مصطفى مزياني: من الطرد السياسي إلى اضراب بطولي عن الطعام وصولا إلى الزنزانة.
صدر يوم يوم 31 ماي 2014 قرار للمجلس التأديبي بكلية العلوم ظهر المهراز - فاس، أقل ما يقال عنه هو امتداد للمحاكمات الصورية التي تعرض لها المعتقلين السياسيين، امتداد لمكاتب المخابرات والأجهزة القمعية من داخل الكلية، حيث كان القرار كالآتي:
"انعقد مجلس كلية العلوم في شكل مجلس تأديبي في دورته 06 ماي
2014، وبعد المداولة ، فإن مجلس كلية العلوم ظهر المهراز يقرر ما يلي :
•
إقصاء كل من عبد النبي شعول ومصطفى مزياني مما تبقى من السنة الجامعية 2013/
2014 مع عدم إجتياز الإمتحانات، وعدم استفادتهما مستقبلا من أي ترخيص استثنائي
"Derogation".
•
إقصاء الطالب محمد أمريش من إجتياز امتحانات الدورة العادية."
وحسب زعم إدارة الكلية فالقرار ناتج عن شكاية تقدم بها أحد أساتذة الكلية المسمى "العراقي"، والذي كان يشغل منصب
"عميد كلية العلوم" في السابق، والكل على علم بشروط الوصول لهذا المنصب وما يتطلبه من علاقات وخيوط، وكيف تكتسب صاحبه خبرة التواطؤ الملزم والتام مع الأجهزة القمعية، وهو ما
عكسته شكاية تستقي روحها من الماضي القريب -ماضي العلاقات مع محاضر "الضابطة القضائية" - لتشابهها بالتهم الملفقة/المفبركة التي يحاكم بها المعتقلون السياسيون عبر ربوع هذا الوطن الجريح. وهذا يحيلنا إلى حقيقة أساسية، هي كون قرار الطرد هو قرار سياسي بامتياز، لا علاقة له بالشكاية. وما يزيد من تأكيد هذا الطرح هي الظرفية التي جاء فيها هذا القرار، فليست المرة الأولى التي يناقش فيها الطلبة من داخل المدرجات، وليست المرة الأولى التي تحصل"المشاحنات" الخفيفة مع الأساتذة، وليست المرة الأولى التي يتقدم فيها أحد الأساتذة بتقرير في حق الطلبة والمناضلين والتي في الغالب لا تأخذ مجراها، لكن المميز في هاته المرحلة هي الهجمة الشرسة التي يشنها النظام وحلفائه في حق الموقع، وما رافق ذلك من مؤامرات كانت أبرزها مؤامرة يوم 24/25 أبريل، كما أننا نتساءل لما التأخير في الاعلان عن القرار، حيث صدر يوم 03 ماي ولم يتم الاعلام عنه إلى بعد مرور ما يناهز الشهر 31 ماي ؟؟؟ اضافة إلى كون الشكاية تعود ليوم 20 مارس، ما الغاية وراء هذا التأخير؟؟؟ كل هذا يحيلنا أن الادارة كانت تترقب التطورات التي لحقت المؤامرة، وكانت تنتظر اللحظة المناسبة لشن هجومها. فاختارت 31 ماي، أي اقتراب نهاية الموسم الجامعي، وانتهاء الدراسة والانكباب على التهيئة للامتحانات، كل هذا حتى تتمكن من تمريره بسلاسة، ودون مقاومة، ما يؤكد ان الطرد هو طرد سياسي هو استهداف لنشاط الإتحاد الوطني لطلبة المغرب. كما أن هناك مسألة أخرى تسترعي انتباهنا هي القرار الصادر في حق الطالب "محمد أمريش"، فتاريخ الجامعة شاهد على العديد والعديد من الأشكال النضالية، ومن اهمها الاعتصامات، وهذا ما كان يجسده هذا الطالب، حيث اعتصم امام ادارة الكلية، هو وإلى جانبه العديد من الطلبة، دفاعا عن مطالبه والتي تركزت في تغيير المسار "Parcour" حيث ثم تسجيله في مسار غير الذي تقدم بطلب التسجيل فيه، لكن رد الادارة هاته المرة كان مغايرا، كان الرد بالإقصاء والحرمان من اجتياز الامتحانات، ما يعني أن المتحكم في هاته القرارات ليست "الضوابط البيداغوجية" و"القانون الداخلي" للكلية التي يطبلون ويزمرون لها، وإنها هو قرار سياسي بامتياز، يراعي كل التوازنات الحاصلة من داخل الجامعة، وينتهز الفرصة المناسبة للانقضاض على الجماهير الصامدة، فلما لم نرى هذا القرار السنة المنصرمة أو قبلها؟؟ علما انه في كل سنة تجسد العديد من الاعتصامات في المركب الجامعي ظهر المهراز من داخل كلياته الثلاث.
كما يجب التأكيد على أن الطرد والاقصاء لم يطل 3 طلبة كما جاء في القرار، وإنما يطال كل الطلبة الحاليين والمقبلين، فهو تمهيد لارتكاب المجازر في حق الجماهير الطلابية، هو تمهيد لطرد وفصل كل من سولت له نفسه الدفاع عن حقه العادل والمشروع في التعليم، هو تفريش الأرضية لتجريم كل فعل نضالي من داخل الجامعة، هو هجوم على خط كفاحي وجذري قدم تضحيات جسام في سبيل تعليم شعبي علمي ديمقراطي وموحد، هو هجوم على معركة المجانية والاستشهاد التي قدمت الجماهير الطلابية في سبيلها تضحيات جسام وفي مقدمتها العديد من الشهداء والمئات من المعتقلين السياسيين.
وبطبيعة الحال لم تبقى الجماهير الطلابية مكتوفة الأيدي أمام هذا القرار الجائر، فقد جسدت العديد من الأشكال النضالية، تظاهرات، اضرابات طعامية، اعتصامات، المبيت الليلي،... توجت بالاضراب عن الطعام المفتوح الذي يخوضه الطالب "مصطفى مزياني" والذي انطلق يوم 03 يونيو 2014، كان مرفوقا باعتصام أمام ادارة الكلية نهارا، ومبيت ليلي
"بمخيم المهمشين" بالساحة الجامعية رفقة الجماهير الطلابية، وعرفت الحالة الصحية للطالب تدهورا خطيرا جراء تداعيات الاضراب عن الطعام، حيث بدأ يتعرض إلى اغماءات متتالية، مع تقيأ الدم، لكن رغم كل ذلك لم تحرك ادارة الكلية الساكن، بل تشبثت بقرار "المجلس التأديبي" الصادر في حقه، اللهم الاتصال بسيارة الاسعاف كلما تعرض للإغماء، فلم يبقى من خيار غير الاستمرار في المعركة رغم كل المعاناة، والتصعيد بامتناع عن شرب الماء والسكر، وبعدما بدأت قضيته تأخذ بعدا وطنيا، وبدأت قاعدة المتضامنين تتوسع، ستعمد اجهزة القمع إلى اقتحام المركب الجامعي ظهر المهراز ليلة السبت 05 يوليوز لفض الاعتصام ولاعتقاله، غير أن يقظة الطلبة حالت دون ذلك، لكن حالة الطالب مصطفى مزياني ازدادت سوءا، ففي يوم الاثنين 07 يوليوز تعرض لحالة اغماء دامت لمدة ساعات، مع نوبات من الألم الحاد، الشيء الذي فرض نقله للمستشفى على وجه السرعة، لتبدأ هناك فصول أخرى من التعذيب.
مباشرة بعد وصول سيارة الاسعاف إلى المستشفى ثم اعتقاله هو وطالبتين كانتا برفقته اطلق سراحهما فيما بعد، ليتم تطويق الغرفة التي تم نقله إليها، بعدها تم تصفيده إلى السرير وهو جثة منخورة القوى، في حالة شبيهة بحالة "بوبكر الهضاري"، ليبدأ مسلسل الاستنطاق وهو في وضعية كارثية، ما يضرب عرض الحائط كل قيم الكرامة والانسانية. ليستمر على هذه الحالة لعدة أيام، مع منع العائلة من زيارته والتنكيل بها، ورغم المعاناة والوضعية الكارثية، تم نقله إلى ولاية القمع يوم الخميس 10 يوليوز، لمواصلة التحقيق والتنكيل الذي يتعرض له. وبعدما قضى الليلة في زنازن الولاية المتعفنة، سيتم نقله في اليوم الموالي الجمعة إلى المحكمة ليتم متابعته في حالة اعتقال احتياطي، مع إلحاقة بالسجن السيء الذكر عين قادوس، وتحديد يوم 05 غشت 2014 كتاريخ للمحاكمة، ولحدود كتابة هاته الأسطر لا زال "مصطفى مزياني" يواصل معركة الاضراب عن الطعام المفتوح، في وضعية جد حرجة، فهو لا يقوى على المشي أو الوقوف بشكل نهائي، إلى جانب نوبات من تقيء الدم، وحالات من الاغماء الحادة تستمر لساعات، في ضل غياب تام للتطبيب.