2022/12/20

أحمد بيان // الذاكرة ودلالة "المسارات" التي تتوحد


 الذاكرة ودلالة "المسارات" التي تتوحد 

رسالة خالد الجامعي الى محمد الساسي:

رسالة إلى حزب "فيدرالية اليسار الديمقراطي" الجديد/القديم

المخزن آلة تكيِّف ولا تكيَّف، تروِّض ولا تروَّض:

زميلي ورفيقي في النضال لقد كنت على علم باللقاءات التي تمت بينك وبين مخاطبك فؤاد الهمة، ولقد انتظرت كثيرا للقيام بمكاتبتك تحريا للحقيقة واليقين وتجنبا للقيل والقال وكثرة السؤال حتى جاء الاعتراف من طرفك من خلال الاستجواب مع الصحيفة. وإن من قرأ ليس كمن سمع، والإقرار سيد الأدلة، ولم أر في عيب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام. من هنا عقدت العزم على مكاتبتك من خلال هذه الرسالة لمناقشتك ومجادلتك بمناسبة اللقاءات / الحدث الذي أزعج الكثيرين وبات أكثر موضعا للتساؤل والمناقشة والحوار والسجال ليس إلا. المــخاطـبون أولا وقبل كل شيء أتساءل من هم مخاطبوك؟ لقد قلت إنك التقيت بالسيد فؤاد عالي الهمة الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية وحضر هذا اللقاء السيد عزيز أخنوش وقد تم هذا بعد أن أخبرت قيادة حزبك.

إن هذا اللقاء في نظري يطرح أكثر من تساؤل لكونه تم في مكان خاص وخارج دواليب الدولة ومع من؟؟ مع السيد الهمة الذي هو وزير منتدب والذي من بين المهام الموكولة إليه حسب القانون: الإشراف على الأجهزة الأمنية ومنها الإدارة العامة للأمن الوطني، جهاز مراقبة التراب الوطني والقوات المساعدة …إلخ فالسيد علي الهمة ليس مستشارا للملك، ولا ناطقا باسمه ولا ممثلا له، كما انه ليس ناطقا باسم الحكومة. وما يدعو الى الغرابة أنك تحاورت معه وكأنه ناطق باسم الملك أو مكلف منه لمخاطبتك. ومهما يكن من أمر، فقد شمل حوارك معه مواضيع عدة تهم الاقتصاد والسياسة والإعلام إلى أن قلت ( وقد شمل بالأساس عرضا ضافيا عن الحصيلة السياسية لمغرب محمد السادس والأسس التي بنى عليها منظوره الإصلاحي ودور ومكانة الإعلام في الانتقال، والمسلسل العادي لإعداد القوانين الانتخابية وغياب نية إقصائية لدى الدولة). يذكرني هذا اللقاء باللقاءات التي كانت تتم بين إدريس البصري والفاعلين السياسيين، وهنا أتساءل هل تغير شيء؟ إن وزارة الداخلية لا تزال هي أم الوزارات.

لقد تحاورت مع هذا الرجل وكأني بهذا البلد ليست فيه حكومة ولا وزير أول ولا وزير للمالية ولا وزير للشؤون الاجتماعية ولا ولا ولا …. مما يدعوني إلى الاعتقاد بأن الهمة هو الكل في الكل. فعندما قبلت محاورته بالكيفية التي أشرت إليها، أي في منزل خاص وبحضور فلان وفلان…، هل نسيت أو تناسيت أنك بفعلك هذا قد أعطيته شرعية للتحدث في إطار لا علاقة له بدولة القانون والمؤسسات، وبعبارة أخرى فقد قبلت التحدث حسب قواعد النظام المخزني وحاورته كأنه الصدر الأعظم كما كان يطلق على إدريس البصري. وبهذا فقد خرجت عن القواعد الأساسية التي تبنى عليها دولة المؤسسات والتي تحدد لكل مسؤول اختصاصاته التي يجوز له الخوض فيها. أما فيما يخص السيد أخنوش، فإنني أتساءل ما هو موقعه في هذه النازلة؟ وما هي علاقته باللقاء الذي تم بينك بين الهمة؟ إن السيد أخنوش هو رجل أعمال وله علاقات وطيدة بالمخزن وهو نموذج لما يسمى بالمخزن الاقتصادي. وللتذكير فإن هذا الرجل كان من أقرب المقربين للبصري وأحد المشمولين برعايته وعطفه فالصدر الأعظم السابق هو من أوحى لأغنوش، من بين ما أوحى إليه شراء أسبوعية لفي إكونوميك، التي كان يديرها شرايبيبر، والتي كانت تزعج الحكم بصراحتها واستقلاليتها. وأذكرك كذلك أنه ما أن أخذ بزمام الأمور في هذه الأسبوعية حتى أعفى الأقلام التي كان يعتبرها المخزن مشاغبة. أذكرك أيضا أن هذه الأسبوعية هي التي قامت بهجوم عنيف وتجريح لاذع ضد أسبوعية لوجورنال متهمة إياها بكونها في خدمة وتحت إمرة الأمير مولاي هشام الذي حسب زعمها كان يمولها، وهذا كما تعلم لا أساس له من الصحة. وللتذكير كذلك، فإن السيد أغنوش رافق وزير الداخلية السابق إدريس البصري في جولاته لتبرير ودعم حملة التطهير التي كانت بمثابة مأساة على الاقتصاد المغربي والتي حوكم فيها عشرات من رجال الأعمال المغاربة بتهم ملفقة وفي محاكمات غير عادلة.

ولا أريد هنا أن أتحدث عن الكيفية التي لجأ إليها ولا عن الوسائط التي استعملها حتى أصبح من المقربين من جديد وأضحى مشمولا بالعطف الملكي. وأتساءل من جديد بأية صفة يحضر هذا الرجل هذا اللقاء ولماذا قبلت مجالسته؟ فهو لا يمثل حزبا ولا نقابة وليس بفاعل سياسي وكل ما في الأمر أنه صديق لفؤاد الهمة. وأما الوسائط التي رتبت هذا الاجتماع فإنني لا أريد ذكر أسمائها الآن. أي تواصـــل عندما سئلت عن الانطباع الذي تولد لدي عند لقائك مع علي الهمة أجبت ( لم أكن أتصور أن مخاطبنا سيكون على تلك الدرجة من الخبرة التواصلية والقدرة على الشرح والتفسير بشكل منهجي ودقيق ).

أتساءل معك لماذا حرم إذن علي الهمة أعضاء البرلمان وأعضاء الغرفة الثانية من هذه الخبرة التواصلية وهذه القدرة على الشرح والتفسير، علما بأنه لم يحضر، حسب علمي، يوما في جلسات هاتين الغرفتين ولم يثبت ذات يوم أنه نطق ببنت شفة أمامها، فعن أية خبرة تتحدث؟؟ ألا يعد عدم حضوره أمام هذه المؤسسات المنتخبة احتقارا لهما ولمفهوم الديمقراطية الذي يفرض على الوزير أن يكون حاضرا ومفسرا ومجيبا وبصورة علنية أمام المجالس المنتخبة على تساؤلات المنتخبين. فأين هذه القدرة التواصلية وأين تكمن هذه القوة؟؟ إن الرجل وطيلة ست سنوات لم يدل إلا باستجواب واحد للأحداث المغربية، والذي هاجم فيه من بين من هاجم الصحافة المستقلة والكابتانان أديب والمنضري ومن سماهم بالعدميين. كما لم يسمع المغاربة قط صوته لا في الإذاعة ولا في التلفاز، وكأني به شبح من الأشباح التي تكون النظام المخزني، والتي لا تتقن التواصل إلا من خلال الهواتف وفي الغرف المقفلة. نعم، إذا كنت تقصد بالقدرة التواصلية تلك الاجتماعات المغلقة التي كان ينظمها مع بعض الصحفيين من أجل مهاجمة الصحافة المستقلة واتهام صحافيييها بالتآمر على الدولة، إذا كنت تقصد هذا فأنا متفق معك. إن التواصل الحقيقي هو ذلك التواصل الذي يكون معلنا وعلى مرأى ومسمع من الجميع، عندئذ يحترم المواطن لأنه يصبح على علم بما يفكر فيه المسؤولون.

المحيط الملكي والرؤيا

أما فيما يخص الاستنتاجات التي خرجت بها من اللقاء فسأناقشها معك تباعا:

أولا: المحيط الملكي، صرحت (إن محيط الملك يتوفر على قدر مهم من الوضوح في الرؤيا ولا يمارس تجربة عشوائية، هناك مشروع عام يحكم الممارسة وليس هناك فقط مبادرات متفرقة بل هناك تحليل يؤطر الرؤيا ). إذا كان الوضوح في الرؤيا موجودا فأنا أقول بأنه لم يسمع به المغاربة يوما قط، وأن كل ما يعرفونه بالملموس هي تجارب عشوائية لا تندرج في رؤية متكاملة وفي هذا النطاق كيف تفسر مثلا، وجود برنامج حكومي قدمه الوزير الأول أمام البرلمان والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ أيهما يمثل مشروع الدولة ؟ أليس هناك تضاربا وازدواجية في الرؤيا ؟ ألا يوجد كذلك تعدد مواقع القرار ؟. تتحدث عن رؤيا واضحة، والحقيقة أنه منذ تولي الملك محمد السادس العرش، عرف المغرب ولادة مجالس استشارية ومؤسسات اجتماعية واقتصادية وهيئات متعددة أخرى، وكلها لا تخضع لمراقبة منتخبي الشعب ولا للحكومة. فهي تؤسس بمقتضى ظهائر ملكية تحدد اختصاصاتها ويسمي الملك أغلبية أعضائها لا يسألون إلا من طرفه.

فهي إذن مؤسسات تعمل خارج دواليب الدولة، وقد أصبحت تتكلف بحقوق الإنسان والمظالم والإنصاف والمصالحة والشؤون الصحراوية، وكل هذه المؤسسات الاستشارية يطلب منها رفع توصيات إلى الملك من أجل البث فيها واتخاذ ما يظهر له من قرارات. وهكذا أسندت إلى هيئة الإنصاف والمصالحة مثلا …. تقديم اقتراحات للتعديل الدستوري. ألا نجد أنفسنا اليوم أمام دولة داخل الدولة ؟ هل يبقى في هذه الحالة دور للوزير الأول وللحكومة وللمؤسسات التشريعية وللأحزاب ؟؟. وكيف يمكن لك أن يتكلم عن رؤيا واضحة، وفي الحكومة ما لا يقل عن ثمان وزراء السيادة لا يخضعون لسلطة الوزير الأول وكل واحد منهم بناجي ليلاه … هل تتذكر مثلا كيف عولجت مشكلة جزيرة ليلى، حيث اتخذ القرار بإنزال وحدات عسكرية فيها ولم يكن الوزير الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي على علم بذلك؟؟ أهكذا تسير دولة ديمقراطية ودولة حداثية ودولة عصرية ودولة لها مؤسساتها المنتخبة؟؟ لا وألف لا… إن هذا النوع من ممارسة الحكم وهذه الكيفية في اتخاذ القرار السياسي والعسكري هي من مميزات الدولة المخزنية البعيدة عن الحكامة الجيدة.

فإذا كان لهذا المحيط رؤيا واضحة كما تقول والتي تعد القضايا الاجتماعية من مكوناتها واهتماماتها، فكيف تفسر الانتفاضات التي عمت جميع أطراف البلاد والتي عرفها العهد الجديد وما لم يعرفه مغرب الحسن الثاني بكل من الحسيمة والناضور وطانطان وبني ملال وأيت باعمران…ناهيك عن بوعرفة حيث خرج المتظاهرون يطالبون بالالتجاء إلى الجزائر ….؟. إن هذه الانتفاضات كلها كانت تلقائية قام بها مواطنون ومستضعفون في الأرض يطالبون بحياة كريمة وعيش أفضل حيث أنهم لا يتوفرون على أدنى شروط العيش الكريم، وهنا تبدو لك الرؤيا المتذبذبة بكل آثارها الوخيمة.

ثانبا: المحيط الاقتصادي

إن المحيط الملكي هو الذي أصبح يقرر ويتحكم في الاختبارات الإستراتيجية في الميدان الاقتصادي والمالي، جاعلا من الأونا ONA قاطرة ومحركا للاقتصاد المغربي نظرا … للتخوف المزعوم للقطاع الخاص. أليس هذا المحيط هو الذي دفع الملك لأن يصبح الفاعل الاقتصادي والمالي الأول في المغرب. أليس هذا المحيط هو الذي ناور من أجل مخزنة إدارة الكونفدرالية العامة للمقاولات الذي صرح رئيسا الجديد أنه ليس خطرا أن نأخذ بعض الحرية مع الديمقراطية وأن نتساهل في إبرام العقود من دون أن نتشبث فقط بطلب العؤوض المفتوحة.

ولنضرب مثلا عن هذا المحيط الاقتصادي في شخص محمد منير المجدي رئيس شركة إف سي كوم، هذا الرجل نجد من جملة “” إنجازاته “” تماطله عن تأدية الواجبات القانونية: ( راجع النقاش الدائر بين عمدة الدار البيضاء ومنير المجيدي حول اللوحات الإشهارية ورفضه تلبية الاستدعاء من محكمة أكدير كشاهد ضاربا عرض الحائط مقتضيات القانون). كما أذكرك أنه عندما كلفه الملك بالاتصال بالسيد عبد الله إبراهيم لما كان طريح الفراش، تساءل صاحبنا باندهاش، من هو هذا المسمى عبد الله إبراهيم؟؟ وأعتقد أن تساؤله يدل على عمق ثقافة الرجل بتاريخ وطنه ورجالاته ومن صنعوا أمجاده؟؟

أليس هذا المحيط الاقتصادي هو الذي أوحى إلى الملك أن تلسينت تزخر بالنفط، أليس هذا المحيط هو الذي أوحى إلى الملك بإلقاء خطاب ليزف لشعبه هذه ( البشرى ) تم تبين أن لا وجود لهذا النفط، وهكذا أحرجوا الملك أمام شعبه. وكأني بالحسن اليوسي في رسالته التاريخية إلى المولى إسماعيل وكأنه يقصد المحيط الاقتصادي للملك الآن عندما قال ( لقد جروا ذيول الظلم على الرعية فأكلوا اللحم وشربوا الدم وامتشوا العظام وامتصوا المخ ولم يتركوا للناس دينا ولا دنيا )، ثم يضيف مخاطبا الملك بأن (لا يغتر بكل من يزين له الوقت فإن كثيرا من الدائرين به طلاب الدنيا لا يتقوا الله تعالى ولا يتحفظون من المداهنة والنفاق والكذب ). هل نسيت أن معظم أعضاء هذا المحيط، والذين يمارسون السلطة الفعلية اليوم، والذين يسمون برجال العهد الجديد كفؤاد الهمة وياسين المنصوري والشرايبي وآخرين…هم أصدقاء الملك في الدراسة، تكون أغلبيتهم في دهاليز وزارة الداخلية وتحت الإشراف المباشر للصدر الأعظم إدريس البصري آنذاك.

ثالثا: تقول “” أن مخاطبك كان يتحدث بشكل شمولي ولم يحصر كلامه في قطاع محدد هو قطاعه الرسمي، بل استعرض فعل الدولة بمختلف مرافقها واهتماماتها”” أليس هكذا كان يتكلم ادريس البصري ؟ أتساءل كيف يبيح الهمة التكلم باسم الدولة. فمن أين ياترى تأتي مشروعيته؟ ومن كلف بالكلام باسم الدولة ؟ وهنا أتوجه إليك باعتبارك أستاذا في القانون وأقول لك هل تناسيت أن الدولة تعرف بثلاثة ركائز هي الشعب والأرض والسلطة السياسية، وتعني هذه الأخيرة حكومة ومصالح عمومية. فعندما يتكلم على الهمة، بشكل شمولي فإنه ينصب نفسه كما أشرنا إليه سلفا ناطقا باسم الدولة وبذلك ينتحل صفة الوزير الأول ويصبح فعلا صدرا أعظما، و وهذه هي ثقافة وتقاليد الجهاز المخزني، الذي آمل أن تبقى كما كنت من مناهضيه…. لماذا لم يطالب حزبك بمحاورة الملك أو محاورة الوزير الأول و أضعف الأيمان أحد مستشاري الملك ؟؟ لماذا قبلتم محاورة الهمة بالضبط، هل لقربه من الملك ؟ هل لنفوذه القوي على مستويات متعددة داخل الدولة ؟؟ هل أنت واثق من أن ما يقوله مخاطبك الهمة وما يبلغه إليك باسم الملك هو عين الحقيقة ؟ وهل أنت واثق بأن كلامك سيصل إلى الملك كاملا ؟ أقول هذا عن تجربة، لأنني تذاكرت مع السيد الهمة ساعات طوال وكان ذلك في بداية العهد الجديد، ولقد كان حديثه معي يشبه في مضمونه ما قاله لك أي حرص الدولة على إقرار الديمقراطية وإقامة دولة الحق والقانون و.. و.. متعهدا أنه سيجعل حدا لإنتهاك الحريات العامة ويضمن حرية الصحافة وينهي الاختطافات والتعذيب ويضمن انتخابات شفافة…

وها نحن وبعد مرور ست سنوات لا نرى شيئا تحقق مما قاله، ولا شيئا تبدل في هذا البلد، فالإختطافات مستمرة والإعتقالات التعسفية منهج قائم لحد الساعة، بالإضافة إلى التعذيب وتفشي الرشوة وأصبح الإفلات من العقاب ممارسة ثابتة. وأذكرك في هذا الصدد بما وقع للشريعي في آسفي وما وقع لمستخدمي القصر الملكي بمراكش، ولمستخدمي الخطوط الجوية الملكية، وما حصل لرجال ونساء العرائش حيث مورست على كل هؤلاء أشد أنواع التعذيب بما في ذلك الجلوس على القنينات، أضف إلى هذا ما عانته مناضلة من جماعة العدل والإحسان حياة بوعبدة من آسفي حسب الشهادات التي أدلت بها لجريدة الأيام واللائحة تطول. كما أذكرك بالمواطنين الذين لاقوا حتفهم بمخافر الشرطة بكل من سلا والدار البيضاء والعيون ومدن أخرى، وما وقع للكابتان أديب والضابطين الزعيم والجلطي، الذين اعتقلوا وحوكموا وكان ذنبهم الوحيد أنهم فضحوا الرشوة التي تنخر المؤسسة العسكرية حسب معطيات الملف. أضف إلى ذلك المحاولات الانتحارية الجماعية التي قام بها الدكاترة المعطلون والمكفوفون والتي أدت إلى إصابات خطيرة متعددة، ناهيك عن فضيحة النجاة الذي ذهب ضحيتها ما لا يقل عن ستين ألف شاب انتحر أربعة منهم.

ومن باب التذكير ليس إلا مما عرفه المغرب منذ بداية العهد الجديد من محاكمات، كمحاكمة القرض الفلاحي والقرض العقاري والسياحي والبنك الوطني لإنماء الاقتصادي والضمان الإجتماعي و..و.. وما صاحب ذلك من ضجة إعلامية خفتت الأن وجمدت المتابعات إن لم نقل دخلت في خبر كان. على أن المحاكمات الوحيدة التي توجت بحكم هي محاكمة الصحفيين (المرابط، مصطفى العلوي، بوبكر الجامعي، أحمد بنشمسي و عدد من صحافيي الصحافة الجهوية) وذلك بسرعة ليس لها مثيل ولم تكن أية من هاته المحاكمات محاكمات عادلة، حيث امتنعت من استدعاء الشهود وخرقت أبسط المساطير مما أدى في غالب الأحيان إلى انسحاب هيئة الدفاع. وسيتذكر التاريخ بنوع من السخرية المحاكمات التي عرفت بمحاكمات “الحجر المقدس” و”العمارية المقدسة” والحكم الفريد من نوعه والذي لم يعرف التاريخ مثلا له ألا وهو حرمان المرابط من الكتابة لمدة عشر سنوات والمغنيين (عبدة الشيطان).

رابعا: تقول (إن الخطاب المدلى به يربط بشكل وثيق بين شخص الملك وحركية الدولة بمختلف مستوياتها. فما يجري في البلاد هو إنتاج مهندس مركزي وثمرة تخطيط مسبق، وضع الملك شخصيا مقوماته وقاعدته الصلبة، بعد متابعة شخصية للواقع وجرد للمتطلبات ورسم للأولويات). بقولك هذا تقر أننا أمام ملكية تنفيذية حيث الملك هو صانع القرار والمهندس المركزي والمخطط الوحيد والمتابع الشخصي للوقائع. فإذا كان الأمر كذلك، لماذا نثقل كاهل الدولة وميزانيتها بحكومة وبرلمان ومجلس للمستشارين وغيرها من المؤسسات التي تصبح في أحسن الأحوال هيئات فارغة جوفاء مهمتها التسجيل والمصادقة.

أليست هذه مقومات الحكم الفردي؟ إذا كان كذلك فإني لا أرى مانعا في هذا، لكن شريطة قبول الملك للمساءلة والمحاسبة ما دام يقرر في مستقبل الوطن ومستقبل المواطنات والمواطنين؟ لا يمكن ولا يقبل أن يمارس فردا الحكم دون أن يكون مسؤولا عن تبعات قراراته واختياراته. وهنا وجب التذكير بمقولة أبي بكر الصديق لما تولى الخلافة لأن الملك في بلادنا هو أمير المؤمنين: “إني وليت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، ألا إن الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، ألا وإن القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت فلا طاعة لي عليكم”. كما أذكرك بقولة عمر بن الخطاب عند توليه الخلافة كذلك “الحمد لله الذي جعل لي أصحابا يقومونني إذا اعوججت”، ولطالما كان يقول للناس كذلك “لا تقولوا الرأي الذي تظنونه يوافق هواي وقولوا الرأي الذي تحسبونه يوافق الحق”. إنهم عندما يجعلون من الملك هو الدولة والدولة هي الملك، فإنهم ينسفون مقومات الدولة الديمقراطية متخلين عن الملكية البرلمانية التي كنت تنادي بها، ناهيك على أنهم يضربون عرض الحائط مبدأ فصل السلط. وهكذا يوحوا وكأن البلد أصبح أصيب بالعقم وابتلي بالقحط، فلا فكر ولا ثقافة غير الفكر والثقافة المخزنية السائدة. وهكذا كذلك يحملون الملك ما لا طاقة له به ويجعلونه في المواجهة فيغدوا مسؤولا وحيدا على كل شاذة وفاذة وفي خط المواجهة دون درإ وفي نفس الوقت يبرأون أنفسهم.

أي حــــــداثة

في فقرة أخرى تصرح أن (مشروع الدولة في جوهره يحمل شحنة حداثية وأن المطلوب الاقتناع بوجود هذه الشحنة ومداها. وهذا يعني بالتبعية طلب إدراك المجال المشترك بين مشروع الدولة كما يقدمه مخاطبنا ومشروع تيار سياسي معروف بأفكاره التقدمية كالحزب الاشتراكي الموحد. ومن تم تنبع ربما دعوة موجهة إلينا للتفكير في توابع الاقتناع بحيوية المجال المشترك). لقد كان عليك أن تفسر ما هي حداثة الدولة التي تتحدث عنها وما هي شحنتها ؟ أهي التي يتضمنها الفصلين 19 و 24 من الدستور ؟ أتتحدث عن حداثة تقبيل الأيادي ؟ أهي الحداثة التي يقصدها أمين الحزب الاشتراكي الموحد السيد محمد مجاهد عندما صرح لجريدة “أوجوردوي لوماروك” في عددها 1215 : “أما فيما يخص سلطة الملك فإننا ناضلنا دائما بأن تكون يد الملك هي اليد العليا على جميع الملفات الكبرى للبلاد: إمارة المؤمنين، تقنين الحقل الديني، الخارجية موازاة مع الحكومة، حالة الاستثناء، الجيش الملكي، علما أن الملك هو ضامن حماية التراب الوطني ووحدة البلاد”. فأين خطابك حول ملكية يسود فيها الملك ولا يحكم؟ أين مسودة حزبك حول التعديلات الدستورية؟ أين هي الدولة التي تريد أن يكون فيها الفرق بين الدين والدولة؟ ألست أنت القائل “أن الاتحاد الاشتراكي أصبح لا يجادل في نوع من ممارسة الحكم التقليدي مما يطرح مشكلة الحداثة السياسية” (تيل كيل). ألست أنت الذي ناديت على صفحات الاحداث المغربية بإقامة ملكية برلمانية على النمط الاسباني؟ ألست أنت القائل “أنه لن تكون هناك ديمقراطية في البلاد دون إصلاح دستوري حقيقي”؟ ألم تكن من الذين يقولون أنه ليست لدينا ملكية دستورية بل لدينا دستور ملكي؟ فعلى أية حداثة تتكلم اليوم؟ وبالرجوع إلى خطاب السيد مجاهد، يمكننا أن نجزم أن هذا الخطاب يمكن أن يرد على لسان عباس الفاسي أو العثماني او أحرضان أو اسماعيل العلوي. وما كنت أتصور يوما أنه سيصبح خطاب حزب يساري تقدمي. ومما سبق، يبقى مفهوم الحداثة عند المخزن غامضا يحتاج إلى تفسير وتدقيق.

إن الحداثة والمخزن نقيضان وأضدادا لا يمكن أن يجتمعا أو يتعايشا. إن الملكية التي نعيشها اليوم هي ملكية تقترب كثيرا من ملكيات العصور الوسطى حيث يحكم فيها الملك ويسود وحيث نطقه يصبح قانونا كما يزعم ذلك عبثا عدد من الحقوقيين والساسة والبرلمانيين فعلى أية حداثة تتكلم؟

أي شرعيـــــة ؟

في جوابك لإحدى الأسئلة تقول (لنا ثقة في أنفسنا ومن واجبنا أن نسمع الرأي الرسمي المعبر عنه بشكل مباشر على لسان ممثلين للدولة). إن السيد الهمة إذن في منظورك يمثل الرأي الرسمي. فمن أعطاه يا ترى هذه الصلاحية ؟ الدستور؟ القانون ؟ أهو مكلف من قبل الوزير الأول ؟ وما ذا تعني بممثلي الدولة، كان عليك أن تبين من هم؟ وما موقعهم؟ وما شرعيتهم؟ وجب علي تذكيرك أن السيد الهمة ليس بمنتخب ولا ينتمي لحزب، والشرعية الوحيدة التي يمكنه أن يحتمي بها هي شرعية التسمية والوظيفة. فكيف يمكن له أن يتحدث باسم الدولة، اللهم إذا كانت الدولة من النمط المخزني إذ ذاك يصدق كلامك ، وعندئذ تكون أمام صدر أعظم كابا احماد يخاطبك باسم المنظومة المخزنية.

أي إعــــــلام ؟

لقد تجاذبت مع السيد الهمة الحديث (عن دور ومكانة الإعلام في الانتقال والمسلسل العادي لإعداد القوانين الانتخابية). والكل يعرف هذه المكانة التي أشرنا إليها أعلاه والتي جسدتها المحاكمات التي طالت الصحافة والتي ألمحت إليها سابقا، ورغم ذلك أذكرك أن اللقاء الذي جمعك مع الهمة كان يوم 21 يوليو وفي يوم 24 من نفس الشهر أصدرت المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء حكما بغرامة قدرها مائة ألف درهم خلافا لما يقتضيه القانون الذي يحدد هذه الغرامة في خمسين ألف درهم فقط في حق لوجورنال في ملف الشكاية التي رفعتها مديرة الأخبار في القناة الثانية ضد أبو بكر الجامعي.

كما أذكرك أنه سبق لمحكمة الاستئناف بالرباط أن حكمت للمسمى كلود مونيكي ضد جريدة لوجورنال بملغ يفوق الخيال وهو ثلاثة ملايين درهم في محاكمة غير عادية ولا عادلة، وأذكرك أن مونيكي هذا صهيوني معروف احتضنته وسائل الإعلام الرسمي وخاصة القناة الثانية وهو الذي سبق أن نشر مقالا أكد فيه أن أسعد يوم في حياته هو اليوم الذي تم فيه اغتيال الشيخ ياسين على يد الجيش الإسرائلي وأنت تعرف ذلك حق المعرفة، ولقد استضيف هذا الرجل قبل أيام، والحرب ضد لبنان على أشدها، من قبل رئيس المجلس الاستشاري لشؤون الصحراء خلي هنا ولد الرشيد ولعلمك فقد نشر مونيكي عبر الانترنيت مقالا يتهم فيه حزب الله بمجموعة من الإرهابيين القتلة شأنه في ذلك شأن اتهامات العدو الصهيوني، وذلك في وقت، كما تعلم تخاذلت وسائل الإعلام المرئية الرسمية في متابعة الحرب الهمجية الإسرائيلية على لبنان وفلسطين.

وأخيرا لابد أن تعرف أن المجلس الأعلى السمعي البصري، والذي لا يمكن أن يقال أنه مجلس مستقل، وتعلم مكوناته وقدراتهم، قد أصدر في شكاية لوجورنال بتاريخ 26 يوليوز قرارا برفض التظلم الذي قدم أمامه ضد القناتين الأولى والثانية، وأكد بذلك ما كان منتظرا منه وهو الابتعاد عن الموضوعية وعن الحياد، خصوصا وأن من بين من شارك في إصدار القرار من سبق أن تهجم على لوجورنال وأبان اتجاهه الخصومة والحقد.

عن القانون الانتخابي

وبخصوص النقاش حول القانون الإنتخابي أعتقد أن ما يسمى بالإستحقاقات سنة 2007 ستكون من أكبر المهازل التي ستقع، ذلك أنه، إذا ما فرضنا جدلا أن المخزن قبل تعديلاتكم وكانت الإنتخابات نزيهة وشفافة، فذلك لن يغير في الأمر شيئا. إنك تعلم أنه لو حصل أي حزب أو تحالف على أغلبية مطلقة بالبرلمان المقبل بغرفتيه فإن الحكومة التي ستتكون، ستكون كسابقاتها أي مجموعة من موظفين كبار وبداخلها وزراء سيادة لا ينتمون إلى أي حزب. لنفرض جدلا كذلك عدم وجود وزارات السيادة، فإن هذه الحكومة لن تمارس الحكم لسبب بسيط أنت تعرفه وهو أنه ما لم يتم تعديل دستوري وخاصة المواد 2 و19 و23 و24 و39 و56 و60، فستبقى دار لقمان على حالها وسيبقى القرار الأول والأخير في يد الملك ومحيطه أي سنبقى في النسق المخزني. وهكذا فإن النقاش حول القانون الانتخابي هراء وكلام فارغ.

الاجتماع الثاني

وفيما يتعلق بالاجتماع الثاني والذي تم في منزل السيد الهمة (وهكذا انتقلنا من فضاء محايد إلى فضاء مخزني وهذا التحول له دلالته) والذي حضره كل من السيد مصطفى التراب مدير المكتب الشريف للفوسفاط ومصطفى الباكوري مدير الصندوق الإيداع والتدبير ومحمد معتصم مستشار الملك وفؤاد علي الهمة طبعا، فإني أخبرك أن بعضا ممن حضروا هذا اللقاء لم يشعروا إلا ساعات قليلة قبل هذا اللقاء ولم يكن في علمهم أن له أبعاد سياسية. إني أتساءل وأستعير عبارة استعملتها سابقا ألا وهي ما محلهم من الإعراب في هذا الاجتماع، فالتراب والباكوري هما تقنوقرطيان وليسا بسياسيين، فماذا يعني الجلوس معهما في لقاء تقول عنه أنه لقاء مع مسؤول للدولة. لقد كنتم وفدا سياسيا فكان من الضروري واللازم أن يكون في مقابلكم مسؤولين مفوضين كما كنتم أنتم مفوضين. إن هذا السلوك هو الذي يجسم بما لا يدع مجالا للشك النظام المخزني حيث يختار من يشاء من مجالسيه وفي الوقت والمكان الذي يشاء والمواضيع التي يريد التطرق إليها. قلت في مستهل حوارك أنك توجهت للاجتماع الأول والثاني دون أن تكون لك فكرة عن المحاور التي سيتناولها النقاش وأنه لم يكن هناك جدول أعمال محدد. أهكذا تكون اللقاءات السياسية؟ أهكذا تحضر الاجتماعات؟ ألم يكن حريا بك أن تستشير وتأخذ الحيطة والحذر. ألا تعلم أن من الحزم سوء النية. ” أنا يا صاحي لطول مراسي علمتني الأيام أبلغ درس”

