بالرغم من أن شرارة انتفاضة 84 اشتعلت في عدة مدن مغربية، فإن أول ما تدكرنا به هاته الانتفاضة المجيدة هو معتقلي مجموعة مراكش 84 و معركة المعتقلين
السياسيين الدين حوكموا ب 310 سنة من السجن النافد، و من ضمنهم الشهيدين مصطفى بلهواري و بوبكر الدريدي، شهيدي الحركة الماركسية اللينينية المغربية و النهج الديمقراطي القاعدي.
أصبحت المجموعة رمزا من رموز الانتفاضة نظرا لعمق الجراح الناتج عن ظروف الاعتقال، مدة المحكومية، فمنهم من حوكم ب 15 سنة سجنا، ناهيك عن التعديب الوحشي و النفسي الفظيع الدي تعرض له المعتقلون و بالنتيجة عائلاتهم و رفاقهم، ثم الجماهير الشعبية المنتفضة بشكل عام.
تدكرنا انتفاضة الجوع أيضا بالبطش و القمع الشرس الدي ووجه به المتظاهرون، اد استعمل النظام الرجعي السلاح و الدخيرة الحية و كانت أجهزة القمع تقتل المتظاهرين بدم بارد، فكان الشهداء و المختطفون و المعتقلون و المقابر الجماعية.. كانت مأساة إنسانية بكل المقاييس.
سأعرض في عجالة لأهم، و ليس كل، الانتفاضات و الثورات التي ميزت نضالات الشعب المغربي طوال القرن 20، قبل التوقف عند انتفاضة يناير 1984 المجيدة.
يعتبر تاريخ المغرب تاريخ ثورات و انتفاضات؛ و إن عمل النظام القائم جاهدا على طمس الحقيقة و تزوير التاريخ الدي كتبته الجماهير الشعبية بالدماء.
فمن ثورة الريف التي قادها الثائر الاممي عبد الكريم الخطابي بداية العشرينيات حيث خاض حربا شعبية داع صيتها في العالم بأسره و اتخدت خططه الحربية التي حققت انتصارات أسطورية كتكتيكات عسكرية من طرف العديد من الثوار كهوشي منه، ماو تسي تونغ أو تشي غيفارا. من ثورة عبد الكريم الى النضالات التي سطرها أبطال المقاومة و جيش التحرير قبل الاستقلال الشكلي و بعده حيث رفضوا وضع السلاح حتى انجاز مهام التحرر الوطني كاملة. فتكالبت الاحزاب الاصلاحية كالعادة ثم الرجعية للقضاء على أعضاء جيش التحرير الدين أصروا على مواصلة القتال بعد توقيع اتفاقية اكس ليبان المشؤومة (كاغتيال عباس المساعدي(56) و تصفية كل من رفض إلقاء السلاح... شيخ العرب (64)...).
بعد الاستقلال الشكلي يمكن اختصار السياق العام لمعارك الشعب المغربي في النضال من أجل التحرر و الانعتاق، ضد المخططات الطبقية للنظام، ضد التبعية للدوائر الامبريالية..
نهاية 1958، و الاشهر الاولى لبداية 59 سيدخل الريف، مرة أخرى، التاريخ من بابه الواسع في انتفاضة دامت 157 يوما (من اكتوبر 1958 الى مارس 1959)، و كان من بين (من بين) مطالبها الحق في الشغل، التعليم، جلاء القوات الاجنبية، عودة عبد الكريم الخطابي، اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، الكشف عن المختطفين (إلخ)، و لخصها السوسيولوجي الامريكي دافيد مونتغومري هارت، الدي عاش في الريف لسنوات، في رفض الريفيين لنتائج الاستقلال الشكلي. تعرضت الانتفاضة لقمع شديد من طرف النظام الدي أقحم 20 ألف جندي بعتاد حربي كبير شمل أيضا القصف بالطائرات و قنابل النبالم بدعم مباشر من الامبريالية الفرنسية. و أمام المقاومة التي أبان عنها المنتفضون فقد ارتكبت أبشع الجرائم في حقهم، فقصفت البلدات و الاسواق بالقنابل، و حرقت المحاصيل و المنازل مما خلف الالاف بين الشهداء و الجرحى و المعطوبين و المعتقلين و المختطفين و المهجرين قسرا لدول أجنبية. و كان عبد الكريم الخطابي قد قال عن هاته الانتفاضة من منفاه بمصر بأنها "ثورة شعبية...ليست ضد الاستعمار فحسب، بل ضد عملائه أيضا في الدرجة الاولى" و من بين أهدافها "القضاء على النظام المتعفن الدي مسخ التاريخ و الوجود".
و استمرت ملاحم و نضالات الشعب المغربي لتتوج بانتفاضة 23 مارس 1965 و التي اشتعلت شرارتها مند منتصف فبراير بالدار البيضاء دفاعا عن الحق المقدس في التعليم بمشاركة الوداديات التلاميدية و أوطم احتجاجا على قرار طرد فئة التلاميد البالغين 17 سنة من التعليم الثانوي (مدكرة بلعباس/ التصميم الثلاتي). كان الهدف من المخطط الطبقي التخلص من عدد كبير من التلاميد و بالتالي ضرب الحق في التعليم لأبناء الفقراء ليبقى حكرا على الطبقة البرجوازية و الاقطاع، إلخ.
تحولت الاحتجاجات الى انتفاضة شعبية طالت مجموعة من المدن الاخرى (مراكش، فاس، الرباط، مكناس...) ضد النظام و حلفائه، ضد الفقر و التهميش و القمع الدي عانته الجماهير الشعبية، خاصة و أن سنة 65 عرفت الاجهاز التام على الميزانية، كما كانت السنة التي وصل فيها رفع الاسعار التدريجي ل 50% مند 1960 و تضاعف الدين من 70 مليار فرنك الى أكثر من 160 مليار فرنك. و تجهل الارقام الحقيقية لحصيلة الانتفاضة، لكن كل الكتابات تحدثت عن حمام دم حقيقي؛ فعدد الشهداء و الجرحى و المعتقلين قدر بالالاف حيث واجه النظام الجماهير الشعبية بقمع وحشي، اد استعملت الدبابات و المدرعات و الرصاص الحي لمواجهتها.
و يقال أن أوفقير كان يطلق النار شخصيا على المظاهرات من طائرة هيليكوبتر.
بعد الانتفاضة أعلنت، حالة الاستثناء ثم الطوارئ في محاولة من النظام لاحتواء الغليان الشعبي العارم.
انتفاضة 65 شكلت نقطة انعطاف تاريخية اعقبها ظهور اليسار الراديكالي ("الى الامام" ، "23 مارس"، "لنخدم الشعب").
و ارتوت أراضي الغرب بدماء فلاحي "اولاد خليفة" الفقراء أواخر نونبر 1970 عندما انتفضوا ضد رموز الاقطاع و كبار الملاكين الدين أرادوا الاستيلاء على أراضيهم (من رموزهم: عبد الله (الامير آنداك)، الشعبي، النجاعي). نفس المضمون كان لانتفاضة فلاحي تاسلطانت (مراكش) حيث تصدر شعار الارض مطالب الفلاحين و نضالهم.
تميزت المرحلة أيضا بنضالات الطبقة العاملة المريرة، لعل أبرزها اضرابات عمال الفوسفاط التي ميزت سنوات 68، 69، 1970.
توالت نضالات الشعب المغربي خلال السبعينات و عرفت تطورا نوعيا خاصة مع ولادة اليسار الماركسي اللينيني و قيادته للمؤتمر 15 ل أ.و.ط.م ثم المد الثوري الدي عرفته المرحلة بشكل عام. واجهها النظام كالعادة بقمع شرس خلف شهداء و منفيين و وزعت قرون من السجن في حق المناضلين، و استهدف الهجوم تصفية منظمات الحركة الماركسية اللينينية المغربية، فكان الشهداء عبد اللطيف زروال، عمر دهكون، سعيدة المنبهي، جبيهة رحال، إلخ.
اشهد يا حزيران في يومك العشرين: بعد زيادات الاسعار التي عرفتها سنتي 1979 و 1980 ، كانت نهاية شهر ماي 1981 محطة جديدة لاعلان رفع صاروخي في الأسعار شمل معظم المواد الاساسية: السكر 50%، الدقيق 40%، الزيت 28%، الحليب 14%، الزبدة 76% (الخ) في إطار سياسة تقشف طبقية يؤدي ثمنها الفقراء، كانت كمقدمة لتبني النظام لبرنامج التقويم الهيكلي . خرجت الجماهير الشعبية يوم 20 يونيو 1981 في اضراب عام رفضا لسياسة التقشف هاته. أدى الاضراب إلى شلل تام في مدينة الدار البيضاء؛ رفض العمال دخول المصانع و أغلقت الدكاكين و توقفت وسائل النقل عن العمل، إلخ. فشلت محاولات النظام في إجهاض الاضراب بشتى الاشكال. فتدخل القمع كالعادة، و نظرا لحجم الجريمة تحولت الاحتجاجات الى انتفاضة. و تم تطويق الاحياء بمختلف السيارات و الاليات العسكرية و الدبابات التي ارتكبت مجزرة حقيقية في حق الجماهير الشعبية، حيث كشفت تقارير و تصريحات لأهالي الشهداء أن الرصاص كان يستهدف الرأس و الصدر و القلب. حسب تقارير عدة سقط أكثر من 1000 شهيد دفن عدد منهم في مقابر جماعية. وصل عدد المعتقلين حوالي 26 ألف معتقل. و يقال أن محكمة رجعية واحدة وزعت 1400 سنة سجنا نافدا. كانت انتفاضة يونيو 81 الشعبية رفضا للتجويع و الاستغلال، ضد الشعارات الرنانة التي رفعها النظام خلال هده المرحلة من قبيل "السلم الاجتماعي" و "المسلسل الديمقراطي" و "الاجماع الوطني".
انتفاضة 1984 المجيدة:
قدر سكان المغرب سنة 84 بحوالي 21,3 مليون نسمة (إحصائيات رسمية)، أغلبيتهم تعيش في البادية. الوضع المعيشي للجماهير الشعبية، التي تمثل السواد اﻻعظم، كان قاسيا جدا. الأغلبية الساحقة ترزح تحت وطأة الفقر المدقع و البطالة و عدم توفر أبسط الشروط المتعلقة بالخدمات (الصحة، التعليم،...).
كان اندلاع انتفاضة 1984 المجيدة أمرا حتميا، فالظروف العامة تميزت بالهجوم الشامل على مكتسبات الجماهير الشعبية في إطار الانصياع الحديدي للنظام لإملاآت الدوائر الامبريالية عبر مقررات المؤسسات المالية العالمية و على رأسها صندوق النقد الدولي و البنك العالمي، في إطار تبني النظام القائم لبرنامج التقويم الهيكلي (PAS) و الدي بدت معالمه واضحة في قانون المالية لسنة 1983. ال PAS يقضي بتنزيل مخططات طبقية جوهرها حدف النفقات العمومية: خوصصة التعليم، الصحة، و قطاعات أخرى، ضرب الحق في الشغل،حدف دعم المواد الاساسية، تبني سياسة التقشف و رفع الضرائب و الاسعار ، إلخ. حيث كان المغرب قد أعلن سنة 1982 بلدا غير قادر على أداء ديونه و اختلت التوازنات الاقتصادية بشكل مريب: التضخم وصل 11%، معدل الادخار أصبح سالبا، نفاد احتياطي العملة الصعبة (3 أيام من حجم الاستيراد فقط)، ارتفاع المديونية الى 54% من ال PIB، الخ. مما يعكس حجم النهب الدي تتعرض له ثروات الشعب من طرف النظام القائم و ادياله الرجعيين.
قانون المالية لسنة 1983 سيتبنى هجوما قاسيا على مكتسبات الجماهير الشعبية عبر: رفع أسعار المواد الاستهلاكية (18% السكر، 20% المحروقات، 67% الزبدة...) ثم خفض ميزانية صندوق المقاصة ب 600 مليون درهم، رفع الضريبة على القيمة المضافة من 17 الى 19%، حدف 3.2 مليار درهم من ميزانية الاستثمار، فرض رسوم الدخول لسبتة و مليلية المحتلتين (100 درهم للراجلين، 500 درهم للسيارات الامر الدي خلف استياءا كبيرا لدى سكان الشمال).
و عرف قطاع التعليم فرض رسوم جديدة للتسجيل: 100 درهم للطلبة الجامعيين و 50 درهم للتلاميد في إطار الدفع في اتجاه الخوصصة.
كانت رسوم التعليم هي النقطة التي أفاضت الكأس، إد بدأت احتجاجات التلاميد التي اتسعت لتشمل الطلبة و العمال و المعطلين و عموم الجماهير الشعبية.
و لأن الرفع المهول للأسعار و بالنتيجة لتكاليف الحياة و الهجوم على المكتسبات الحيوية عبر مخططات النظام الطبقية هاته يعني تدهورا مفزعا لأجور العمال و مزيدا من التفقير للفقراء و المضطهدين، فإن الاحتجاجات ستطال العديد من المدن و نواحيها مثل مراكش، الناضور، الحسيمة، تطوان، القصر الكبير، وجدة، إلخ.
كالعادة تدخل القمع بشراسة، حتى ان إحدى الصحف الاسبانية نشرت صورة لمروحية تقصف المتضاهرين. و رغم الارقام الهزيلة التي تحدث عنها النظام (29 شهيد، في تصريح الوزيرالاول انداك كريم العمراني)، فإن صحيفة كاتالونية تحدثت عن 400 شهيد.
و يبقى تحديد العدد الحقيقي لشهداء الانتفاضة (و الانتفاضات التي سبقت و التي ستلي) و المعتقلين و الجرحى و المهجرين أمرا في غاية الصعوبة: التعتيم الاعلامي و طمس الحقيقة من طرف النظام و حلفائه، إخفاء جثامين الشهداء في مقابر جماعية... إلا أن المؤكد حسب كل المؤشرات أن الأرقام كانت كبيرة جدا.
تراجع النضام تحت ضغط الجماهير عن رفع الاسعار.
و تم فرض حضر التجول الى غاية بداية فبراير 1984.
و قد اتهم النظام "أطراف خارجية" بالمسؤولية، وتمت تسمية الماركسيين اللينينيين (منظمة إلى الامام) بشكل مباشر، حيث اتهموا بتوزيع منشورات بمراكش، و هي من ضمن الاتهامات التي سيتم تلفيقها لمجموعة 84.
انتفاضة 84 تلتها انتفاضات بطولية في مدن شتى : دجنبر 1990 بفاس، صفرو،تازة، إفني، تالسينت، ميسور (إكلي)...و لعل أهمها كان انتفاضة 20 فبراير 2011 المجيدة.
و ستستمر نضالات الشعب المغربي البطل كتعبير عن نمو الصراع الطبقي ببلادنا، و رفضا لتنزيل المخططات الطبقية و لمحاولات النظام معالجة الأزمة البنوية على حساب القوت اليومي للجماهير الشعبية و بامتصاص دمها. و لعل معركة الاساتدة المتدربين جزء من النضالات المريرة التي يخوضها الشعب المغربي ضد هانه المخططات لمشؤومة، أضف إلى دلك نضالات الحركة الطلابية، الطبقة العاملة، الاعتصام التاريخي لسكان ايمضر ضد أكبر شركة لاستغلال الفضة، إلخ.
و في كل مرة، يلجأ النظام القائم لقمع أعمى للحركات الاحتجاجية، انسجاما و طبيعته. و قد ساهم القمع الشديد في إجهاض انتفاضات الشعب المغربي و نضالاته.
و لن يواجه النظام أي فعل نضالي الا بالقمع و القتل و الاعتقال و سيبقى التعاطي الدموي مع كل المعارك النضالية ضروريا لدفع الجماهير الشعبية للتراجع و التخلي عن نضالاتها لكنه لن يزيدها إلا صمودا و عزما على التحدي و تحقيق الانتصار.
حدة القمع تعكس عمق الازمة التي يعيشها النظام و حدة تناقضاته: بعض نتائج الازمة تتجلى في الاستمرار في تراكم الديون سنة بعد أخرى، و إتقال كاهل الجماهير الشعبية بمزيد من الضرائب، رفع الاسعار، و الاجهاز على ما تبقى من مكتسبات في القطاعات الحيوية.
القمع، كمعطى موضوعي، يوازيه أيضا تكالب النقابات و الأحزاب الاصلاحية ثم الرجعية، إلخ.
لكن العامل الداتي، باعتباره المحدد، هو المسؤول المباشر عن عدم تحقيق أهداف نضالات الجماهير الشعبية و حصول التحول النوعي المطلوب. فهاته الانتفاضات، بالرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمها أبناء الشعب، اتسمت بالعفوية و غياب القيادة الثورية، حزب الطبقة العاملة، المعبر الحقيقي عن المصالح الطبقية للجماهير الشعبية. القيادة التي وحدها القادرة عن قلب موازين القوى لصالح العمال و الفقراء و الكادحين. و لدلك فلابد للمرور لصنع هاته القيادة في معمان نضالات الجماهير الشعبية حتى تحقيق النصر بدل الاستمرار في الحديث عن غيابها.
شارك هذا الموضوع على: ↓
تحية فخر واعتزاز لك رفيقي الغالي....الشرفاء لا ولن يتناسوا تاريخ شعوبهم ....وبطولاتهم....
ردحذفتحية فخر واعتزاز لك رفيقي الغالي....الشرفاء لا ولن يتناسوا تاريخ شعوبهم ....وبطولاتهم....
ردحذف