28‏/09‏/2019

حسن أحراث // ميلادي: تاريخ اعتقالي...

ولدت حقيقة يوم اعتقلت.

عيد ميلاد سعيد مقابل عيد ميلاد شقي.
حياة بطعم المرارة والمعاناة..
في بلادي، بلاد المفارقات، لا يعترفون بالمواليد.
في بلادي، بلاد الأعيان، لا يعترفون بالمواطنين.
في بلادي، بلاد القمع والاضطهاد، لا يعترفون بالمناضلين.
أن تولد بالمغرب، فأنت مجرد رقم، رقم مجهول.
ولدت بدوار أيت علي ومحمد بأيت إيمور (حوالي 25 كلم عن مدينة مراكش) في 28 شتنبر 1959. منطقة أمازيغية، تعود أصولها حسب المؤرخ الناصري في كتابه "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى" الى منطقة الأطلس المتوسط. ويفصلها عن منطقة عربية مجاورة، دوار أيت مولاي لامين، وادي "تمزكالفت" (الرجوع الى المسح الذي قام به بول باسكون بمنطقة الحوز).
كل شكري بالمناسبة للسيدة المرحومة (القابلة) التي أشرفت على ولادتي، أو بالأحرى التي أنقذت والدتي في ظل قساوة وخطورة ذلك الزمن المنسي.
دوار معزول، لا كهرباء ولا ماء صالح للشرب ولا مدرسة ولا مستشفى (مستوصف)...
قضيت سنواتي الأولى بنفس الدوار المعزول (الرعي والسكون/الصمت).
لم أعرف معنى الكتاب (المسيد) أو الحروف الأولى.
ولجت حجرة الدرس مباشرة. رفعت أصبعي لأن التلاميذ رفعوا أصابعهم.
وإشفاقا على عفويتي، طلب مني المعلم التريث. له في غيابه كل التبجيل والتقدير.
درست، السنة الأولى (1966/1967)، بداور أيت داوود (حوالي خمسة كلم عن دوارنا وعبر الحقول والمزارع والمسافات المظلمة ليلا).
ولحسن حظي، كنت أقضي أيام الدراسة لدى أحد أخوالي (المرحوم الحسن أيت مبارك) ليس بعيدا عن الحجرة الدراسية الوحيدة بالمنطقة (لا كهرباء ولا ماء ولا مرافق صحية)، له كامل الشكر في غيابه ولزوجته السيدة فاطمة كل التقدير.
ولظروف وأخرى، انتقلت أسرتي الى تملالت (حوالي 50 كلم عن مراكش). تابعت دراستي بها حتى مستوى "الشهادة" (اجتزت امتحان الموسم الدراسي 1970/1971 بسيدي رحال ولم أتوفق).
التحقنا بمراكش، وحصلت على الشهادة الابتدائية بمدرسة بباب الخميس (الموسم الدراسي 1971/1972).
تابعت دراستي بإعدادية "شاعر الحمراء"، ثم بثانوية "أبي العباس السبتي".
حصلت على شهادة البكالوريا علوم رياضية (الموسم الدراسي 1980/1981)، واضطررت الى ولوج المدرسة العليا للأساتذة بمراكش، شعبة رياضيات فيزياء (قرب حينا ديور المساكين بالداوديات).
اعتقلت بالسنة الثالثة رياضيات في 27 فبراير 1984، إثر الانتفاضة الشعبية ليناير من نفس السنة، وصدر في حقي حكم ب 15 سنة سجنا نافذا بتهمة "المؤامرة الغاية منها قلب النظام".
كنت مناضلا، نعم. لكن، من يعترف بك؟
مناضلون ذهبوا/مروا.
لا أحد يتذكرهم أو يعترف بتضحياتهم.
بل معتقلون سياسيون ذهبوا/مروا، ولا أحد يتذكرهم أو يعترف بتضحياتهم.
يوم اعتقلنا، فرضنا أنفسنا على "العالم". صرنا "رقما" عالميا، فرضنا أنفسنا على التاريخ.
لا نقصد ذاتنا، نقصد قضيتنا، قضية رفاقنا، قضية الشهيدين الدريدي وبلهواري وكافة الشهداء، قضية شعبنا.
فلا يكفي أن تكون مناضلا، ولا يكفي أن تعتقل.
لا يكفي أن تكون مناضلا (الآن أو سابقا) أو معتقلا سياسيا (الآن أو سابقا)، يجب أن تواصل المعركة من كل المواقع (داخل السجن أو خارجه)، معركة شعب، معركة العمال والفلاحين الفقراء وكافة الكادحين والمضطهدين.
الذل لمن "يستثمر" في ألقاب وصور الماضي وفي معاناة الحاضر. الخزي لمن يقتات على "تضحيات" الماضي من أجل فتات الحاضر.
يجب أن تواصل خدمة قضية، قضية شعب. فحتى الشهداء يعانون النسيان والنكران والتنكر...
فلقب "مناضل" (سابق) أو "معتقل سياسي" (سابق) لا معنى له وليس للبيع أو الشراء.
المعنى النضالي هو مواصلة التشبث بالمبادئ والأفكار والمواقف...
المعنى النضالي هو الاستعداد للتضحية من موقع طبقي...
المعنى النضالي هو الحضور، فكرا وممارسة، في قلب الصراع الطبقي...
المعنى النضالي هو الاجتهاد على قاعدة المستجدات العلمية والتقنية والإبداع المتجدد من موقع طبقي لهزم النظام...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق