11‏/09‏/2018

حسن أحراث // عيد ميلاد سعيد رفيقتي نعيمة... بوح جميل: عندما زارت نعيمة مدينة مراكش لأول مرة.

نعيمة، رفيقتي، زوجتي، لنا ثلاثة أطفال: أسماء (مراكش 1994، ممرضة مجازة)
وسامية (مراكش 2000، سنة أولى كلية الطب) ويونس (شفشاون 2004، جذع مشترك علمي).
نعيمة، ممرضة مجازة، ألحقها مسؤولو مستشفى ابن رشد (موريزكو)، بعد تخرجها وكوافدة جديدة من مدينة سيدي قاسم، بكهفنا المحاصر في يناير 1990 (أي صدفة وأي حظ؟!!). 
لم يكن سهلا حينذاك الاقتراب منا، دون باقي المعتقلين السياسيين (الزيارة ممنوعة منعا كليا وبالنسبة للجميع، بمن في ذلك العائلة، لمدة ست سنوات بالتمام والكمال). كنا حسب التعليمات الصارمة، مجرمين وخطيرين و"عديان سيدنا" (أعداء الحسن الثاني). التحقت بنا، أي بكهفنا، بعد تنقيلنا الى أحد الأقبية النتنة بنفس المستشفى.
لكن رغم ذلك، اندمجت بسهولة في طقوس أهل كهفنا المنسي. لأنها ليست الوحيدة التي شنفت أسماعها تلك الأسطوانة الترهيبية.
الكل، تقريبا، كان يتفهم وضعيتنا الشاذة، كمضربين عن الطعام بشكل لا محدود، بعد استشهاد رفيقينا بوبكر الدريدي (الصويرة 1984) ومصطفى بلهواري (اسفي 1984).
والكثيرون (أقصد الممرضين والممرضات وعناصر الحراسة)، كانوا يتعاطفون معنا، بل ويخدموننا رغم أننا أعداء الملك. 
سجلنا عليها مرة أنها لم تقم "بواجب" الدخول الى غرفتنا/زنزانتنا، واقترحنا عليها "استفزازا" لها البقاء بعيدا إذا لم تكن تطيق الحالة التي كنا عليها: روائح كريهة وشعر كث وأظافر طويلة ومتسخة (وحوش آدمية قسرا)...
لكنها اعتذرت، وأضافت أنها لم تكن تقصد ذلك. بل لسبب أو لآخر، لم تقم بإطلالتها الصباحية الجميلة على زنازننا.
ومنذ ذلك الحين، ووتيرة الارتباط بنا (جوهاري وأنا) أخذت تكبر وتكبر وتكبر...
كانت تخفي الجرائد والكتب التي كنا نطلبها منها تحت ملابسها الداخلية، وكانت صلة الوصل بيننا والعالم الخارجي الذي حرمنا من شمسه وهوائه ونسائمه...
لقد خربت الحصار الذي كان مضروبا علينا...
لقد وضعت حريتها فوق كف عفريت، وكذلك مهنتها/وظيفتها ومستقبلها...
كانت جريئة الى حد نكران ذاتها وعائلتها...
كانت قوية الى حد هزم الجلاد وجيوشه وأسواره...
كانت جرعة حياة، بل حياة...
وخوفا عليها، وتفاديا لأي هفوة منا قد تفضح سرها، لقبناها ب"أسماء". ولذلك لم نجد صعوبة في تسمية ابنتنا البكر، فكان اختيارنا "أسماء" تلقائيا.
وعندما لبت طلبنا في نهاية أحد أسابيع شهر غشت سنة 1990، بزيارة العائلة بمراكش عمت السعادة الكهف، وأحسسنا (نور الدين جوهاري وأنا) نشوة الانتصار قبل الأوان.
لم يسبق لها أن زارت مدينة مراكش، ورغم ذلك، لم تتردد في قبول الطلب الصعب أو المغامرة.
وضعنا الترتيبات اللازمة لسفر عصفورتنا الشابة، مخطط مضبوط، الوجهة حارة الصورة (قرب حي الموقف)، درب سيدي بوحربة، رقم 03. عنوان أختي سعيدة (سابقا). تفادينا عنوان الأسرة (الأب والأم) تجنبا لأي مفاجأة غير سارة.
حملت معها رسالة الى الأسرة وبعض العلامات لكسب ثقتها.
كان الصيف حارا وكانت المهمة صعبة وحارقة...
إنها صورة من الصور الصامتة لتضحيات أبناء وبنات شعبنا؛ 
إنه الأداء النضالي الرائع لبنات وأبناء شعبنا، بدون ضجيج وبدون جوائز وبدون مزامير...
إنه الدرس والعبرة والتحدي...
عادت بطلتنا منتصرة وعلامة انتصارها بادية على يديها، كاعتراف لها بشهامتها وتضحيتها...
فقد زينت الأسرة الصامدة يدي بطلتنا بالحناء...
أجمل اعتراف وأعظم تضحية...
ملاحم في الظل...
ملاحم تفضح محترفي الواجهة وعشاق الكاميرا...
كفى من المسرحيات الهزلية المملة...!!
هل تدركون الآن لماذا نحن أقوياء...؟



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق