قد نعتبره محنة ومعاناة فترة التضييق والخنق والملاحقة...، وهو ما أدى الشهيد مصطفى ثمنه غاليا.
كان الشهيد ملاحقا لفترة طويلة قبل اعتقاله، بل وقبل اندلاع انتفاضة يناير الشعبية لسنة 1984. كان ينتقل من دار إلى دار بمدينة مراكش، والأصح من غرفة الى غرفة، وخاصة بأحياء الداوديات وإيسيل، حيث توجد كلية العلوم وجل رفاق الشهيد...
والمُثير في محنة الشهيد هو اعتقال أفراد عائلته واستفزازهم (الأخ والأب...) بهدف الضغط على الشهيد وكشف أماكن اختفائه...
لقد تابعت والرفيق لحبيب لقدور (12 سنة سجنا نافذا) محنة العائلات، لأن اعتقالنا كان متأخرا (اعتقلت في 27 فبراير 1984).
وأتذكر لحظة مُعبرة جمعتني والرفيق لقدور مباشرة بعد علمنا باعتقال الشهيد مصطفى في يناير 1984.
صرخ الرفيق لقدور بحسرة وانفعال باديين، كيف يُعتقل مناضل في حالة فرار دون تدخل أو دعم من طرف الحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحملم)، أو على الأقل بعض مكوناتها، علما أننا جزء منها رغم عدم انتمائنا التنظيمي اليها؟!
استنكر الرفيق بحرقة ترك الشهيد لمآله لوحده، خاصة أن للشهيد إرث نضالي كبير، ومنذ التحاقه بالجامعة بالرباط (كان مؤتمرا قاعديا إبان المؤتمر 17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب سنة 1981).
تقاسمنا حينه نفس الاستنكار، وإن بتفاوت. وخلصنا بامتعاض وبعد نقاش أو دردشة عابرة إلى أن إمكانيات الحملم محدودة، ومن واجب المناضل في ظل ذلك الواقع الصعب تدبر أمره. فلا يمكن لأي تنظيم ثوري حماية كل مناضليه من الاعتقال أو الاغتيال. قد يكون ذلك ممكنا بالنسبة للمناضلين القياديين، لكن في حدود. واستحضرنا اعتقال الشهيد عبد اللطيف ز وال والشهيدة سعيدة المنبهى وكذلك ابراهام السرفاتي والعديد من المعتقلين السياسيين الذين عانوا محنة الملاحقة قبل الاعتقال...
اتفقنا في الأخير على توخي الحذر وفي نفس الآن مواصلة فعلنا النضالي. كنا نُردد "المناضل آخر من يُعتقل"، وتبين لنا أن ذلك ليس صحيحا دائما. وبالمناسبة، يتبين أن الثوار لا ينبعون دائما من قلب السجون...
وسقطنا رغم ذلك أمام شراسة القمع ودموية النظام القائم.. لكننا قمنا بالواجب: صمود ومعركة بطولية (معركة الشهيدين) وتضحية رفيقين غاليين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري..
اليوم، في غياب التنظيم الثوري، من يحمي من؟
إن مهام التنظيم الثوري ليست فقط حماية المناضلين، بل أيضا تأطيرهم. أما المهام الكبرى فهي تنظيم الجماهير الشعبية وتأطيرها والانخراط الميداني في معاركها، وفي المقدمة الطبقة العاملة.
ومسؤوليتنا ومهمتنا الجوهريتان هما بناء التنظيم الثوري الماركسي اللينيني، على خطى الحملم، وبدون تحريف أو تشويه. وذلك وفاء للشهيد مصطفى بلهواري ولكافة شهداء شعبنا...
كان الشهيد مصطفى (10 سنوات سجنا نافذا) مُلهمُنا ومُعلمُنا. لقد صنعني (لا أقول صنعنا) ثوريا... كانت تجربتي بسيطة أمام تجربة الشهيد البطل.. ويُشرفني أن أكون استمراريته النضالية المتواضعة.. وأذكر ليلة إصدار الأحكام القاسية في حق مجموعتنا (مجموعة مراكش 1984)، عندما خاطبني بنظرة تفاؤلية: "طوالة أبا حسن" (15 سنة سجنا نافذا)، وكأني به قال: "أحملك المسؤولية رفيقي...".
كل الحب للشهيد المتواضع والخلوق بلهواري ولكافة الشهداء ولشعبنا.. وإني على العهد باق...
ألست القائل رفيقي بباب الزنزانة رقم 1 بسجن بولمهارز بمراكش (جناح العزلة): "لا للولاء"؟
لا للولاء رفيقي حتى النهاية...
لا يحق الحديث عن الشهداء إلا لمن يسير على دربهم..
كفى من الارتزاق باسم الشهداء..
كفى من توظيف الشهداء في مشاريع سياسية بعيدة عن مشاريعهم ومواقفهم..
للشهداء مشاريعهم، إما أن نلتحق بها ونواصل المسير على هُداها أو لنصنع مشاريعنا الخاصة..
كتب أحد الرفاق عن حق ما معناه "لنرفع صور الشهداء، أما غيرهم فقد يتغير". بالفعل، المناضل مصطفى بلهواري استُشهد ماركسيا لينينيا، وإنه كذلك دوما وأبدا. أما الكثير من رفاقه "الأحياء" فلم يعودوا كذلك.. فأي صور نرفع؟!! وليخجل من يرفع صورة الشهيد بلهواري أو صور باقي الشهداء توظيفا أو تحريفا.. لا داعي للسرعة، فإنها تقتل.. ولنا في التاريخ عبرة..
ما أبشع وأقبح أن تخون رفيقا شهيدا تقاسمت وإياه الحلم والمستقبل وعشت وإياه ملح الزنزانة وظُلمة الدهاليز..
إنه البون الشاسع بين الوفاء والخيانة، بالأمس واليوم...
المرجو احترام الشهداء...
ملاحظة: الشهيد مصطفى بلهواري بأقصى يسار الصورة.