المسكوت عليه

إن ما أثارني كذلك في هذا الحوار هو المسكوت عليه. إنني لم أفهم كيف جالست وزير منتدب للداخلية ولم تثر في مقدمة النقاش وضع حقوق الإنسان والخروقات التي يعرفها المغرب وكذا التعذيب الذي يمارس على المواطنين والاختطافات التي ترتكب في قارعة الطريق وفي واضحة النهار وعلى ما وقع من تعدي بعد أحداث 16 ماي على 2000 معتقل بتهمة الإرهاب والانتماء لما سمي بالسلفية الجهادية والذين عذبوا أشد عذاب وحوكموا في محاكمات غير عادلة. كيف لم تثر مراكز الاعتقال السري المراكز التي وضعت رهن إشارة المخابرات الأمريكية CIA كما تداولتها الصحف الأمريكية والفرنسية وأخرها LE MONDE DIPLOMATIQUE والبرلمان الأروبي. كان ينبغي عليك قبل أي حوار مع فؤاد الهمة أن تطلب منه أن يجعل حدا للاختطافات والتعذيب وخرق القانون واحترام حقوق الإنسان والكف عن قمع حاملي الشهادات المعطلين بجميع فئاتهم من دكاترة ومجازين ومعوقين، من لذن أجهزته الأمنية.

ألم يكن حريا منك وأنت من ورثة فكر ونضال المهدي بنبركة أن تطلب منه لماذا أعاقت أجهزة الدولة البحث في هذا الموضوع وعرقلت التحريات التي يقوم بها القضاء الفرنسي؟ كان عليك ان تستفسره عن من حرض وأطر المظاهرات ضد لوجورنال وما دور رجال السلطة الذين كانوا في موقع المظاهرة يعطون الأوامر. كان عليك أن تطلب منه لماذا لم يقم بتحريات في هذا الموضوع، كما كان عليك ان تسأله لماذا منع ضحايا سنوات الرصاص من ذكر أسماء جلاد يهم ولما لم يتابعوا الجلادون في هذا البلد كاليوسفي قدور، جلادون يصولون ويجولون في ربوع هذا البلد آمنين مطمئنين. كان عليك أن تسأله لماذا مورس العنف ضد النخبة التي أرادت الاحتجاج على اتفاق التبادل الحر بين الحكومة المغربية والولايات المتحدة والتي طالت نخبة من الفنانين والأطباء والحقوقيين والسينمائيين كعيوش وحكيمة حيميش وأمين عبد الحميد وغيرهم حيث انهالت عليهم هراوات رجال الأمن الذين هم تحت إمرة فؤاد الهمة. هذه هي الحداثة المخزنية وإما فلا. هذه هي الأسئلة التي كان على علي الهمة أن يجيب عليها. ألا تعتقد أن سكوتك عن هذه الأسئلة يمكن أن يفسر بأن هاذين اللقائين قد جبا ما قبلهما أي الخروقات التي ارتكبتها الأجهزة التي تحت إمرة مخاطبكم. فإن لم تطرح أنت هذه الأسئلة فمن سيطرحها يا ترى، عباس الفاسي، أحرضان أو اليازغي أو إسماعيل العلوي. من؟ كان عليك أن تطرح في اللقاء الأول هذه الأسئلة وتشترط لإجراء حوارات أخرى أن يجيب عنها وأن يتخذ القرارات اللازمة لوقف الخروقات وغير ذلك من أنواع التعسفات حتى يبرهن على مصداقيته. ألم يكن في تلك اللحظة، التي كنت تخاطب فيها فؤاد الهمة، يدوي في مسمعك أنين وصراخ المعذبين؟

المصيدة ألم يخطر ببالك أنك وقعت في مصيدة؟ ألم تتساءل لماذا استدعي فردان من الوفاء الديمقراطي؟ أتعتقد أن هذا الاختيار كان عفويا؟ ألم يكن ذلك لحاجة في نفس يعقوب؟ ألم يكن الهدف هو خلق شرخ داخل مناضلي الوفاء للديموقراطية وشرخ أخر داخل حزب اليسار الموحد؟. ألا تعتقد أن الهدف كان هو استعمالك أنت وحزبك كورقة ضغط يمكن أن يوطفها المخزن عند الحاجة ضد أحزاب الكتلة والعدالة والتنمية؟. إن المخزن ولا شك يعرف أن حزبكم فتي ونخبوي ليست له قواعد جماهيرية واسعة ولا تنظيمات محكمة. إنك تعلم أنه لو خضتم الانتخابات المقبلة لن تحصلوا على عدد أصابع اليد من المقاعد. ألم يكن من الأجدى أن تتهيئوا لانتخابات 2012 وأن تقتصروا في 2007 على خوض الانتخابات القروية والبلدية في نطاق تحالف مع جمعيات الدكاترة والمجازين المعطلين التي تضم ما يناهز عشرات الآلف من المنخرطين وكلهم واعون سياسيا. جمعيات لها مكاتب في كل قرية ومدينة في المغرب.

ويمكن أن يضاف إلى هذا التحالف ضحايا النجاة (ستون ألف). إن قوتك كانت تكمن في إشعاعك السياسي والفكري ورمزيتك وعدم رضوخك للمخزن ورفض تعاملك بالسرية وبين معارج أصحاب القرار. ما كان يريده المخزن هو أن يجالسك وتجالسه بعيدا عن الأضواء لتصبح كسابقيك من اليساريين الذي أصبحوا روادا في مؤسسات المخزن وأنت تعرف كيف استغلهم المخزن ثم تركهم جانبا. أنسيت أن المخزن يبدأ دائما بمغازلة الأفراد قبل أن يخاطب المنظمات الذين ينتمون إليها. وأذكرك في هذا الصدد بما كتبه محسن عيوش “عندما يريد المخزن أن يحاور فإنه لا يخاطب المؤسسة ولا يطلب منها أن تعيين ممثلا عنها. إنه يتوجه رأسا إلى ممثلي هذه المنظمات فرادى. لأنه عندما تكون وحيدا تكون سهل المنال وتكون كدفيد ضد كولياط.” إن المخزن لا يتجه إلا إلى الذي يعتقد أنه قادر على إقناعه. وأحيلك على المقال الذي نشر في جريدة لوجورنال بتاريخ 7 فبرلير 2004 والذي يصرح فيه المفكر ريمي لوفو “أن الكلمة المفضلة عند المخزن هي التوافق”. كلمة سحرية تعطي الانطباع بأن كل طرف قدم تنازلا، وهكذا يتم تحييد كل صوت مخالف للرأي المهيمن (NEUTRALISER LA DISSIDENCE) .

ألا يعد جلوسك مع المخزن في شخص فؤاد الهمة إعطاء الشرعية لهذا النظام المخزني؟ لقد كانت فئة من الأجيال الصاعدة ترى فيك المناضل الشريف الذي لم يتمكن المخزن من استقطابه. كيف ستواجهها؟ ألم تخيب أمالها؟ أتعتقد أن الحزب الاشتراكي الموحد له القوة الكافية الآن في المشهد السياسي حتى يكون قادرا على التأثير فيه ولو قليلا؟ هل تعتقد أنه بإمكان اليسار الموحد أن يغير المخزن من الداخل؟ إن تجربة الاتحاد الاشتراكي خير دليل على عدم فعل ذلك. إن المخزن آلة تكيف ولا تكيف، تروض ولا تروض. لماذا لم تعقد ندوة صحافية فور انتهاء اللقاءين لتخبر المواطنين بما دار في هاذين الاجتماعين؟ هذا واعلم أن المخزن هو من سرب اللقاء الأول والثاني وذلك بروايته الخاصة. ألا تعتقد أن من بين الأهداف الأساسية والحقيقية والتي سعى إليها فؤاد علي الهمة قد وصل إليها حيث يمكنه أن يقول لقد جالسنا محمد الساسي. وهكذا جند جرائده لإبراز هذا اللقاء فكتب أحدهم: “إن الملكية أخذت المبادرة لاحتواء هذا اليسار المتطرف كما فعل مع المعتقلين السياسيين السابقين كبنزكري وأصدقاؤه”. أما أخر فعنون مقاله:

 L'ETONNANT RETOUR EN GRACE DU PETIT PSU .

إن التحالف الاستراتيجي لن يكون أبدا مع اليسار الاشتراكي الموحد وإنما مع حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية والحركات وغالبا مع العدالة والتنمية.

وأخيرا أيها الرفيق إنك لن تحسب رسالتي هاته أنها دعوة مني إلى السلبية والجمود السياسي أو الفكري. وبمعنى أخر ليست رسالتي دعوة إليك وإلى حزبك أن تتسلحوا فوق الجبال أو تضعوا المتاريس في الشوارع بل إنني بقدر ما أقدر المسؤولية بخصوص الحوار والصراع السياسي مع الخصوم السياسيين والتعاون والالتقاء مع الحلفاء بقدر ما أقدر المنهجية الواضحة والتعامل الشفاف على قواعد ومبادئ متفق عليها لفرض اختيارات حزبكم الكبرى على الدولة وأجهزتها وبالتالي فإن موقفي واضح بكل معنى الوضوح أي أن اتصالكم بممثلي المخزن لا يجب أن يغيب الدفاع بصلابة عن الثوابت التي بني عليها حزبكم من دون تغيير لغة الخطاب ليصبح خطابا للمجاملة والمداهنة.

لست من دعاة التيئيس بل أنا من مناصري الوضوح وهو ما يدفعني إلى مطالبتك أنت ورفقائك في الحزب أن تحددوا نطاق حواركم وأسلوبه وأهدافه حتى لا يختلط علينا وعلى الرأي العام الأهداف من قراراتكم للتواصل مع دولة المخزن.

كما أنني أومن بأنك مناضل نقي تحب الخير لهذا البلد ومؤمن بالأفكار التي كافحنا من أجلها سويا فما يقع بيننا اليوم هو اختلاف في الرؤيا واختلاف في الاجتهاد ولا يمس التقدير بيننا في شيء. إنني أردت من رسالتي هذه فتح حوار صريح لا مجاملة فيه ولا تكلف راجيا أن يشارك في هذا الحوار وهذا الجدل عدد من رفاقنا وإخواننا وأخواتنا كي يغنوه بأفكارهم وحتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. فمعذرة إن كنت فضا قاسيا في الكتابة فهذه الفضاضة هي عنوان على ما اكنه لك من احترام وأخيرا اختم كلامي ببيت للمتنبي تعرف كم أني أردده كثيرا:

.”إذا نظرت أنياب الليث لامعة فلا تظنن أن الليث يبتسم”




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق