2025/12/21

م.م.ن.ص// يريدوننا ان نموت في صمت.. الموت هو الموت...

 



ولكن ماذا عن الموت تحت أنقاض الأحياء المحدثة باسم محاربة الأحياء العشوائية، والموت غرقا في مياه الفيضانات، والموت تحت الخيام البلاستيكية المهترئة،

 والموت على أبواب المستشفيات، والموت وسط صقيع الجبال بلا مأوى، والموت على الطرقات بواسطة حافلات مهترئة وأنت في طريقك إلى الضيعات حيث تنتج "جنة" أوروبا بجهة سوس ماسة (لقليعة، خميس ايت عميرة، سيدي بيبي، تادارت...)، والموت برصاص حي يطلق على الصدور العارية...؟
بعد كل جريمة، وبعد كل فضيحة، يسارع النظام لإيجاد كبش فداء، حتى لا يضطر إلى النظر في المرآة، أو ليحمل غيره مسؤولية فشله. كل هذه الفضائع عشناها وتتكرر، عبر الزمان، بطرق وأماكن مختلفة من البلد؛ لم تصدمنا لأنها غير متوقعة، بل لأننا في العمق نتوقعها، بل ونتوقع غيرها في كل لحظة. 
بالأمس قضت تحت الأنقاض بحي المسيرة بفاس أسر بأكملها، لتكون الكارثة/الفضيحة التي اسدلت الستار عن جريمة مسلخ "حرية التعبير"، والأسبوع الجاري جرفت الفيضانات ساكنة وتجار المدينة القديمة بآسفي، المدينة التي صمدت لسنين، وكانت المأوى المحصن لأبنائها عبر قرون من الزمن بكل تقلباتها الجوية، تحولت بقدرة قادر، وبحكمة حاكم، في لمحة عين، إلى مجرى لفيضانات واد الشعبة على الجوار..
وكأن الفضائح والكوارث هي عنوان هذا البلد، وامتيازه.. وكان له السبق في هذا المؤشر الخاص لقياس تقدم بلد في علم "الفضائح والكذب".. 
الجواب الجاهز دوما، لدى النظام، لمواجهة أي كارثة طبيعية أو اجتماعية أو بيئية، هو: السجون؛ هو إبعاد كل من يجرؤ على رفع صوته؛ هو إسكات الشباب والقاصرين الذين تدفعهم الظروف لأن يكونوا صوتا للرفض.
السجن ليس، ولا يمكن أن يكون، ردا على واقع ينتج الدمار ويخلق أسباب الاحتجاج.
السجن لا يمكن أبدا أن يكون جوابا!
السجن إرهاب..
السجن قمع وخنق..
عندما نجيب على مطالب شعبية بسجن الشباب، لا نحمي المجتمع من الكوارث التي تحصد – مرارا – أرواح الكادحين بالعشرات، بل نحمي الأوضاع نفسها التي تنتج الكوارث. ونربي المجتمع على الخوف والقمع. 
فلكي يقبل الشعب بكل جريمة جديدة، بكل مذبحة جديدة لحقوقه واحتياجاته على مذبح اقتصاد النهب والتفقير.. يصعد النظام اليوم من القمع، من هجومه على الشعب والشباب..
إنهم يريدون فرض"صمت المقابر"، حتى يقبل الشعب والشباب دون اعتراض صهينة البلد وفرض مخططات التجويع والتهجير والسيطرة على ما يبدو جنة مستقبلية لرأس المال.. وإخضاع البلد لمخططات استعمارية ومصالح أقطاب الحرب الإمبريالية.. ويتم السعي لتجريم ليس الاحتجاج فقط بل العمل الجذري، والفكر نفسه، حتى لا يصل إلى حد التشكيك في "المسار الوحيد" لنظام الاستغلال. 
هذه هي "دولة القانون" التي يتغنى بها النظام وحكومته والأحزاب التي تدور في فلكه. لقد خدم الجميع معا هذه السياسة باستمرار، ويدعم الجميع معًا المخططات الإجرامية.
لقد ثبت ذلك بشكل فاضح:
من محاولة إسكات كل صوت يعارض إبادة الشعب الفلسطيني، وكل صوت يقف إلى جانب المقهورين والمضطهدين وكل صوت يقف ضد استمرار تشريد ضحايا الزلزال، ويقف ضد انخراط النظام في مذبحة الشعب الفلسطيني، ومناهضة صهينة البلد.
ومن تجريم النضالات العمالية والشعبية والطلابية، وتجريم الإضرابات، من خلال تشريع ما يعرف بـ"قانون الإضراب"، والملاحقات لمناضلي الحركات الاحتجاجية، ومحاكمتهم(اعتقال الأستاذة نزهة مجدي. وإصدار أحكام قاسية في الأيام الماضية في حق كل من سعيدة العلمي، وقاصري احتجاجات القليعة..).. 
إن أغلبنا يقول: نقف، ويجب أن نقف، إلى جانب الضحايا، لكن إن لم نتجرأ على مواجهة الجاني الحقيقي، وننظر في عينيه، ونسمي الأمور بمسمياتها، فإننا لا نقف حيث يجب أن نقف. ولا نتحدث عن النضالات والتضحيات، بل عن مسرحية تنفيس مقصودة، تسمح للنظام بأن يبرئ نفسه بينما يقدم الأبرياء ضحايا. 
النظام يوجه المجتمع ليصدق أن الذنب يقع على "كبش فداء" – وغالبا ما يصنع لنا هذا الكبش. يحرّف الأنظار عن الجذور الحقيقية للأزمات، عن طبيعته ودوره كنظام يخلق في أساسه حربا طبقية لا هوادة فيها. عن رأسمالية تعتبر مراكمة الأرباح فوق كل اعتبار، حتى لو كان الثمن جيوب عائلات منهوكة. عن دولة تترك الفقراء والمضطهدين بلا حماية منذ الولادة، ثم تتشدق بالحماية حين يحين وقت القمع. 
عندما تخصَص ميزانيات "الأمن" لقمع الاحتجاج، ولا توجد أموال لتحصين الأحياء الهشة ضد الانهيارات والفيضانات، ولإيواء المنكوبين... عندما يُطلب من أسر فقدت كل شيء أن تدفع من جيبها لإيجاد مأوى بعد النكبة، ولعلاج أبنائها، بينما تسرح ثروات البلاد في جيوب قلة... عندما تحمى ثروات النهب والاستغلال ومصاصي الدماء بينما يحاصر العمال المشردون (سيكوم) في شوارع مكناس وطنجة تحت ظروف التجويع والفقر وفي مواجهة تقلبات الطقس عبر فصول السنة تحت الخيم البلاستيكية.. عندما تترك المدارس والبُنى التحتية في الأرياف والمدن المهمشة تتداعى، بينما تبنى القصور وراء الأسوار...

 فالسؤال ليس: "لماذا يغضب الناس؟" بل: "كيف صبروا كل هذه المدة؟". 
إنها مسؤولية نظام يحمي الفساد، وينهب الثروة، ويجمع الأصوات الغاضبة، أصوات الشعب، كلما تجرأت على الاحتجاج، ليرمي بها في غياهب السجون أو تحت عجلات الآليات أو رصاص الأجهزة. نظام حول الوطن إلى ماكينة لإنتاج المعاناة، ثم يأتي ليحاسب من يصرخ من شدة الألم. 
العدالة الحقيقية تبدأ باعتراف واحد: الكارثة ليست قدرا محتومًا. الكارثة هي نتيجة. والمذنب ليس ذلك الشاب اليائس الذي رفع صوتا أو حجرا، بل هو من بنى السدود على الثروات، وجعل الصراخ والحجر آخر أمل للشعب. 
في النهاية، الجريمة ليست فقط الفعل. بل هي الأذن التي لم تسمع، واليد التي لم تمتد. وفوق كل شيء، هي نظام فاسد، مجتمع بأكمله يبرر بدلا من أن يفهم، ونظام بأكمله معياره الوحيد الربح، والذي يدفع الشعب إلى الظلام بمخططاته، إلى الموت جوعا وبردا وغرقا وتحت الأنقاض.. ثم يلومه لأنه صرخ في وجه الظلم.. في وجه التقتيل..

2025/12/21 




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق