09‏/07‏/2018

حسن أحراث// عندما ندعي القوة ونمارس الضعف..!!

مناسبة هذا المقال هي مسيرة يوم الأحد 08 يوليوز 2018 بمدينة الدار البيضاء
المنددة بالأحكام الانتقامية التي صدرت في حق معتقلي الريف، والتي بلغت "قوتها/درجتها" 20 سنة سجنا نافذا (على سلم النظام القائم)، رغم أن الفكرة الجوهرية حاضرة دائما وأبدا، في هذه اللحظة وفي لحظات سابقة.
واكب الإعلان عن تنظيم المسيرة عدة ردود فعل، وأبرزها موقف بعض القوى الظلامية والشوفينية بعدم المشاركة. علما أن الجهة المنظمة لم تمارس الطقوس المعتادة، أي تقدم "الزعماء" طليعة المسيرة في صف "متماسك" وتوزيع الابتسامات والعناقات والتلويح بالأيادي والتقاط الصور... لقد مارس ذلك كل زعيم/ة بطريقته/ها المنفردة والخاصة.
ما فرض نفسه البارحة 08 يوليوز بساحة النصر هو عدد المشاركات والمشاركين في سياق "فرز" مصنوع أكثر منه "فرز" طبيعي أو نضالي. لأن هناك من لم يرقه "إبعاد" القوى الظلامية، وجماعة العدل والإحسان بالخصوص. والوقوف عند هذا العدد لا يعني المبالغة أو التمجيد/التباهي، إنه عدد يليق (الى حد ما) بمسيرة وطنية في ظل شروط جزر ونكوص سياسيين. كما أن المناضلين تطلعوا وبتواضع الى عدد أكبر، خاصة وطبيعة المناسبة وسياقاتها، بارتباط مع ما يمثله الحدث من تضامن مع المعتقلين السياسيين، كافة المعتقلين السياسيين، والنضال من أجل إطلاق سراحهم؛ ومن تردي اقتصادي واجتماعي شامل، ومن بؤس عام يخيم على الظرفية السياسية. ويهم المناضلين والرفاق بالأساس ما بعد المسيرة وسؤال الذات المناضلة. 
لا أسعى من خلال هذا المقال الى مناقشة طبيعة المناسبة وخلفياتها السياسية أو حجم المشاركة وأسبابها. وقد سبق أن نشرت مقالا حول المسيرة يتطرق الى السؤال الحارق: "ماذا بعد المسيرة؟".
يؤرقني هنا وبالدرجة الأولى معنى أن نكون "أقوياء" (إذا كان الأمر حقا كذلك)، وبالتالي معنى أن نمارس "الضعف". وهو ما طرحته عنوانا: " عندما ندعي القوة ونمارس الضعف".
لا أثق كثيرا في الصورة، لأسباب تقنية معروفة، ولا في التعليقات أو التغطيات أو التقارير (الماركوتينغ/التسويق). لقد عشت المسيرة طولا وعرضا، ومن البداية حتى النهاية، ووقفت على نسبة المشاركة المحترمة، على الأقل مقارنة بمناسبات أخرى، وفي غياب أطراف سياسية تزايد بالقوة العددية والقدرة على التنظيم الجيد والمحكم.
لا يخفى عامل الحماس وحب التضامن ورفض "الحكرة" لدى بنات وأبناء شعبنا، ولا يخفى كذلك مشاركة "كائنات" أبعد من أن تمارس التضامن أو الديمقراطية أو النضال، كائنات تعشق الظهور البهلواني وتجسد "التعفن" الذي ينخر الأجساد/العقول "الليبرالية" و"اليسارية"...
والسؤال بالضبط هو: لماذا لا نمارس "قوتنا"؟
لماذا لا يمارس قوته من يدعي القوة؟!!
لقد تلي المسيرة "تهليل" كبير حول نجاحها، خاصة على مستوى الشكل، أي العدد. وغاب التقييم بشأن مضمونها السياسي، أي الشعارات المرفوعة بالخصوص. 
مرة أخرى وكما ذهب الى ذلك الكثيرون، لنقتصر على العدد، كمحدد "لنجاح" المسيرة، ودون تبخيس أحد مجهوداته واجتهاداته، لماذا لا تستنفر الجهة المنظمة في تنوعها/تعددها السياسي هذه الأعداد لخوض معارك أخرى لا تقل أهمية وراهنية، ودائما بعيدا عن القوى الظلامية والشوفينية؟
بل، لماذا لم تنخرط في تحديات ومحطات فارقة سابقة ولاحقة؟ 
جريمة الإجهاز على التقاعد مثلا، كيف ننسى مسرحية النقابات لضمان تمريرها؟
إن من يدعي القوة السياسية ولا يمارسها، ليس غير متواطئ، بل منخرط في مؤامرات النظام ومنفذ لمخططاته الطبقية..
