إذا كان قبر"
الجندي المجهول"
يُعد تذكارا و رمزا لتضحية
المقاتل الذي لقي حتفه ولم يتعرف أحدا
على هويته. فان
هناك شهداء ماتوا وسط المعارك دفاعا عن
مبادئهم وعن أنفسهم وعن أراضيهم.
ولم يكن لديهم حزبا أو
جمعية أو هيئة ليسندوا ظهورهم إليها.
وكان الوطــــــــن وحده
جدارهم الأخيـــــر .
ومن باب الإنصاف والإكرام
لذكراهم ، وقبل أن يطويهم النسيان ، آن
الأوان ، أن نبني ضريحا " للشهيد
المجهول " . نُشيِّده
قبرا مرصعا بــدمه الطاهر وألماس تضحيات
الشعب المكافح ، ولو بداية بهذا الفضاء
الازرق كأضعف الايمان . لنفضح
من خلاله القاتل والجلاد وندفع لمحاسبتهم
على أرض الواقع . كي
لا تتكرر المجازر و الدم وكل ماضي الانتهاكات
الجسيمة .
تعجبني مواقف "الأمير
المنبوذ " ــ
هشام ــ التي يصدرها عبر مقالاته حول
المواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان .
لكن كلما تأملت وجه هذا الأمير
أجد فيه شخصا يستند على وسادة من حرير
وإرث عظيم وولد و في فمه ملعقة من ذهب.
وأبقى مشدوها محاصرا في
الزاوية يُساورني السؤال عن كل تلك الثروة
وعن الملعقــــة الذهبية والحرير .
هل كل ذلك كان نتاج ومَحصِلة
لمعاملات اقتصادية وعمليات وطنية مشروعة
أحتُرِمت فيها معايير المواطنة والديمقراطية
المُتحدث عنها ؟؟..أم
هي مجرد زَبد أو لنقل لب وعصير لثروة غير
مشروعة ؟؟ علما أن أباه ''الأمير
عبدالله '' كان قبل
موته ثــــاني مـــلاك كبير بالمغرب بعد
"الحسن الثاني
". ليس فقط من
حيث الثروة ولكن أيضا من ناحية سعة
الممتلكات .
في أحد مواضيعه ، يحدثنا
كتاب "الأزمة
المغربية في الغربال "عــــن
طبيعــــة الأحداث الدامية التي خلفتها
انتفاضة فلاحي "اولاد
خليفة " المتموقعين
ما بين ـ سوق الثلاثاء الغرب ونواحي
القنيطرة ــ . وعن
الأسباب التي فجرت تلك الانتفاضة والتطورات
التي حدثت فيما بعد .. وهو
كتاب صادر في أوج سنوات الجمر والرصاص
خلال يناير 1973 ،
عن دار ابن خلدون للطباعة والنشر ببيروت.
لصاحبه " مناضل
تقدمي مغربي". والذي
سأعتمده إضافة الى الشفهي والمروي عن
أحداث هذه الانتفاضة ، مصدرا أساسيا بهذا
الموضوع .
لما علم فلاحو "
اولاد خليفة "
بأن "الأمير
عبد الله " أب
"الأمير المنبوذ
" سيستولي على
كل أراضيهم خصوصا الخصبة منها.
وأنها آلت إليه بلا رجعة
من طرف السلطات المركزية . جُن
جنونهم ..وبدأت
التعبئة على أشدها.لتتوحد
القبيلة حول موقف واحد وخيار أوحد هو خيار
المقاومة والتصدي لكل المخططات التي
تستهدفهم وتهدف الى اقتلاعهم من جذورهم
ومن أراضيهم الفلاحية .
وبالرغم من كون المعركة كانت
شرسة و غير متكافئة تدور رحاها بين فلاحين
فقراء عزل وتِنـِّـــينٍ مسلح ــ مفترس
له مخالب وأنياب مصاصي الدماء ـــ .
تسلط على تلك المنطقة
الخصبة . مكونا من
اقطاعيين و ملاكي أراضي كبار مثل :
" جلول النجاعي والشعبي
والأمير عبدالله " .
> فإن قبائل "
أولاد خليفـــة "
قد شدوا العزم على الانتصار
و اشتعلوا حماسا وعيون أناسها الطيبين
كانت تقدح شررا . ويوما
عن يوم بقي التضامن والتآزر يتصاعد
ويتزايدَ بين الفلاحين. ولم
تكن تَخلُ بداية الكلام ونهايته بين
الأفراد و الجماعات من ترديد أمثلة وشعارات
مثل : " ابْنادم
هو اللي يْمُوتْ على وْلاَدُو ولاَّ عْلَى
بْلادُو" و "
وَلدْ خليفة بلّحْمَرْ
يَاكلْ لحجرْ وخَّا الدم يتقاطرْ على
أرضه ما يهاجرْ ".
إلا أن المعركة كانت طويلة
وعسيرة سادها المد والجزر و تخللتها جولات
عديدة. كانت دامية
حينا ومنتصرة أحيانا أخر . حيث
لم يكن في ذلك الوقت هيِّنا أن تقول
ل"الغـــول
عيونك حُمر" . لكن
هؤلاء الفلاحين الفقراء وفي تحد كبير
حاولوا منع جَرَّارَات "الامير
عبدالله" أب
"الامير المنبوذ"
من أن تشق أراضيهم .
وكانت تتعالى أغاني أحيدوس
التي توخز بكلماتها العدو الغاصب والمحتل
الجديد لأراضيهم . و
تمكنوا كذلك من احتجاز ما يناهز الخمسون
بقرة هولندية كانت في ملك الاقطاعي "جلول
النجاعي " وذلك
بغية إرغامه على استرداد المبالغ المالية
التي كان قد سلبها منهم قبل ثلاث سنوات
خلت .وما كان ليسلبها
لولا الحيلة التي روجها بكونه وسيطا بينهم
وبين الدولة التي حسب ما كان يزعم بأنها
مصممة على بيعهم تلك الاراضي .
أمام هذه الانتصارات الجزئية
تجرع الأمير خيباته ووقف عاجزا على قهر
هؤلاء الفلاحين الفقراء الملتحمين
والمتضامنين فيما بينهم .. وهو
ما دفع بالنظام القائم الى التدخل بترساناته
القوية وبحشد جيوشه المسلحة بالرصاص
والذخيرة الحية... لمواجهة
هؤلاء الفلاحين العزل . خصوصا
وأن " الامير
عبد الله " الذي
صمم أن يستولي على تلك الاراضي لم يكن
يحكم بمفرده بل كان فقط واحدا من أجهزة
دولة دموية يقودها الحسن الثاني و الجينرال
أفقير انذاك .
صبيحة السبت 28 نونبر
1970، دقت ساعة التدخل
وطـُوِّق المكان بالعسكر الذين توافدوا
أرتالا و مليشياتا من كل الجهات .
ونزلت الدبابات والمدافع
لمواجهة هؤلاء الفلاحين الفقراء.
وكانت قد أوكلت قيادة
الهجوم المسلح الى القائد "بنونة
" الذي أرسل
جيوشا مسلحة لإطلاق الرصاص على الفلاحين
..." (01 ).
ورغم ذلك نزل الفقراء الى
ساحة المعركة من كل صوب وحدب ، فـُـرَادى
وجماعات من الشيخ حتى الرضيع ليصدوا
الهجوم المسلح بصدورهم العارية ، ويواجهون
نيران المدفعية و البنادق . دفاعا
عن اراضيهم التي سيستولي عليها أب الامير
المنبوذ.
نزلوا نساء ورجالا و بأيديهم
بضع من العصي والحجارة ، وعجائز تحمل من
خلفهم قصبا ، متبوعين بأطفال يحملون ما
بين أناملهم أزهار شقائق النعمان ..
وعلى عكس ما كان يفكر فيه
هؤلاء الفلاحين الفقراء جاءت المعركة
بما لا تشتهيه سفنهم . حيث
بدأ الرصاص الطائش الحي يدوي بلا رحمة
ويخترق صدورهم العارية .. و
سالت دمـــــاء كثيرة واختلطت بتربة
الارض المستلبة ."" ..و
قتل الجيش الوحشي رميا بالرصاص أزيد من
اثنى عشر فلاحا أثناء الصدام المباشر....و
عثر بعد ذلك على جثث منتشرة هنا وهناك ،
بعد ان كان يعتقد أهلها أن أصحابها رهن
الاعتقال ، نظرا لحملة الارهاب التي شنها
الحكم الفاشستي الرجعي والتي اعتقل فيها
أزيد من مائة فلاح ، بعد أن اخرجهم من
بيوتهم وساقهم الى سجون سوق الاربعاء
والقنيطرة .
ولقد كانت العائلات الفلاحية
تحتفظ بجراحها وتخفيها عن أعين القمع
والشر حتى لا تعتقلها بدورها .ومات
العديد من الفلاحين متأثرين بجراحهم
الخطيرة نظرا لانعدام العلاج .""
(02)
وبعد أن استشهد من استشهد
وجرح من جرح واعتقل من اعتقل وسالت دماء
كثيرة روت تراب اولاد خليفة .
سُحِبَت الارض بقوة الحديد
والنار عنوة من تحت جثث الشهداء وأقـــدام
الفلاحين الفقراء. لِتُمنح
على طابق من ذهب الى أب "الأمير
المنبوذ ". أب
ذاك المثقف الذي كان الاجدر به استعادة
الاراضي الى أهلها قبل أن يُحدثنا اليوم
عن المواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان
. والاعتذار للشهداء
وتعويض اهاليهم الذين دافعوا عن حقوقهم
المشروعة والدفع بمساءلة الجلادين والقتلة
ولو كانوا عظاما تقبع تحت القبور .
وما المواطنة في النهاية اذا
لم نضمد كل جراحنا و تلملم الاعطاب والوجع
المحفور وشما في ذاكرة الشعب المغربي
- (01) و (02) من
كتاب الازمة المغربية في الغربال
8 نونبر 2014
شارك هذا الموضوع على: ↓