قليلون اليوم تستطيع وضع ثقتك فيهم. وهذا "القليلون" هم رفاق أوفياء،
ووضع الثقة هنا لا يعني فقط البوح بالأسرار أو الاعتماد عليهم، أو الاستفادة منهم، بل كذلك الارتياح اليهم والتزود بالطاقة الإيجابية من وفائهم وإخلاصهم وتضحياتهم... وذلك بسبب نزاهتهم ومبدئيتهم وانسجامهم، ودون أن تكون بالضرورة متفقا كليا معهم.
الرفيق الشهيد كرينة، إننا نستمد منك قوة الصمود وقوة الانتماء الى قضية شعبنا المغربي وقضية شعبنا الفلسطيني. إننا نُعزك ونفتخر بك شهيدا ورفيقا ومناضلا، فلا نستحضر أو نشترط الانتماء السياسي أو الإيديولوجي، رفيقنا الشهيد.. إننا نعز ونفتخر بكل الشهيدات والشهداء...
إننا مناضلون مبدئيون الى جانب كافة القضايا العادلة. إننا منخرطون في كل المعارك الحقيقية التي تتوخى خدمة قضية شعبنا، وليس فقط متضامنون معها. وإعلان التضامن يعد بالنسبة الينا انخراطا حقيقيا وتبنيا فعليا للقضية أو المعركة المعنية.
إن النظام يفتعل المعارك الوهمية أو الجانبية مدعيا الانتصار للديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك بهدف الإلهاء و"الشيطنة" والفرز السياسي أيضا. والمسؤولية النضالية تقتضي عدم الانسياق أو الانجرار وراء مناورات النظام وأزلامه من قوى سياسية وبهلوانات منشطة للحقل السياسي والنقابي والجمعوي (الحقوقي والثقافي...).
إنها صيغة جديدة/قديمة لصنع النجوم والنفخ فيها. ولا نرضى أن ينزلق الرفاق والمناضلون في منحدر دعم هذه الصيغ الماكرة. فحتى التضامن، وبأي معنى، له ضوابطه. فلا تضامن مع أي خائن، ولا تضامن مع أي صهيوني أو متصهين، ولا تضامن مع من "يمس شعرة واحدة" من رصيد شهيداتنا وشهدائنا، ولا تضامن مع من يسيء الى قضية شعبنا وقضايا الشعوب المضطهدة... فلا خيار بين السيء والأسوأ. وعلى مستوى آخر، فمن اختار طريق الذل ليس في حاجة الى تضامننا أو دموعنا أو تعاطفنا.. إنه في حاجة الى تنمية أرصدته البنكية من قبل الجهات المانحة (الرجعية والصهيونية والامبريالية) التي تصطاد "ضحاياها" بدقة متناهية.. إننا نُذل أنفسنا إذا سقطنا في فخ التمييع، تمييع التضامن وصباغته بالألوان البورجوازية الزاهية... علما أن بعض "المتضامنين" يلهثون وراء الأضواء لا غير، ولا يهمهم التضامن كقيمة إنسانية ونضالية...
فلا نقبل بخرافة "الخيانة وجهة نظر" كما سبق أن عبر عن ذلك الشهيد غسان كنفاني ("يوما ما، ستصبح الخيانة وجهة نظر")، ولا نقبل بالتصهيُن باسم حرية الرأي والتعبير أو الحق في الاختلاف...
اليوم، وليس يوما ما، وفي ظل الاحتفاء بتطبيع النظام مع الكيان الصهيوني صار التصهيُن وبكل وقاحة وجهة نظر...
ولا نقبل أن نكون رقما تافها/تائها في حلبة تصفية الحسابات في صفوف من يتحالف في آخر المطاف من أجل مصالحه ضد مصالحنا..
إن التضامن بمبرر إدانة الظلم أو الخرق يُغذي التشويش وقد يصير مصدرا للتضليل، كما أنه يُستثمر سياسيا لفائدة "الضحية" ويُوظف لتزكية المواقف المتخاذلة لهذا الأخير...
لكل طريقه؛ وكما نرفض التضامن مع من اختار طريق الخيانة والتصهيُن والطعن في القضايا العادلة بأي مبرر كان، نرفض التضامن معنا من طرف جوقة الانتهازيين والعملاء والمرتزقة المجندين لخدمة أجندات أسيادهم.
إن التضامن بمعنى الانخراط في معركة معينة ودعمها مطلوب بحدة وبالدرجة الأولى لصالح العمال والفلاحين الفقراء والطلبة والمعطلين والمشردين، إنه مطلوب لصالح كافة المعتقلين السياسيين وعائلاتهم وبدون استثناء أو انتقاء... أما "كل التضامن" عبر الفايسبوك أو الواتساب أو (...) فلازمة لا "تُسمن ولا تُغني من جوع". ومثلها مثل توقيع عرائض التضامن، فلا أثر لهذه الأخيرة على أرض الواقع. ما أسهل ترديد "كل التضامن" وتوقيع العرائض الافتراضية!! وما أصعب الانخراط الفعلي المنظم والمنتظم في الميدان ومتابعة المعارك النضالية، تنظيما وتأطيرا، بما يرقى بالصراع الطبقي لقلب موازين القوى وإعادة الثقة في المناضل وفي الفعل النضالي..
ألف معذرة رفيقي الشهيد، لقد أثقلت كاهلك ببوحي هذا. واختياري لذكرى استشهادك الغالية لتسجيل هذا البوح المؤلم نابع من تقديري الكبير لتضحيتك وشهامتك واحترامي لما جمعنا ويجمعنا كل من موقعه وخندقه...
لقد اختلط الحابل بالنابل، رفيقي الشهيد. وإنها لمسؤولية عظيمة على عاتق المناضلين المبدئيين...
لك المجد والخلود في الذكرى 41 لاستشهادك؛
الخزي والعار لكل من تنكر للشهداء وتاجر/يتاجر في قضية شعبنا وفي قضايا الشعوب المضطهدة؛
الحرية لكافة المعتقلين السياسيين والنصر لمعاركهم بكافة سجون الذل والعار...