بعد جهد كبير، وصراع طويل، تم اليوم السماح لنا بزيارة رفيقنا
الغالي مصطفى مزياني من داخل المركب الاستشفائي الجامعي (CHU). من خلف الزجاج تجمعنا في مشهد تراجيدي، لنلقي نظرة على جثة هامدة،
نعم إنها جثة الرفيق مصطفى، حالة لا تبشر بالاطمئنان، إن لم أقل لكم إنها موت سريري،
4 أمتار هي المسافة التي كانت تفصلنا عنك يا رفيق، لكن حجم معاناتك وتضحيتك كانت تفصلنا
عنها سنوات ضوئية، إنها الـ45 دقيقة التي قضيناها معك، جعلتنا نشترك معك آلامك وآهاتك،
استحضرنا فيها أقوالك وكلماتك، كلمتك الخالدة "سننتصر لأن الجماهير ستنتصر".
لقد كنا شاهدين على جثة لا تتحرك، لكن جثة بكاريزما، كاريزما
الأبطال والعظماء، جهاز يغطي فمه وأنفه مرتبط بأنابيب يبدوا أنه جهاز للتنفس الاصطناعي،
وضعوه له بعدما عجزت رئتاه المتعبة من مواصلة عملهما، ويد مغروس فيها العديد من الأشياء،
أعتقد انه السيروم ومواد أخرى، وفي اليد الثانية تستمر أبشع أنواع الجرائم ضد الانسانية،
إنها الأصفاد على يد جثة هامدة، إنها ممارسة "أناس" لا يعرفون للرحمة من
معنى، لم يكفيهم فقدانه للبصر والسمع والحركة، لكن لم نستغرب، إنه أمر طبيعي فحتى جثث
الثوار ترهبهم. آلة مركزة على الجانب الموالي لنا، أي على يمينه، ومرتبط بجهاز تلفازي
صغير، لم اتمكن من تمييزه نظرا للأشعة المنبعثة من الغرفة التي كانت تعيق الرؤيا بشكل
سليم، كنا نضطر للتركيز كثيرا لنتمكن من رؤيته.
حضر للزيارة إلى جانب العائلة، العديد من المناضلين من بينهم
رفاقه الطلبة المخلصين، في مشهد شبيه بالعقاب الجماعي لكل الحاضرين جراء بشاعة المنظر،
إنه التعذيب والعذاب، كانت بمثابتة المحنة لنا جميعا، والعدو يتلذذ بممارسة نوع من التعذيب الجماعي، اتضح لنا أن
السماح بالزيارة هو لإيصال رسالة إلى ضعفاء القناعات والترهيب في نفس الوقت، لكن هيهات
وهيهات أن ينالوا من قناعات مناضلين سائرين على خطوط النار، مناضلين من طينة الثوار،
رفاق ورفيقات مصطفى مزياني المخلصين.
بعد مدة، أراد الرفاق أخد صور لرفيقهم، لكن وفي رمشة عين حضر
الحراس/الجلادون بشكل غريب ليمنعوا أخد الصور، لتقع احتكاكات معهم، وسرعان ما تم تجاوز
الأمر من طرف المناضلين لاعتبارات الموقع. وعند انتهاء الزيارة، توجهنا رفقة عائلة
مصطفى للقاء الطبيب المشرف، وبعد انتظار طويل
استقبل الطبيب أباه، فكانت الفاجعة، فقد صرح الطبيب أن الحالة التي وصلها مصطفى
يستحيل إنقاذها، وأن حضوض بقائه على قيد الحياة
لا تتعدي 1 بالمئة. أصابنا نوع من الذهول والصدمة، لكن سرعان ما استفقنا منها جراء
قدوم شخص ما، بطريقة ممثلي الأدوار المتعالية، ليقول للمناضلين أنه هو الذي تدخل لنقل
مصطفى من كوكار إلى المركب الاستشفائي الجامعي، ضاربا عرض الحائط المعركة البطولية
بل الأسطورية للرفيق مصطفى وكل التضحيات التي قدمها المناضلون.. أين المعارك الطلابية
؟ أين المبيت الليلي؟ أين الوقفات التي نظمتها عائلات المعتقلين السياسيين؟، أين اعتصام
أب الرفيق من داخل كوكار واضرابه عن الطعام؟؟ ... يا ليت الرفيق يقف ولو في رمشة لنرى
هل سيبقى أثر لمثل هؤلاء.. ومن أنت يا هذا لتكون عندك مثل هاته الصلاحيات لإعطاء أوامر
نقل الرفيق من مستشفى لآخر؟ أكيد سنفهم من كلامه ومن خلال صلاحياته أنه من اهل المخابرات
وقوى القمع. وهذا ما عبر عنه في نهاية المطاف عندما أعلن أنه من حزب/المخابرات السياسية
"الأصالة والمعاصرة"، الشيء الذي استفز كل المناضلين وكاد أن يخلق حالة من
التشنج لولا تدخل أب الرفيق مصطفى لوقف المشادات. ليبقى لصيقا بأب الرفيق في محاولة
منه لاستدراجه والاسترزاق على معركة رفيقنا الغالي، لكن حتما لن نسمح لهم بذلك، فطريقنا
من نار، ستحرق كل الخونة والمرتزقين، لن نسمح لمن له باع طويل في المتاجرة بدماء ومآسي
الشعب أن يلطخ معركة رفيقنا العظيمة.
وفي الأخير، وبكل صدق وأمانة، تبقى كل الكلمات عاجزة عن التعبير،
فالمشهد الذي عايشناه اليوم لن تستطيع أعتى الكلمات نقله لكم...
مناضل جذري.
شارك هذا الموضوع على: ↓