء، بل تواصلت المؤامرة حتى إعدام التجربة نهائيا من خلال العملية/الجريمة الشهيرة "المكنسة" (Ecuvillon) سنة 1958. فكما تم تحالف الاستعماران الفرنسي والاسباني والزمرة الموالية لهما داخل المغرب لإعدام ثورة الريف سنة 1926 ونفي الخطابي الى جزيرة "لارينيون" (La Réunion) لمدة حوالي 20 سنة، "أعيدت" نفس الجريمة في حق جيش التحرير المغربي (المقصود المناضلين الذين رفضوا تسليم السلاح للنظام والتحقوا بالجنوب لمواصلة المعركة، مواصلة الكفاح المسلح. إن المسؤولية النضالية تفرض الاشتغال على هذه المحطات المذكورة وعلى محطات أخرى لا تقل أهمية عن غيرها. والقيام بذلك (استحضار التاريخ والذاكرة، أي العمق/الرصيد النضالي لشعبنا) يعد واجبا نضاليا ومؤشرا معبرا عن التزام الطريق الصحيح (ماو تسي تونغ: تأتي الأفكار السديدة من الممارسة السديدة). وتجاهل هذا الرصيد العظيم لشعبنا دليل على البشاعة والوضاعة باسم النضال والثورية المفترى عليهما..
03 أكتوبر 2015




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق