2021/07/28

حسن أحراث// تونس المعاناة: من بنعلي الى قيس..


كثيرة الشعوب، ومن بينها الشعب التونسي، التي ترزح راهنا تحت نير
الاضطهاد والاستغلال الطبقيين، خاصة والهيمنة الواسعة للإمبريالية والصهيونية والرجعية. فرغم تطلعات الشعوب لتقرير مصيرها عبر النضالات المتواصلة والتضحيات الجسيمة، لم تستطع الإطاحة الثورية بأعدائها. فكلما حطمت جدارا أو صنما، أي كلما رسمت نقطة ضوء، كما حصل في تونس مثلا عند الإطاحة ببنعلي (وليس الإطاحة أو إسقاط النظام، كما عبر عن ذلك في حينه الشعب التونسي)، تُبنى جدران أخرى أكثر سُمكا وتُصنع أصنام جديدة أكثر نذالة وخسة (إحكام قبضة فلول النظام الرجعي بمباركة ومشاركة حزب النهضة الظلامي). والخطير أن تساهم في كل تجربة وتضفي المشروعية على هذه الأخيرة قوى سياسية ونقابية تونسية محترفة للعويل، من "اليمين" ومن "اليسار"، كلما تم تهميشها أو إقصاؤها. والتاريخ لا ينسى مشاركة قوى سياسية تدعي "الثورية" في تلطيف الأجواء السياسية والتستر على سرقة "حلم" الشعب التونسي، وأكثر من ذلك التنظير للعمل المشترك مع القوى الظلامية، بدل تأجيج الصراع الطبقي وتوفير الشرط الذاتي المفتقد لإحداث التغيير الجذري المنشود.

إن ما حصل في تونس قد فضح أوهام الانتهازية وتحالفاتها غير المنسجمة والمحكومة بالمصلحة الآنية والضيقة، وأكد مرة أخرى أن التحرر والانعتاق الحقيقيين لن يتحققا إلا بدك أركان الأنظمة الرجعية، تحت قيادة ثورية مخلصة لقضية شعبها، وفي مقدمته الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. والخطير مرة أخرى هو تكريس التردي الاقتصادي والاجتماعي الذي يخنق الشعب التونسي والغرق في دوامة جديدة من الحسابات والحسابات المضادة التي تخدم جميعها المخططات الامبريالية والصهيونية والرجعية بتونس وبالمنطقة عموما...

وما يهم المناضلين الثوريين عبر العالم وبالدرجة الأولى هو مدى إسهامهم النضالي في نهوض شعوبهم وخدمة قضيتها، تأطيرا وتنظيما، لأن المتابعة من خلال الهامش (عادة البورجوازيين الصغار المسكونين بهوس الذاتية المفرطة) لا تحد من نزيف طاقات الشعوب. ويعد الرهان باسم الديمقراطية على هذا المكون السياسي أو ذاك من مكونات الأنظمة الرجعية القائمة جريمة في حد ذاتها. فماذا يُنتظر من القوى الظلامية أو من حلفائها الرجعيين و"الإصلاحيين"؟!! 

ويلاحظ اليوم وبشكل بارز الدور المقيت الذي تلعبه القوى الإصلاحية أو المدعوة كذلك، وحتى بعض أشباه الثوريين، بخصوص تدجين الجماهير الشعبية، وخاصة العمال. فالبيروقراطية النقابية تضرب طوقا حديديا على العمال وتفصلهم عن المعارك المصيرية التي من شأنها الإسقاط الفعلي للأنظمة الرجعية. وكذلك الأحزاب السياسية، مستغلة هامش تواصلها الميداني (الشرعي) والإعلامي (الرسمي والرقمي) تقتل أي نزوع نحو الانفلات من عنق الزجاجة، وتغرق المعنيين الفعليين بالثورة في متاهات "الديمقراطية" المفترى عليها (البورجوازية)، وأساسا لعبة/مهزلة الانتخابات المكشوفة. 

ولتأكيد أن ما حصل في تونس ليس غريبا أو مفاجئا إلا بالنسبة لمسوقي الأوهام والمراهنين على حلفائهم من قوى ظلامية أو إصلاحية، أعيد نشر المقال التالي لتيار البديل الجذري المغربي بعنوان "العملاء يمسكون قبضة السلطة بتونس"، منشور بموقع "الحوار المتمدن" في 03 نونبر 2014 (للتوضيح، فالرئيس الحالي "انتخب" في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في 13 أكتوبر 2019):

"بعد لعبة الانتخابات التشريعية ليوم 26 أكتوبر بتونس، يستكمل النظام القديم عملية الترميم لذاته بوضعه السلطة في يد بقايا نظام بن علي المجرمين وقتلة الشعب المنتفض.. في يد القوى الرجعية صاحبة الخبرة والباع الطويل في صنع الأغلبية الوهمية والمسرحيات والمشاهد الخادعة، المدعومة بالمال والإعلام والسلاح من طرف الإمبريالية والصهيونية والرجعية بالمنطقة العربية والمغاربية، متمما بذلك مشروعه المضاد لثورة 14 يناير المجيدة، وللانتفاضة التي عصفت برموز نظام بن علي، والتي قدم خلالها الشعب التونسي البطل تضحيات عالية تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل"، الشعارات التاريخية الخالدة التي ألهمت شعوبا لا تختلف وضعيتها وظروفها في شيء عن واقع الشعب التونسي.

مسرحية 26 أكتوبر، كانت فيها القوى "اليسارية الإصلاحية" (الجبهة الشعبية...) والبيروقراطية النقابية التي سارت خلف تكتيكات مهندسي النظام ملح الطعام الخادع والكاذب ورداء للإثارة والتزيين. وتأكد أن المنافسة الانتخابية في عصرنا تحت سقف لعبة "الديمقراطية التمثيلية" مع الأقلية المسيطرة على الرأسمال والثروة والإعلام وذات الخبرة العريقة في صنع الوهم والخداع وتسويقه والمرتبطة بمئات الخيوط مع القوى الاستعمارية، هي لعبة خاسرة وفاسدة، ولن تكون معبرا لضفاف مستقبل يصنع فيه البديل للشعوب والعمال ويشيد من خلاله السيادة الوطنية وسلطة الشعب وسيطرته على ثرواته وخيراته واسترجاع ما نهب منه وتقديم القتلة والمجرمين لعدالة الشعب.. فأقصى ما قد تسمح به هو الصياح داخل المؤسسات لمن لا يرضيه المشهد أو لم يقبل بالنصيب المقدم له من الكعكة.

هل فعلا خيار المشاركة كان مفيدا لاستكمال المسار الثوري؟ وهل سنصدق أن الثورة قد تستكمل من داخل البرلمان؟ هل من البرلمان ستصنع السيادة على خيرات البلاد؟ وهل الشعب قدم تضحياته من أجل أن ينعم بيوم للاقتراع أم من أجل بناء سلطته الفعلية؟.. هل كان المطلوب هو عزل أنصار الردة والانقلاب عن ثورة الشعب التونسي البطل وعرقلة مشروعهم وإخراج وتأطير الجماهير التي صنعت 14 يناير للشوارع لنسف وإفشال مشاريعهم أم مشاركتهم اللعبة والتوافق على تلطيف الصراع حسب الأدوار لاستدراج الجماهير لصناديق الاقتراع لانتداب جلاديهم وللإجهاز على المسار الثوري؟.. هل كان سليما تزكية وهم التمثيل من خلال لعبة الانتخابات ورهن الشعب ومصالحه لسنوات نيابية بيد سماسرة الانتخابات والجلادين والقتلة؟.. ومن يكون الباجي القايد السبسي وجماعته غير بقايا النظام المجرم..؟ ومن يكون الغنوشي وإخوته على رأس "حركة النهضة" غير من نقلتهم أنظمة الخليج إلى تونس بترتيب محكم مع الإمبريالية والصهيونية ومولتهم ودعمتهم لسرقة الثورة من أصحابها الفعليين وتسريب الظلاميين لليبيا وسوريا والعراق.. لتدمير نضالات الشعوب التواقة للحرية والانعتاق؟ فهل المطلوب المعارضة الجذرية لمسار هؤلاء الأعداء في ظل الحماسة والغليان الشعبي أم قبول التوافق معهم والترتيب لخوض اللعبة إلى جانبهم وتصريف وهم سلطة صناديق الاقتراع؟ إنه من السذاجة الاعتقاد بقدرة إسقاط من يسيطر على الثروات والأموال ومؤسسات الدولة وفي مقدمتها الجيش والأجهزة القمعية الأخرى من خلال الانتخابات!! إنها الخيانة عندما يكون الموقف موقف من ينسبون أنفسهم لليسار الماركسي والطبقة العاملة مثل مكونات الجبهة الشعبية والبيروقراطية النقابية للاتحاد العام الذين ثبت عجزهم عن النظر للبلاد وللمشروع السياسي والمجتمعي باستقلال عن العلاقة مع الرأسمالية.

هل العمال والمعطلون والفلاحون المعدمون وكل الفئات المفقرة يعنيها فوز "نداء تونس" أو تراجع حركة النهضة للصف الثاني؟ هل الكادحون الذين اكتووا بنار المخططات المملاة من لدن صندوق النقد الدولي والبنك العالمي يعنيهم صعود هذا الوكيل أو ذاك؟ من المستفيد من صناديق الاقتراع في ظل سيطرة أصحاب رأس المال على كل مراكز القرار؟ ومن ستريحه هذه اللعبة دون هؤلاء والى جانبهم الفئات الوسطى المتذبذبة والانتهازية؟.. إن الباجي القايد السبسي وفريقه المشكل من مجرمي وقتلة الماضي الأسود، والذين برأهم القضاء بعد لعبة الاستدعاء لامتصاص الغضب الثوري، ذوو ماض مكشوف للشعب التونسي ورعايتهم لمصالح الرأسمال الإمبريالي والصهيوني لا غبار عليها، و"حركة النهضة" أبانت عن عمالتها للإمبريالية والصهيونية وللأنظمة الرجعية الخليجية وانكشفت أدوارها الظلامية بعمق أكبر وعلى أرض الميدان أثناء وجودها بالسلطة، وأبانت بالملموس عن طبيعتها كحركة إرهابية حامية لمصالح قوى النهب وخاضعة لإملاءات مراكز القرار الإمبريالي. وهؤلاء هم أصحاب القوة المالية والإعلامية وأصحاب النفوذ والقرار السياسي الحاسم، وهؤلاء هم المدعومون من مختلف مراكز القرار لتنفيذ مخطط إقبار الزخم الثوري وفرملة الصراع الطبقي، وهؤلاء هم أعداء الثورة وأعداء التحرر وأعداء تحرير الاقتصاد والثروات الوطنية، وهؤلاء هم أعوان البنوك الدولية المانحة للقروض لتمرير المخططات المجحفة في حق الشعب التونسي، وهؤلاء هم الضمانة لاستمرار التبعية وسياسة تحرير الأسواق ولتعميق التدهور والتردي والأزمات ولرفع وتيرة القمع والاضطهاد.. لذا، فالشعب غير معني لا بفوز هذا ولا ذاك ولا في تحالفهما أو في "تقاطبهما". بل إن الواقع الذي أفرز الزخم الثوري لازال مستمرا وسيتعمق في ظل المخططات القادمة المضمونة للتطبيق من طرف الصاعدين الى سدة الحكم، وتبقى المهمة الأكبر والمسؤولية العميقة الموكولة لمناضلي الشعب التونسي المخلصين وكل الثوار عبر العالم، والتي لا تقبل التأجيل، هي بناء القوة البديل القادرة على صيانة التضحيات وقيادة العمال وتعبيد الطريق الذي رسمه الشهداء والدماء التي صنعت 14 يناير2014 وباقي المحطات النضالية المشعة.. إن تجربة تونس، وتجارب أخرى قريبة من بينها التجربة المصرية، عنوان درس عميق لنا جميعا.. ففي غياب الحزب الثوري، من الوهم الاعتقاد بنجاح الثورة، أي ثورة.."

تيار البديل الجذري المغربي

C.A.RA.M.




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق