18‏/07‏/2018

حسن أحراث// المعتقل السياسي بين الأمس واليوم...

حتى زمن قريب، أي بالأمس، كان المعتقل السياسي يتضامن مع المعتقل
 السياسي ، من منطلق نفس المعاناة ونفس المحنة داخل مختلف السجون والمعتقلات والمخافر والزنازين، رغم وجود الفارق بالنسبة للموقف والانتماء السياسيين (أستثني هنا للأمانة العلاقة بمجموعات ما يسمى ب"الإسلام السياسي"، أي القوى الظلامية، وكذلك القوى الشوفينية، كأطراف سياسية رجعية تلتقي مصالحها ومصالح النظام القائم). أما عائلات المعتقلين السياسيين، فكانت عائلة واحدة. فأم معتقل واحد تعتبر أما لجميع المعتقلين، علما أن الأمهات لعبت أدوارا بطولية الى جانب أبنائها وساهمت بقوة في فرض إطلاق سراحهم. ولهن علينا، خاصة كمعتقلين سياسيين سابقين، واجب الاعتراف بذلك، بل الإشادة به وتخليده، وأيضا تقاسمه مع عائلات المعتقلين السياسيين الآن وغدا، استرشادا بتجارب الشعوب المضطهدة الأخرى، وخاصة بأمريكا اللاتينية.
وبالنسبة لأشكال التضامن بالداخل والخارج، فكانت تخص كافة المعتقلين السياسيين بكافة السجون وكذلك عائلاتهم. وكان المحامون المتطوعون (جلهم للأمانة أيضا) يؤازرون كافة المعتقلين السياسيين. ولم يسبق أن آزر محامي رجعي معتقلا سياسيا مناضلا (من بين مفارقات الأمس واليوم!!)...
فقط، كانت أشكال التضامن والدعم تختلف حسب المعارك وأوضاع المعتقلين والمضايقات التي يتعرضون لها وعائلاتهم. فكلما خاض المعتقلون إضرابات عن الطعام (مثلا)، كلما تجند المناضلون والقوى المناضلة والمتعاطفة، وخاصة بالخارج، لمؤازرتهم ومتابعة معاركهم والتعريف بها وفضح الخروقات التي تطالهم؛ وهي حالة مجموعة مراكش 1984 بالخصوص.
وللأمانة مرة أخرى، "سرقت" مجموعة "1977" (المقصود مجموعة السرفاتي "ومن معه" وعن جدارة طبعا) الأضواء السياسية والصحافية بالخارج بدون شك. وكثيرا ما تم "اختزال" المعتقلين السياسيين في هذه المجموعة التي عرفت استشهاد المناضلة سعيدة المنبهي، رغم وجود مجموعات أخرى سابقة عنها.
وكثيرا كذلك ما أثيرت في العديد من المحافل الدولية، وكذلك في اللقاءات الصحافية مع الحسن الثاني، مثلها مثل مجموعة "تازمامارت" في فترات لاحقة، وقبلها مجموعة مراكش 1984، خاصة واتهام الحسن الثاني الأطباء وتحميلهم مسؤولية استشهاد الرفيقين المناضلين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري.
إلا أن قضية الاعتقال السياسي بقيت قضية واحدة، قضية شعب واحد، قضية طبقية. وستبقى طالما سيبقى النظام قائما.
واليوم، نعيش وضعا سياسيا مختلفا. نعيش مفارقات غريبة. هناك معتقلون سياسيون منسيون، لا أحد (بشيء من المبالغة) يتابع أوضاعهم، غير عائلاتهم وقلة من المناضلين. وهناك معتقلون سياسيون، الكل (بشيء من المبالغة أيضا) يتهافت على "التضامن" معهم ومع عائلاتهم، وأهم من ذلك رفع صورهم وأخذ الصور مع عائلاتهم. أعتذر هنا، لا أعمم، أحترم العديد من المناضلين الصادقين والمناضلات الصادقات... وقد ترجموا وترجمن صدقهم/هن على أرض الواقع وفي عدة مناسبات... 
بمبدئية نضالية، كل الدعم والتضامن مع كافة المعتقلين السياسيين بغض النظر عن مواقفهم وانتمائهم السياسيين. وما يهمني هو تعميم الدعم والتضامن بالنسبة لكافة المعتقلين السياسيين، وليس "نقله" من هنا الى هناك، أي مصادرته هنا وتنزيله هناك، أبدا. 
فهل أنصتنا الى دموع أمهات تبحن بالانتقائية في التعاطي مع المعتقلين السياسيين؟
أمهات يقلن: لماذا كل هذا الدعم لهذا المعتقل وهذه العائلة دون ذلك بالنسبة لمعتقلين آخرين وعائلات أخرى؟
