كثيرة الأحداث المثيرة التي عرفها العالم في الآونة الأخيرة. لا أقصد ما ذأب على
تسميته ومنذ مدة ب"بؤر الصراع" الساخنة هنا وهناك. أعني الأحداث التي تفجرت إثر فعل لحظي مثير، ومن بينها وبامتياز الاحتجاجات التي نددت بالجريمة البشعة التي ذهب ضحيتها المواطن الأمريكي جورج فلويد.
فكما بأمريكا وخارج أمريكا، خرجت الآلاف (ومئات الآلاف أيضا) للتعبير عن امتعاضها واستنكارها للجريمة العنصرية المذكورة. وكان وراء ذلك، الشعور بالإهانة الذي تملك المتظاهرين في زمن مسخ الديمقراطية وحقوق الإنسان.
قد يكون بعض الإسهام من طرف بعض التنظيمات السياسية والمدنية في التحفيز على التظاهر والدعوة الى الاحتجاج (انتيفا، مثلا بالولايات المتحدة الأمريكية). لكن جل الشوارع، حتى لا نقول كلها، امتلأت بالمحتجين (الأمر لا يهم شوارعنا البئيسة) بعفوية وتلقائية، وذلك بالنظر الى فظاعة الجريمة. إنها ليست المرة الأولى، فالإحساس بالظلم في حالات متقدمة وحده يحث على الاحتجاج وتسجيل الرفض.
قد يتطور الرفض الى مستويات متقدمة، وقد ينتهي كما بدأ. وكثيرة أشكال الرفض التي انتهت الى حيث بدأت، أي الخفوت، ومن بينها أشكال التضامن المتواصلة مع الشعب الفلسطيني في وجه الإجرام الصهيوني. إنها أشكال دعم محدودة ومحاصرة من طرف الصهيونية والرجعية والامبريالية رغم قمة الوحشية الصهيونية. ومن بين أشكال رفض الظلم التي تطورت الى مستويات متقدمة، نذكر انتفاضة الشعب التونسي إثر استشهاد البوعزيزي المثير (إحراق الذات). إلا أن هذا التطور كان محكوما بعدة عوامل، داخلية وخارجية. والعامل المفتقد حينذاك هو التنظيم الثوري. لا ننفي أثر وتأثير التنظيمات السياسية والنقابية والمدنية آنذاك، إلا أن الحدث تجاوزها وصار بأيدي "اللاعبين الكبار"، المحليين منهم والدوليين. والحالة الراهنة توضح أن المآل الذي رسم للتجربة التونسية، وتجارب أخرى بمصر وغيرها، قد تحقق بنسبة عالية. فتحالف الرجعية والصهيونية والامبريالية يكرس الاضطهاد والاستغلال الطبقيين ويضمن استمرار أمن وأمان آليات نهب خيرات الشعوب. وهذا التحالف قد يكون سياسيا في ظل شروط هذا البلد، وقد يكون عسكريا في ظل شروط بلد آخر. وحتى القوى الإصلاحية المتبجحة ببعض الشعارات الديمقراطية لا تتوانى أن تسقط في أحضان الرجعية والامبريالية. فالتنظيم الإصلاحي، دائما ذو أفق رجعي، وتنكشف حقيقته لحظة اشتداد الصراع الطبقي؛ وهي حال كل تنظيم سياسي يغازل القوى الظلامية والشوفينية ويستلطفها ويستقوي بكمها، وهي قوى رجعية نكوصية وفاشية.
ولا ننسى جريمة طحن الشهيد محسن فكري بالحسيمة. فبعد حين، انفجرت انتفاضة الريف وتوسعت الاحتجاجات بعدة مدن ومناطق وسقط شهداء آخرون وببشاعة لا تقل عن بشاعة جرائم الطحن والخنق و"الإحراق". وتلي ذلك نضالات مشهودة بجرادة وزاكورة وغيرهما وموجات من الاعتقال السياسي.
والنتيجة بعد كل هذه التضحيات؟
طبعا، استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واستفحال أشكال القمع والتضييق على الحريات. أما الأحزاب السياسية والقيادات النقابية والجمعوية، فغائبة كل الغياب عن هموم الجماهير الشعبية المضطهدة وفي مقدمتها الطبقة العاملة. وحضورها بأغلبيتها و"معارضتها" يقتصر على مناسبات حضور الكاميرا والتمويل...
متى سندرك أهمية بناء التنظيم الثوري، بل متى سنعمل على ذلك، كأولوية في خضم الانخراط في معارك أبناء شعبنا، وليس كعملية تقنية معزولة؟ فلا يكفي الإدراك والتفسير ورفع الشعارات، المهم هو العمل، أي البناء/التغيير، خاصة في ظل الوضع الثوري..
العمال حاضرون، وكذلك الفلاحون الفقراء وأوسع الجماهير الشعبية.. لكن المثقف الثوري غائب وكذلك التنظيم الثوري، إنه بيت القصيد...
شارك هذا الموضوع على: ↓