البديل
الجذري: ورقة تعريفية بالشهيد عبد الحق شباضة.
في إحدى أيام سنة1961، ومن أسرة فقيرة،
شهد درب الحرية بالحي الحسني بالدار البيضاء الميلاد الأول للشهيد عبد الحق شباضة.
إنه الحي الذي ترعرع فيه، وتلقى فيه تعليمه الابتدائي بحجرات مدرسة "ابن حمديس" الابتدائية وبعدها التحق بإعدادية "درب الجديد"، ومن ثم ثانوية "ابن الهيتم". عرف على الشهيد رفضه لكل مظاهر الظلم أينما حل وارتحل وتصديه لها، وهذه الميول المتميزة، منذ نعومة أظافره، وجد لها موقعا في صفوف الحركات المناضلة التي دشنت منعطفا في نضال شعبنا سنوات السبعينات. لهذا لن نعرف عبد الحق شباضة المناضل إذا لم نعرف تلك المرحلة التي بصمت مقدمة ربيع عنفوان شباب الشهيد. إنها السبعينات، أوج الحركة الماركسية اللينينية المغربية والاحتجاجات والعصيانات والتمردات.. وفي المقابل اشتداد عدوان وهمجية النظام تجاه كل الأشكال النضالية، وتعاطيه الدموي بلغة الحديد والنار مع كل من سولت له نفسه قول كلمة لا في وجه الطغيان. وكان إضراب 1979 الذي فجرته الحركة التلاميذية، ردا على زيارة شاه إيران للمغرب، شاهدا عن مدى انخراط الشهيد في الفعل النضالي، حيث لم يكن منخرطا عاديا، بل كان قائدا ومنظما، كان دوما يسير في المقدمة في وقت تستباح فيه دماء كل من لا يقبل بالولاء وتشيد فيه المقابر المجهولة والسرية للجماعات والأفراد، وتنتشر فيه أخبار المخافر السرية والمخطوفين ومجهولي المصير، وكان التحدي هو الوقوف في وجه ذات المصير.
إنه الحي الذي ترعرع فيه، وتلقى فيه تعليمه الابتدائي بحجرات مدرسة "ابن حمديس" الابتدائية وبعدها التحق بإعدادية "درب الجديد"، ومن ثم ثانوية "ابن الهيتم". عرف على الشهيد رفضه لكل مظاهر الظلم أينما حل وارتحل وتصديه لها، وهذه الميول المتميزة، منذ نعومة أظافره، وجد لها موقعا في صفوف الحركات المناضلة التي دشنت منعطفا في نضال شعبنا سنوات السبعينات. لهذا لن نعرف عبد الحق شباضة المناضل إذا لم نعرف تلك المرحلة التي بصمت مقدمة ربيع عنفوان شباب الشهيد. إنها السبعينات، أوج الحركة الماركسية اللينينية المغربية والاحتجاجات والعصيانات والتمردات.. وفي المقابل اشتداد عدوان وهمجية النظام تجاه كل الأشكال النضالية، وتعاطيه الدموي بلغة الحديد والنار مع كل من سولت له نفسه قول كلمة لا في وجه الطغيان. وكان إضراب 1979 الذي فجرته الحركة التلاميذية، ردا على زيارة شاه إيران للمغرب، شاهدا عن مدى انخراط الشهيد في الفعل النضالي، حيث لم يكن منخرطا عاديا، بل كان قائدا ومنظما، كان دوما يسير في المقدمة في وقت تستباح فيه دماء كل من لا يقبل بالولاء وتشيد فيه المقابر المجهولة والسرية للجماعات والأفراد، وتنتشر فيه أخبار المخافر السرية والمخطوفين ومجهولي المصير، وكان التحدي هو الوقوف في وجه ذات المصير.
سنة 1980 ستشكل مرحلة جديدة من حياة
الشهيد، فبعد حصوله على شهادة البكالوريا موسم 1979/1980 سينتقل إلى مدينة الرباط لمتابعة
دراسته، فكان الاختيار على شعبة الأدب العربي بكلية الآداب بالرباط. ومنذ أن وطأت قدماه
ساحة الكلية، ملأ ساحاتها بالهتافات والشعارات المنددة ببطش النظام وخدامه، وذلك حسب
شهادة معاصريه من رفاقه وزملائه الطلبة. عايش الشهيد الجموع الغفيرة وهي تخرج للشوارع
تنديدا بجرائم النظام وبمخططاته الطبقية، في انتفاضة 20 يونيو 1981 المجيدة. وعايش
أيضا الفتك بأجساد المقهورين والرمي بهم في المقابر الجماعية، والمخافر السرية.. كان
للمرحلة، باحتجاجاتها وتمرداتها وانتفاضاتها ومحاكماتها الشهيرة(محاكمة 1977...) والمعارك
البطولية في السجون (الشهيدة سعيدة المنبهي)، وقع خاص على مسار الشهيد. كانت بمثابة
الشعلة التي ألهبت فيه نار المجابهة والصمود، نار النضال والتحدي، الشعلة التي أحرقت
ما تبقى من أحلام زهرية لدى الشهيد، أحلام الترميم وإصلاح النظام المجرم، ليجد في الفكر
الثوري الفكر الماركسي اللينيني قدوته وقناعته في تفسير وتغيير واقع الظلم والقهر والاستغلال،
ليسير وبخطى ثابتة نحو النهج الديمقراطي القاعدي كموقع موضوعي لممارسة الصراع الطبقي
ضد النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، وينتقل الشهيد من الحماسة الثورية إلى العمل
التنظيمي الثوري، ويتبوأ العديد من المسؤوليات التنظيمية في مساره السياسي. كان للشهيد
دور بارز في خلق العديد من اللجن الثورية في مختلف القطاعات الجماهيرية.. في ظل أحلك
شروط الحظر والهجوم القمعي العنيف للنظام، وبالمقابل صمود مناضلي النهج الديمقراطي
القاعدي، الذين لم يكن لهم من خيار بديل غير النضال الثوري في الجامعة وخارجها، بكل
الأشكال والأساليب.. فكان الواجب يقتضي التوجه المباشر نحو الجماهير بمختلف فئاتها،
وهم واعون بغياب غطاء الشارع. كما أنه لم يحد مسؤوليته في مجلس الطلبة بكلية الآداب
بل أشرف على حلقات التثقيف داخليا في صفوف القاعديين التي عملت على ترسيخ الفكر الماركسي
اللينيني في صفوف المناضلين، وساهم الى جانب رفاقه في خلق العديد من الجمعيات، إضافة
إلى بث ونشر مجلات ومنشورات سرية وعلنية إلى جانب الملصقات الحائطية تهتم بواقع الصراع
الطبقي في مختلف القطاعات، كما عرف الشهيد بقدرته التنظيمة والتأطيرية للتظاهرات ومختلف
الأشكال الاحتجاجية.
باختصار كان الشهيد قائدا وملهما،
كان نبراسا وهو على قيد الحياة، نبراس كل المستضعفين. عايش الشهيد أيضا انتفاضة يناير
1984بكل حماس وفاعلية، ولم يسلم من المتابعة كباقي المناضلين، فقد صدرت في حقه تلك
السنة مذكرة بحث وطنية، لكن تواجده الدائم وسط الجماهير والمناضلين إضافة إلى مهارته
في التحرك حالا دون إلقاء القبض عليه، ولو أن أيادي الغدر طالت العديد من رفاقه تلك
السنة. كانت1984 سنة المسؤوليات بامتياز، ومن بين المعتقلين السياسيين تلك السنة، كان
رفاق الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري، اللذان استشهدا في إضراب لا محدود عن
الطعام. فما كان من الشهيد ورفاقه الأوفياء إلا تجديد العهد بالسير على درب الشهيدين
حتى النصر، وكان من قادة حملة المجابهة مع المتخاذلين الذين طردتهم حرائق الميدان لإعلان
التراجع والاستسلام بأربعينية الشهيدين.
وفي محاولة جبانة للتخلص من هذا المناضل
الفذ أقدمت إدارة الكلية بطرده سنة 1986، لكن رغم ذلك واصل الشهيد نضاله في صفوف الطلبة
القاعدين وتحمله للمسؤولية سنة بعد ذلك. وفي سنة 1987 قرر العودة الى مسقط رأسه بمدينة
الدار البيضاء، ليجد واقعا قاسيا في انتظاره. فلم يكن أمامه غير بيع جهده العضلي، فاتجه
ليعمل في ميناء الدار البيضاء وسط عمال الموانئ، واستمر على هاته الحال إلى غاية يوم
18 أكتوبر 1988 حيث ألقي عليه القبض بالميناء من طرف قوى القمع التي كانت تلاحقه منذ
مدة، بدعوى متابعة صدرت في حقه على اثر انتفاضة 84 المجيدة.
فصل آخر من المعاناة انطلق فور اعتقاله..
ابتدأت بمخافر القمع حيث تعرض الشهيد لشتى أنواع التعذيب على يد جلادين احترفوا التقتيل
داخل المخافر وفي عمق دهاليز المعتقلات الموحشة، واستمرت المعاناة بعد نقله لسجن
"لعلو" بالرباط، بدء من غياب أدنى شروط العيش الإنسانية وصولا إلى حملات
التعذيب الممنهج في حق المعتقلين. صدر في حق الشهيد حكما ابتدائي بسنة سجنا نافذا تم
تأكيده استئنافيا.
(أم الشهيد عبد الحق شباضة - صاحبة وشاح فلسطين الأحمر- إلى جانب عائلات المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام بسجن وجدة سنة 1991)
وفي شهادة لأمنا رقية، والدة الشهيد
عبد الحق شباضة، تحكي عن اعتقال ابنها وتقول: "جاء البوليس الى المنزل. وعندما
خرج البوليس دخل ابني مع رفاقه وتناولوا الغذاء. أخبرت ابني عبد الحق بأن البوليس زارنا
في المنزل. لبس حذاءه هو ورفاقه وخرجوا "..." أسبوعا بعد ذلك، أتوا به الى
المنزل مكبل اليدين. سألني البوليس عن قرابتي به قلت إنه ابني عبد الحق. قال لي البوليس
لقد وجدناه يستعد للهجرة السرية نحو فرنسا."... " كنا نأتي مع العائلات والأمهات
ويطردوننا، حكم عليه بسنة سجنا. ضحك ابني عبد الحق وقال: هذه مجرد مسرحية أنا محكوم
منذ مدة. وبعد ذلك دخل في إضراب لا محدود عن الطعام هو ورفاقه ونقل الى المستشفى. قال
لي أمي إذا وجدتني توفيت في هذا المستشفى كسريه." ... " عندما ذهبت لرأيته
في المستشفى مع العائلات، رفض الكومندار (مدير السجن) وقال لي أنت ليس لديك تصريح ولن
أعطيه لك." ... " بصراحة إن ما عشناه نحن العائلات لا يتصور، أنا لن أنسى
ولدي وكل الناس الذين ضاعوا لا يمكن نسيانهم. إن الجرح عميق. أخذوا مني جواز السفر،
ومنعوا ابني من العمل وولدي الآخر منعوه من الدراسة."
بعد تردي الأوضاع من داخل المعتقل،
وبعد نقاشات مستفيضة بين المعتقلين السياسيين، وبالموازاة مع الإضرابات الطعامية التي
كان يخوضها المعتقلون السياسيون بمختلف السجون، وفي المقدمة معركة رفاق الشهيدين بلهواري
والدريدي التي كانت في سنتها الخامسة من الإضراب اللامحدود عن الطعام- الذين تعاطف
مع معركتهم الشهيد عبد الحق بشهادة رفاقه بسجن لعلو -، أعلن الشهيد إلى جانب رفاقه
الدخول في إضراب لا محدود عن الطعام انطلاقا من يوم 17 يونيو 1989، عانوا خلالها التهميش
والإهمال، وغياب التطبيب والإسعافات اللازمة، وكذا المنع المستمر للعائلات من زيارتهم.
توالت الأيام، وبدأت قوى المضربين تتهاوى، وصولا إلى يوم 19 غشت 1989، ليعلن المناضل
عبد الحق شباضة ميلاده الجديد، ملتحقا بقافلة شهداء الشعب المغربي.
ونسجل اليوم، في شهر غشت، شهر الشهادة
(سقوط أربعة شهداء في إضرابات عن الطعام: بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري وعبد الحق شباضة
ومصطفى مزياني) أن تضحيات الشهداء ستبقى وصمة عار على جبين النظام، وإدانة لكل المتواطئين
والمتخاذلين.. وفي الطرف الآخر، ستبقى نبراسا ينير مسار التحرر والانعتاق.. ستبقى شعلة
توقد نار الثورة بداخلنا حتى تحقيق حلم رفاقنا، حلمنا جميعا، النصر النهائي على أعداء
شعبنا.
تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.
شارك هذا الموضوع على: ↓