.
ماذا عن ضحايا قرار اطلاق الرصاص في حق ابناء شعبنا بالقليعة؟
لم تعد الفضائح السياسية والمؤسساتية من غرائب الحياة السياسية المغربية، بل أصبحت واقعا مألوفا، وصار الاستثناء النادر هو موسم دون فضيحة.
والنظام، بعد انفجار كل فضيحة، يسارع إلى حماية نفاياته السياسية، وهو يكدسها، ويحولها إلى أداة للإلهاء، ويدخلها في دورة إعادة إنتاج لذاته وهيمنته.
لكن فيضان الفضائح الذي غمر منصات التواصل اليوم،
لم يعد مجرد روايات صحافية، أو أحاديث تتداول في الشارع... ولم يعد حبيس استنتاجات سياسية ونظرية... بل تحول، بالصوت والصورة، في زمن العيون الآلية المبرمجة والذكاء الاصطناعي، إلى كائن حي ينطق ويتجسد أمام أعين الجميع، مطلقًا العنان لألسنة كانت مكممة.
فألسنة النخبة وكثيرون من أهل النعمة تحررت من عقالها بعد أن انكشف الغطاء عن فساد متأصل في جذور المؤسسات، بما فيها تلك المفبركة لـ"رعاية أخلاقيات المهن"، وينخر في أجسادها... في نسيجها العميق...
لكن لما هذا المشهد لا يحرك، بالقدر نفسه، اذهان من تحررت ألسنتهم للتساؤل وفتح من جديد ملفات لا حصر لها، اتخذ على ضوئها هياكل مفبركة، هندسها النظام، قرارات تأديبية وصلت حد تشريد عمال ومهنيين وموظفين، وإنتاج ضحايا لا يزالون يعانون من تبعات تلك القرارات إلى اليوم، ونذكر بما طال، في الأمس القريب، الرفيق عز الدين أبا سيدي، والرفيق مصطفى دادو، والرفيق مصطفى معهود..
وللاسف بدل ان ياخذ السير مجرى يعمق الهجوم على النظام، تحولت فضائح هذا الأخير الى أداة تجديد القوة.
لذا يمكن لنا الإقرار بان جديد اليوم، هو حنكة النظام السياسية، بتحويل فضائحه إلى آلية لتجديد الإجماع على إدارة سياسة الإلهاء وإخفاء الجرائم العميقة، وهي تنتج الارهاب في الشارع وتخلف الضحايا وتعمق الفقر والبطالة والدمار...
ومع كل فضيحة، يثبت لنا، اي النظام القائم في المغرب، أن تكديس نفاياته السياسية والمؤسساتية وحمايتها هو، في الجوهر، حماية لطاقته ولعماد قوته.
ويتوالى مرة أخرى السؤال: أين السياسي، وأين النقابي، وأين الجمعوي، وأين النخبة، مما ينسج على جوارها وأمام أعينها؟ ونعني بذلك جريمة "الجمر والرصاص"...
أين الصحافة، وأعني "قطبها الشريف"، مما يرتكب في عقر دار "العدالة"، وهي ترسل شبابا وقاصرين بملفات مفبركة إلى قرون من السجون؟
أين هم من تلك المؤسسات التي تفتح للنخبة أبواب التقاط الفتات، لتحسين أوضاعها، وشراء الصمت على حساب ضحايا نظام الظلم والجريمة؟
هذه "النخبة"، بدل أن تفضح وتعري عدالة أصبحت هي نفسها بؤرة للتعفن، تلوذ بالصمت وتولي ظهرها للحقيقة حين تكون السهام موجهة لمن هم "تحتَ"...
بل وتنسج بخيوط سلطة النظام (الفوضى والشغل والتدريب..) شباكًا من القرون القانونية لتحبس فيها أبناء الشعب"التحت"، بينما تظل هي حصينة ومنشغلة بنصيبها من فتات صناع الجرائم.
ففي خضم مشهد الفضائح الذي حوله النظام إلى أداة للاجماع على الإلهاء، لا تزال جريمة إطلاق الرصاص الحي بالقليعة..
لا يزال الإرهاب والتهديد والمحاكمات والأحكام بقرون السجن مستمرة...
لا يزال النظام من خلالها يرسل رسائل إرهاب لمن يخرج عن دائرة إجماعه،شبابا وسياسيين...
لازال ضحايا عدة لقرارات لجنة مفبركة في قطاعات عدة يؤدون ضريبة القرارات الاجرامية..
ولازال خروج فقراء المدينة العمالية وأولياء الضحايا متواصل، بصوت واضح وصورة جريئة، يكشف خيوط الجريمة وخلفياتها، ويطالب بكشف الحقيقة والعدالة...
ولا يزال صراخ أهالي الضحايا وما يقدمونه من تضحيات من خلال لجنتهم،"لجنة عائلات شهداء ومعتقلي وضحايا القليعة"، يتواصل ويتحدى الإرهاب والقمع، ويواصل كشف خيوط الجريمة...
ولا تزال"النخبة" تتجاهل صراخهم، وتولي ظهرها للحقيقة ولواقع المظلومين والمكلومين، وتمارس جذريتها ونضاليتها في حدود ما يسمح به النظام من حقول للالهاء وللتغطية على عمق الظلم والجرائم الحقيقية؟
أليس تجاوز جريمة الاغتيال بالرصاص- وما تكشفه أصوات أهالي الضحايا (الشهداء والمعتقلين والمعتقلين) - والانحصار في حدود فيضانات المنصات الاجتماعية بعد فضيحة مؤامرات "لجنة أخلاقيات من لا أخلاق لهم" انصياعا لخطط النظام وتآمرا مدروسا؟!
ألا يعلم السياسي والنقابي والجمعوي بأخبار ضحايا أُصيبوا بأكثر من رصاصة في أجسادهم في احتجاجات ساكنة القليعة؟ هل جلهم، السياسي والنقابي والجمعوي، و"المثقف"، لا يفهمون ما يعنيه ذلك؟ هل لا يكفي ذلك لفهم حجم الجريمة، وكشف تلك الأسطوانة التي قدمها إعلام النظام (الهجوم على مقر الدرك للسيطرة على السلاح) وابتلعتها النخبة "المثقفة" و"السياسية"؟
أليس لديهم علم بالإرهاب والتهديدات الموجهة للضحايا وأهالي المعتقلين لالزامهم بالصمت؟ وحكايات الاعتقالات التعسفية؟
أهذه الجرائم التي تستهدف ابناء الكادحين، أقل شأنا من تعفن مؤسسة صنعها النظام بأيد نخبوية آلفت "المرق"؟!
لكم حاجز الصمت والمساءلة... يا من تعيشون على فائض ما ينهب منا، من قوتنا، وقوة أبنائنا...
ولنا نحن أهل"التحت"، الحقيقة...
وليعلم الجميع أن التاريخ لن يختزن الحقيقة تحت الرماد إلى الأبد...
يوما ما ستنفجر كبركان يحرق كل الأقنعة.
2025/12/01
