النتيجة النهائية هي استشهاد خلادة الغازي. كيف تم ذلك وفي أي ظروف، أسئلة مشروعة، لكنها متأخرة.
و"لحظنا العاثر" (!)، والأصح لتخلفنا عن القيام بالواجب النضالي في حينه، نجد أنفسنا دائما على هامش الحدث/الأحداث. لماذا نتأخر في أغلب الأحيان عن أن نكون في المكان والزمن المناسبين؟ عندما نجيب عن هذه الأسئلة وعن أسئلة مؤرقة أخرى، سنكون بدون شك على السكة الصحيحة..
و"لحظنا العاثر" (!)، والأصح لتخلفنا عن القيام بالواجب النضالي في حينه، نجد أنفسنا دائما على هامش الحدث/الأحداث. لماذا نتأخر في أغلب الأحيان عن أن نكون في المكان والزمن المناسبين؟ عندما نجيب عن هذه الأسئلة وعن أسئلة مؤرقة أخرى، سنكون بدون شك على السكة الصحيحة..
رحل خلادة في صمت، رغم أن صوت معركته يصم الآذان.. في الحقيقة، لم يرحل في صمت، لقد رحل في زمن أوبئة الخرس والعمى والصمم.. لقد استطاع النظام أن يتلاعب بحواسنا (اللسان والعين والأذن...). فأنواع مخدره في هذا المجال أقوى من أي أنواع أخرى من المخدرات، بما فيها المخدرات الصلبة.
إن فخاخ النظام متعددة، وكثيرا ما نسقط في حبالها. لا أشك في نضالية الكثير من المناضلين، لكن الحماس والصدق وحدهما غير كافيين للتصدي لإجرام النظام. ومن بين أخطائنا الفادحة توجيه أنظارنا/حواسنا الى الجهة التي يريد لنا النظام (وخدامه طبعا، الخفي منهم والظاهر) أن ننشغل بها دون غيرها. ويستطيع في غفلة منا ارتكاب جرائمه في هدوء. ويكون قد فات الأوان بعد "استيقاظنا"..
رحل خلادة، ونتحسر الآن بعد فوات الأوان.. أما كان على الشهيد خلادة أن يدق جدران الخزان؟
أستحضر هنا رواية الشهيد غسان كنفاني "رجال في الشمس"، فعندما وجد السائق/المهجر (أبو الخيزران) الرجال (أبو قيس، أسعد، ومروان) قد فارقوا الحياة في رحلة حياة/موت حقيقية، قال بحرقة وندم:
" لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟".. دار حول نفسه دورة ولكنه خشي أن يقع فصعد الدرجة إلى مقعده وأسند رأسه فوق المقود:- لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقولوا؟ لماذا وفجأة بـدأت الـصحراء كلهـا تـردد الصدى: - لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟
إن حالنا أشبه بحال السائق في رواية الشهيد كنفاني، بل أسوأ من ذلك. فماذا فعلنا بعدما دق الشهيد مصطفى مزياني جدران الخزان، بل جدران السماء وجدران عقولنا التائهة.. لقد دق جدران الخزان، لكن لا حياة لمن تنادي..
ماذا نفعل الآن وعماد العتابي على أبواب الشهادة؟ أليس طرق عماد لكافة الجدران متواصلا ومجلجلا؟ وماذا سنفعل وأخ الشهيد في نفس وضع الشهيد؟
ما هذا الصمم؟ ما هذا الخرس؟ إنه واقع البؤس الذي يستنزفنا..
لا يمكن إلا أن نحيي كل من تضامن بمبدئية مع أبناء شعبنا وانخرط في معاركهم وكل من قدم ولو قسطا ضئيلا من الدعم لنصرة قضيتهم. ويؤسفنا أن نرى طولا وعرضا العقبان الجارحة تطوف بمكر في كل الفضاءات داخل المغرب وخارجه لنهش لحم المناضلين وتوظيف آلامهم والاتجار بمعاناتهم لصنع "الأمجاد" بأقل الأثمان.. والفظيع أيضا أن يتجند القناصة كعادتهم لذرف الدموع ودعم زيد وتجاهل عمرو...
المجد للشهيد خلادة ولكافة شهداء شعبنا والخزي والعار للنظام وخدامه..
فيما يلي بيان باسم عائلة الشهيد خلادة الغازي:
إن عائلة الغازي خلادة تزف بشموخ إلى الشعب المغربي استشهاد ابنها البار يوم 02 غشت 2017 بالمستشفى الجهوي لبني ملال، بعد أن قضى نحبه تحت تأثير الاضراب عن الطعام الذي خاضه لأزيد من 90 يوما (منذ 25/04/2017) في ظل تعذيب نفسي وإهمال كلي وتعتيم شامل وتجاهل أرعن من إدارة السجن والنيابة العامة والقضاة والسلطة؛ وذلك على إثر اعتقاله شططا وتعسفا بافتعال ملف مفبرك بتهم واهية وظالمة، خدمة لمصلحة أحد الأعيان ذوي النفوذ الذي ترامى على ممر طرقي بدوار آيت شيكر دائرة واويزغت إقليم أزيلال تستعمله العائلة للوصول إلى منزلها منذ سبعينيات القرن الماضي قبل الظهور الطارئ لهذا الملاك المحمي من السلطة.
لقد خاض الشهيد قيد حياته (من مواليد 1982 متزوج وأب لطفلة) ومعه أفراد العائلة اعتصاما مفتوحا بعين المكان لسبعة شهور تخللته إضرابات طعامية، دام أحد هذه الاضرابات 21 يوما ليُنقل على استعجال إلى المركز الصحي لواويزغت لتلقي الاسعافات. كما ولم تفلح جميع الشكايات التي تم رفعها إلى عامل عمالة أزيلال ووكيل الملك بابتدائية أزيلال ووزير العدل... لوضع حد لهذا العسف والقهر، بل إنه أثناء شروع الشهيد الغازي قيد حياته في خوض الاضراب الثاني عن الطعام قام وكيل الملك بابتدائية أزيلال باعتقاله لمدة أسبوع بدون أية تهمة!! ثم تجدد اعتقاله مرة أخرى يوم 25/04/2017 بأزيلال وإحالته في نفس اليوم إلى السجن المحلي لبني ملال، حيث شرع فورا في دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام.
ولم يقف الاضطهاد السلطوي عند هذا الحد، بل إن سادية الانتقام من صمود العائلة دفع بالسلطة إلى اعتقال ابننا حسن خلادة لدى حضوره إلى محكمة الاستئناف ببني ملال قصد تقديم شكاية في الموضوع إلى وكيل الملك يوم 19/05/2017، ليتم الحكم عليه بسنة سجنية نافذة يوم الثلاثاء 01/08/2017، وهو الآن عازم على الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام...
وعليه فإننا كعائلة إذ نرفض تسلم جثمان الشهيد في هذه الظروف والشروط:
1- نقف وقفة إجلال وإكبار ترحما على روح الشهيد الغازي خلادة، الذي نقدر له التضحية العالية في سبيل الحق والحقيقة ضدا على سياسة القمع واغتصاب الحقوق.
2- نحمل المسؤولية الكاملة في إزهاق روح الشهيد للسلطة الحاكمة التي كان قضاؤها غير العادل وإدارة سجنها ببني ملال الأداة في تعريض الشهيد للقتل البطيئ على مدى أزيد من 90 يوما.
3- نؤكد عزمنا على النضال الدؤوب لكشف جميع ملابسات جريمة الاغتيال مع تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات.
4- نخبر أن المعتقل حسن خلادة الأخ الشقيق للشهيد مصمم على أن يواصل درب الشهيد بالدخول في الاضراب المفتوح عن الطعام داخل السجن المحلي ببني ملال، من إجل إطلاق سراحه فورا وإحقاق الحق.
5- ندعو كل الأحرار إلى التعبير عن تضامنهم المبدئي والملموس لوضع حد لسياسة التقتيل واستعمال القضاء لشرعنة اغتصاب الحقوق.
عائلة الشهيد الغازي خلادة
في 03/08/2017
شارك هذا الموضوع على: ↓