هل تمثلنا إحساس الأمهات اللواتي يتابعن الخرجات "المليونية" دون أثر لأبنائهن القابعين في سجون الذل والعار؟ 
هل شعرنا بالمرارة التي يتجرعها المعتقلون المنسيون وهم يتابعون الخرجات "المليونية" التي تمارس عليهم الإقصاء والتهميش ببشاعة، بل الإدانة الى جانب إدانة النظام المرفوضة؟
كيف نطالب بما يسمى ب "المحاكمة العادلة" لزيد (في أحسن الأحوال)، ونطالب بإطلاق سراح عمرو؟
أليس الأمر يعني قضية واحدة، قضية شعب واحد؟
لماذا الخرجات اليوم، وليس الأمس؟ أليست نفس الأحكام الانتقامية والجائرة؟
ألم يشهد الريف الاحتراق والاعتقال إبان 20 فبراير، وكذلك تازة وزاكورة وبوعرفة وجرادة و...؟ 
ونقول نحن بحرقة، ما هو "جرم" هؤلاء المعتقلين السياسيين المنسيين؟ أهو "الجرم" الذي حاكمهم به النظام القائم؟ أهي تهم القوى الظلامية والشوفينية عميلة النظام القائم؟
الريف في عيوننا وكذلك الأطلس والشرق والغرب، وبلدنا/شعبنا الحبيب والمكافح ككل. لقد انتفض الريف بالأمس واليوم ودائما، والبطل محمد بن عبد الكريم الخطابي ملهم الأجيال وكذلك جنود الخفاء في ذاكرتنا النضالية الحية دوما وأبدا. وكان معتقلو الريف كباقي معتقلي مختلف مناطق بلادنا في قلوبنا... إنها نفس المعاناة ونفس التضامن ونفس التضحية... وليشهد شعبنا والتاريخ... ما حصل بالريف من جرائم فظيعة حصل أيضا بمناطق أخرى ببلادنا. إن جرائم النظام واحدة على طول بلدنا وعرضه...
إن الانتقائية والانتهازية المقيتتين في التعاطي مع المعتقلين السياسيين تفضح الخلفية السياسية التي تؤطر الخرجات "المليونية" سواء من تنظيم هذه الجهة السياسية أو تلك. وهذه الخلفية بعيدة كل البعد عن خدمة قضية الاعتقال السياسي كقضية طبقية. فالشعارات "الجميلة" لن تخدعنا... لقد مللنا الشعارات البراقة والمنمقة...
وجل هذه الخرجات تخدم أجندات أصحابها، وليست بعيدة عن خرجات امتصاص الغضب (التنفيس) وتكريس الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة، وعن خرجات "الديمقراطية" الزائفة إبان حفلات وطقوس "الانتخابات" الموسمية... إن النظام يصنع "طعام" موائد المساومة الدسمة باحترافية عالية. إنه يوفر شروط "التفاوض" غير المتكافئ لربح كل "المنازلات" التي يرغب فيها. 
إن القوى السياسية لا تمارس السياسية وفق تصوراتها ومشاريعها وبرامجها وأهدافها التكتيكية أو الاستراتيجية، إنها تتفاعل مع مبادرات النظام وتوجيهاته وتنساق حسب رياح كل مرحلة ومتطلباتها بدون أفق أو أهداف مرسومة. 
باختصار، إن أحد مقاييس نضاليتنا (الى جانب مقاييس نضالية أخرى دقيقة) يقوم على مدى ديمقراطيتنا فيما بيننا أولا، وثانيا في انسجامنا ووضوحنا في التعاطي مع قضايا شعبنا ومعارك أبناء شعبنا، ومنها معارك العمال والفلاحين الفقراء والطلبة والمعطلين والمهمشين، وأيضا معارك المعتقلين السياسيين، كافة المعتقلين السياسيين بدون تمييز... إنه التحدي الذي يفصل بين الغث والسمين، خاصة في فترات احتداد الصراع الطبقي...
في الختام، لا أخاطب الغارقين عن وعي انتهازي ورجعي في خنادقهم السياسية؛ إني أتفاعل مع رفاق مناضلين يتقاسمون نفس الهموم ونفس الطموح، ومع عموم من ينشد المبدئية في مقاربة الإشكالات التي تعترض تحرر شعبنا وانعتاقه اليوم وغدا...
لنناضل من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين بكل شبر من بلدنا المغرب.
إنها ديمقراطيتنا... إنها مبدئيتنا... إنها حقيقتنا النضالية...
إنه التحدي النضالي أمام المناضل الثوري، أي مناضل ثوري...




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق