10‏/06‏/2017

حسن أحراث // موضة "التضامن" عادة سياسية سيئة..

التضامن قيمة إنسانية قبل أن تكون قيمة نضالية. وبالتضامن تستطيع الشعوب
المضطهدة مناصرة بعضها البعض وفك العزلة والحصار عن بعضها البعض في مواجهة الرجعية والصهيونية والامبريالية. وعندما نتضامن مع هذه القضية العادلة أو تلك، فإننا نسجل الموقف المبدئي الداعم لها. وكما يتردد عن حق "النظام يعمم القمع، فلنعمم التضامن". إن التضامن اتحاد، والاتحاد قوة.. لنتضامن، نعم. لنؤدي ضريبة التضامن (كثيرا ما سالت الدماء بالشوارع وهوت هراوات أجهزة القمع على أجساد/رؤوس المتضامنين وكسرت عظامهم على قدم المساواة...).. لكن، ماذا بعد؟
إن للتضامن شروطه، وخاصة المبدئية. فلا نرضى/نقبل أن يتم إعماله كمطية لأغراض سياسية أخرى وتوظيفه بخلفيات غير سليمة قد تؤدي الى نتائج عكسية. فليس كل من يدعي التضامن يعتبر متضامنا بالفعل، خاصة إذا كان متورطا الى جانب النظام في تكريس واقع الاستغلال والاضطهاد (أي الأيادي غير النظيفة). فمنذ 20 فبراير، برزت بشكل ملفت موضة "التضامن". وتشكل "جيش" من قناصي/محترفي "التضامن" (أفراد وهيئات). فلا تجدهم في أي معركة غير مناسبات "التضامن". وتراهم يتهافتون على تشكيل اللجن ويتزاحمون على الصفوف الأمامية والتقاط الصور والفيديوهات.. ويصح فيهم القول تجار "التضامن" كما تجار "حقوق الإنسان" والمستثمرين في معاناة الكادحين... إنهم يقتلون روح وعمق القيم الأصيلة والرفيعة، ويختزلونها في البهرجة وشعارات الاستهلاك وامتصاص الغضب..
للذكرى، عندما كنت والرفيق نور الدين جوهاري نحترق في دهاليز المركز الجامعي الاستشفائي ابن رشد (موريزكو) بالدار البيضاء، توصلنا (عبر طرقنا الخاصة ورغم الحصار) برسالة من مجموعة من المعتقلين السياسيين بالسجن المركزي بالقنيطرة (مجموعة 1977 أو مجموعة ابراهام السرفاتي) تقترح علينا توقيف الإضراب اللامحدود عن الطعام والالتحاق بهم. علما أنه بعد استشهاد المناضل عبد الحق شبادة واستمرار معركتنا حتى ذلك الحين لما يفوق خمس سنوات (معركة الشهيدين)، تم تنقيل كل من عبد الإله بنعبد السلام وعبد الفتاح بوقورو وحسن العلمي البوطي وعبد الغني القباج (الرباط) وكذلك الطاهر الدريدي (الدار البيضاء) الى السجن المركزي. فكان ردنا بالرفض.. كان ردا مختصرا ومعبرا: لقد خضنا معركة الشهيدين ليس من أجل الالتحاق بالقنيطرة، بل من أجل خلق "قنيطرات" أخرى، أي فرض تحسين أوضاع السجون، ومنها أوضاعنا كمعتقلين سياسيين بالسجن الذي سنقيم به..
واليوم أقول، بدل الاقتصار على "التضامن"، وفي كثير من الأحيان ممارسة "التضامن" بخلفيات سياسية تخدم أجندات بعيدة عن التضامن الحقيقي مع الجماهير الشعبية بالحسيمة والمنطقة عموما، لنخلق "حسيمات" أخرى.. وهو التضامن المطلوب حقا. ويصح القول حينذاك "كلنا الحسيمة".. وكم يثير الشفقة من يردد عن وعي أو بدونه "كلنا زيد أو عمرو". فكم من زيد "باعنا" في أول منعطف، وكم من عمرو "أكلنا" في واضحة النهار. وذلك مقابل الفتات أو مقابل مناصب الذل.. الى متى سنبقى "نباع" و"نؤكل" بهذه البشاعة؟ هل شاخت ذاكرتنا الى هذا الحد المهول؟ 
إن مناطقنا ليست في أحسن حال من منطقة الحسيمة. إننا نتهرب من مسؤوليتنا نحو واقعنا (واقع مناطقنا) المتردي اقتصاديا واجتماعيا والذي يعرف من أوجه الفساد (ربما) ما يتجاوز ما تعرفه الحسيمة، لنختبئ وراء "التضامن" مع واقع مناطق أخرى أو شعوب أخرى (منطق النعامة).. وكما قال أحد الحكماء أو ما معناه: "كفى من ذرف الدموع على فلسطين (كما يتم الآن مع الحسيمة)، فأكبر تضامن/دعم للقضية الفلسطينية هو إسقاط نظام رجعي عميل". 
لقد قتل النظام الأحزاب السياسية وشل النقابات، ويعمل الآن على اختراق الميادين، وخاصة البؤر المشتعلة. فتراه يؤثث الفضاءات الفارغة ويصنع "زعماءه" على مهل. وكثيرا ما وفر لهم الحماية والدعم المالي والإعلامي (كافة أشكال الدعم) وانتزع/سرق لفائدتهم "المشروعية" في غفلة منا. فليس كل ما يلمع ذهبا، داخل السجن وخارجه.
إنه من العبث والتفاهة تكرار أخطاء، بل خطايا 20 فبراير، وخاصة فتح الباب أمام القوى السياسية الحربائية التي فقدت كل المشروعية النضالية وزكت كل مشاريع النظام، ومن بينها القوى الظلامية والقوى التي تدعي "الإصلاحية"، وما هي بإصلاحية. إنها قوى تدعي الديمقراطية، وما هي بديمقراطية. إنها قوى متواطئة "تنخرط" في معارك أبناء شعبنا (وقفات، مسيرات، إضرابات...) لتسوقها عبر الخفوت التدريجي وتلطيف الشعارات والرتابة (حد الميوعة) نحو حتفها.. ومما يزيد من قتامة الصورة "اهتمامها" (أحيانا المبالغ فيه) بحالات والتنكر وتجاهل حالات أخرى (العمال والمعتقلون السياسيون...)، باعتماد معايير فجة على رأسها معيار "الربح والخسارة". وبدورها تصنع "زعاماتها" للتشويش والتدجين وإعدام فرص إعلان الحقيقة. فكم صار صعبا الجهر بالحقيقة. فبمجرد الصدح بها تحاصرك تهم التطرف والعدمية والصبيانية والانعزالية والتعالي...، وتغلق في وجهك المنابر ووسائل الإعلام والمنصات.. تهم من اليمين ومن "اليسار" تعزز قاموس النظام (المؤامرة، الإخلال بالنظام العام، المس بأمن الدولة، زعزعة الاستقرار...)؛ عموما، تهم تحيل على قانون "كل ما من شأنه" المشؤوم.. ويتناسون شعارات "الديمقراطية" و"الحق في الاختلاف"... وتصبح العدو المزعج المطلوب للمقصلة، فكم يكرهون حقيقتهم. وللدقة، كم يكرهون من يعلن حقيقتهم، أو بمعنى آخر من يفضحهم.. 
إن أشكال التضامن الحالية (المعزولة)، في تعددها ورغم مشروعيتها، تعكس العجز عن الفعل وتطوير الفعل وعن خوض المعارك المطلوبة في الزمن والمكان المناسبين في ظل احتداد الصراع الطبقي ببلادنا.
مرة أخرى، لنتضامن، نعم.. لكن، ماذا بعد؟



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق