24‏/02‏/2016

محمد حومد// في ذكرى 20 فبراير: الحركات الاحتجاجية و النظام القائم..

لقد لعبت الحركات الاحتجاجية تاريخيا دورا مهما وأساسيا في تحصين مكاسب ومطالب أبناء الجماهير الشعبية المضطهدة والمهمشة. وكانت القوة الديناميكية
في تأجيج الصراع الطبقي وفي تطور وتقدم المكونات المجتمعية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، رغم إخفاقاتها المتعددة أحيانا٬ في إنجاز الانتصار الحقيقي على الأنظمة السائدة والظفر بالسلطة السياسية لمصلحة الشعوب المقهورة والمستغلة؛ وانتصاراتها أحيانا أخرى٠ إن الشعوب المستغلة والمضطهدة وفي طليعتها الطبقة العاملة هي في صراع دائم ومستمر مع ممثلي البرجوازية، أي الطبقات المسيطرة داخل المجتمع٬ وذلك في جميع حقول الاستغلال الطبقي٬ في المعامل والمصانع وورشات العمل والضيعات الفلاحية٠٠٠ وفي المقابل، إن لكل احتجاج جماهيري قوي ضريبة قاسية تؤديها الشعوب الثائرة. فهناك شهداء وضحايا ومعتقلين ومختطفين... إثر أي تدخل همجي أو هجوم وحشي من طرف الأنظمة القائمة. ومهما كان الثمن باهضا، فإن الشعوب تحقق بعض الانتصارات الآنية وتفرض بعض التراجعات على الأنظمة المستبدة وإن كانت ضئيلة مقابل التضحيات الجسيمة التي تقدمها وعلى رأسها الحد من أطماع البرجوازية المتعفنة التي لا يعرف جشعها حدودا. إن جميع المجتمعات الأممية هي غنية بتجاربها الخاصة التي ساهمت في تقدمها وتطورها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.. لقد شهد المغرب منذ فجر الاستقلال الشكلي إلى يومنا هذا العديد من الانتفاضات الشعبية العارمة والقوية٬ ووجهت كلها بالحديد والنار. وإذا كان النظام يريد من خلال إخماد هذه الحركات الاحتجاجية بالعنف الرجعي الهمجي خلق الرعب والترهيب لإسكات الأصوات الحرة في صفوف الشعب المغربي حتى لا تتجرأ مرة أخرى على الاحتجاج والتظاهر والنزول الى الشارع كما كان يروج لذلك من خلال خطاباته الرسمية٬ فإن الشعب المغربي قد ترسخت في ذاكرته الحية ولازالت تترسخ إلى يومنا هذا المجازر التي ارتكبت في حقه٬ لا لكي ينال منه الرعب والترهيب، بل العكس ليتذكر للمرة الألف إجرام ووحشية القمع الهمجي للنظام ويزداد عزما وإصرارا لاستئناف المواجهة مجددا ويضمد جراحه ويستفيد من مآسيه لينهض ثانية في وجه الآلة القمعية. فرغم التنكيل والتدخل الهمجي واستعمال النظام لكل الوسائل العسكرية للقضاء على انتفاضة الريف لسنة58/59 إلا أن الشعب المغربي سرعان ما انتفض مجددا في 23 مارس سنة 65 متحديا من جديد الآلة القمعية٬ و ما إعلان حالة الطوارئ مباشرة بعد الانتفاضة من طرف النظام لخير دليل على حجم تردي الوضع الاجتماعي والاقتصادي وهشاشة النظام وأزمته التي يتخبط فيها ولغة الحديد والنار التي يتقن استعمالها. وهكذا بنى الشعب المغربي تاريخه الحافل بالحركات الاحتجاجية، فمن انتفاضة إلى أخرى... انتفاضة أولاد خليفة سنة 1970... انتفاضة20 يونيو سنة 1981... انتفاضة يناير 1984... انتفاضة دجنبر 90... كلها حركات احتجاجية متقدمة لقيت نفس المصير، القمع والاصطدام٬ وكانت الآلة العسكرية هي لغة النظام في قمعها وإطفاء شعلتها، إلى أن جاءت الحركة الاحتجاجية الشعبية العامة في 20 فبراير سنة 2011، فوقف النظام مرتجفا أمام صرخة الشعب قاطبة٬ فلم يتدخل تدخلاته العسكرية المعتادة بل حاول أن يستعمل ترسانته القمعية بشكل جزئي وبحذر شديد، وراهن كثيرا على القوى الظلامي. أما مسألة الإصلاح الدستوري، فما هي إلا هدية مفضوحة للوجوه البارزة من داخل حزب العدالة والتنمية لترويض قواعدها وجرها إلى حضن النظام، موقعها الطبيعي. 
وإذا كانت حركة 20 فبراير هي الأمل الذي راهن عليه الشعب المغربي للخروج من الواقع المزري لولوج أمل الغد المشرق الآتي٬ فإن غياب برنامج نضالي ميداني سياسي واقتصادي يخدم الجماهير الشعبية الكادحة و على رأسها الطبقة العاملة ذات المصلحة في التغيير وكذلك الفلاحين الفقراء، كان أحد العوائق في تطور الحركة، بالإضافة إلى تضارب الرؤى والمرجعيات الفكرية وإصرار البعض من داخل الحراك على رفع شعارات عامة يمكن ترجمتها وفق أي تصور، كان الهدف من ورائه إرضاء''الحركات الإسلامية" (القوى الظلامية). لقد انفجر الغضب الشعبي المغربي في حركة 20 فبراير 2011 بالموازاة مع ما اصطلح عليه ب"الربيع العربي"، حيث كانت المنطقة المغاربية والعربية تعرف غليانا شعبيا عاما، ورموز الأنظمة السياسية في كل من تونس ومصر قد تمت الإطاحة بها، هذه الحركات الاحتجاجية أوقد فتيلها الشباب المتعطش للديمقراطية والرازح تحت نيران القهر والاستغلال والتهميش. لقد ساهم الوضع الإقليمي في اشتعال الحراك الشعبي كما ساهم أيضا في تراجع هذا الأخير لما شوهته الأيادي الملوتة للقوى السياسية التي قبلت بإملاءات الامبريالية. 
إن الدروس التي يجب استخلاصها من تجربة حركة 20 فبراير تكمن في الاستعداد الدائم والمستمر للشعوب في خوض المعارك الطبقية للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والسياسية نظرا للأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة التي يعيشها النظام، ثم غياب الحزب السياسي القادر على خوض غمار المعركة ضد النظام والقوى الرجعية بشتى تلاوينها، وذلك من خلال تأطير الجماهير والانخراط في الحراك وفرز اللجان الشعبية السرية والعلنية؛ ومن تم تأسيس المجالس الشعبية عوض مجالس الدعم، بالإضافة الى عدم الفضح الكافي وبالتالي التصدي للقوى الظلامية التي ترتزق على حساب تضحيات الجماهير الشعبية والتي لا يمكنها إلا أن تكون في خندق النظام القائم...
 21 فبراير 2016



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق