التضامن مع المعتقلين السياسيين والنضال من أجل إطلاق سراحهم واجب نضالي. أما وهم مضربون عن الطعام، فالواجب أعظم. والتاريخ مليء بالتجارب النضالية التي كان للتضامن معها الدور الكبير في انتصارها.
فعندما تتضافر الجهود بمبدئية، تنتصر القضايا العادلة. وأدعو بالمناسبة الى دعم عائلات المعتقلين السياسيين؛ لأنها أكبر دعامة لهم سواء كانوا مضربين أو غير مضربين..
وأقدم فيما سيأتي شذرات من الذاكرة تخص معركة رفاق الشهيدين بلهواري والدريدي؛ شذرات تبرز دور العائلات في فك الحصار عن المعركة وتغذيتها؛ شذرات تسلط الضوء على شهامة العائلات وصلابتها. إن النظام لن يبقى مكتوف الأيدي، فسيوظف كل آلياته وأساليبه الماكرة، من افتراء وتزييف للحقائق واتهامات رخيصة...، للتشويش على معركة الإضراب عن الطعام.. عموما، لا يفل الحديد إلا الحديد..
أولا: نص بلاغ وزارة الداخلية، نشر بجريدة أنوال في12/09/85
"يتعرض المغرب من حين لآخر لحملة مغرضة منهجية تتذرع لإضراب عن الطعام الذي يقوم به ستة معتقلين أبت بعض الأوساط المعادية إلا أن تعطيهم صفة "سجناء سياسيين".
وبلغت هذه الحملة أوجها خلال زيارة قداسة البابا بولس الثاني للمغرب، و قد قام خصوم المغرب بهذه المناسبة بحملة عدوانية استعملت فيها وسائل الإعلام وكافة الوسائل الممكنة للإساءة الى السمعة الطيبة التي تحظى بها المملكة المغربية في العالم.
وفي الأيام الأخيرة زعمت هذه الأوساط أن المضربين عن الطعام دخلوا في غيبوبة عميقة وأن حياتهم في خطر.
وأمام هذه الحملة تود السلطات المغربية أن تدلي ببعض التوضيحات لتنوير الرأي العام الدولي حول حقيقة الأمور من جهة ووضع حد لكل تأويل مغرض أو قيام جماعات أجنبية يسيرها خصوم المغرب المعروفون بتحريك وسائل الإعلام علما بأن هؤلاء الخصوم لم يتوانوا قط عن إشهار عدوانيتهم كلما أرادوا تشويه صورة المغرب.
1 - ينبغي بادئ الأمر توضيح كون المعتقلين المضربين عن الطعام هم معتقلو الحق العام كما هو الحال بالنسبة لكافة السجناء في المغرب.
والواقع أن التشريع الجنائي على غرار البلدان الديمقراطية حيث يسود القانون وتحترم حقوق الأفراد لا يضع تمييزا فيما يخص معاقبة الأفعال التي يمنعها القانون.
2 - أن هؤلاء الأشخاص الذين اعتقلوا في شهر يناير 1984 قد اتهموا وتوبعوا وأدينوا لارتكابهم أفعالا موضوعية ومادية مثل:
- القتل
الاعتداء -
- القيام بأعمال التخريب والسطو والحرائق الإجرامية وإتلاف السيارات ووسائل النقل العمومي
- الضرب والجرح العمد
إن كل هذه التهم التي ثبتت ضد هؤلاء الأشخاص لا علاقة لها بأي شكل من الأشكال بمسألة التعبير العادي عن رأي سياسي أو نقابي وهو الرأي الذي يضمنه دستور المملكة ويحميه صراحة قانون الحريات العامة بالمغرب الذي يضمن ممارسة حرية التعبير والتجمع والاجتماع.
وإن كون مرتكبي هذه الأفعال ناضلوا أو يناضلون في صفوف تنظيمات يمنعها القانون أو تم حلها بمقتضى أحكام قضائية لكونها موالية لجهات خارجية لا يمكن أن يعطي صفة أخرى أو طبيعة أخرى للأفعال المعاقب عليها من طرف القانون ويعطيها طابعا سياسيا.
والواقع أن القانون المغربي في هذا الباب يعاقب على الفعل الإجرامي دون اعتبار للصفة التي يحاول انتحالها مرتكبو هذه الأفعال.
3 - يجدر التذكير أن محاكمة هؤلاء المعتقلين تمت في جلسات علنية و في إطار احترام حقوق الدفاع.
وقد اعترفوا بالتهم الموجهة إليهم وأدينوا طبقا للقوانين الجاري بها العمل ويتعين بعد تقيم بيان الحقيقة هذا حول الوضعية الحقيقية للمعتقلين إعطاء الرأي العام بعض التوضيحات بشأن الحالة الصحية لهؤلاء الأشخاص.
- لا يوجد أي واحد من المعتقلين المضربين في حالة غيبوبة.
- إن نقلهم الى المستشفى تم بأمر من السلطة القضائية.
- إن الحالة الصحية لا تدعو في الوقت الراهن الى القلق وهي محل عناية مستمرة.
إن مطالب هؤلاء المضربين الذين يحاولون بكل الوسائل التمتع بنظام خاص ومتميز وخارج عن نظام السجون مع التزود بالصحف والإذاعة التلفزة وحق متابعة الدروس والزيارات العائلية دون اعتبار نظام السجون لا يمكن أن يتلاءم بأي حال من الأحوال مع النظام المعمول به.
وتوضح السلطات المختصة في الختام ما يلي:
1 - بصفتهم معتقلين يستفيد هؤلاء الأشخاص بكيفية طبيعية من حق متابعة الدروس واجتياز الامتحانات التي حرموا أنفسهم منها اختياريا بمطالبتهم بنظام خاص غير موجود؛
2 - لقد استفاد هؤلاء المعتقلون دائما وسيظلوا يستفيدون من العلاجات الطبية؛
3 - إن هؤلاء المعتقلين يستقبلون عائلاتهم طبقا لنظام السجون".
ثانيا: رد عائلاتنا على بلاغ وزارة الداخلية
"نخبر الرأي العام الوطني والدولي أن أبناءنا لا زالوا مستمرين في إضرابهم اللامحدود عن الطعام الذي وصل يومه السابع والثمانين (87) منذ انطلاقه بتاريخ 23/ 06/85 من أجل مطالب بسيطة ومشروعة. ونؤكد أن استمرار هذا الإضراب طيلة هذه المدة قد تم عن طريق استعمال وسائل لا قانونية ولا إنسانية تتنافى مع الأعراف والقوانين الطبيعية حيث علمنا أنه يتم تقييدهم مع الأسرة لتخديرهم بكميات مفرطة قصد إرغامهم على استعمال ما يسمى ب: "لا سوند كاستريك" في غياب إرادتهم... وهذه الممارسة تدخل في إطار التنصل من المسؤولية وتهدف الى التعذيب النفسي والبدني لأبنائنا.
ونعيد الى الأذهان أن أبناءنا قد تم اعتقالهم ومحاكمتهم في يناير 1984 وفق صك الاتهام التالي، حسب ما جاء في محضر متابعة النيابة العامة:
1 - المؤامرة ضد النظام؛
2 - الإخلال بالنظام العام؛
3 - الإضراب والتحريض عنه؛
4 - مسك مناشير قصد توزيعها؛
5 - التنظيم والمشاركة في تظاهرة للتضامن مع الشعب الفلسطيني بتاريخ 30 مارس 1983؛
6 - الانتماء لمنظمة سرية.
من هذا الجرد يتضح الطابع الحقيقي للمحاكمة، وهو طابع سياسي، مع العلم أن أبناءنا قد رفضوا هذه الاتهامات جميعا، وبينوا عدم صحتها في شكلها ومضمونها، وأكدوا انتماءهم لمنظمة مشروعة هي "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" بالنسبة للطلبة منهم، أما بالنسبة للتلاميذ فقد أكدوا اشتغالهم في اللجان الثقافية للثانويات.
ومما أشيع وقيل، أن أبناءنا قد حوكموا لارتكابهم أفعالا موضوعية إجرامية مثل القتل والجرح والسرقة... ولا يسعنا إلا أن نطلب من وزارة العدل، المسؤولة الأولى عن قضية أبنائنا أن تدلي لنا وللرأي العام ببعض الإيضاحات حول هذه الاتهامات الجديدة التي لم تكن أبدا موضوع متابعتهم ومحاكمتهم... وحتى بالرجوع الى التصريح الحكومي الرسمي الذي يتحدث عن الخسائر التي خلفتها أحداث يناير 1984، يتضح أن مدينة مراكش لم تعرف ولا حالة واحدة من القتل أو الجرح أو السرقة...
كما نخبر الرأي العام أننا لم يسمح لنا منذ أكثر من شهرين بزيارة أبنائنا خلافا لما أذيع مؤخرا، ولازلنا لحد الساعة نجهل كل شيء عن حالتهم رغم اتصالاتنا المستمرة، علما أنهم يوجدون في حالة صحية متدهورة.
إننا إذ نرفع هذا البيان الى الرأي العام، نهيب بكل القوى الحية وسائر الضمائر الشريفة أن تساندنا وتعمل كل ما في وسعها من أجل وقف هذا النزيف البشري بالهمل على حمل المسؤولين على تلبية مطالب أبنائنا المتمثلة في أبسط شروط اعتقال إنساني. كما نشير الى أن استعمال وسائل التخدير من طرف المشرفين يدخل في إطار تعذيب أبنائنا وتمديد مدة الإضراب أكثر ما يمكن بهدف النيل من عزيمة أبنائنا.
لقد آن الأوان للتدخل قصد تلافي سقوط شهداء جدد، كما حصل في غشت 84، حين سقط شهيدانا الدريدي م. بوبكر وبلهواري مصطفى".
البيضاء في 15/09/85
عائلات:
البوزياني أحمد، أحراث الحسن، السكيتي كمال، الدريدي م. الطاهر، جوهاري نور الدين، لقدور الحبيب، سايف عبد الرحيم، باري الحسين.
شارك هذا الموضوع على: ↓