28‏/11‏/2016

حسن أحراث// الواقع المر الراهن.. الذي يفضحنا..


تنشر في الآونة الأخيرة (ومن حين الى آخر) فيديوهات تصور أبناء شعبنا كبلهاء وكببغاوات وجيوش داعمة للنظام القائم، طولا وعرضا (مسيرة "محاربة أخونة المجتمع"، "محاربة الفتنة"...)..

ولهذه الفيديوهات دلالات عميقة، بغض النظر عن سياقاتها السياسية وخلفيات وأهداف الجهة أو الجهات التي قامت أو وقفت وراء ذلك.
طبعا، لا نرضى لأبناء شعبنا أن يصل بهم البؤس والقهر الى درجة الاستجداء أو الاستنجاد بصانعي مآسيهم، والتخلي عن كرامتهم والتعلق بالأوهام والوعود الزائفة للنظام وأزلامه. ولا نقبل أن يتم تشريدهم وتقتيلهم على النار الهادئة، كما لا يمكن أن نتخلى عنهم لمجرد الإدلاء بتصريحات لا تعجبنا أو رفع شعارات وصور لا تروق لنا.. ففي كثير من المحطات (الانتخابات المهنية والجماعية والتشريعية، المهرجانات الباذخة والحفلات الماجنة...) يتم استغلال معاناة شعبنا لفبركة احتفالاتهم وأعراسهم "الديمقراطية"، وفي نفس الوقت تأبيد أشكال اضطهادنا وقهرنا. ففي هذه الحالات يتناسوا شعارات المواطنة وحقوق الإنسان والديمقراطية (الحق في الحياة والحق في الشغل والحق في السكن اللائق واحترام الكرامة الإنسانية...)، ويكشرون عن أنيابهم الصدئة ويفصحون رغما عنهم عن حقيقتهم وعن نواياهم الخبيثة (الاتجار في معاناة الكادحين وتوظيفها ببشاعة من أجل مصالحهم الضيقة)..
إن هذه الفيديوهات المصنوعة بعناية (وهنا بيت القصيد) تفضح عجزنا عن متابعة واقع الصراع الطبقي ومسايرة وتيرة تفاقمه.
إن هذه الفيديوهات درس لنا جميعا (لا أستثني نفسي أو رفاقي)، نحن البعيدين (على مستوى ممارساتنا) عن هموم الجماهير الشعبية المضطهدة، نحن المنغمسين في الصراعات الهامشية والقابعين في الصالونات والغارقين في بحار الشعارات والجمل الإنشائية..
لا أخفي أني بدوري أدبج الجمل الإنشائية، لكني أصرخ بصدق (وسأبقى أصرخ) من أجل تجاوز الوضع المؤلم الحالي، ليس بتبادل الاتهامات وادعاء البطولة، بل بالفعل النضالي المتواصل والمنظم والتجذر وسط المعنيين وفي مقدمتهم العمال والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين والمشردين. لا أنفي الجهود المبذولة من طرف المناضلين ومن مختلف المواقع، ولا أبخس تضحياتهم، لكن لننشغل أكثر برفع هذا التحدي، كل من موقعه ومن منطلق تصوره السياسي والإيديولوجي، بدل الانشغال بتحطيم طواحين الهواء و"قتل الأب" (عقدة أوديب).. وبدون شك، ستتعانق التضحيات وتتقوى التجارب ويتصلب عودها.. وبالمقابل ستتلاشى التفاهات وتسقط الأقنعة عن الوجوه البشعة وتنكشف البطولات الزائفة والمتصنعة.. وستفضح كذلك العناصر الانتهازية المقيتة، بل المندسة لزرع الألغام في صفوف المناضلين. لقد انتبه النظام مبكرا الى "سذاجتنا" والى باقي ترسانة تشتتنا، وسلط علينا "قوما" مستعدا لتمزيق صفوفنا واختلاق الحكايات والمغالطات التي من شأن تداولها خلق التنافر بين "الرفاق".. وهناك من "الرفاق" لشدة عزلته وانعزاله من يبتلع المعطى/الطعم بخيره وشره.. فهل انتبهنا لمكائد النظام وصنائعه؟ لقد انتبه النظام الى تعطشنا الى "الرفاق" والى "الكم" والى إثبات الذات، وكذلك حاجتنا الى المعلومة والى الإعلام، فزرع أزلامه المحترفة بين أضلعنا لننفجر وقت ما شاء وحسب هواه.. لقد انتبه النظام الى حاجة الساحة النضالية الى مناضلين ميدانيين مبادرين، فصنع من حواريه "زعماء" لا يشق لهم غبار في الساحة الطلابية وفي الساحة النقابية وفي مختلف مجالات الفعل السياسي.. وخطط لاعتقال و"اضطهاد" بعضهم لدر الرماد في العيون، ولضخ "المصداقية" و"الكفاحية" في سجلاتهم (CV) المزورة..
وعموما، تحبك في غيابنا عن الواقع اليومي لأبناء شعبنا المؤامرات ضدهم وأمام أعينهم، ويتم تزييف وعيهم وتشويهه.. وكثيرا ما تم إشراكهم في اقتراف "جرائم" إخضاعهم وإذلالهم..
وفي غيابنا، والمقصود هنا غياب القوى الثورية، تنتعش القوى الظلامية والشوفينية وعموم القوى الرجعية والإصلاحية والتحريفية لتمرير مخططاتها الطبقية ونفث سمومها وغرس جذورها في صفوف أبناء شعبنا "المغلوبين على أمرهم".. إنها فرصة الخونة والمتخاذلين والمندسين لربح الوقت وتوسيع الفارق والمساحات التي تفصلنا عن عمقنا الطبقي، ونخص بالذكر الطبقة العاملة..
وفي غيابنا، يمكن معانقة ليس فقط النظام وأزلام النظام، بل أيضا معانقة "الشيطان" وأبناء "الشيطان"..
ورغم ذلك، لا يجب أن ننسى معارك وبطولات شعبنا وتضحيات أبنائه، من شهداء ومعتقلين سياسيين ومشردين ومعطلين.. فهذا الشعب الذي يصورونه بدون كرامة وبدون طموح؛ هذا الشعب الذي يروجون صور ولقطات ركوعه وتزكيته للواقع المر..، هو نفسه من صنع الانتفاضات المجيدة وأنجب الشهداء الأبطال والمناضلين القابضين على الجمر والمتشبثين بقضيته، داخل السجون وخارجها..
إن مسؤوليتنا كبيرة تجاه هذا الوضع المزري.. إنه وضع يثير غضبنا وحنقنا، وفي نفس الآن يفضح عجزنا وضعفنا.. إنه يخاطب ضميرنا ويمتحن ادعاءاتنا وشعاراتنا ومدى إدراكنا لتضاريسه ومدخلاته ومخرجاته و"طلاسمه".. ونكرر أو نذكر، فبدل توجيه بنادقنا الى صدور بعضنا البعض، لنوجه هذه البنادق، إذا صح أنها بنادق حقيقية، الى صدر النظام و"صحبه"..
ويبقى التحدي أمام الجميع، وخاصة الرفاق، هو التنظيم.. نعم التنظيم..
وإن أخطأنا المسار، مسار الثورة المغربية، الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، فسيروا في الطريق الصحيح (قومونا)، وسنلتحق بكم لا محالة. نحن مناضلون أولا وأخيرا..
لقد انتظرنا ما فيه الكفاية، وانطلقنا..
وكلنا أمل واقتناع بالنصر الأكيد، لنواصل المسير..



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق