20‏/01‏/2022

أي مناضل سيخدم الخط الثوري؟


النضال الثوري، في الأمس، كان ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية.
واليوم، النضال الثوري، ضد الرجعية والإمبريالية والصهيونية. ومن يعرف حجم هذه المعركة، ويعرف حجم تضحيات الشعوب لتركيع وهزم هذا الثالوث، واي طينة من الثوار قادوا هذا الصراع، سيعرف ما تتطلبه معركة اليوم من التزامات ومن امكانيات ومن استعدادات. إنها المعركة نفسها التي كانت تحتاج، ولازالت تحتاج، الى مناضلين يعملون بصمت وبثبات وشجاعة، بعيدا عن العنترية والاندفاع الزائد والتبجح والتنطع، لأن الشجاعة ليست كذلك.. 

إن الشجاعة في مواجهة الثالوث الإجرامي هي الصمود في وجه كل العواصف والتقلبات، هي نكران الذات، هي بتر كل تطلعات البرجوازية الصغيرة من انشغالاتك، هي أن تعرف ماذا تريد وما حولك وما امكانياتك وقواك الحقيقية المنظمة، الجاهزة في كل فترة، والاستعداد الحازم للتضحية والصراع بطريقة صحيحة دون أن يفهم أن الصراع خالي من المغامرة..

هذا لا يعني ان الثائر لا يخاف ولا يتعب ولا يخطأ.. بالعكس، الثائر هو إنسان هذه المجتمعات، وليس كائنا استثنائيا قادما من كوكب آخر. والمهم أن الثائر هو ذاك المناضل الانساني القادر على مقاومة الخوف ومقاومة التعب، وان يتجنب الوقوع في الخطأ.. والثائر في إقدامه على التضحية لا يتوخى رضى الناس أو إعجابهم أو تشجيعاتهم أو في ذهنه هذه الابعاد، بل التضحية هي تصريف لاقتناع وإيمان حقيقيين وقويين بالقضية. إن من يضحي وفي اعتقاده إرضاء الآخر، لن تكون له استمرارية، وسيخلع بدلة النضال مع بداية المنعطفات والتقلبات، لأن رضى الآخرين لا يدوم ويخضع لتقلبات الصراع. قد يرضى عنك الكثير من الناس اليوم وفي وضع جديد للصراع قد يتنكرون لتضحياتك. فأصعب وأعقد ما في النضال هو تردد وشك وتخلف من تناضل من أجلهم. والمناضل الثائر هو من يستوعب هذا الدرس ويستعد للصمود في كل المنعطفات.. وكم من مناضل هاجم النجوم أيام الزخم النضالي في الجامعات وفي محطات نضالية وازنة من حجم انتفاضة 20 فبراير والريف ومن تجارب الماضي والحاضر.. وكم من مناضل رفع شعار الشعب يريد اسقاط النظام وكم من مناضل أقسم ألا يخون رفاقه وكم من أسماء لا يشق لها غبار تتسول اليوم امام أعتاب البيروقراطية والشوفينية وقوى الظلام،.. واليوم صاروا في خبر كان ومنهم، أو أغلبهم، يلقي اللوم على الشعب. لذا أقول إن لم يكن المناضل مقتنعا بالقضية الى حد الاستشهاد من أجلها قد يضيع، وقد يتراجع، وقد يتخلف عن المقاومة، وقد يتنازل عن شعاراته، وقد يتخلى عن اهدافه، في الغالب، إن لم أقل حتما. 

المناضل صاحب مبدأ، وأهون شيء بالنسبة لمن يتمسك بمبادئه هو التضحية بما تعنيه التضحية. وكما، قد يعاند المناضل ولا يقبل بالتخلف، إلا أن العناد لوحده كبعد رافض ليس موقفا صحيحا. ومن المستبعد أن تكون استمرارية صاحب العناد مضمونة، لأن العناد لا يكون له معنى إذا لم يقترن بموقف صحيح، إذا لم يقترن بوعي طبقي.. 

وبالتالي:

كيف يتعلم المناضل ويتمرن؟

هل المدرسة تعلم الناس النضال؟

هل الجامعة تعلم الناس النضال؟..

من يقول ذلك؟

 ومن يراهن على الجامعة لتخرج الثوار؟!.. 

من يراهن على السجون لتخرج الثوار؟!..

هذا القول وكذا الرهان خاطئان.. 

الناس يعلمون الناس، في المدرسة وخارج المدرسة، في الشارع وفي السجون، في المعمل وفي الحقول.. الحياة تعلم الناس.. تجارب الحياة هي من تتكفل بنباهة الناس وبذكائهم.. لذا، إن تواجد المناضل الحقيقي والعملي والمسؤول في المدرسة، سيتعلم الناس في المدرسة النضال، ويتخرج من المدرسة المناضلون. وإن تواجد المناضل الحقيقي، المبدئي، بالجامعة، سيتعلم الطلاب النضال ويتخرج المناضلون من الجامعة. ونفس الشيء إن وجد المناضل في الشارع، أو في المعمل، أو الحقل، أو في الجمعية أو في النقابة، سيفرز الصراع الطبقي المناضلين الحقيقيين. لكن إذا كان المناضل في الشارع، ولا يفرز الشارع الثوار، أو في المدرسة أو الجامعة، ولا يتخرج من المدرسة أو الجامعة سوى الوصولي والانتهازي وتاجر المبادئ ومحترفي الشيطنة (لا يعني هذا أن المناضل مطالب بأخلاق الملائكة، بل المناضل هو من يكتسب أخلاق الثوار الحقيقيين) أو في النقابة أو الجمعية...، ولا يتم فرز سوى أذيال البيروقراطية والباحثين عن الفتات، فذلك يعني أن ذاك المناضل ليس مناضلا حقيقيا، أو أنه مجرد رقم في موقع من المواقع، أو أن جهده يستدعي التقييم والدراسة لتقويمه.. 

فالمناضل مطالب بتقييم عطائه وتطوير آدائه وتطوير نقط قوته ومعالجة نقط ضعفه والتمسك بخطة العمل والعنوان والهوية بشكل دائم ومستمر، وإثبات ذلك في أعمال ملموسة. ومن لا يقبل تقييم نشاطه السياسي والنضال والعمل على تخطي سلبياته فلا أمل يرجى منه... إن المناضل هو من يتحلى بالشجاعة والجرأة في تقديم نقد ذاتي يقف فيه على أسباب  أخطائه ويعمل على تخطيها في إطار مسؤول..  

إن الفساد عام، في هذا البلد، وفي كل بقع العالم، وهذه حقيقة ثابتة لا يجادل حولها. واكثر من ذلك، صار للعنكبوت أوكار وأعشاش ومغارات وكهوف مظلمة ومضيئة.. في كل منعطف مسدس وزارعي السموم ومخبرين وأشباه المناضلين وأسلحة فتاكة وطعم وألوان التمويه.. 

هناك من يسمون أنفسهم مناضلين ويختارون طواعية هذه الأوكار.. وهناك من المناضلين من يسقط فيها بغتة دون أن يدري، ودون أن يكتشف الفخ إلا بعد أن يجهز عليه ويصير فريسة ولقمة بين أنياب ذئاب الفساد والتواطؤ السياسي والنقابي والجمعوي.. لكن المناضل الحقيقي يتميز بلحمه المر، لأنه لا يعرف الصمت أو المهادنة.. يصرخ، ويفضح ويقاوم بمخالبه وبأنيابه، ولا يستسلم ولا يقبل المساومة والهدنة والانبطاح أمام أعداء شعبه، أعداء العمال، أعداء القضية.. لا تهمه المنابر ولا الكراسي المقدمة من رعاة الفساد ولا النجومية... وليست ضمن أهدافه. فلا يساوم مع الفساد سوى فاسد.. ولسنا اغبياء لنعتقد أن قاطع الطريق قد يسلح ضحاياه.

 في الواقع الراهن، قد يرتقي من يساوم ومن ينتهز ومن يحتال ومن يكذب... لكن المساومة والانتهازية والاحتيال والكذب والمكر، جبال من ثلج تذوب عند سطوع شمس الحقيقة.




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق