تميزت الانتفاضة الشعبية ليناير 1984 عن غيرها من الانتفاضات الأخرى التي عرفها المغرب بالشمولية. فقد عمت جل المدن المغربية باستثناء مدينة الدار البيضاء التي تعسكرت عن آخرها للحيلولة دون إفشال "القمة الإسلامية" التي انعقدت بها
آنذاك ، خاصة وأن دخان بنادق القمع الدموي في 20 يونيو 1981 كانت رائحته مازالت مخيمة على أجواء المدينة. وإذا كان القمع الشرس هو الرد الطبيعي للنظام المغربي على كل الانتفاضات الشعبية، حيث سقوط القتلى والجرحى في صفوف المواطنين صغارا وكبارا ونساء ورجالا واكتضاض السجون بعد حملات الاعتقال العشوائية والمنظمة، فإن ما ميز أكثر انتفاضة يناير 1984 بمراكش هو الانتقام الفظيع الذي استهدف الأطفال الذين ساهموا بقسط وافر في تأجيج لهيبها. فبعد أن امتلأت دهاليز كوميسارية جامع الفنا بأعداد هائلة من التلاميذ وخاصة تلاميذ المستوى الإعدادي تمت عملية الغربلة والحساب والتدخلات وقدم حوالي أربعون ( 40 ) تلميذا معتقلا الى المحكمة الابتدائية ليصدر في حق كل واحد منهم حكم بالسجن النافذ لمدة سنتين، وليوزعوا على سجني الصويرة وآسفي بسرعة فائقة. لقد زج بهم داخل عنابر معتقلي الحق العام المحكومين بمدد طويلة ليتعرضوا لشتى أصناف الإهانة والاستغلال بما في ذلك الجنسي.
وإذ أثير حالة هؤلاء التلاميذ المنسيين فلأن صفحة الماضي أكبر من أن تطوى بالبساطة التي قد يتوهم البعض، ولأن المسؤولية تقتضي متابعة ليس فقط الملفات المعروفة، بل كذلك الملفات المنسية والتي لم يبادر أصحابها الى إثارتها لسبب من الأسباب. فماذا تبقى لهؤلاء الأطفال بعد اغتصاب مستقبلهم وكرامتهم؟ متى وكيف سيرد لهم الاعتبار؟ فبالتأكيد لا يستحقون الأذى الذي لحقهم من طرف الكومسير المسمى الخليلي الذي زرع الرعب بمراكش في يناير 1984 وكان وراء انتهاك حرمة البيوت في الليل والنهار ومضايقة عائلات الضحايا طمعا في الترقية والمكافآت. وهل بنسيان أو تجاهل هؤلاء الضحايا الصغار سنبني كهيئات حقوقية وسياسية "دولة الحق والقانون"؟ وهل سنرضي ضمائرنا من خلال الاهتمام فقط بالأسماء الكبيرة؟ إن هذه الأخيرة قد فرضت نفسها على الجميع ولابد من نفض الغبار عليها إن عاجلا أو آجلا، ولا شك في أنها تدعونا الى الاهتمام أكثر بأسماء أخرى في حاجة الى جرأتنا والى مجهوداتنا. وأتذكر كيف اهتزت نخبتنا في بداية التسعينات لتشكيل لجن دعم محمد نوبير الأموي دون أن تتحرك سواء من قبل أو من بعد لنصرة أسماء أخرى في حاجة ماسة الى الدعم والمساندة. إن النضال على الواجهة الحقوقية ممارسة مبدئية غير مشروطة ولا تسمح بوضع زيد وراء أو أمام عمرو. فضحايا القمع السياسي في حاجة الى دعمنا دون أي اعتبار لحجمهم أو انتمائهم أو للون عيونهم. فلننصف هؤلاء التلاميذ كبداية لإنصاف تلاميذ وعموم ضحايا الانتفاضات الشعبية الأخرى (مارس ويونيو ودجنبر...).
نص منشور بكتاب "مجموعة مراكش، انتفاضة يناير 1984الخالدة، معركة الشهيدين بلهواري والدريدي"، الصادر سنة 2006..
شارك هذا الموضوع على: ↓