إن الحديث عنهم صار مألوفا ومُبتذلا؛ لأنه حديث من أجل الحديث لا غير. وأعتذر إذا قلت صار الحديث عن الشهداء مجرد ثرثرة..
إننا نسيء الى الشهداء والى قضيتهم/قضيتنا أكثر ممّا نخدُمها..!!
الشهداء وأحلام الشهداء الوردية في وادي ونحن وحقيقتنا المُرّة في وادي أخرى..!!
لا أتحدث عن شهداء غشت أو باقي شهداء شهور السنوات السابقة. أتحدث عن شهداء جرادة (03) الذين لقوا حتفهم اختناقا اليوم (16 غشت 2022) في بئر للفحم من أجل خبز أسود..
أتحدث عن المناضل ياسين بوعملات المضرب عن الطعام في إطار اعتصام المُعطّلين بتاهلا، والذي قد يستشهد في أي لحظة..
أتحدث عن شهداء وعن شهيدات، أتحدث عن مشاريع شهداء وعن مشاريع شهيدات بالضيعات الفلاحية وبالمعامل والموانئ وبأوراش البناء وبقوارب الموت وبالشارع..
لقد صارت الفواجع أقرب الينا من حبل الوريد.. فلا نكاد نستوعب كارثة حتى تحُلّ بنا أخرى..
لا عُذر لنا بعد الآن، وحتى قبل الآن..
إننا على علم بالجرائم التي تُقترف في واضحة النهار من طرف النظام وعملائه المحميين (البورجوازية الكبيرة) لفائدة الامبريالية والصهيونية والرجعية..
إننا على علم بشروط العمل داخل "الساندريات" (آبار الفحم) بجرادة وبالاستغلال الذي يستنزف العمال والعاملات بالمعامل والحقول (العمال الزراعيون والعاملات الزراعيات)، وكذلك الفلاحين الفقراء والسواعد المعطلة حاملة الشهادات..
إننا على علم بالنهب المزدوج (الداخلي والخارجي) الذي تتعرض له خيرات وثروات شعبنا في البحر والبر والجو (الثروة المعدنية والثروة الفلاحية والثروة السمكية والثروة السياحية والعقارية والخدماتية...)..
إننا على علم بالزيادات المهولة في الأسعار وبباقي سيناريوهات تعميق معاناة شعبنا المملاة من طرف المؤسسات المالية الامبريالية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي...) في مجالات الصحة والتعليم والشغل والسكن..
إننا على علم بتوظيف أبناء شعبنا ضد أبناء شعبنا من خلال الأجهزة القمعية والوظائف الهشة وغير القارة..
إننا على علم بتدمير الوظيفة والمدرسة العموميتين وبوضع الحواجز دون ولوج بنات وأبناء شعبنا للمعاهد والمدارس العليا..
إننا على علم بالإجهاز على المكتسبات (التقاعد وربط التكوين بالتوظيف...)..
إننا على علم بضرب حرية الرأي والتعبير والحق في التنظيم والاحتجاج..
إننا على علم بأعداد المعتقلين السياسيين بسجون العار، وبالأوضاع السجنية المدمرة وبمحنة العائلات..
إننا على علم بالاعتقالات التي تطال الصحافيين والمُدوّنين وبمشاريع الاعتقال التي قد تُكبّل الأصوات والطاقات الحُرّة والمناضلة في أي وقت وحين..
إننا على علم بدرجة التغلغل الصهيوني ببلادنا، سياسيا واقتصاديا وثقافيا..
وبدون لفّ أو هُروب الى الأمام، إنها الأسئلة التي تفضحُنا أمام الملأ وأمام التاريخ:
ألسنا على علم باعتصام مُعطّلي تاهلا وإضراب ياسين بوعملات؟!!
ألسنا على علم بعدد أيام إضراب المناضل ياسين بوعملات؟!!
ألسنا على علم بالغارات الليلية التي تضايقهم (السحل ورمي الأفرشة وتكسير الهواتف...)؟!!
ألسنا على علم بالاستفزازات التي تطالهم بهدف المس بمعنويات عائلاتهم؟!!
ألسنا على علم بالترهيب والتهم المجانية التي تستهدف معركتهم البطولية؟!!
ألسنا على علم بالحصار المضروب عليهم من طرف خندق الذل، من هيئات سياسية ونقابية وجمعوية؟!!
ألسنا على علم بعجزنا وبضعفنا أمام النظام وأعدائنا الطبقيين؟!!
ألسنا على علم بأوان تكثيف الجهود النضالية ووحدة الأيادي المناضلة... ؟!!
وأخيرا، إن قليلا من الجرأة والمبدئية العمليتين أرْحم من "الثّرثّرة". أما إجرام النظام، فلا ينتهي ما دام "حيا"...