في البداية، وقبل الخوض في موضوع المقالة،
نقدم توضيحا لا بد منه. بالنسبة "لتيار البديل الجذري المغربي" وبالرغم من
إعلان مسؤوليتنا في حمل لواء الماركسية اللينينية، فإننا لا نشكل ولو قبضة من الطبقة
العاملة المغربية. فلا نزال أقلية قليلة لا تدعي لنفسها الآن أكثر من تيار، نؤمن بأننا
جسم صغير، ومطلوب منا أن نسلك الطريق الطبيعي لنمونا، طريق نجسد من خلاله ملاحم المقاومة
والصمود والبناء ولو في أحلك الظروف(تحت نيران العدو). طريق نتعلم في منعرجاته كيفية
التأثير الفعال وعلى أوسع نطاق على الجماهير الشعبية، وبشكل خاص الطبقة العاملة.
ونعتقد أنه خير تكتيك لأي تنظيم يتحمل بجدية
مسؤولية الثورة، وينشد طريق النضج لتخطي انفعالات حلقات القذف والقدح وخلط الأوراق،
والخدمات المجانية للعدو.
وسيتم الوقوف في هذه المساهمة على مواضيع
قد تثار إلى حدود الآن من باب المزايدات النظرية والإعلامية مستعينة بحقائق مصطنعة
مدعومة بالكذب والوشايات للمضي في مهمة تهدف لشل أي تقدم ممكن، مبعدة همّ الراهن واليومي
والمستعجل لخوض الصراع. لأنها أصبحت ظاهرة خلفها واقع الشتات وتعدد المجيمعات، والأمراض
المنتقلة من الواقع السائد إلى أوساطها ويحفزها الأعداء من الخارج وبطرق خبيثة بالتلاعب
على عوامل حساسة مثل الوصاية، الزعامة، الانفرادية...، وهذا ما يخلف انعكاسات سلبية
سواء على القواعد المتعاطفة أو على أسلوب النقد الذي يبتعد عن الديالكتيك لتناول القضايا
التكتيكية والاستراتيجية، وهو ما سيكون له تأثير على مصير الفعل الثوري، وهذا ما يستوجب
الوقوف على أفكار تثار من هنا وهناك وما تلقيه من تشويش نظري وسياسي في شروط نمو لا
مفر فيها من صراع الدبابيس.
فمما يتبين أن الانفعالات المنبعثة من انتقادات
"البديل الجذري" تجتمع على رفض التقدم وتختلف في المستندات والدعاية، فمنهم
من يخلط خلطة غريبة ولا تهمه الترسبات سوى أن يقدم الجميع في مرج واحد. ومنهم من يحلف
بأغلظ الإيمان عند رؤية أي نهوض في المرحلة، بأن لا مآل له إلا ما آل إليه التحريفيون،
وكأن من انحرفوا لم تكن لهم منطلقات وأهداف واضحة تعبر عن ذلك منذ البداية، بل النهوض
هو الذي قادهم للانحراف، ويتذرعون "بنظريات" -مهدوية- في دعوة لترقب الواقع
حتى تتطابق وقائع حقائق الأرض معها. فمثل هؤلاء سيظل الشعب، وبالدرجة الأولى العمال،
يبتعدون عنهم يوما بعد يوم مع التقدم في الصراع مع الأعداء، وما إن يسمع أحد حديثهم
فسيدير ظهره لهم لا محالة وينصرف.
إن التصميم على التغيير لن يبقى إلا من
خلال العناصر والمقدمات القائمة في الواقع، وهي الأسس الأولية لترتيب التجاوز والتقدم
في مهمات وأهداف تستمد بطريقة سليمة من العالم الموضوعي. وإلا فالسؤال المفروض الخوض
فيه بدل التيه في هرم بنيان "فكر" شيد بمعزل عن سير تطور التاريخ ويطالب
الواقع للانضباط له هو: كيف أو بم سنتجاوز الوضع القائم؟ فإذا سلمنا نظريا بضرورة الأداة
الثورية، أيكون المخرج هو انتظار قيادة تنزل من السماء لحل اللغز أم سنخرجها إخراجا
من عصير النصوص أم انشاؤها في العالم الافتراضي...؟ إن التنظيم لا يشيد في النظرية
ويطالب الواقع بالانضباط له أو بالتكيف معه. وبكل وضوح، الأمر فيه من يحمل فهما مغلوطا
على مستوى الفكر يعكس خيار التلكؤ في الممارسة من جهة، ومن جهة أخرى هناك من ينتظر
ليتطابق الواقع مع نص فُذلك على طريقة مهدي عامل كخيار لستر العجز. إن اجترار الحديث
عن غياب الأداة الثورية بعد كل مد ثوري وكل انتفاضة والانتعاش بخلق مراسيم السياحة
الثورية، فهو مثله مثل من يذكر الله أثناء مرور جنازة. ولهذا نقول وبكل بساطة إن النهوض
لبدأ العمل خير من أن لا نبدأ. فلا مفر من تعلم السباحة، وخير طريق هو الذهاب في الماء.
فشرف أن نموت ونحن نحاول ونقاوم الأمواج في خضم الصراع ونبلغ الرسالة لمن هم مستعدون
لإتمام المشوار على درب من قدموا دماءهم من قضايا الشعوب. إن المهمة الأصعب هي الخروج
إلى الواقع واستكشافه والفعل فيه والتفاعل معه، وهي جعله لغة الفكر وليس العكس.
والتنظيم ليس منطلقه نظريات مجردة أو قوالب
جاهزة تستمد حياتها من أشكال وتجارب محددة، تقطع مع هذا الشكل وتحتفظ بذلك، وترسم من
خلالها الأفق. بل دراسة وعمل غير معزول عن الشروط الاجتماعية والنضالية والسياسية والثقافية
المحددة تاريخيا. والخوض في التجارب مهمة وفقا لنفس الفهم أي طبقا لظروفها وشروطها
التاريخية أيضا. ويبقى الفاصل في العمل هو كيفية التقدم في الامتداد في العلاقة وسط
الجماهير الشعبية ومع نضالاتها، وفي مقدمتها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، والمضي
على هذا الدرب على مستوى عامة الشعب في الشروط التاريخية لمجتمعنا. وفي القدرة على
الاغتناء والتطوير من خلال تجارب مأخوذة ومدروسة في شروطها، وأن يعكس سمات المرحلة
من خلال مهامه وأولوياته مع مرونة تؤهله على التحول الضروري الذي قد تفرضه تطورات الصراع
الطبقي في أية لحظة.
فطبقا لشروط تطور فعل المناضلين في الراهن
لا تقتضي منا هياكل ومسؤوليات لتتماثل مع أشكال التجارب المتقدمة تاريخيا والمقتبسة
من تاريخ الحركات الثورية. بل يجب الانطلاق من قياس سليم لرؤية الوضع ومستوى المناضلين
انطلاقا ليس مما يروّج بشكل معزول عن ما هو قائم وعن مسؤولية المناضل فيه، بل النظر
إلى حجم وجوده على مستوى الفعل النضالي، وفي علاقاته الفعلية، وفي سلوكه وفي مستوى
التزامه بسلم الأولويات النضالية، بدل الهروب إلى الأمام لستر عجز أو نقص متناسيا أو
مستصغرا لقيمة التعليم والتعلم في معمعان النضال وسط الجماهير وفي العلاقة مع المناضلين.
والمعبر لإنجاز هذه المهمة، هو وسيلة مرنة
تفتح إمكانية للمناضلين فيما بينهم لإثبات استعداداتهم وقدراتهم ومؤهلاتهم وحجم قدرة
التحمل لعبء المسؤولية في شروط الإكراهات الخاصة والمطلوب التغلب عليها مستقبلا لبلورة
إفراز متقدم على إفرازات الوضع الراهن. وفي نفس الآن لبلورة القناعة الملموسة بالانتقال
لمهمات تنظيمية متقدمة تأخذ بالحسبان بالتأكيد كل المستجدات وعلى جميع المستويات بعين
الاعتبار. فالانطلاق بهذه الطريقة تتحكم فيه شروط الوضع الراهن بالدرجة الأولى الذاتية
والموضوعية لتصير مهمات ومسؤوليات المناضلين محكومة برؤيا ومفتوحة على أفق.
إن المد الذي شهدته المنطقة العربية والمغاربية
شكل منعطفا تاريخيا، واختبر فيه الفكر والأدوات السياسية والنقابية واختبرت فيه
"الشيع" والقادة، ونزع عن الجلّ ادعاءاتهم وكانوا في ممر عراة مكشوفين تبدو
حقيقتهم مكشوفة ظاهرة لا لبس فيها، وترك سؤالا بارزا أمامنا جميعا يقول ما أنتم فاعلون؟
ولم يُبق أي ورقة توت لستر عرينا. ومع ذلك لا زال من يبحث في الرماد عن بقايا القش
ليستتر به.
وبالمناسبة سنولي هذا العمل لمن احترفوا
هذه الصناعة، إلى أولئك الذين أيقظتهم روح البوعزيزي من سباتهم، وبدل التوجه للفعل
في الميدان لتأدية الواجب والضروري ولإنتاج وسائل التقدم والمقاومة، أخذوا بالصياح
في العالم الافتراضي، بقوة "منبهي" الجموع لغياب التصور والنظرية على من
تطأ أقدامهم ساحة الصراع، وممثلين فرسان النظرية التي تحطم كل القلع، وتفرض ميثاق يحدد
من أين تنطلق النظرية وكيف تصاغ وكل من خالف الميثاق لا نظرية له. وفي البند الأول
والأساسي هو لا نظرية دون التمسح بالأصنام. ولهذا صار لزاما أن نولي اهتمامنا للموضوع،
ليس للدفاع الكلاسيكي أو لمواجهة بنفس الطريقة، بل للوقوف على النظرية كفهم للتمكن
من مقياس يسهل المسافة لاستيعاب النقاش لدى كل المتتبعين.
يستعمل أحيانا مصطلح النظرية بشكل واسع
ومطاطي للتعبير عن كل معارف الإنسان، أي أن الاستعمال لا يطال معرفة محددة بل المعرفة
بشكل عام، وتكتسي النظرية، من هذا المنطلق، معنى المرادف للمعرفة، في حين أن المعرفة
لا يمكن أن تُؤَوَّل وتختزل في النظرية ولا في مجموعها.
فالنظرية بالمعنى الدقيق هي المعرفة العلمية،
أي هي شكل من أشكال الفكر الخاصة المحددة في سير تطور المعرفة الإنسانية، وهذا لا يعني
أن النظرية هي مجال ضيق، بالعكس هي حقل واسع من المعرفة، ويتسع بطريقة منتظمة مصحوبة
بعملية الهدم والبناء، بالتقدم في عملية الوصف والتفسير لظاهرة أو مجموعة من الظواهر
في ضرورتها وفي علاقتها المتعددة الجوانب، وفي حركتها وتناقضاتها، وإتاحة المعرفة بأسبابها
وبالأساس الحقيقي للأطروحات وبحججها ومبرراتها. وتعكس درجة معرفة الإنسان لعملية الترابط
والتكامل الكلية الكونية على صيغة قوانين مكتشفة، وهذا التعريف البسيط لا يستفي ويستنفذ
جميع المحتويات والمضامين والوجوه لمفهوم النظرية ومع ذلك يحتوي الأساس في الشروط التاريخية
من تطور الحضارة الإنسانية. فمثلما العالم الواقعي لا يتكون من الأشياء الجاهزة والتامة،
أي من الثبات، فكذلك انعكاساتها في فكر الإنسان، لهذا فالتحديد النهائي للمعنى سيفقد
المعنى، لأن ما نكسبه من معرفة تحدده الظروف والمستوى الذي وصلته الإنسانية في صراعها
من أجل إنتاج شروط عيش جديدة وهذه المقدمات هي في تفاعل وتغير مستمرين.
فعندما نتحدث عن النظرية نتلمس ضمنيا وجود
معرفة واسعة نسبيا حول الشيء أو مجموعة من الظواهر دون أن يعني ذلك أن المعرفة تتجزأ
في النظريات، وفي نفس الآن لا يمكن أن نسمي النظرية أطروحة أو مجموع الأطروحات ولو
أوسعها شمولا. ويبقى السؤال مما تبتدئ النظرية؟
من البديهي أن الوقائع هي الأساس الذي تبنى
عليه الفرضية العلمية، وبالنظر لهذا أيمكن اعتبار الوقائع بمثابة نواتها الأولى ولا
نقول الأساس لبناء النظرية.
إن الوقائع هي شكل من الأشكال المتضمنة
للحقيقة الحقيقية، وهي المعطى العنيد الذي يواجهه الباحث والدارس في أي مجال من المجالات
للقبض واستكشاف الحقيقة. لذا علينا أن نعترف به أحببنا أم كرهنا. لكن الوقائع لا تثبت
بعضها بعضا بالضرورة. إلا أنه في بعض الأحيان يشيد "العلم" على المثل العليا
من خلال زيف ننشئه للوقائع وفي أحيان أخرى يتم حصر "الأحكام النظرية" على
الواقعة وتحويل النظرية إلى حكم غير مبرهن. وكيفما كان الأمر فالوقائع تبقى مهمة لأنها
تحتفظ دائما بالمضمون وبدلالتها في مختلف النظم المعرفية، في حين أن النظرية قد تنهار.
ولتقريب النظرة نتوقف مثلا على نظرية "نيوتن" حول الحركة والمادة والتي كانت
تقول إن الأجسام لا تتحرك ما لم تدفع، ليترك متسعا للتوافق مع اللاهوت، وأن المادة
مصنوعة من كرات بلياردو صغيرة وصلبة. هذه النظرية عمرت لمدة قرنين ونصف وفي عام
1925 تمت الإطاحة بها نهائيا وتمت إزاحتها من قائمة النظريات العلمية مع "هايزنبرغ"
و"شرودينغر" وآخرين الذين طوروا نظرية "الكوانتوم" بعد تحليلهم
الخصائص الفيزيائية للذرات، واكتشاف حركة الالكترونات. فالزلزال أصاب نظرية "نيوتن"
وبقيت المادة تحتفظ بحقيقتها ومضمونها. ومثلها أصيبت فلسفة "أرنست ماخ" التي
اعتبرت الذرات غير موجودة على الإطلاق والتي أطيح بها في الصراع مع المادية الدياليكتيكية
على يد "لينين"، كان أيضا لاكتشافات 1925 كلمة الفصل.
لكن الوقائع بعزلها عن الواقع وسياقاتها،
أي تجريدها من مجموع علاقاتها تفقد كل معناها، ولا نساعد في تحليل المشكل المطروح،
ومع هذه اللحظة تنعدم الحقيقة الحقيقية والموضوعية الملموسة.
فجمع الوقائع جزء مهم جدّا وفي جميع ميادين
البحث العلمي التاريخية والاجتماعية والبيولوجية... وغيرها، للخوض في بناء النظرية.
ومع ذلك مهما كان حجم الوقائع فهي ليست في حد ذاتها بالبحث العلمي، لذا فالدارس الجاد
هو دائم التنقيب عن الوقائع لكن لا تشكل هدفه، بل هي وسيلة لحل المشاكل التي تعترضه.
وهذا لا يعني تحويل الباحث أو الدارس إلى
خرقة لمسح كل الوقائع كيفما كانت ومن أي مصدر كان باعتبارها صالحة دائما وبمعزل عن
الواقع والأهداف المرسومة من خلاله.
فمن البداية ينطلق الباحث من هدف محدد والذي
يتغير ويتطور مع سير عملية البحث، وهذا الهدف يتطلب وقائع محددة ويحتفظ للوقائع الأخرى
بقيمتها ما لم يتم إنشاء نظام معرفي نهائي مرضي. إذن، فطرح وقائع ما ليس من باب الخلفيات
السياسية أو الإيديولوجية، بل لأن الأهداف المحددة لا تتطلب ذلك، لأن هدف البحث لا
يمكن إنجازه بالحشو الكلي لكل الوقائع. وهذا لا يعني أن الوقائع تتضمن في حد ذاتها
الهدف المحدد، بالعكس، فالوقائع لا تتضمن الهدف في حد ذاتها، لذا فهي ليست النواة الأولى
للدراسة والبحث. والسؤال هو: مم تتبلور النواة الأولى؟ أي، من أين تأتي.
إن الإنسان في ممارسته بشكل عام، يقابل
العالم الموضوعي، ومن هذا المنطلق نتلمس شكلين للموضوع، العالم الموضوعي (الطبيعة)
وممارسة الإنسان. والسؤال: ما علاقة هذين الشكلين؟ أي، علاقة ممارسة الإنسان بالعالم
الموضوعي.
إن العالم الموضوعي محكوم بقوانين خارجة
عن الإنسان، والإنسان تابع للعالم الموضوعي. وبواسطة هذا الأخير يحدد الإنسان لممارسته
أهدافا. والأهداف هي نتاج العالم الموضوعي بالرغم من ظهورها كاختبار للإنسان.
ومن الوهلة الأولى يبدو أن نشاط الإنسان
من أجل خلق مستلزمات للاستمرار والتحكم في الطبيعة، أي ممارسته بشكل عام، هي العنصر
الأول. لماذا؟ إن حاجيات الإنسان ذات خصائص مختلفة ومتنوعة وفي ممارسته للتغلب على
كل ما يعترض تحقيقها تتحدد أهدافه، وهذه الأهداف، أي أهداف الإنسان في ممارسته، هي
ما يحدد أرضية البحث النظري ولهذا نستخلص أن نشاط الإنسان العملي يتضمن هدف البحث النظري.
فالنشاط العملي للإنسان يحدد كل أهدافنا
العلمية والنظرية، ولكن لا يؤول إلى النظرية، فانطلاق البحث العلمي هو عبارة عن عملية
دفع من احتياجات الممارسة للفكر لاكتشاف نتائج جديدة وتقديمها على شكل أفكار. لذا نقول
أن النظرية إذا لم ترتبط بالممارسة فهي دون أهداف، وأيضا من غير الإمكان ضبط أفق للممارسة
إذا لم توجه بالنظرية، ولهذا نتحدث عن جدلية النظرية والممارسة.
ويمكن تحديد خصائص المشكلة التي يبدأ بها
البحث النظري، أي المشكل الذي يعترض الممارسة لتحقيق الهدف، في أولى المقاربات، بما
يعرفه الإنسان وما لا يعرفه، أي ما بين ما يجهله وما يعرفه. وهو مجال واسع جدا. والإنسان
يجهل أشياء كثيرة وغير محددة، لكن ليس هناك مبدأ يمنعنا من تطوير معارفنا. وعلى هذا
الأساس نقول ليس للإنسان شيء غير ضروري لمعرفته. وفي نفس الآن ليس كل المجهول هو مشكلة
البحث العلمي، فالإنسان في نشاطه العملي وفي سير تطوره يخضع المشاكل التي تعترضه لنظام
بحث يكون الأساس المحدد فيه ليس التنقيب في ما يحمله، بل في ما هو ممكن فعليا معرفته
ممكنة فعلا في ظل شروط التطور التاريخي الذي يمر بها، أي أن الباحث لا يختار أي موضوع
يريد لبحثه، بل يدرس المشكل الذي معرفته ممكنة فعلا وفي ظل الظروف المحددة، أي التي
يطرحها التاريخ على جدول الأعمال. فالبحث النظري من منطلقه مع لحظة تحديد المشكل يبدو
كجنين حي تزرع فيه الظروف الموضوعية الروح، لهذا تعد صياغة مشكل البحث مهمة جدية وصعبة
ومحكومة بأهداف ومصالح من يقفون خلفها.
وفي نفس الآن، فالموضوع ليس بمعزل عن منطلق
أن أهداف الإنسان هي نتاج العالم الموضوعي، والأهداف تجده كمعطى أولي وتفترضه. وفي
حالة الفهم النقيض نؤول إلى الغائية ونعطي لأهداف الإنسان الحرية والاستقلالية عن المعطى
الموضوعي الأولي، بمعنى أن أهداف الإنسان مأخوذة خارج الواقع الموضوعي. لذا نقول أن
أهداف فاعلية الإنسان كجماعات أو أفراد خاضعة للعالم الموضوعي. وهذه الممارسة في تراكمها
تقود الوعي الإنساني في سير حركة إلى أن يكتسب ويعكس قوانين الطبيعة أو المجتمع ويصوغها
في أفكار وبتطبيقها في الممارسة، أي اختبارها، يصل إلى الحقيقة الموضوعية. وبهذا الموجز
المتعسف لسير عملية التطور والتحول التي شهدها ويشهدها تاريخ الإنسان لبناء النظرية
نتوقف على إحدى استخلاصات لينين في دفاتره الفلسفية: "لكي نفهم يجب أن نبدأ تجريبيا،
يجب أن ندرس أن نرتفع من التجريبية إلى العلم. لتعلّم السباحة يجب الذهاب إلى الماء".
فالنظرية تستمد تعاريفها البسيطة ومبادءها
من التجربة، وتقدم الموضوع في ضرورته وفي علاقاته وفي تناقضاته. وفي إخضاعها للممارسة
يتم تصحيحها وتدقيقها. لذا اعتبر لينين "الممارسة أعلى من النظرية" لأن الممارسة
هي البداية والمختبر.
ولهذا فلا نظرية بدون أساس، بدون قاعدة
مادية أي أساس الأطروحات التي بنيت عليها. فهي تستوعب سلسلة من الأطروحات المعبرة على
العلاقات المنتظمة التي يجمعها مبدأ عام يعكس القانون الأساسي للشيء أو الظاهرة أو
مجموعة من الظواهر.
ولهذا نعود مجددا إلى استخلاصات هامة وثمينة
لدى لينين في دفاتره الفلسفية التي كان يعود إليها بدوره في مرحلة الانهيار والتردي
الذي شهدته الأحزاب العمالية في أوربا وهي على أبواب الحرب العالمية في أثناء تغير
التناقضات مع سيطرة الرأسمال الاحتكاري، بحيث يقول: "بليخانوف ينتقد الكانطية
(واللاأدرية) من وجهة نظر مادية بشكل مبتذل أكثر منها مادية دياليكتيكية، بقدر ما هو
يَرمي محاكماتهم، ولا يصوبها (كما كان هيغل يصوب كانط) معمقا إياها، معممّا وموسعا،
مظهرا تسلسل وانتقالات كل المفاهيم".
في مطلع القرن العشرين كان الماركسيون ينتقدون
تلامذة كنط وهيوم على" "طريقة فيورباخ وعلى طريقة بوشنر أكثر مما ينتقدونهم
على طريقة هيغل.
إن ماركس لم يترك لنا "منطقا"،
ولكنه ترك لنا منطق "رأس المال". يجب أن نستفيد من ذلك على أكمل شكل ممكن
بالنسبة للمسألة التي تهمنا.
(يتبع)
تيار البديل الجذري المغربي ماركسيون لينينيون
الأهداف
تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M
2014 / 2 / 13