كثيرا ما اختبأنا وراء العجز والضعف والتشتت وتصفية الحسابات. لكن الآن، وما دمنا فرحين "بانتصارنا"، ما هو مآل هذا "الانتصار"، على مستوى تحالفاتنا ونضالاتنا ومواكبتنا للتطورات الحاصلة دوليا ومحليا؟
هل تمحصنا السؤال العلمي المتعلق بالانتقال من وضعية الكم الى وضعية الكيف؟
هل استطعنا فرض إطلاق سراح المعتقلين السياسيين؟
ما هي المكتسبات المحققة فعلا، المنتزعة أو المسترجعة؟
طبعا، المعركة طويلة.. والصراع الطبقي حاد ومرير.. وللنظام القائم ما يكفي من النفس والمناورة وأساليب الإجرام لمواجهة الضغط والفضح، خاصة وجنوده المتمرسة على تكسير المعارك وإجهاضها وشراء الأقلام والأقدام...
وكما عرف عن الحجاج (بن يوسف الثقفي): "والله إني لأرى رؤوسا قد أينعت وقد حان قطافها وإني لصاحبها"، فالنظام الى جانب ذلك يلجأ الى: "والله إني لأرى رؤوسا قد أينعت وقد حان شراؤها وإني لصاحبها".. إنه مكر الترهيب والترغيب...
لا أفرح لفرح القوى السياسية المتورطة الى جانب النظام ولو تكن مشاركة في المسيرة أو مساهمة في تنظيمها. أفرح بصدق للمناضلين والرفاق الذين يفرحون من منطلق مبدئي، أفرح لفرح حاملي رسالة ثورة شعبنا.
أتألم لأوضاع المعتقلين السياسيين، كافة المعتقلين السياسيين، وعائلاتهم؛ بالدار البيضاء والحسيمة وفاس ومكناس وأكادير وباقي سجون النظام... 
يتحدثون عن مسيرة الأحد المقبل 15 يوليوز 2018 بمدينة الرباط. لكن، مسيرة من؟ 
إننا لسنا عشاق المسيرات أو الوقفات.. لسنا عشاق الكاميرات.. 
لسنا عشاق الكم "الملوث"..
سنبقى نطرح الأسئلة.. وسنغوص في بحار أسئلتنا "المملة" المستمدة من الواقع الملموس، وسنتألم في صمت وبدون جلد للذات...
إلا أننا لن نصمت، سنبدع وسنحيا ونتقدم.. 
إن المناضل اليوم، ترجمة فعلية لنضاليته، في حاجة ماسة الى عينه/بصره، أي الى عقله، أكثر من حاجته الى أذنه. إن "العنعنة" تقتل، وكذلك الكسل في البحث عن الحقيقة والتقصي والمتابعة..
لم نسقط من السماء.. لقد نبعنا من قلب السجون...
لن نتوقف عن طرح الأسئلة، كما لن نتوقف عن تقديم الأجوبة الملموسة ومشاريع الأجوبة...
إن أسئلتنا المسؤولة بحجم تضحياتنا، وكذلك إجاباتنا ومشاريعنا السياسية..
إننا أقوى من الألم ومن القمع ومن القهر.. لكننا، لا زلنا "أضعف" كذات سياسية منظمة من القبض على النصر..
لا زلنا "أضعف" من تنظيم وتأطير جماهير شعبنا، وخاصة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم المضطهدين..
لا يزعجنا النقد الذاتي، ولا تخجلنا حقيقتنا. فالبارحة مثلا، وجدنا أنفسنا في الهامش أكثر ما حضرنا في قلب المسيرة.. 
إلا أنه من حقنا أن نفرح. فقط، لنعمل على تحقيق فرحنا على أرض الواقع.
لن نغرق في دموع الفرح.. كفى من العاطفة الزائدة..
لنقدم الأجوبة الجماعية الموحدة للفعل النضالي...
لنكن في مستوى حلم وطموح الشهداء والمعتقلين السياسيين..
لنجسد إرادة شعبنا المكافح في التحرر والانعتاق..
نتفهم تعطش المناضلين والرفاق للزخم النضالي المنظم للذات السياسية في ظل الجفاف والتصحر السائدين..
لنجعل من الفرح حافزا لوحدتنا ولصدقنا ولمبدئيتنا، وكذلك لمحاسبة أنفسنا ورفاقنا..
لن ندع الفرح ينسينا مهامنا النضالية الملحة، تجاه المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم المنسيين في سجون العار، وتجاه الطلبة والمعطلين والمشردين، وتجاه النضالات المهدورة والمغدورة.. لنحارب الهدر النضالي، لا نرضى أن نكون "بنزينا" في محركات القوى الرجعية والإصلاحية.. ولا نقبل أن توظف نضالات الشعب المغربي أو أن تمتطيها لأغراضها الذاتية...
لن ندع الفرح يخدر حواسنا..
لن نسمح بأن يزج بنا الفرح في متاهات الذات والذاتية والنرجسية..
لن ندع الفرح الصغير ينسينا الفرح الكبير، فرح خلاص شعبنا...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق