08‏/03‏/2017

يوسف وهبي// عشية الثامن من مارس.. تحرر المرأة رهين بتحرر المجتمع--"جمعة"، امرأة من واقع البؤس اليومي.

"جمعة" امرأة مغربية متزوجة ولها ثلاثة أبناء (12 سنة، 4 سنوات، سنتان ونصف) -زوجها عامل زراعي-، عاملة زراعية بإحدى ضيعات "مريسا" التابعة للشركة
الاستغلالية "أزورا" بمنطقة اخميس أيت عميرة إقليم اشتوكة أيت باها. يبتدئ يومها عند استيقاظها حوالي الساعة الرابعة صباحا، لإعداد وجبات اليوم الغذائية. توقظ طفليها الصغيرين وتهيئهما ليوم شاق ومتعب، بعيدا طبعا عن توصيات المنظمات واللجان الوطنية والأممية. تتوجه بهما عند سيدة تعمل مربية وحاضنة للأطفال، أغلب أمهاتهم يعملن عاملات زراعيات مقابل 200 (مئتين) درهم كل 15 يوما. وهو ما يتزامن مع استخلاص أجرتها نصف الشهرية. تلتحق بعد ذلك بعملها بالضيعة المذكورة عن طريق شاحنة لحمل العاملات الزراعيات عند الساعة السابعة صباحا. يحدث بعض الأيام أن تتأخر عن العمل، فتحاول اللحاق بالضيعة عن طريق "خطاف"، وذلك لتجنب التأنيب والتوبيخ من طرف مرؤوسيها وعدم الاقتطاع من "المنحة" نصف الشهرية والمقدرة ب 150 درهما. وهذا بالإضافة لاجتهادها في العمل بما يبتغيه رؤساؤها وتحقيقها للمردودية المسطرة سلفا من طرف الإدارة.
تنهي السيدة "جمعة" عملها في الساعة الرابعة بعد الزوال، لتبدأ يوم عمل ثان من داخل نفس اليوم، والمرتبط بالأعمال المنزلية والاعتناء بالأطفال الثلاثة والإعداد لوجبة العشاء للزوج العامل الزراعي الذي يعمل منذ الثامنة صباحا إلى حدود الحادية عشرة ليلا، تتخللها ساعتا راحة من أجل وجبة الغداء. يحدث طبعا أن يمرض أحد أفراد الأسرة ويفرض عليها ذلك التفرغ القسري للعناية به، مجبرة طبعا على تقديم شهادة طبية لإدارة الضيعة. وإلا ستتعرض للمساءلة والتضييق الذي قد يصل الى الطرد من العمل. لا يفوتني التذكير بأن المستوصف الوحيد بمنطقة اخميس أيت عميرة يقدم "خدماته" إلى حدود الساعة 12 زوالا، أو ما معناه أربعين تشخيص حالة مرضية. وهو ما يجعل أغلب المرضى وذويهم يتوجهون للمستشفى الإقليمي لمدينة بيوكرى.
يحدث للسيدة "جمعة" أن تنزوي في مكان في البيت وحتى في مكان بمقر العمل وتبدأ بالبكاء، وهو شكل من أشكال التفريغ وترميم الروح والجسد المنهكين.. هكذا هي الحياة اليومية للعاملة الزراعية "جمعة" ولأغلب النساء بالمنطقة، العاملات الزراعيات.
يوم الراحة الأسبوعي الخميس، والذي يتزامن مع السوق الأسبوعي للمنطقة يتكفل الرجل/الزوج، بقضاء الحاجيات المعيشية، فيما تعنى المرأة/الزوجة بالأطفال والأشغال المنزلية من تنظيف وما شابهه، إنه واقع الاضطهاد والاستغلال وكل أشكال التمييز الطبقي الذي تتعرض له الطبقة العاملة وضمنه المرأة ذات الحضور البارز في العملية الإنتاجية وبكل مستوياتها، وذات الحضور أيضا في كل معارك وتضحيات أبناء شعبنا. وإذا أضيف التحرش والاستغلال الجنسيان إلى هذا الواقع المر، فالمصيبة أعظم..
أيننا من تخليد اليوم العالمي للمرأة (08 مارس)؟
أيننا من المنظمات النسائية الوطنية والدولية، ومن أنشطتها بالفنادق الفخمة؟
أيننا من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تشنف بها مسامعنا في كل مناسبة؟ 
أيننا من الشعارات البراقة (المساواة، المناصفة، مقاربة النوع...)؟
وأخيرا، ما العمل..؟ 
أليس تحرر المرأة رهين بتحرر المجتمع؟

   7 مارس 2017



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق