28‏/10‏/2016

حسن أحراث// المهدي بنبركة وغدر "الرفاق"

أن تستشهد تحت سياط العدو أمر وارد دائما. فلن تنتظر من عدوك، وخاصة في مراحل الصراع الأكثر ضراوة أن "يقبل رأسك" أو "يحني ليك"، أي أن يضع الحناء
على قدميك، كما نقول بالدارجة المغربية. فجوهر الصراع، هو أن تكون أو لا تكون.. قد يعرف الصراع في لحظات ما بعض المجاملة (الزائفة)، لكن عندما يصل تضارب المصالح أوجه، والمقصود ليس فقط المصالح الشخصية، تصطك الأنياب ببعضها وتستعمل كافة أسلحة "الدمار الشامل" (التشريد والاعتقال والاغتيال...). وذلك ما حصل مع المهدي بنبركة في 29 أكتوبر 1965 ومع الحسين المانوزي في 29 أكتوبر 1972. إن اختطافهما واغتيالهما عنوان مرحلة سوداء ومستوى حاد من مستويات الصراع الطبقي ببلادنا.
لقد سال الكثير من المداد حول استشهادهما. وقيل الكثير أيضا عن الشهيدين. وصارت مسؤولية النظام قائمة وثابتة بشأن اغتيالهما. بالإضافة الى أن قضية الشهيدين أخذت كل أبعادها الوطنية والدولية، وخاصة قضية بنبركة.
لكن ما يصعب السكوت عنه أو القفز عنه هو علاقة "الرفاق" بالموضوع، وخاصة علاقة "رفاق" بنبركة بقضيته.. 
كم يصعب على الشهيد التحاق أقاربه، خاصة الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت، بالجلاد، سواء الآمر بالقتل أو المنفذ للقتل.. فما بالك بالتحاق الرفيق أو الرفيقة.. ومسؤولية هذين الأخيرين لا تقارن بمسؤولية العائلة. إن العلاقة الرفاقية تفرض أخلاقيا ونضاليا على طرفيها الوفاء لها، والإخلاص للقضية التي تجمعهما ماداما مرتبطين في إطار هذه العلاقة. وكل تخل عنها، والبشاعة بعد استشهاد أحد طرفيها، يعد خيانة مكشوفة. وما أفظع خيانة الرفيق لرفيقه الشهيد.. 
لقد وضع "رفاق" بنبركة دمه وراءهم وفتحوا أذرعهم وقلوبهم للنظام. كان ذلك منذ صولات وجولات الزعيم التاريخي ل"لاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" عبد الرحيم بوعبيد. وتوج هذا المسار الهادئ بالارتماء الكامل للاتحاد في أحضان النظام إبان زعامة عبد الرحمان اليوسفي وهيجان اليازغي ونفاق ولعلو... وعندما تقلد اليوسفي مسؤولية الوزارة الأولى وتقلد رفيقاه على التوالي عبد الواحد الراضي وعبد المجيد بوزبع مسؤولية وزارة العدل، كيف هنأ بال هؤلاء "الرفاق" ومصير "رفيقهم" بنبركة مجهول ودمه علامة بارزة على أيدي النظام وشركائه في الجريمة، من مخابرات صهيونية وفرنسية وأمريكية..
نعلم أن الوزير الأول ببلادنا أو حتى رئيس الوزراء لا "يحكمان"، وكذلك وزير العدل وباقي الوزراء والحكومة عموما. لكن أن تتقلد هذه المسؤولية يعني التحاقك بعدو "رفيقك"، إنه الالتحاق شكلا ومضمونا بعدو الشهيد.. إنها الحقيقة الساطعة، أي الخيانة.. وليس رفض "مطاردة الساحرات" (Faire la chasse aux sorcières) سوى النسخة المفرنسة لمقولة البهلوان بنكيران "عفا الله عما سلف".. وليست سوى الاسترسال في التطبيع المفضوح مع العدو التاريخي للاتحاديين الحقيقيين وللمقاومين الحقيقيين ولأعضاء جيش التحرير الحقيقيين وللمناضلين الحقيقيين وللشعب المغربي..
لا مجال للحديث عن العلاقة بهذا الجلاد أو تكريم ذاك، المهم هو الالتحاق بالعدو، عدو الشهيد، الالتحاق بقاتل الشهيد، وفي غياب الشهيد القسري..
حتى هنا، نقول بالخيانة، خيانة "الرفاق لرفيقهم". 
لكن، ماذا بعد؟ كيف يحلو لهؤلاء "الرفاق" أو لبعضهم أن يتحدث بعد كل هذه المشاهد الخيانية عن مصير الشهيد، أو أن يدعو الى إجلاء الحقيقة حول قضيته؟
إنها إهانة للشهيد ولعائلة الشهيد ولرفاق الشهيد الحقيقيين (الأحياء والموتى والشهداء منهم) ولكافة المناضلين، ولقضية الشعب المغربي عموما..
ولأننا في بلد المفارقات والعجائب، تستمر "هيئة متابعة توصيات المناظرة الوطنية حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" في أشكالها الرتيبة من خلال نداء يدعو الى تنظيم وقفة جماعية بمناسبة يوم المختطف (29 أكتوبر)، تحت شعار: "كامل الحقيقة في ملف الاختفاء القسري". 
وللعلم، فإن المناظرة المشار إليها انعقدت سنة 2001 ولم يتم "التوافق" بين منظميها الأوائل (هيئة المتابعة في صيغتها الأولى)، أي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، بخصوص توصية "المساءلة". لقد عرف نشاطها فتورا ملحوظا سواء قبل أو بعد توسيعها والالتحاق بها من طرف كل من العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية عدالة والهيئة المغربية لحقوق الإنسان ومنتدى بدائل المغرب.
ورغم ذلك، فلا نكاد نسمع عن هذه الآلية الشكلية إلا في أجواء كل ذكرى. ولا أظن أن الذكرى قد نفعت هذه الهيئة ولا نفعت أحدا..
وفي ظل هذا العبث ستأتي الذكرى وترحل، الى أن نرحل جميعا ودم الشهداء يخنقنا..
لنراجع النظر في "النضال" الفلكلوري وفي أشكال فعلنا الرتيبة..

   28 أكتوبر 2016



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق