إن من يترشحون للانتخابات (كلها أو بعضها) ويدافعون عنها في بلد كالمغرب وفي الظروف الحالية التي يمر منها الصراع الطبقي بالمغرب يقولون بضرورة الأمر، أولا وقبل كل شيء "لقطع الطريق على الريع النقابي بدعوة المنتجين
إلى التصويت على"النقابة الكفاحية الملتزمة بخدمتها". وعليه، فإن الظفر بالمقاعد والتمثيلية -إذا سمح النظام القائم بحدوث انفلات- سيمكن الممثلين المرتقبين من عدم السماح بتمرير المخططات والقوانين والعقوبات والاقتطاعات ويجعل من النقابة المعنية محاورا للحكومة "المحكومة" في القطاع المعني". هذا الأمر يجعلنا وجها لوجه أمام الاستنكارات التالية:
إلى التصويت على"النقابة الكفاحية الملتزمة بخدمتها". وعليه، فإن الظفر بالمقاعد والتمثيلية -إذا سمح النظام القائم بحدوث انفلات- سيمكن الممثلين المرتقبين من عدم السماح بتمرير المخططات والقوانين والعقوبات والاقتطاعات ويجعل من النقابة المعنية محاورا للحكومة "المحكومة" في القطاع المعني". هذا الأمر يجعلنا وجها لوجه أمام الاستنكارات التالية:
لنكن واضحين بعض الشيء، فمعلوم أن السنوات الست السابقة لم تقدم شيئا يذكر على هذا المستوى في عز الانتفاضات الشعبية على المستوى الإقليمي، وإمعانا في تمييع الحياة النقابية، فنحن لا نجد أثرا لأي تقييم مبدئي ومسؤول لهذه التجربة (المخزية) من الترشيح إلى التمثيل بالغرفة الثانية. كما أن الظروف التي انتزعت فيها الانتخابات المهنية كمكسب تختلف تماما عن الوضع الراهن، طبعا وفق التحليل الملموس للواقع الملموس.
إن الحكومات المتعاقبة لا تحكم في شيء سوى في ما يتعلق بتدبير أزمة النظام القائم على المستويات الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، وبالتالي فثمار الحوار المراد الانتماء لأطرافه لا يمكن لها أن تبتعد، على الأقل في ظل الموازين الحالية للقوى، عن مثل اتفاق 26 أبريل 2011 سيء الذكر.
إن هذا الموقف لا يجب أن يكون حجة لاستدرار تعاطف القواعد النقابية بقدر ما هو صك إدانة لمريدي الكراسي والتمثيلية، فالأحرى لمن يعتبر نفسه ونقابته في صف خدمة الطبقة العاملة، العمل على دفع هذه القواعد إلى النضال على مطالبها لا استغلال أصواتها في الأشكال النضالية الفارغة من أي مضمون عمالي أو في الوصول إلى سدة الحوار.
لكن لا بأس في أن نتمعن أكثر في ما اعتمدت عليه الحملة الانتخابية في الأسابيع الأخيرة من ذرائع ومقولات أتحفت الجدران الافتراضية للحائط الأزرق والدردشات الهامشية للحملة في الجهات الأربع. إنهم (أي المرشحون والمدافعون على الترشيح) يعلمون بما آلت إليه الأوضاع النقابية في بلدنا المنكوب، ويعترفون بما فعلته قيادتهم (سرا وتلميحا)، لكن –في نظرهم- تتطلب المرحلة نضجا أكبر (يا لطيشنا) إذ ليس من المعقول أن يفسح المجال لنقابيي الظلاميين حتى يظفروا بكل المقاعد ويتحكموا في مصائر العمال.
إنها عبقرية قل نظيرها، وفذلكة كلامية لا تقنع حتى أصحابها. إنها نفس النظرية التي تعتبر قوى الظلام مستقلة عن النظام القائم وجزء من الذات والحركة، كأن من يحكم في هذا البلد خارج الطبقات والمجتمع أو خارج المجرة الشمسية ربما. وكأنها نهاية الأفق وربما نهاية التاريخ أن تظفر حتى بكل المقاعد. وكأن جذوة النضال ستنطفئ إن لم نجد -نحن جماهير العمال والفلاحين والكادحين- من يتحدث عنا على الأرائك المبثوثة في حظيرة اللجان الثنائية. إنها نفس النظرة التي تخشى الطبقة العاملة وتخشى رفع وعيها وشراسة نضالها. فهل سنصدق التصدي المؤجل والموعود للبيروقراطية بعد اجتياز المحطة النضالية المزعومة؟ وكيف لمن لم يحرك ساكنا تجاه حرمان الطبقة العاملة من تخليد عيدها الأممي عشية الحملة أن يرفع التحدي؟ أين وعود/ افتراءات القيادات النقابية بمعارك شهر ماي؟ لماذا ابتلع حواريوهم/مرشحونا ألسنتهم بعد أن كانت التعبئة لتخليد عيد العمال في أوجها؟
ثم لماذا يدعو البعض إلى مقاطعة الانتخابات الجماعية والتشريعية ضدا على مواقف "الرفاق" في "الصف الديمقراطي" ؟!! هذا بالمناسبة أحد التساؤلات المطروحة بقوة في ما قد يساهم في رسم الحد الفاصل بين الانسجام والارتباك السياسيين، فالعمل النقابي موجه سياسيا في الأحوال كلها، ظاهريا أو باطنيا. هل الذيب حرام أم حلال؟
يقولون: "تجري الدعوة لمقاطعة الانتخابات الجماعية والتشريعية على قاعدة المقاطعة غير الواعية للجماهير الشعبية. أما الانتخابات المهنية فلا يمكن القياس عليها..." بهذا يتحفنا "الرفاق"، في شيء يشبه تدليك الدياليكتيك فيصير عجينا وفي أحسن الأحوال كمن يضع الحصان قبل العربة. يتم التذرع برغبة العمال والشغيلة وبممارستهم وكأن هذه الممارسة فطرية وثابتة، ألا يذكر أحد الحمى المتقدة حول هذه الانتخابات حتى قبل أن يعلن عن تاريخ إجراءها ومن طرف الجميع.. أطراف سياسية وأذرعها النقابية؟
ويستمرون في إدانة النقابات التي أريد لها أن تكون الأكثر تمثيلية بسعيهم إلى نفس النسق وإلى نفس التمثيلية. وماذا عن إدانة النظام؟ ماذا عن إدانة مصدر شقاء الطبقة العاملة؟ ماذا؟ نسينا أنها ليست مهمة النقابات بل الأحزاب/ أو الحزب؟ ماذا فعل نقابيونا إذن ومرشحونا بمختلف تلاوينهم ليجعلوا "الحكومة" تكف عن تنزيل مخططاتها على مختلف قطاعات إنتاج الحياة المادية والثقافية للمغاربة؟ ما كانت طبيعة التراكم الذي لا ينبغي فقدانه بموقف المقاطعة في ظل توالي الأشكال النضالية للعمال والفلاحين والمأجورين خارج رقابة النقابات.
ربما سيفعلون "الكثير" بعد ظفرهم بالمقاعد عندما ستتحقق الرؤيا وتعاقب القواعد النقابية المركزيات الكبرى بالتصويت على النقابات الصغرى والبيروقراطية الصاعدة.
وأخيرا، بعد مجموعة من الذرائع متعددة الأوجه والأبعاد، تبقى المقولة "الأصلب" والأكثر تمنطقا بالحساب العددي لدى نقابيينا مرفوعي الرأس: إن المقاطعة من طرف النقابات والقوى المناضلة موقف غير سليم وقد يعتقد بأنه هروب من ضعف قاعدي مفترض أما مقاطعة مناضلين فتجعلهم افتراضيا وعمليا خارج النقابة.
إن موقف المقاطعة هو موقف سياسي بالدرجة الأولى يتعلق أساسا بطبيعة النظرة التي يرى بها المناضلون النقابيون (وغير النقابيين) الطبقة العاملة كما يرتبط بشكل لا تنفصم عراه والرهان الملقى على عاتق هذه الطبقة باعتبارها ثورية إلى آخر رمق.
إن الديمقراطية المزعومة تتطلب على الأقل دعاية للمقاطعة على غرار دعاية المشاركة علما أن ظروف الأولى هي أحلك من الثانية في الشروط الحالية.
ولهواة الحساب العددي، وجب التذكير بأن المصوتين لا يشكلون سوى قبضة ضعيفة من مجمل فئات الطبقة العاملة. أما الضعف فلا ينبغي الهروب منه بل مواجهته بالارتهان لمصالح الطبقة العاملة وتوفير كل الجهود المادية والجسدية واليومية للتعبئة للقضية الكبرى: قضية خلاص الطبقة العاملة وبناء أداتها المستقلة: الحزب الثوري.
من أجل ماذا إذن يتم التهافت على هذه المحطة؟ لمصلحة من؟ لشرعنة النظام؟ لشرعنة التحالف الطبقي المسيطر بمافياته النقابية؟ لتمثيلية فارغة من أي معنى نضالي في ظل موازين القوة الحالية؟ أهناك معنى للانتخابات المهنية بعد فضائح القيادات النقابية ومن بينهافضائح الكنفدرالية والزعيم "المفدى" وفضائح الاتحاد المغربي للشغل قبل المحجوب وبعده وقبل المؤتمر العاشر وإبانه وبعده؟ أي معنى للتمثيلية بعد حركة/انتفاضة 20 فبراير وتواطؤ القيادات النقابية والسياسية على لجمها وإقبارها؟
ليس مكر الأقدار ما جعل تاريخ انتخابات مناديب العمال تحت رعاية النظام القائم والبيروقراطيات النقابية مصادفا لتاريخ انطلاق الإضراب المفتوح عن الطعام الذي خاضه الشهيد مصطفى مزياني لمدة 72 يوما. إنه ليس مكر القدر بل هو القدر نفسه. قدرهم وقدرنا.
ألا تبا للانتهازية والمقاعد... رهاننا أكبر من التفاهة... نحن مع القواعد... والحقيقة بنت التاريخ...
الأربعاء 3 يونيو 2015
شارك هذا الموضوع على: ↓