لا القيادات النقابية المافيوزية التي صارت بالمكشوف في ظل التردي الحالي شريكا عميلا لرأس المال وحارسا أمينا على الاستغلال بإمكانها وقف زحف مخططات
النظام، ولا القيادات الحزبية الغارقة في الفساد والمنصاعة بمقدورها خوض معركة على هذا الأساس.
إن مسار الصراع الطبقي ببلادنا قد عرى بما فيه الكفاية لحد التخمة كل حراس النظام من أحزاب سياسية وقيادات نقابية بيروقراطية وجمعيات طفيلية.
وهذه هي الحقيقة المرة.
وإن ما وصلته أوضاع شعبنا وفي مقدمته الطبقة العاملة من تردي خطير وفظيع بعد الهجوم الكاسح على المكتسبات التاريخية يجد تفسيره في الخيانة التاريخية للبيروقراطيات النقابية والأحزاب السياسية للأغلبية المضطهدة والمستغلة والمفقرة من أبناء شعبنا، وفي دورها الكابح لحركة الصراع الطبقي وللفعل النضالي. إذ لا أفق حقيقي يمكن تمثيله للجماهير، أو انتظاره اليوم في دعوتها للإضراب العام ليوم 24 فبراير 2016 الذي لا يتجاوز محاولة تجديد المصداقية المفقودة بعدما عرتها شهرتهم وفضائحهم في المتاجرة بمصالح العمال والسمسرة فيها وبطولاتهم في اقتراف جرائم الخيانة في حق نضالات شعبنا وفي حق عماله وفلاحيه الفقراء وشهدائه وكل مضطهديه، وفي حماية قوى الفساد والاستغلال، وغدا في أشكال أخرى على أرضية تكتيكات ومؤامرات وتطلعات انتهازية مقيتة وماكرة.
اليوم تعد هذه الدعوة من طرف القيادات النقابية البيروقراطية والنقابات الصفراء للإضراب العام محطة للوضوح السياسي يتبين على ضوئها من يسوق الأوهام لشعبنا ويختار التمترس خلف قيادات عميلة وإعلان الولاء لها بشكل من الأشكال، بل من يبيض تاريخها الأسود ويتستر عن فضائحها (بالمقابل أو بدونه)، ومن سيختار نضاليا وللتاريخ معركة الفضح والتعرية لأدوارها المشبوهة ولجرائمها النتنة. فمن الوهم الاعتقاد أن البيروقراطيات النقابية والنقابات الصفراء يمكن أن تقطع مع نهج المساومة وأن تلعب دورا غير دور وسيط انتهازي وسمسار على العمال لصالح النظام الرجعي. والمراهنة عليها، مهما كانت الحماسة والجمل الثورية المبرر لها، لا يمكن أن يكون غير الاصطفاف خلف أعداء شعبنا، ولن يحول أي تبرير من الانعكاسات السلبية للاصطفاف على الفعل النضالي لشعبنا عموما.
فالقيادات المافيوزية، والنقابات الصفراء، هي أدوات في يد النظام وعليها يعول في مواصلة عملية الاستغلال والنهب على طول البلاد وعرضها وتأمين مصالحه والتغطية على إجرامه. فكيف يمكن للطبقة العاملة والكادحين أن تثق فيها أو تعول عليها أو تعول على معاركها بعدما فقدت كل معانيها كمعارك كفاحية؟!. وكيف يريد البعض أن ينشر الخضوع والركوع "للشياطين" و"المردة"؟! أليس في الأمر تسليم مصالح شعبنا للأعداء عبر وكلائهم في النقابات والصمت أو الهرولة خلف البيروقراطية مهما كانت المبررات يعد خيانة للقضية؟!.
إن الأحزاب السياسية الواقفة خلف النقابات لا تختلف عن أحزاب الحكومة في شيء، كلها خاضعة لمصالح النظام، وتأتمر بأمره، وغارقة في مستنقع الفساد والسمسرة والتواطؤ، وداعمة لأصحاب رأس المال والبيروقراطيين المتورطين حتى أخمص أقدامهم في الفساد بكل أنواعه، وأقصى أفقها أن تتقن الدور الموكول لها في اللعبة التي يديرها النظام وفق تعليمات الامبريالية ومؤسساتها المالية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...). فماذا ستنتظر الجماهير الشعبية من قرارات وتحركات أحزاب رجعية متهالكة وقوى ظلامية غارقة في الرجعية ونقابات خاضعة للنظام غير الفتات لذر الرماد في العيون، ثم قطع الطريق أمام كل مد نضالي تبرز ملامحه في الأفق مع اشتداد الاحتقان والخناق الاجتماعي؟!. وكيف إذن تصدق قراراتها ويراهن عليها؟! لماذا تعادي القيادات النقابية البيروقراطية، بل تجرم 20 فبراير، انتفاضة وحركة؟!. ألا يكفي أنها نجحت في إفراغ الإضراب العام من محتواه ومن قوته كوسيلة عمالية ظلت تشكل تهديدا لرأس المال وللنظام لفترة عريقة من الزمن وحولت الأشكال النضالية من مسيرات وطنية وجهوية ومحلية ووقفات إلى وسيلة لامتصاص الغضب والالتفاف على الفعل النضالي ومحورته، بل ومحطة لتبادل العناقات وأخذ الصور التذكارية واستعراض العضلات..؟!.. إنها تعمل بكل قوة على قتل العمق الكفاحي للأشكال النضالية، وفي مقدمتها الإضراب العام.. إنها الحقيقة المسكوت عنها.
لكن لا شيء فات أو استحال، وكل شيء ممكن. فالصراع الطبقي لن تنهيه الخيانات ولن تحده الانتهازية أو البيروقراطية مهما عمرت. ولنا العبرة في تاريخ الشعوب المضطهدة ونضالات العمال وعموم الكادحين. والمناضلون وكما دائما لا ولن يتخلفوا عن الانخراط في معارك شعبنا والالتحام به بغض النظر عن خلفيات مهندسي النظام ومراميهم الخسيسة. إنهم دائما في المقدمة، ولذلك يقتلون ويعتقلون ويحاصرون ويطردون ويشردون ويهمشون... وإضراب 24 فبراير 2016 ليس له هدف في تصور القيادات النقابية يختلف عن سابقيه، وهو ما يخل ويعاكس المطلوب العمالي، أي التصدي الحازم والمبدئي ومقاومة سياسة التفقير المنتهجة من طرف النظام وقاعدته الطبقية، أي البورجوازية الكبيرة (الكمبرادور والملاكين العقاريين).. وإن المعارك المطلوب خوضها من قبل العمال وكل الكادحين تحتاج إلى أرضية غير تلك التي يقف عليها أعداؤنا وأعداء شعبنا، وذلك من أجل تدشين فعلي لموازين قوى جديدة تميل لصالح الكادحين والمضطهدين والمستغلين.. ومقدمة هذا المسار إعلان المواجهة في وجه البيروقراطية وتفعيلها لوضع المعركة ضد النظام على الطريق الصحيح، والحضور حيث توجد الجماهير ومعاركها، والاستعداد على قدم وساق بشكل مبدئي للمعارك الطبقية وللانتفاضات الشعبية القادمة حتما، وبالموازاة طبعا وتحت نيران العدو مع بناء الذات المكافحة...
شارك هذا الموضوع على: ↓