كل مناضل، فردا أو جماعة، يسعى الى وضع الأصبع على الجرح، جرح "تخلفنا" و"عجزنا" عن تجاوز عنق الزجاجة في مسار ثورة شعبنا المظفرة رغم كل التضحيات المقدمة.
إنها مسؤولية كل مناضل ثوري مرتبط قولا وفعلا بقضية شعبه. لقد علمتنا التجربة والتقييمات المتعددة للفعل النضالي ببلادنا أنه لا يكفي "الجري" طولا وعرضا، وصباح مساء. كما لا يكفي إطلاق دينامية المعارك هنا أو هناك. ولا يكفي بدون شك إلقاء الخطب الرنانة وترديد الشعارات البراقة، سواء على أرض الواقع أو في مواقع التواصل الاجتماعي أو أمام البرلمان... ولا يكفي، بل لا يجب انتظار من ينوب عن المناضل في مجال "التنظير" أو "التوجيه".. الكل معني بالمساهمة في فك "طلاسم" التخلف والعجز بمعانيهما المرتبطة بواقع الذات المناضلة.
وحتى لا أفهم خطأ، لأننا نسير على "البيض"، بل فوق الألغام، ولأننا مرمى "الكرات الضائعة" وهدف السهام المسمومة؛ يجب "الجري" طولا وعرضا، ويجب إطلاق دينامية المعارك هنا وهناك، ويجب إلقاء الخطب التحريضية وترديد الشعارات الثورية على كافة الواجهات وفي كل الأماكن، ويجب "كل ما يجب"..
لقد انتبه المناضلون مبكرا الى ضرورة التنظيم لإنجاح أي معركة، بل لإنجاح أي ثورة. وليس أي ثورة، كما ليس أي تنظيم.. وليس ذلك اكتشافا خارقا، فالثوار الرواد نجحوا من خلال التنظيم الثوري وأشياء أخرى مرتبطة بالواقع الذاتي والموضوعي حينذاك. ولن ننجح بدورنا بدون التنظيم الثوري وتلك "الأشياء الأخرى" المرتبطة بواقعنا الذاتي والموضوعي الراهن.
وقد يتجسد تميزنا في المرحلة الحالية في تحطيم الأصنام السياسية في المجالات السياسية والنقابية والجمعوية. لا أقصد الرموز المناضلة التي برهنت على نضاليتها باستمرار وتواصل معاركها الشرسة طولا وعرضا وليلا ونهارا. فالأمر يعني الأصنام الميتة في علاقتها بنضالات الجماهير الشعبية المسحوقة، و"الحية" في علاقتها بالنظام ومخططاته الطبقية.
في الماضي، كانت الأصنام (هبل واللات والعزة...) ميتة وجامدة دائما؛ أما اليوم، فإننا أمام أصنام تموت (تجمد) عندما تشاء، و"تحيا" عندما تشاء. تموت عندما يتعلق الأمر بمصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين، و"تحيا" عندما يتعلق الأمر بتمرير مؤامرات النظام وتزكيتها..
فلنكسر الأصنام التي تعيق تقدمنا وتعرقل خلاص شعبنا وتحرره، بما في ذلك الأصنام الساكنة في أعماقنا. لنكسر القيادات النقابية (الأصنام) المتواطئة التي تعض بالنواجد على الكرسي والموقع والمصالح الضيقة، ولنكسر "الزعامات" السياسية التي تشد بخناقنا وتمارس الوصاية علينا رغما عنا، سواء باسم "الأغلبية" أو "المعارضة". لنكسر أصنام "الأغلبية" وأصنام "المعارضة".. لنكسر أصنام المؤسسات المزيفة والممنوحة.. لنكسر ما يجب تكسيره.. لا معنى للتعايش أو التساكن مع الأصنام.. لنحرر الطاقات المناضلة من سخافاتنا وأحقادنا وأخطائنا.. ولنواصل المعركة من الموقع المناسب، أي الموقع الصحيح، وليس الموقع الخطأ باسم "الكاريزما"، حبا في الزعامة أو الكرسي.. لنكن ملح الصراع الطبقي كمناضلين ثوريين ومثقفين ثوريين، بدل ملح "الطعام" الطبقي (الطبقي هنا، بمعنى الطبق)..
فالتنظيم أولا، وتكسير الأصنام ثانيا، و"أشياء أخرى" ثالثا...
لسنا عدميين، ولا فوضويين.. نحن التجسيد المبدع للمقولة الثورية المبدعة "لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية". وللأسف الشديد، هناك من يكسر المناضلين بدل تكسير الأصنام، وذلك بوعي "ثاقب" تنفيذا لتعليمات وأوامر أزلام النظام.. لقد صار تكسير المناضلين حرفة من لا حرفة له، وباسم النضال والثورة و"أشياء أخرى".. وإذا كنا نواجه مرتزقة النظام وعملائه في "اليمين"، فسنواجه الآن مرتزقة النظام ومرتزقة "اليمين" ومرتزقة "اليسار" المدعية شكلا للنضال والثورة..
إننا أمام تحديات كبرى؛ شعبنا ينتفض ويقاوم بالريف والأطلس، بالجبل والسهل، ويقدم الشهيد تلو الشهيد والمعتقل (القاصر والراشد، المرأة والرجل...) تلو المعتقل والمشرد تلو المشرد؛ فلننتظم ولنكسر الأصنام أينما وجدت...
بدوري، لا يشرفني أن أكون صنما. وإذا بدا ذلك رغما عني، فكسروني.. فهناك من كسر الأصنام وصار صنما..
12 شتنبر 2017