2015/01/05

محمد حومد// الانتفاضة الشعبية المجيدة ليناير 1984محطة مشرقة من تاريخ المغرب المقلق

إن التاريخ يدون ويؤرخ تطوره وتراكمات أحداثه بنفسه، مهما حاول البعض طمس أو إخفاء حقائقه الساطعة والتعامل بانتقائية مع معطياته
الثابتة وإظهار فقط الجوانب التي تخدم مصالحه الخاصة وتوجهاته الضيقة. إن التاريخ يتمظهر وكأنه يعيد (بكاريكاتورية) بعض محطاته السياسية، فإذا كنا نعيش منذ أربع سنوات على واقع ثورات "الربيع العربي" لشتاء 2010 /2011 التي كانت تونس منبع انطلاقتها لتشمل معظم البلدان المجاورة في المنطقة وتصل رياحها إلى المغرب بحكم الارتباط البنيوي التبعي للامبريالية، فإننا نحيي في نفس الوقت وبشكل متزامن ذكرى انتفاضة1984/1983 التي كانت انطلاقتها هي الأخرى من عمق تونس وبالذات في شهر ديسمبر من سنة 1983، حيث تلتها مباشرة الانتفاضة الشهيرة ليناير 1984 التي عمت جل أنحاء البلاد، وكأن التاريخ يجدد استفزازاته للمعنيين بالتغيير. إن تطور تكنولوجيا الاتصال اليوم يلعب دورا أساسيا ومهما في حفظ الذاكرة وتدوين التاريخ. فانتفاضة يناير1984 وفبراير 2011 ستظلان موجودتين و ثابتتين في السجل/الأرشيف الرقمي للشبكة العنكبوتية العالمية أحب من أحب و كره من كره. إنها ذكرى شعب أعلن الرفض المطلق للسياسة التبعية، الرفض المطلق والحازم للزيادات المهولة في أسعار المواد الأساسية المملاة من طرف الإمبريالية على النظام التبعي. لقد أعلن الشعب التونسي الرفض لسياسة التقشف وأدى ضريبة ذلك ب75 قتيلا وأعداد هائلة من الجرحى والمعتقلين حسب الجهات الرسمية في شهر دجنبر من سنة 1983. و تلاه عصيان الشعب المغربي في شهر يناير الموالي من سنة 1984، حينها لم يكن لشبكات التواصل الاجتماعية أي دور إعلامي في الدعاية أو التحريض لانعدام وجودها أصلا .فنهض الشعب المغربي للسيطرة على الشارع بحناجره المبحوحة وصدوره العارية، وكانت أولى الشرارات الاحتجاجية قد انطلقت من أعماق الوطن و بالضبط من مدينة مراكش الجريحة قبيل انطلاق مؤتمر القمة الإسلامية المزمع انعقاده حينذاك في شهر يناير 1984 بمدينة الدار البيضاء. وكان فجر يناير بمثابة الفتيل الذي أوقد نيران الاحتجاجات على الزيادة في الأسعار، فانطلقت مسيرات التلاميذ والطلبة... ثم تلتها أشكال نضالية أخرى بعمالها وفلاحيها ومهمشيها، من القصر الكبير غربا إلى الناظور شرقا، و كان نصيب هذه الأخيرة ثقيلا جدا. عاشت المدن المغربية طيلة شهر يناير على صفيح ساخن وكان الانفجار سيكون مدويا أكثر من الطلقات النارية لأفواه المدافع لولا إعلان النظام تراجعه على سياسته التجويعية. فالدار البيضاء حوصرت وكأنها ثكنة عسكرية، أما فاس فكانت على وشك الانفجار لولا القمع الشرس والبشع الذي تعرضت له الجامعة حيث استعملت الكلاب المدربة وطائرات الهيلكوبتر في اقتحام الحي الجامعي للحيلولة دون التحاق الطلبة بشوارع المدينة نظرا لوجود هذه الأخيرة على الهامش.لقد نزل النظام بثقله وبكل ما أوتي من قوة واستباح غير المباح، فاستعرض عضلاته الكارتونية على شعب أعزل و استعمل الكوموندوهات على شاكلة أسياده الموساد (عملية اغتيال أبو جهاد بتونس) لاقتحام المنازل على تلاميذ عزل لم يتجاوز أكبرهم سنا القسم الثالث من الإعدادي، وزرع الرعب والخوف في نفوس صبية مراهقين أتوا من أرياف المدن لطلب العلم تاركين وراءهم عائلاتهم ليتابعوا الدراسة لانعدام المدارس بقرب سكناهم ليلقى بهم في ساحات الاستنطاق حسب رواية أحد ضحايا هذه الهجمة وهو في السنة الأولى من الإعدادي بايمضر (الناضور).لقد تفنن النظام في ردع أبناء الجماهير الشعبية وخلق الهلع والرعب في صفوفهم. إلا أن الجماهير الشعبية أصرت على مواصلة الاحتجاج والمقاومة ضدا على الآلة القمعية الرهيبة إلى أن تراجع النظام عن مشروعه و إعلانه في يوم 22 من يناير عن إلغاء الزيادة في المواد الأساسية و كان هذا هو العامل الأساسي في عودة الشارع إلى الهدوء وعدم التحاق المدن الأخرى بالركب النضالي، كان هذا الإعلان بمثابة انهزام النظام رغم لغة الحديد والنار. فإذا شهد الشارع المغربي الهدوء والعودة إلى الحياة "الطبيعية" مضمدا جراحه الأليمة، فليس بسبب القمع المسلط وإن كان أحد العوامل التي ساهمت في ذلك بل إن العامل الأساسي في عدم استمرارية الغليان الشعبي هو غياب الأداة الثورية المنظمة والمؤطرة لتلك التضحيات. ورغم أن النظام القائم قد استطاع إخماد الانتفاضة الشعبية بالقمع الرهيب، بتسخيره أعتى الوسائل القمعية وتجنيده للقوات المسلحة والقوات المساعدة ومختلف فيالق الموت للقتل بالجملة في صفوف المتظاهرين بشوارع المدن وشن حملة جنونية من الاعتقالات واستطاع إخماد الشارع المغربي في كل من الناظور والحسيمة وتطوان والقصر الكبير ومراكش... إلا أن الأعداد الكبيرة للمعتقلين السياسيين بمختلف المدن المغربية استطاعت أن تثبت للرأي العام الوطني والدولي وللتاريخ أن الانتفاضة الشعبية لازالت مستمرة وأن صمت وسكوت الشارع المغربي على طول خريطة الوطن من الشمال إلى الجنوب تحت وطأة جراح القمع الشرس لا يعني المصالحة مع النظام أو الخضوع له، بل إن الانتفاضة لازالت مستمرة. وتجسد ذلك بشكل مدو على أرض الواقع من داخل سجن بولمهارز بمراكش، حيث بدأ المعتقلون السياسيون بتنظيم الخطوات الأولية للإعلان عن استمرار الفعل النضالي. مما دفع بالنظام إلى تشتيتهم عبر السجون (مراكش وأسفي والصويرة) معتقدا أنه سينال من عزيمتهم وقد يكسر صمودهم. ففجر جزء من المعتقلين، وهم عشرة بعد نسج خيوط وأشكال التواصل فيما بينهم، المعركة البطولية للإضراب اللامحدود عن الطعام الذي دامت ستة أعوام ونصف وسقط في مراحلها الأولى الشهيدان بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري (للمزيد من تفاصيل الأحداث، انظر كتاب مجموعة مراكش للمناضل حسن أحراث).لقد دون الشهيدان بلهواري والدريدي والعديد من شهداء الانتفاضة "المجهولين" بدمائمهم الطاهرة محطة مهمة وبالغة الأهمية من المحطات السياسية والاجتماعية للتاريخ المغربي المعاصر…

5 يناير 2015



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق