2025/12/10

م.م.ن.ص// من ذلك الشتاء من عام 1977، إلى دجنبر اليوم 2025 .


لم تكن سعيدة تدرك يوماأن شهر ميلادها سيُخلَّد، بعد مرور 13 عاما على استشهادها، بدماء أبناء شعبنا.

لم تكن تعلم أن هذا الشهر ستعيد شوارع فاس كتابته بالدم من جديد، أيام 14 و15 دجنبر 1990، وويعلوها شعار: "سعيدة الشهيدة في سجون النظام.. الارض للفلاحة، والمعمل للعمال..".

كما لم تكن تتصور أن اسمها سيسطع بهذا البريق وسط أحرار العالم،
ولا تخيلت كمية المداد الذي سيسيل دفاعا عن تضحياتها وخطها الثوري. 
هذا الشهر، هذه الأيام هي أيام الشهداء.
هذا الشهر،هذه الأيام يتخللها عرف التخليد النضالي لليوم الأممي "للإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
هذا الشهر،حوله أعداء الإنسانية، أعداء التحرر، من نظام وحلفائه، إلى رمز للجريمة، جريمة النظام، جريمة الإمبريالية والصهيونية، جريمة القتل، وجريمة تحويل "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" إلى خرقة تليق لتهدئة صبيان السياسة – "اليسار" قولا، المتموضع فعلا تحت مظلة المنظمات الدولية التي تشتري "السلم العالمي" والضمير، والقائمة خلف الناتو وأمريكا والكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية.
وهذا ما يعرفه جيدا أولئك الذين انخرطوا في تضحيات ذلك الشتاء البارد.. يعرفون القاتل، كما يعرفون من تنكر للشهداء.. 
هذه الأيام هي أيام ذكرى حطم فيها الثوار الأسوار.. 
كل شهر دجنبر يحمل معه سؤالاً: ماذا تعلمنا في النهاية من الانتفاضات بالصدور العارية، زمن كانت فيه الزهرة بديلاً عن المسموح به؟ وماذا تعلمنا من شهداء واصلوا المعركة ضد نظام القمع حتى من خلف القضبان؟ 
بالتأكيد لم نتعلم النسيان،
وقد أثبتنا ذلك حتى في أحلك الفترات، سنوات كان اللحاق بموجة الردة "موضة" يقودها "فرسان" السبعينيات، حيث أصبحت "الديمقراطية وحقوق الإنسان" هدية من الإمبريالية لأيتام "البيريسترويكا". 
الذاكرة ليست قطعة متحفية.. 
لا يكفي تكريم الشهداء، ولا فضح الجريمة، ولا فضح الجريمة الكونية إن لم نربط ما جرى بالأمس بما يجري اليوم.
ويظل رابط دجنبر 1977 بدجنبر 2025 هو الجمر والرصاص،
الجمر والرصاص لا يزال متواصلا،
إطلاق الرصاص وسقوط شباب لقليعة شهداء لبعث رسالة إرهاب لحركات الشارع المتأججة مع ما عُرف بحراك"جيل زد"، لحماية النهب واستباحة البلد وما فيه من خيرات وثروات أمام مختلف قوى النهب العالمي من أمريكا وفرنسا والكيان الصهيوني حتى الصين.. وتدمير ما تبقى من الخدمات العمومية (مدرسة، مستشفى...) وتنفيذ توصيات إجرامية، مقابل استشهادات، واعتقالات، ومحاكمات وصلت لقرون من السجون..
دجنبر اليوم هو دجنبر إضراب الجوع في السجون..
دجنبر اليوم هو دجنبر رأس المال، التشريد والتجويع للعمال.. أزيد من 1000 عامل قُذف بهم إلى الشوارع: عمال "سيكوم" بمكناس و"نماطيكس" بطنجة، بعدما أفنوا زهرة شبابهم لعشرات السنوات في عجلة الإنتاج الرأسمالي..
دجنبر اليوم شبابه لا يزال في حالة عدم استقرار دائم– اقتصادي، اجتماعي، سياسي. غلاء المعيشة لحد عجز الدخل اليومي عن توفير أساسيات الحياة، انعدام الأمن الوظيفي، أزمة السكن، رفع الدعم عن السلع الأساسية، بلترة الفلاحين الصغار، ومجال عام فيه منحنى التفقير والتجويع في خط تصاعدي حاد. وفوق كل ذلك، استدعاء مستمر لـ "النظام" و"الأمن"، وكأنهما قيمتان بديهيتان، منفصلتان عن العدالة والتماسك الاجتماعي.
يطلبون الهدوء من مجتمع يغلي.
دجنبر اليوم،"حقوق الإنسان" المتعارف عليها دولياً صارت مجرد خرقة تُعلَّق في الواجهة، وعلى الأرض هي حق النظام، ورأس المال في مراكمة الأرباح؛ في شراء ولاء النخب والأعيان؛ في إخضاع القيادات السياسية والنقابية والجمعوية؛ في تدمير كل أدوات المقاومة؛ في تعزيز القمع وترسانته بدعم صهيوني وإمبريالي ورجعي.. الحق في صهينة البلد، والحق في ذبح الشعوب..
والمضحك في دجنبر اليوم، هو ما يعمه من "تحليل" للواقع السياسي المغربي. بحيث تجلس النخبة البائعة، السياسيون المنبطحون والمثقفون الانتهازيون، وتكتب تحليلات "جادة" لما يجري في البلاد وكأنها تحلل الطقس على كوكب زحل بينما غرف المعيشة على الجوار احترقت وتحولت إلى رماد، والحياة سراب. ويخشون أن تقطع "الجزائر" البلاد إلى نصفين (استهلاك "بعبع" إيديولوجي، وهي ديماغوجية عمرت لما يزيد عن نصف قرن)، بينما البلاد بالفعل مقطعة إلى شرائح وطبقات لحد التناقض الحاد والتناحر، من المعدوم والمشرد والمحكوم عليه بعشرات السنوات بالسجن لمجرد المطالبة بكسرة خبز، إلى التخمة والتبذير والعيش على الرحلات بين "ريفيرات" المصنفة عالمياً..
دجنبر اليوم هو أيام تُدوَّن بالفضائح، فضائح لحد التخمة، فضائح مؤسسات ورموز ومسؤوليات و"مسؤولين".. فضائح تحولت بحكامة النظام و"عبقرية" نخبة البياعة إلى وسائل للإلهاء..
باختصار..
إن النظام يعلن صراحة أن دجنبر لم ينتهِ أبداً، كما يعلن شعبنا مع كل هزة أن دجنبر "سعيدة المنبهي" لم ينته هو الآخر، كما كُتب على الجدران، تحذيرا ووعدا في آن واحد. ليس بالضرورة من أجل حرائق ومتاريس، بل من أجل كفاح عنيد ومستمر، متشبع بما نعتبره حقا تاريخيا: الحق في الحياة التي لا تُستهلك، والحق في تقرير المصير الذي لا يبقى حبرا على ورق، وعدالة شعبية لا تنحني أمام قوة القمع. 
دجنبر يذكرنا بما يمكن أن يولد من الظلم والقمع: غضب، نعم، ولكن أيضا وعي كلما تقدم الكفاح الثوري المنظم،
والوعي،على المدى البعيد، أخطر على أي نظام من رصاصة.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق