13‏/04‏/2024

عز الدين أباسيدي// معركة الفلاحين -منطقة صفرو-الواثة: انقلاب السحر على الساحر

 

بالتموقع الصحيح في الصراع، والصمود، والمواجهة، وطول النفس، ترسم الجماهير لنفسها طريق النصر مهما كان الهجوم قويا وعنيفا ومتعدد الأشكال من جهة أعداء الشعب.

وعلى هذا الطريق  تنكشف للجماهير كل الأساليب الذنيئة والخسيسة والمؤامرات التي تخفي حقيقة الصراع المبني على المصالح، وتظهر إلى السطح جليا الدولة كأداة قمع طبقية في يد الطبقة المسيطرة  وهي ترعى مصالح ناهيب الشعب ومن تهددهم نضالات الطبقات والفئات المسيطر عليها. 

أولا: أن معركة الفلاحين في منطقة الواثة ومنذ انطلاقها، أرجعت نضوب الماء ونذرته إلى السرقة والنهب  للمياه الجوفية والسطحية على حد سواء من طرف أصحاب الضيعات الكبرى وبقايا الإقطاع، عملاء الاستعمار، ومن طرف المستفيدين من المخطط الأخضر الطبقي الذي هيأ له شروط الدعم المالي من جيوب الشعب لنهب وغصب الأراضي والماء، وليس لعامل الجفاف الطبيعي كما يروجون ويزعمون.

 ثانيا: انبنت كذلك على دحض أفكار التفرقة والعنصرية المخدومة من تجار الانتخابات، وإبعاد الفلاحين من مصيدة الاقتتال التي كانت ولازالت منصوبة من طرف من لهم مصلحة فيه. وبناء على هذا الأساس تمت صياغة الملف المطلبي الذي يهدف إلى توحيد الفلاحين الفقراء بالمنطقة على الشكل التالي:

 التصدي لفوضى الاستغلال البشع والمستمر للثروة المائية وخاصة الجوفية منها، عبر إغلاق الثقب المائية المؤثرة سلبا على المنبع المائي عين الواثة، وفضح الدور الذي يقوم به كلا من حوض سبو في تكريس هذا الوضع والمجلس الجماعي من جهة واسهام  السلطات في هذه الفوضى من جهة أخرى.  

تنقية عين الواثة بشكل يعيد صبيب المنابع التي طمرت بالأوحال والطمي نتيجة الإهمال. إعادة القسمة مع كل المستفيدين للحد من النهب الذي يذهب ضحيته كل فلاحي المنطقة من طرف أصحاب الضيعات الكبرى، والذي وصل حد تخريب المنشأة المائية وحجز أبواب السد المائي مستعملا في ذلك آليات المجلس الجماعي(وهي واحدة من الفضائح الكبرى). الذين ترهبهم نيران المعركة البطولية المشتعلة. 

بناء مجرى مائي خاص بفلاحي زاوية سيدي بنعيسى كإجابة جذرية أولا، في اتجاه توحيد الفلاحين، وثانيا، في تفويت الفرصة لممثلي النظام القائم محليا وأزلامه في زرع الفتنة والصراع والاقتتال وإطالة عمره. 

وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه النقطة الأخيرة هي التي كانت محور الصراع ولا زالت حيث نجد أن النظام في شخص السلطات المحلية التجأ بكل أساليبه من قمع واعتقالات ومحاكمات لمنع أي تطور أو توسع للمعركة، كأسلوب لإبعاد الفلاحين عن التشبث بهذا المطلب، حتى لا تتهدد مصلحة أسياده في النهب والسرقة. لتبقى بذلك التربة خصبة لزرع التفرقة من خلال إذكاء النعرة القبلية المبنية على الإثنية اللغوية التي تعتمدها لتسييد ثقافة البلطجة لتوظفها ضد تطور أي فعل نضالي وإجهاض أي بذرة وعي تنمو وسط المقهورين. لأن في انتزاع هذا المطلب تكمن خطورة تهديد مصالح الملاكيين العقاريين المسؤولين المباشرين عن السرقة عبر استنزاف الثروة المائية والاستغلال المفرط لها. وهو المطلب الذي سيوحد حتما فلاحي المنطقة، ويدفعهم للانخراط في معركتهم، بما أنه يحول دون وقوع أي تشنج أو صراع ثانوي بينهم يحيدهم عن الكشف عن نقيضهم الأساسي. عكس الاقتصار على التقسيم فقط، من داخل المجرى المائي المشترك بين دواوير المنطقة، الذي لا يعمل إلا على إعادة إنتاج نفس المشكل بصيغ أخرى. 

كانت هذه هي الخلفية المتحكمة في تراجع السلطات القمعية المحلية عن كل المطالب التي التزمت بها في حوار كان قد فرض عليها يوم 26 شتنبر 2022، أي بعد ثلاثة أشهر من انطلاق المعركة بما في ذلك مطلب بناء مجرى مائي خاص بفلاحي زاوية سيدي بنعيسى. حيث تم انجاز ملف متكامل حوله من دراسة وخبرة ومعاينة للوعاء العقاري وتقدير ميزانيته والذي توج بالموافقة عليه. والاقتصار فقط على التقسيم من داخل المجرى المشترك كحل دائم، كان قد اقترحه الفلاحون كإجراء انتقالي في انتظار انجاز الساقية الخاصة. 

وهذا التدبير نفسه لم يتم الإلتزام به إلا بعد نضالات وتضحيات بلغت حد الاعتقالات والمحاكمات، وأما الإقرار بتنفيذه فلم يكن إلا نتيجة ضغط جماهيري تجسد في مسيرة قوية شكلت انعطافة نوعية للمعركة يوم 28 غشت 2023، أجبرت خلالها السلطة ومختلف الأطراف المتدخلة التوقيع على ما رسمته دراسة الخبير المنجزة بناءا على وثائق تاريخية دامغة تثبت لكل ذي حق حقه. وهي مناورة لربح الوقت ما دام الحق ثابت تاريخيا ومقرون بوجود دوار زاوية سيدي بنعيسى نفسه، المالك الشرعي لكل الأراضي المنهوبة من أصحابها منذ عهد الاستعمار وليس وليده كما هو شأن من يحاول التشكيك في ذلك. فالأمر لا يستدعي لا دراسة ولا خبرة ولا إثبات. 

وانسجاما وطبيعة ممارستها الحربائية التجأت السلطة إلى أساليب المناورة والمراوغة من أجل إيهام المعنيين والرأي العام بعملها الجاد في تنزيل مقتضيات الاتفاق. لكن الواقع شيء آخر حيث أنها لا تعمل إلا على التغطية والتستر على جريمتها باعتبارها المسؤولة المباشرة عن سرقة واغتصاب نصيب فلاحي زاوية سيدي بنعيسى من الماء منذ 2010 إلى حدود الآن. وذلك بهدف قتل المعركة التي عرّت حقيقة السرقة، التي توظفها كرشوة وإغراء للدواوير المجاورة المستفيدة لإخفاء تورطها في حماية الملاكين العقاريين وأصحاب الضيعات ناهبي الثروة المائية. وهذا ما أثبتته ممارستها المبنية على نصب الفخاخ ونسج خيوط المؤامرات التي أسندت مهمة تنفيذها لإحدى عضوات المجلس الجماعي للإيقاع بحارس الساقية (عسّاس) في شرك التحرش؛ محاولة تجريم المعركة من خلال تهم ملفقة للفلاحين والمناضلين؛ الترهيب والتهديد لكل الفلاحين من خلال شيطنة المناضلين؛ الشكايات الكيدية التي توظف فيها أياديها القذرة؛ التشجيع على ثقافة البلطجة وتسييدها؛ الاعتقالات والمحاكمات والطرد والمنع من العمل كأسلوب إجرامي انتقامي صاحب المعركة منذ انطلاقها ولا زال التشجيع على تخريب المنشآت المائية والتسامح مع المخربين كجزاء عن أدوارهم القذرة. 

فكيف نصدقها في دعايتها وزعمها "تطبيق القانون" لردع وزجر كل من يخالف أو يعارض تنزيل التقسيم بما يضمن نصيب كل المستفيدين، سيما وأن كل فلاحي دوار زاوية سيدي بنعيسى قد وقفوا على رفض أحد الدواوير تسلم الأنبوب من السلطة المحدد لنصيبه من الماء، وعملية التخريب والتدمير المتكرر للمنشأة العمومية (الساقية) وللقسامات المحددة لنصيب كل دوار، كل ذلك أمام أعين السلطة في شخص أجهزتها التي تدعي السهر على "تطبيق القانون" و"حفظ الحقوق، ولم يسجل أي إجراء يمنع هذا التخريب ويقطع معه.

 أليس في الأمر تشجيع مكشوف على هذه الممارسات التي عرفت أوجها في التطورات الأخيرة وهي تعري الوجه الحقيقي للسلطة أمام الكل، باعتبارها المسؤولة عن تأبيد الشكل؟! 

فهل من بعد كل هذه الممارسات يمكن أن نثق في روايتها التي يروجها أبواقها وأزلامها، أصحاب المصالح الانتخابية؟!.. 

فحتى ولو ضحت بالبعض ممن كانوا وراء هذا التخريب والسرقة وتنصلت منهم فذلك أبدا لن يبرئها. لماذا يا ترى حينما يتعلق الأمر بالأشكال النضالية تسرع هذه السلطة إلى القمع والترهيب والاعتقال بدعوى الحفاظ على الأمن العام، في حين تلجأ إلى التساهل والتسامح وغض الطرف عمن يدافع عن مصالحها كيفما كانت طبيعة أعمالهم الإجرامية؟  أخيرا دعوة لكل فلاحي منطقة الواثة إلى توخي الحذر وعدم الإنجرار وراء كل المناورات التي تحجب مصلحتهم الحقيقية والمتمثلة في الوحدة على أرضية الدفاع عن مصالحهم ضد العدو المشترك. 

أبدا لن يكون الجاني بريئا حتى ولو ارتدى لباس الضحية.




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق